تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: نصيحة للسلفيين

  1. #1

    افتراضي نصيحة للسلفيين

    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،أما بعد، فهذه نصيحة إلى إخواني السلفيين وإنني أشهد الله أني أحبكم في الله وأنني على يقين أن منهجكم من حيث تعريفه ومعناه ومقتضاه هو المنهج الحق الذي ينبغي على كل مسلم أن يلقى ربه به، ولكنه منهج كأي منهج من حيث التزام أتباعه والمنتمين إليه به على الحقيقة، فمنهم من هو ملتزم به حقا ومنهم من هو ملتزم ببعضه ومنهم من هو ملتزم بما يوافق هواه منه، فشتان بين حقيقة المنهج ومن حقيقة من ينتسبون إليه، ولا يخفى عليكم أن أهل الحق في كل زمان قليل من قليل من قليل، فلا يُستَغرَبُ أن نجد منتسب إلى السلفية لا يحمل منها إلا الاسم والوسم، وما هو بالسلفي حقيقة، كما لا يُستَغرَبُ أن نجد سلفيا حقيقيا ثم هو يَزِلُّ في أمر من أمور الدين أو الدنيا فإنما العصمة لله ولرسوله، وإنني لما رأيت ما أنتم عليه وما يؤخذ عليكم في هذه الأيام أردت إسداء النصح لكم اتباعا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"، ولعلني أكون مخطيء في بعض ما أذهب إليه وحينها أمتثل قول الله تعالى {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]، فأسأل الله التوفيق والعون والسداد في هذه النصيحة وأن يشرح لها صدوركم إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    ونصيحتي إليكم عامة وخاصة فالعامة متعلقة بالمنهج ذاته والخاصة متعلقة بأمور وصور وحالات حادثة تتفاعلون معها بحرصكم وحبكم لهذا الدين واجتهادكم وحَمِيَّتكم…

    فالنصيحة العامة متعلقة بإنكار المنكر وإحقاق الحق والمطالبة به، وتلك أمور لا يخفى عليكم ما نحتاجه من فقه فيما يتعلق بها من حساب للمصلحة والمفسدة على الدعوة خاصة وعلى الأمة عامة، فأما ما يتعلق بمصلحة الدعوة خاصة فإنها لما كانت الدعوة بَعْدُ في مقتبل عمرها في مِصرِنا وبَعدُ لم تتمكن في قلوب الناس ولم يفهموا حقيقتها بل لم يعرفها البعض أصلا، فإن اعتماد أسلوب التصادم والإذهال والمواجهة والتعريف القسري بها -لا شك أنه- يأتي بنتائج عكسية، ولست أرى فرقا بين وضعنا الحالي ووضعنا إبان النظام البائد ففي كلا الحالين لم تعرفنا عموم الأمة كما ينبغي أن يعرفونا وكنّا قديما نتجنب الاصطدام بالنظام حرصا على الدعوة والداعيين من بطش النظام الذي قد يؤخّر عجلة الدعوة، فعلينا اليوم أن نجتنب الاصطدام بالأمة حرصا على الدعوة من أن ينفر العامة منها، ولنعلم أن المفسدة في الحالة الثانية أكبر بكثير من الحالة الأولى لأنها مفسدة متعدية وبصورة أكبر فالأولى تؤخّر عجلة الدعوة والثانية قد تشلها تماما إذا استمرت بهذه الصورة غير القويمة، وأذكر هنا ما قاله شيوخ الدعوة لما أُنكِرَ عليهم ما عدَّه البعض تراخي وتباطؤ في الانضمام وتأييد الثورة فقالوا أن طريقة الحيطة والحذر وحساب المصالح والمفاسد وتجنب الصدام المباشر هي التي أبقت –بفضل الله تعالى- على هذه الدعوة وسلَّمتها من المحن والفتن لأنها دعوة تربية وتعليم وتغيير متدرج جزئي ثم كلي لا تغيير جذري مفاجيء، فكذا الأمر بعد الثورة، ولا يخفى على عاقل أن مجتمعنا وأمتنا في عمومها وإن كانت تحب الدين فإنها تخشى تطبيقه ما بين خشية منه نفسه لتصور خاطيء لديهم وخشية من كيفية تطبيقه وخشية ممن سيطبقه، ولنعلم أن التدرج سنة الحياة ولا ننكر أن ثمَّة رهبة من السلفيين لدى قطاع عريض من الأمة ما بين أعداء الدين والسامعين لهم المحبين لهذا الدين ومحبي الدين الذين يرون منهجكم خاطيء، فإن نحن علمنا هذا أيقنا أن سعينا لتغيير واقع هذه الأمة إلى واقع أفضل وتقريبها من المنهج القويم لا يتسنى إلا بالعمل على نزع تلك الرهبة من قلوب الناس وأن نصل إليهم كما اعتدنا الوصول إليهم بلا تصادم امتثالا لقوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، فقدم الله جل وعلى الحكمة على الموعظة الحسنة، فالوعظ والدعوة إلى لحق إذا افتقرت إلى الحكمة كانت بلاءً على الحق، وقوله تعالى {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، وألا نخرج عن مبدأنا في أن التغيير الحقيقي والثابت يكون من القاعدة لا من القمة، كما تقول الحكمة الانجليزية التي لخصت هذا الأسلوب الذي كان عليه الحكماء في كل زمان "slowly but sure"، أي "ببطء لكن بتَمَكُّنْ"، فها نحن رأينا التغيير من القمة فماذا تغير في القاعدة حقيقة؟، لا شيء تقريبا، وهذا ليس تشنيعا أو إنكارا للمصالح التي أتت بها الثورة لكنه إنكار أن يكون هذا هو الأسلوب الأمثل والصحيح للتغيير الحقيقي، هذا فيما يخص مصلحة الدعوة، أما مصلحة الأمة، فإن اندفاعنا وراء كل شائعة فرادى وجماعات أو حتى وراء حقيقة في مجتمع لا يزال بعيدا عن حقيقة الدين أصولا وفروعا لهو أشبه بتوجيه طعنات متفرقة إلى جسد الأمة، ولنعلم أن للسلفيين أقوام محبين لهم غير منتمين إليهم وأن هناك من المنتمين إليهم من يفتقر إلى العلم والفقه، فيندفع أولائك باندفاعهم أو بكلمة من أحدهم على غير هدى وفقه فيُحدِثُون القلاقل بين المسلمين ويفرقون بينهم بل وتنشأ عداوات تضر بصالح هذه الأمة، فأتباع هذا المنهج يهاجمون أتباع ذاك المنهج ويقدحون في علماء أولائك وتشحذ الأقلام وتشحن النفوس وتتفرق الكلمة ويضعف الصف ولو ترك الأمر لأهله وكبرائه من العلماء والفقهاء لانتهى، والمستفيد من وراء ذلك كله أعداء الأمة وأعداء الدين، ولا شك أننا في مرحلة نحتاج معها إلى لم الشمل وتوحيد الصف وليس معنى هذا أن نتنازل عن قضايانا الأساسية أو نتخاذل عنها ولكن نتعامل معها بغير اندفاع وأن نراعي الراجح من حيث المصلحة والمفسدة على لدعوة خاصة والأمة عامة.

    وأما النصيحة الخاصة، فإنه مما ينبغي التنبه له أن الوقفات والتظاهرات ليست الوسيلة المثلى لإنكار المنكر أو تغييره وعلينا ألا نقلد في هذا غيرنا ممن لا وزن للمصلحة والمفسدة عندهم خاصة وأننا لسنا مثلهم –كما ذكرت-، وينبغي ألا نفتتن ببعض ما حققوه من مكاسب بتلك الوسيلة فالنتائج الجيدة لا تعني بالضرورة أن وسائلها أو معطياتها جيدة كما أن الحكم على النتائج بالجودة أمر يُختَلَفُ فيه بحسب الناظر فيها وحاله، والجودة تختلف من شخص لآخر وإنما قياسها الثابت على ما جاء في الكتاب والسنة، والخلاصة أننا مستهدفون كما أننا غرباء على الكثيرين من أبناء الأمة وبعض مطالبنا تتصادم مع أولوياتهم، فحبذا لو ترك الأمر لأهله وحبذا لو كان الإنكار كما تعلمناه من السلف الصالح، يقوم به العلماء في تلك الأمور الحساسة لا العامة، فينصحون ويوضحون ويدللون على الصواب والمصلحة، لا بغوغائية وعلو صوت وهتافات لا تسمن ولا تغني من جوع، فحبذا لو شكلت لجنة من العلماء المناصرين لأي قضية تثار سواء كانوا سلفيين أو غير سلفيين فتتحدث هذه اللجنة إلى المختصين في الأمر.
    فقضية النقاب مثلا يكون الحديث فيها إلى دار الإفتاء والمفتي وشيخ الأزهر والأزاهرة بالحسنى لا بتبادل الاتهامات ولا بطلب إقالة المفتي، فلا يعقل أن نطالب بإقالة المفتي أو نطالبه بالتنحي لأجل فتوى أو حتى عدة فتاوى أفتى بهامخالفا لنا أو للسنة، لأن رجل الشارع لا يفقه مثل هذا، بل عنده أن المفتي هو أعلم المسلمين وأجدرهم بالفتيا في هذا القطر، ولا يتصور أن تطالب بإقالته لمجرد فتوى هو مقتنع أنها على صوا بوأننا متشددون متحاملون عليه، فلا ينبغي أبدا أن نخسر الأزهر وأهله وشيخه ومفتي الديار وأن ننصابهم العداء والاتهامات، هذا كله مفسدة عظيمة علينا وعلى المسلمين كافة لا يعلم مداها إلا الله، وهذا مما ينبغي التنبه إليه في الإنكار على المعظمين ومتبعيهم، ولا أشك في أن مثل هذه اللقاءات لو جُنِّبًتْ الانتصار للنفس أو المذهب أو الرأي ولو حُكِّمَ فيها الدين والعقل وارتوت من نور الإخلاص، لا شك أنها ستثمر خيرا وتفاهما ووحدة تعم الأمة وأسأل الله أن يابرك لقاء شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والشيخ محمد حسان إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    وكذا قضية المسلمين الجدد، فإنها بلا شك قضية مهمة ينبغي التنبيه إليها وتعريف الدولة بها، وحبذا لو تحدث فيه العلماء إلى المجلس العسكري والأزهر وحتى الكنيسة لاتخاذ اللازم حتى لا تشتعل فتنة بين المسلمين والنصارى، والإخوة ولله الحمد لم يقصروا في التحدث عن هذه القضية والتعريف بها سواء حالة كامليا شحاتة أو غيرها وإن كانت حالة كامليا شحاتة قد اخذت حيزا أكبر من غيرها لأنها تتعلق بزوجة راهب، أما أن يقوم البعض بمحاصرة الكاتدرائية فما ذنب عوام النصارى ومن لا يد لهم في الأمر أن يرَهَّبوا أو أن يبدوا لهم الأمر وكأنه حرب بين المسلمين والنصارى كافة، وحتى لو تَجَوَّزنا في شأن المظاهرات والاعتصامات من باب أنه لا مظنة للمفسدة بها فإنها لو كانت أمام المجلس العسكري أو الأزهر لكانت أهون إذ تكون بمثابة تنبيه لأولي الأمر لاتخاذ اجراء حيال هذا الأمر أما أن تحاصر الكاتدرائية فلا شك أن في هذا مفسدة قد تتعدى السلفيين ومتعصبي النصارى إلى عامة المسلمين والنصارى، كما أن مثل هذه التظاهرة بمثابة وضع البنزين بجانب النار، فلو أن أحدهم اندس للوقيعة بين الفئتين لسَهُلَ عليه ذلك ولو قام أحد الجهلاء أو المتحمسين من الطرفين بالتعدي على الطرف الآخر لعمت الفتنة وعم الفساد ولأزهقت أرواح بغير حق كما حدث في كنيسة إمبابة، وكذا من دعى إلى الزحف إلى الأديرة والكنائس لإخراج المسلمين الجدد منها، فإن ثمة أمور ظنية وأمور يقينية ، وهذا الفعل وإن كان في أمر يقيني لا يجوز لأن فيه تعدي على حق ولي الأمر وعدم التزام بمنهج السلف الصالح في انكار المنكرات التي قد تَجُرُّ إلى فتنة وخاصة التغيير باليد الذي يقتصر في حالات ومنها هذه الحالة على ولي الأمر، كما لا يخفى ما قد يعقب هذا من اشعال الفتنة بين المسلمين وأهل ذمتهم فما بالك لو كان بعض تلك الدعاوى ظنية لا يقينية أو من باب القيل والقال، فينبغي علينا التريث والهدوء وسلوك المسالك الشرعية لتحقيق أهدافنا بحيث نتحصل عليها ولا نخسر شعبيتنا في الشارع، وما ضاع حق وراءه مطالب، فما ينبغي علينا معرفته وتحريه هو فقه المطالبة.

    ونصيحة أخيرة، أن تتثبتوا مما تتلقون من الأخبار وألا تناقَلوه إلا إذا تحققتم من صدقه خاصة تلك الأخبار التي قد تحدث بلبلة وفتنة ونحن في عصر افتقد فيه الإعلام والصحافة مصداقيتهما وهيبتهما ووظيفتهما وأصبحت وسائل لنشر الشائعات والتكسب من وراء الأحداث وإحداث الفتن والقلاقل ونصب العداء للمخالفين والتشنيع عليهم، فتريثوا وتثبتوا وحتى إن تثبَّتُّم فتذكروا ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ"، ولا تقدموا على شيء حتى تراجعوا أهل العلم، واعلموا أنهم أقدر منكم على حساب المصالح وأخبر منكم بسبل التعامل مع المشكلات، واعلموا أن هناك من يتربص بكم خاصة وبالمسلمين عامة فلا تكونوا أداة في أيديهم ولا تكونوا عونا لهم على دينكم من حيث لا تعلمون، فإن لهم سبلا ملتوية يحاولون بها الوقيعة بين أبناء الطائفة الواحدة وبين الطوائف المختلفة حتى لا تجتمع الكلمة وحتى تبقى هذه الأمة مشتتة لا تقوى على نصرة نفسها ودين ربها، ولا عجب إن عجز السلفيون عن توحيد كلمتهم أن تعجز طوائف المسلمين عن لم الشمل، وأن تعجز عموم الأمة في الأقطار المختلفة أن تتوحد ضد أعدائها من اليهود، فسددوا وقاربوا وكونوا عباد الله إخوانا.

  2. #2

    افتراضي رد: نصيحة للسلفيين

    جزيت خيرا على هذه النصيحة.

  3. #3

    افتراضي رد: نصيحة للسلفيين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة البراء الريماني مشاهدة المشاركة
    جزيت خيرا على هذه النصيحة.
    جزانا وإياكم أخي الحبيب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •