لعلك أخي الكريم تستغرب هذا العنوان، إذ كيف نَدَّعي الوحدة الدينية في وطن متعدد الديانات؟!، ولعلك تظن أنني من دعاة وحدة الأديان لا سمح الله، فهذا قول لا أقول به وإنما أقول وحدة الدين لا الأديان، والإشكال هنا في معنى الوحدة الدينية أو وحدة الدين ومرادها، وإنما أعني وحدة أبناء الدين الواحد والملة الواحدة وهذا إن كان تحقيقه بتمامه ضرب من المستحيلات فإن ما أقصده هو تحقيقه على أقل تقدير في الأصول، إذ كيف نرجو أن نصل لما ندعيه منذ سنوات أو ما نحلم به من وحدة الوطن والتسامح والتقريب والحوار والتعايش ونحن عاجزين عن تحقيق ذلك بين أبناء الملة الواحدة فضلا عن أبناء مِلَّتَينِ أو ثلاث، والحق وإن كان واحدا فإن أتباعه كُثُرٌ في طُرُقِهِم مختلفون في شيء فيه لا يقدرون على الإتيان بتمامه، وكذا الأمر في كل شأن، واتخاذ الشك والاتهام والتشنيع والقدح في النيات وسيلة دفاع وردع أمر من أكبر ما يولد العداوات والشحناء بين أبناء الملة الواحدة على اختلاف اتجاهاتهم وأفكارهم، والانتصار للنفس والعظماء المُتَّبعين، والتعرض لهم من أعظم ما يذكي الخلاف والشقاق، لذا كان من الواجب على أبناء الملة الواحدة أن يبحثوا عن الأصول والقواعد التي توحدهم وتجمع شملهم وتقربهم قُربَ إخاءٍ يمكنهم من مناقشة مواضع اختلافهم بغير شحناء أو تباغض، ويمكنهم من البقاء جنبا إلى جنب وإن بقيت اختلافاتهم مادام ما يجمعهم ويوحدهم أكبر وأعظم مما يُفَرَّقُ بينهم، وهذا هو السبيل الأوحد الذي يتمكن الذي يمكن به جمع أبناء الملة الواحدة على هدف نبيل كهدف التعايش بينهم وبين أبناء ملة أخرى يشاركونهم نفس الوطن، لذا فإننا نبارك مساعي الأزهر وفضيلة الإمام الأكبر للم شمل الأمة من خلال لقاءاته بإخوانه من رموز الدعوة الإسلامية لأن هذا هو السبيل الأمثل لتحقيق توجه فكري موحد حيال القضايا التي تعصف بالأمة من حق الدين وحرمته ومكانته وحقوق أهل الذمة وحق الوطن وحقوق المسلمين على بعضهم، ولذا كانت الدعوة إلى مثل ذلك بين نصارى مصر ضرورية إذا كانت قياداتهم ترغب حقا في وطن ينعم بالأمن والأمان والتعايش والسلام و التسامح، وعلى الطرفين تقويم وتنبيه المنقادين وراء الدعاوى المقيتة للعنف وعليهم نبذ الأفراد الذين يؤججون النار داخل كل أُمَّةٍ وبين الأمَّتَين وإزاحة كل من يعترض طريق الإصلاح والاستقرار والتعايش لهذا الوطن سواء لحساب أطراف خارجية أو لمحض غطرسة واستقواء وخبث مهما كان مركزه ومكانته وأهميته المزعومة، أما أن نجلس على موائد الوحدة الوطنية والصلح والإخاء وكلُّ جالسٍ فيها مختلفٌ مع أبناء ملَّتِه ولا يستطيع التفاهم معهم ولا احتوائهم فهذا مما لا يقبله عاقل أو يقول بنفعه خبير بأنفس الناس وطبائعهم واختلافهم، فإنه سيأتي من أبناء ملة هؤلاء الذين يظنون أنفسهم مصلحين فيفسد ما أصلحوه مادام أبناء الملة الواحدة على غير اتفاق أو التزام بمنهج قويم، ولنعلم أن التعايش والتسامح والسلام لا يكون بين القيادات ولا الزعماء ولا المعظمين ولا يُولَّدُ بالتقائهم ولا بكلمةٍ منهم بل تتحقق هذه المُثُلُ العليا بزرعها في أنفس عوام الناس أجمعين، فهذا الذي ينبغي علينا السعي إليه حقيقة حتى نرى وطننا آمنا ينعم ساكنوه بكل خير وسلام.