أساس النصرة التي تفرح بها الأمة الإسلامية

أبو أويس رشيد الإدريسي


قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ}الم ئدة82.
فأعداء الأمة الإسلامية أهل غدر وخيانة، ونقض للمواثيق، لا ينفع معهم إلا الإعداد المعنوي والمادي، وتوحيد الراية تحت راية التوحيد المتين، وسنة النبي الأمين عليه الصلاة والسلام، والاهتداء بسيرة السلف الصالحين، ثم الجهاد في سبيل رب العالمين، فيومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، فالعاقبة للمتقين.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "أوجب الله الجهاد لإعلاء كلمته، وإظهار دينه، واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس.
وتخليص الأسارى واجب على جماعة المسلمين، إما بالقتال وإما بالأموال، وذلك أوجب لكونها دون النفوس، إذ هي أصون منها، وقال مالك: يجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم وهذا لا خلاف فيه" الجامع لأحكام القرآن5/279.
فإن كان هذا موقف علماء الإسلام دون خلاف في الأسير، فكيف حال القتيل، والمعذب، والمشرد، والمنتهك العرض، والمغصوب الأرض، كما هو حال إخواننا المسلمين في فلسطين عموما والله المستعان؟!
قال العلامة الألباني رحمه الله: "اعلم أن الجهاد على قسمين:
الأول: فرض عين، وهو صدُّ العدو المهاجم لبعض بلاد المسلمين، كاليهود الآن الذين احتلوا فلسطين: فالمسلمون جميعا آثمون حتى يخرجوهم منها.." العقيدة الطحاوية شرح وتعليق 82-83.
وكلام الشيخ هذا هو على سبيل النوع والعموم كما وضحه في بعض أشرطته رحمه الله، أما الأعيان فكل بحسبه وقدرته ومكانته ذلك أن تحقق الجهاد في سبيل الله تعالى يحتاج إلى توفر الشروط وزوال الموانع 1، كما حصل في الزمن الأول لما كان الصحابة رضوان الله عليهم يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال، لكن الله تعالى قال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ}ال ساء77.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورون بالصلاة والزكاة.. والصبر إلى حين وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبا لأسباب كثيرة.." التفسير1/538.
إذن كان المسلمون يتشوقون للجهاد ويتمنونه، ولكن لم تكن المصالح وقتئذ أكبر من المفاسد وأعظم، لعدم تحقق الشروط وزوال الموانع، بل كان العكس ولذلك لم يؤذن لهم به وهذه هي العلة الصحيحة التي يجب أن يقاس عليها في كل زمان ومكان.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" إنه تعالى نهى المؤمنين في مكة عن الانتصار باليد، وأمرهم بالعفو والصفح، لئلا يكون انتصارهم ذريعة إلى وقوع ما هو أعظم مفسدة من مفسدة الإغضاء، واحتمال الضيم، ومصلحة حفظ نفوسهم، ودينهم، وذريتهم، راجحة على مصلحة الانتصار والمقابلة" إعلام الموقعين 2\150.
وليعلم أن أهم تلكم الشروط بل هو الأصل والأساس لتحقق ذروة سنام الإسلام وسياحة أمة خير الأنام وهو ممكن في كل حال 2: الإعداد المعنوي القائم على إصلاح أحوال المسلمين عقيدة وعبادة وأخلاقا 3، كما قال عليه الصلاة والسلام: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم" الصحيحة.
قال العلامة ابن ناصر السعدي رحمه الله: "الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صلاح المسلمين وإصلاحهم في عقائدهم وأخلاقهم وآدابهم.. وهذا النوع هو أصل الجهاد وقوامه، وعليه يتأسس النوع الثاني، وهو جهاد يقصد به دفع المعتدين على الإسلام والمسلمين.." جهاد الأعداء 9.
ولذلك الله تعالى بين في كتابه للصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم أساس العلاج لمشكلة ضعفهم عن مقاومة الأعداء، وأنه بصدق التوجه إليه سبحانه، وقوة الإيمان به، والتوكل عليه.
فلما ضرب الكفار على المسلمين ذلك الحصار العسكري في غزوة الأحزاب المذكور في قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} ، قابل أهل الإسلام هذا الأمر العظيم بما ذكرناه كما في سورة الأحزاب: {وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}.
هذا مع شدة هذا الحصار العسكري وقوة أثره في المسلمين، إضافة على أن جميع أهل الأرض في ذلك الوقت مقاطعوهم سياسيا واقتصاداً..
وقد صرح الله بنتيجة ذلك العلاج بقوله تعالى: {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} الأحزاب.
وقد نصرهم الله على عدوهم بما لم يكونوا يحسبون أنهم ينصرون به وهو الملائكة والريح قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} الأحزاب.
فالنصر والتأييد الكامل، إنَّما هو لأهل الإيْمان الكامل، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}.
فمن نقص إيْمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد، وبِهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} ويجيب عنه كثير منهم بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلاً فِي الآخرة، ويجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلاً فِي الحجة.
والتحقيق: أنَّ انتفاء السبيل هو عن أهل الإيْمان الكامل، فإذا ضعف الإيْمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيْمانِهم، فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بِمَا تركوا من طاعة الله تعالى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:" وأما الغلبة فإن الله تعالى قد يديل الكافرين على المؤمنين تارة، كما يديل المؤمنين على الكافرين، كما كان يكون لأصحاب النَّبي عليه الصلاة والسلام مع عدوهم، لكن العاقبة للمتقين فإن الله يقول: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾. وإذا كان في المسلمين ضعفٌ، وكان عدوهم مستظهرًا عليهم كان ذلك بسبب ذنوبِهم وخطاياهم؛ إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنًا وظاهرًا، وإما لعدوانِهم بتعدي الحدود باطنًا وظاهرًا، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾.
وقال تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ " مجموع الفتاوي 11\645.
فأين هو الإيمان الكامل، وأين هي التقوى الحقيقية، وأين هو الصبر الجميل ..وأين هي الأعمال التي ينصرنا الله بها؟!
قال الإمام القرطبي رحمه الله في معرض الكلام عما أفاده قوله تعالى: {كم من فئة قليلة} الآية من التحريض على القتال والاستشعار للصبر والاقتداء بمن صدق ربه:" هكذا يجب علينا نحن أن نفعل؟ لكن الأعمال القبيحة والنيات الفاسدة منعت من ذلك حتى ينكسر العدد الكبير منا قدام اليسير من العدو، كما شاهدناه غير مرة وذلك بما كسبت أيدينا!
وفي البخاري: وقال أبو الدرداء: إنما تقاتلون بأعمالكم.. فالأعمال فاسدة والضعفاء مهملون والصبر قليل والاعتماد ضعيف والتقوى زائلة! قال الله تعالى: {اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله} وقال: {وعلى الله فتوكلوا} وقال: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} وقال: {ولينصرن الله من ينصره} وقال: {إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}.
فهذه أسباب النصر وشروطه وهي معدومة عندنا غير موجودة فينا فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا! بل لم يبق من الإسلام إلا ذكره ولا من الدين إلا رسمه لظهور الفساد ولكثرة الطغيان وقلة الرشاد حتى استولى العدو شرقا وغربا برا وبحرا، وعمت الفتن وعظمت المحن، ولا عاصم إلا من رحم!" الجامع لأحكام القرآن 3/239.
وإذا كان هذا هو الحال على زمن الإمام القرطبي، فكيف بزماننا نحن؟! فاللهم رحماك.
.............................. .................... ..............................
1 . مع اعتماد فتوى خواص أهل العلم كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في معرض الحديث عن الجهاد:" وفي الجملة فالبحث في هذه الدقائق من وظيفة خواص أهل العلم " منهاج السنة 4\504.
2. قال العلامة السعدي رحمه الله:" دل القرآن في عدة آيات أن من ترك ما ينفعه مع الإمكان ابتلي بالاشتغال بما يضره وحرم الأمر الأول " القواعد الحسان \ ملحق بتيسير الكريم الرحمن 5\548.
3. ولذلك كانت العقوبة من الله تعالى على مخالفة شرعه مقصودة لأمر الجهاد في سبيل الله، بل جردت سيوف هذا الأخير لأجل توحيد الإله.
قال ابن تيمية رحمه الله: "فالعقوبة على ترك الواجبات وفعل الْمُحرمات هي مقصود الجهاد فِي سبيل الله" مجموع الفتاوي 28\308.
وقال ابن القيم رحمه الله:"لأجله -أي التوحيد- جردت سيوف الجهاد" زاد المعاد 1\34.

أبو أويس الإدريسي عامله الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي.