تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: ملاحظات متنوعة في العقيدة ، بحث لأحد طلاب العلم "عبد الله الجيلاني"

  1. #1

    Post ملاحظات متنوعة في العقيدة ، بحث لأحد طلاب العلم "عبد الله الجيلاني"

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    كنت قد نشرت سابقا بحث لهذا الاخ " عبدالله الجيلاني" على هذا الرابط

    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=92099 باسم جوازالتقليد في الاعتقاد

    وهذا بحث جديد قام به الاخ وسماه ملاحظات

    ______________________________ ____________________ _______

    ملاحظات
    تفرق الناس في كيفية معاملة العبد مع ربه إلى ثلاثةاتجاهات:
    الأول: وهو اتجاه المعطلة الجفاة كالخوارج والجهمية والمعتزلةوالمرجئة ومن نحا نحوهم من يهود القبلة المتشبهين باليهود الأمة المغضوب عليها،يتوهم هؤلاء أن معاملة العبد مع ربه تكون في تقديس أوضاع وأحكام ينسبونها للشريعةوخاصة الأعمال الظاهرة منها بفهمهم الخاص أو فهم كبرائهم وسادتهم لها بغض النظر عنالأعمال القلبية التي لابد لها أن تصحب الأعمال الظاهرة، ولذا يكثر في أمثال هؤلاءقسوة القلب والركون إلى الشهوات وعدم الإخلاص وصدق التوجه إلى الله سبحانه والتعلقبغيره خوفا ورجاء وثقة وما إلى ذلك، وهؤلاء يصدق عليهم أنهم قطاع الطريق إلى اللهسبحانه.
    والاتجاه الآخر: وهو اتجاه المثبتة الغلاة كالصوفية ومن نحا نحوهم مننصارى القبلة المتشبهين بالنصارى الأمة الضالة، حيث يعتقد هؤلاء أن معاملة العبد معربه تكون بتهييج المشاعر والعواطف وعدم أو قلة التقيد بالشريعة، فيؤكدون علىالأعمال القلبية التي تثمر لهم - كما يزعمون- علاقة خاصة بالله وهي وساوس وخواطرنفوسهم أو شياطينهم لا غير، فيجعلون من تلكم الوساوس التي يفتعلونها أو تعرض لهممنهجا في حياتهم إما في فهم معين للشريعة أو الانفلات منها، ولذا يكثر في أمثالهؤلاء قوة العواطف والمشاعر والشطحات والمبالغات والتجاوزات وضعف القلب والركون إلىالخرافات والهواجس وعدم تقدير الله حق قدره والافتراء عليه.
    ويجتمع هؤلاء معالأوائل أنهم يعبدون أهواءهم ولا يعبدون الله، فالأوائل اتخذوا من شهواتهم الدنيئةالأرضية وعاداتهم السيئة إلها يعبد من دون الله، واتخذ الأواخر هواجسهم ووساوسهمإلها يعبد من دون الله، فالكل يعبد الله على مراده لا على مراد اللهمنه.
    الاتجاه الثالث: هم المنعم عليهم أتباع القرآن والسنة وجماعة الصحابة،يجمعون بين الأعمال الظاهرة والباطنة، حيث يثبتون معاملة العبد مع ربه باتباعشريعته المنزلة في أعمال القلب والجوارح، فهم لا يهيجون عواطفهم ومشاعرهم فيالدعاوي العريضة ويزعمون أن ذلك من أعمال القلوب، ولا يعملون بالأعمال الظاهرةاتباعا للأهواء وتقليدا لأفهام الكبراء والسادات وجمودا عليها، بل حققوا كلمةالتوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فأخلصوا دينهم لله على مراده لا علىمرادهم وجردوا اتباعهم للوحي المنزل على رسول الله تصديقا وطاعة واتباعا، فهميعتقدون أن حب الله لا يكون إلا باتباع وحيه المنزل على رسوله والجهاد في سبيلهوعدم المبالاة بالمخالفين أيا كانوا كما قال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونييحببكم الله) ، وقال: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزةعلى الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم )، فهذا هو الحبالشرعي لا الحب البدعي الذي يتغنى به الأدعياء والغلاة المثبتة.
    فمشاعر وعواطفأهل القرآن والسنة والجماعة مقيدة بالوحي بخلاف غيرهم، فهم يحبون لله ويبغضون لله،فمن اتبع شريعة الإسلام بالفهم الصحيح أحبوه ووالوه متى كان وأينما كان وكيفما كان،ومن خالف أبغضوه وعادوه متى كان وأينما كان وكيفما كان، كما قال: (أشداء على الكفاررحماء بينهم) وقال: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين).
    ومظاهرهم مقيدةبالوحي أيضا تعظيما له وتبجيلا كتابا وسنة ومنهجا معصوما في فهمهما، لا يبالون بمنناوأهم وعارضهم وخالفهم كائنا من كان، فهم أسلموا وجوههم لله رب العالمين وتبرؤوامن كل ما سواه ظاهرا وباطنا، وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم التي بعث الله خاتمالنبيين لتجدديها وإرساء قواعدها بمعالم واضحة بينة لا يزيغ عنها إلاهالك.
    وبناء على ما تقدم، يظهر أن السمة الغالبة على دعاة ومشايخ العصر هماالاتجاهان الأولان، فإما أن يكون بعضهم مدعيا للعلم والفتوى غاويا منحرفا في قصدهمتبعا لهواه لا يريد الله ورسوله معتقدا أن الدين الصحيح هو ما كان على فهمه أو فهمكبرائه وساداته وهؤلاء أشكال وأنواع، وإما أن يكون بعضهم مدعيا للدعوة والتربيةوالإصلاح ضالا في منهجه جل همه استثارة العواطف والدموع وتهييج المشاعر، ويعتقد أنالدين الصحيح هو ما كان على هذه الصفة، وهؤلاء أشكال وأنواع.
    والإيمان ليسمعلومات فقط تكدس في الجماجم وليس عواطف فقط تدعو إلى إسالة الدموع والنوح والشطحوالمبالغة والتكلف والغلو، بل هو عقيدة مبناها العلم النافع المأخوذ من وحي الكتابوالسنة والعمل بمقتضاه ظاهرا وباطنا والدعوة إليه والصبر على ذلك حتى لقاء الله،ليس غير هذا ...
    والكثير ممن يتصدى للدعوة أو التربية في عصرنا يحث أتباعهوالناس عموما على أن لا يشتغلوا بالباطل سماعا ورؤية وردا، وعليهم أن يقبلوا علىالحق أي القرآن والعبادة والذكر ونحو ذلك، وهذا الكلام المزخرف جيد في ظاهره تقبلهالنفوس وتسوغه، لكن حقيقته أنه مدمر لملة إبراهيم تدميرا خبيثا.
    وهذا الكلاممؤداه ولازمه ما عليه الصوفية الذين يعزفون عن كل ما يشغل عن الله في زعمهم، فتركواملذات الدنيا تشبها بالضالين النصارى والبراهمة والبوذية، بل تركوا العلم الشرعياعتقادا منهم أنه يقسي القلب ويحجبه عن ربه، بل قال بعض حذاقهم ويعني ما يقول: "القرآن كتاب شرك" يريد بذلك أن القرآن يفرق فرقانا واضحا بين التوحيد العلميوالتوحيد العملي، وبين مقام الربوبية ومقام العبودية، وبين المسلمين والمشركين،وبين المؤمنين واليهود والنصارى، وبين الحق والباطل، وبين الحلال والحرام، وما إلىذلك. أما كلامهم فيستغرق في التوحيد العلمي أعني توحيد الربوبية والأسماء والصفات،حتى يصلون إلى توحيد الشهود بأن كل حدث في الكون هو من أفعاله وإرادته فيحتجونبالقدر معارضين الشرع بذلك أو يتردون في توحيد الوجود بأن يروا كل المخلوقات هيمظهر من مظاهر ذاته وصفاته أو هي عينه وذاته، فلا يفرقون بعد ذلك بين محبوبات اللهومكروهاته في الأشياء والأشخاص. ولذا فكلا التوحيدين يدمران ملة إبراهيم وينسفانهانسفا، فملة إبراهيم ومن معه من المرسلين مبنية على الفرقان بين الله وغيره، مبنيةعلى تولي الله ومعاداة كل مألوه سواه، مبنية على الفرقان بين مراضي الله ومساخطه،وبين محبوباته ومكروهاته في الأشياء والأشخاص، مبنية على اتباع شرعه وأمره وعدممعارضة ذلك بالقدر والإرادة الكونية.
    ولذا من فساد توحيد أولئك المنحرفين أنهميكتفون في أفضل الذكر "لا إله إلا الله" باللفظ المفرد "الله"، لأن النفي ليس منعقيدتهم ولا يقيمون له وزنا أو اعتبارا، بل يعتقد بعضهم أن ذكر شيء مع الله ولوبالنفي شرك وتنديد.
    ولذا تجد أيضا عند هؤلاء ضعفا في ولائهم وبرائهم ويقعون فيأنواع من الشرك بإثبات حقوق الله لغيره إما لأنفسهم أو للأنبياء أو الأولياء أوغيرهم، وتجدهم يسعون في موالاة أعداء الله وإعانتهم والرضا بهم وبمخالطتهم،والتاريخ خير شاهد على هذا.
    وهذه الأعمال نتاج بديهي لتلك العقيدة الفاسدة، وقدوجدها أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين كاللائكيين والديمقراطيين والوطنيينوالقوميين ممن ينددون بالله أفضل عقيدة وملة في هذا العصر يجب فهم الإسلام علىضوئها ومنهاجها، فهم ينفقون أموالهم ويكرسون جهودهم لنشر هذه الملة الفاسدةبتعظيمها والحديث عنها وعن أصحابها وأربابها بالتبجيل والتكريم والحفاوة وتشجيعالدعاة والمربين عليها، لأنها من جنس معتقداتهم ومذاهبهم وخادمةلمصالحهم.
    وللأسف سقط كثير من دعاة عصرنا في هذه الهوة، وجعلوا من حيث لا يشعرونيدعون الناس إلى الإسلام بفهم ومنهج هذه الملة الفاسدة القبيحة، مستقلين في ذلكومستكثرين، بدعوى "التربية" أو "التزكية" أو "إرجاع الناس إلى الله" وغيرها منالشعارات البراقة الزائفة.
    ومن الملاحظات الظاهرة على هذه الدعوات أنها تقومعلى تغرير الناس بنصوص الوعد وإهمال نصوص الوعيد، وذكر القصص الغريبة والمستحيلةوالتي لا يثبت غالبها لإثارة عواطف الناس وإسالة لدموعهم، وقد يبنى عليها منهجا فيالعبادة والسلوك وتكون تلكم القصص مصادمة للشريعة في أصولها.
    والمهم في كلامناهذا أنهم أيضا لا يعتنون بالرد على الباطل وأهله وكشف عواره وزيفه بل وينهون الناسوأتباعهم عن ذلك، بدعوى أن ذلك يشوش القلب أو يكون سببا في تنفير الناس أو يجلبالأذى والعوائق التي تعيق عن الدعوة ونحو ذلك.
    وهذا المنهج هو عين منهج الصوفيةوملتهم، لا يريدون إلا الاشتغال بالله ذكرا وعبادة وتقربا ويهملون الباطل وأهله ولايتكلفون الرد عليه ومواجهته، ولا ريب أنه منهج فيه استرواح للنفوس وعيش لها حيث لامجابهة للباطل وأهله ولا مواجهة مع الجاهلية.
    وملة إبراهيم التي أمر سيدالمرسلين ومن معه من المؤمنين أن يتبعوها مخالفة لهذا المنهج الفاسد، فالقرآن مملوءبالرد على الباطل وأهله وذكر تفاصيل ذلك، حيث رد على اليهود وعدد أصول فسادهم وفساددينهم المحرف، ورد على النصارى بنحو ذلك في وضوح وبيان لا غبش فيه، ورد علىالمشركين على اختلاف أصنافهم وفند شبهاتهم، ورد على المنافقين وفضح منهجهم الخبيثفي دين الله، بل وعاتب نبيه وبعض المؤمنين في مواضع تقوم سلوكهم وتصحح منهجهم، وأمالقرآن التي حوت مقاصد القرآن قد نصت على هذا المنهج في قوله : (غير المغضوب عليهمولا الضالين) فلا تتم هداية العبد في الصراط حتى يكون على دراية وعلم بسبل الغوايةوالضلالة متحصنا من الوقوع فيها، ولا يستقيم إسلام امرئ حتى يكفر بالطاغوت وكلمألوه من دون الله ويثبت التوجه والقصد والعبادة لله وحده، وهذا هو مقتضى "لا إلهإلا الله".
    وفي الأثر المشهور عن عمر: "إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأفي الإسلام من لا يعرف الجاهلية".
    وإن كان بهذا اللفظ لم أجده، وقريب منه ما روىابن أبي شيبة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي في "الشعب" بسند صحيح من طريقشبيب بن غرقدة عن المستظل بن حصين قال: خطبنا عمر بن الخطاب، فقال: قد علمت وربالكعبة متى تهلك العرب. فقام إليه رجل من المسلمين، فقال: متى يهلكون يا أميرالمؤمنين ؟ قال: حين يسوس أمرهم من لم يعالج الجاهلية ولم يصحب الرسول.
    فجعل عمرسبب الهلاك في أمرين:
    - عدم صحبة الرسول، وهو موجب للجهل بالسنة، فيلزم من ذلكولا بد الوقوع في البدع واتباع الأهواء في التقرب إلى الله، وهذا نقض للشق الثانيمن شهادة التوحيد "محمد رسول الله".
    - عدم العلم بالجاهلية والجهل بها وعدممعالجتها، وهو موجب للجهل بالعقيدة، فيلزم من ذلك الوقوع في الشرك والكفر والنفاقولا بد، وهذا نقض للشق الأول من شهادة التوحيد "لا إله إلا الله".
    والمقصود، أنمن أصول الإسلام وقواعده مجابهة الباطل ودمغه ومواجهة الجاهلية بجميع ألوانها،ويكون ذلك بالحجة والبيان والحديد والسنان.
    ومصطلح التزكية قد خاض فيه الناسواتجهوا فيه اتجاهات، وفهموا منه بحسب مشاربهم وأهوائهم ومذاهبهم، وهو مصطلحيستعمله من يشتغل بإصلاح القلوب والنفوس، وكثير من المنحرفين قد تستر به ليدعو إلىضلاله، والمقصود أن هؤلاء يفهمون آيات القرآن بالدلالات اللغوية المحضة بل وربمايدرجون في تلكم الدلالات بما ساد في عرف المتأخرين ومصطلحاتهم، والحق الذي لا يجوزغيره أن يفهم القرآن بالحقائق والدلالات الشرعية، فالقرآن لغته مخصوصة مميزة نقلتكثيرا من دلالات الألفاظ العربية إلى حقائق جديدة إما تعميما أو تخصيصا، إطلاقا أوتقييدا.
    فكثير من الألفاظ القرآنية لها في اللغة دلالات، ولها في عرف الناسدلالات، ولها في الشرع دلالات، والواجب على المسلم أن يحتكم إلى الدلالات الشرعيةلها حتى يعصم من الانحراف في العلم والاعتقاد.
    وهذه آثار منقولة عن السلف في فهممصطلح التزكية:
    أخرج أبو داود والطبراني في "الصغير" والبيهقي في "الشعب" بسندصحيح عن عبد الله بن معاوية الغاضري أن النبي قال: "ثلاث من فعلهن فقد ذاق طعمالإيمان : من عبد الله عز وجل وحده بأنه لا إله إلا هو، وأعطى زكاة ماله طيبة بهانفسه في كل عام، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة، ولكن من أوسط أموالكم، فإنالله عز وجل لم يسألكم خيرها ولم يأمركم بشرها، وزكى نفسه" فقال رجل: وما تزكيةالنفس ؟ فقال: "أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان".
    فهذا الحديث بيان ونص فيأن التزكية هي الإحسان بأن يطيع المرء ربه في كل زمان ومكان وحال كأنه يرى ربه فإنلم يكن يراه فربه يراه. والإحسان هو كمال التوحيد وذروة سنامه وأعلىمقامه.
    وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أبي صالح قال: حدثني معاوية بنصالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {يتلو عليهم آياتك ويزكيهم} قال: يعنيبالزكاة، طاعة الله والإخلاص.
    أخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: {ويزكيهم}،قال: يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه.
    وقال مقاتل بن سليمان في قوله: (يزكيهم ):"يعني ويصلحهم فيوحدونه". وفي موضع آخر: "يعني ويطهرهم من الشركوالكفر".
    وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في "الأسماءوالصفات" من طريق أبي صالح قال: حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فيقوله {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة} قال: لا يشهدون أن لا إله إلا الله.
    وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر عن عكرمة في قوله {وويلللمشركين الذين لا يؤتون الزكاة} قال: لا يقولوا لا إله إلا الله.
    وأخرج البيهقيفي "الأسماء والصفات" من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله: {هل لك إلى أن تزكى} قال: إلى أن تقول لا إله إلا الله.
    وأخرج عَبد بن حُمَيد وابن المنذر عن عكرمة فيقوله: {هل لك إلى أن تزكى} قال: هل لك إلى أن تقول لا إله إلا الله.
    وأخرج ابنالمنذر عن ابن جريج في قوله: {هل لك إلى أن تزكى} قال: إلى أن تخلص.
    وأخرج ابنجرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قد أفلح من تزكى} قال: منالشرك {وذكر اسم ربه} قال: وحد الله.
    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذروابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن عكرمة في قوله: {قد أفلح من تزكى} قال: منقال لا إله إلا الله.
    وأخرج البيهقي في "الأسماء والصفات" من طريق عكرمة عن ابنعباس في قوله : {قد أفلح من تزكى} قال: من قال لا إله إلا الله.
    وأخرج عبد بنحميد وابن أبي حاتم عن عطاء قال: {قد أفلح من تزكى} قال: من آمن.
    وأخرج ابن جريربسند صحيح عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته مازكا منكم من أحد أبدا} قال: ما زكى: ما أسلم. وقال: كل شيء في القرآن من زكى أوتزكى فهو الإسلام.
    وأخرج عنه أيضا بسند صحيح في قوله: {هل لك إلى أن تزكى}. قال: إلى أن تسلم. قال: والتزكي في القرآن كله: الإسلام؛ وقرأ قول الله {وذلك جزاء منتزكى}. قال: من أسلم.
    وقرأ: {وما يدريك لعله يزكى} قال: يسلم، وقرأ: {وما عليكألا يزكى} أن لا يسلم.
    وجاء من حديث جابر عن النبي في قوله : {قد أفلح من تزكى} قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله".
    أخرجهالبزار وغيره بسند ضعيف جدا، قد فصلت تخريجه في موضع آخر.
    وهناك آثار منقولة عنبعض التابعين كقتادة وعطاء وغيرهما يفسرون التزكية بالعمل الصالح أو الإكثار منالاستغفار أو زكاة الأموال أو زكاة الفطر أو مطلق الصدقة، لكن الذي يظهر أن قولالجمهور هو الأصح لأن لفظ التزكية ومشتقاتها ورد في السور المكية ولم يكن حينذاكفرض الزكاة بالإجماع كما نص على ذلك ابن الجوزي، والزكاة التي هي العبادة الماليةكثيرا ما تكون مقرونة بالصلاة كما هو معلوم في السور المدنية، أما التزكية الواردةفي القرآن المكي فإنها تأتي مفردة، وكذلك تفسيرها بالعمل الصالح فيه إجمال ولا بدمن تفسيره على قول الجمهور، لأنه تقرر أن العمل الصالح لا يقبل إلا بالإسلام للهتعالى وإخلاص الدين له، وهذا الذي كان يدعو إليه النبي في العهد المكي ويصر عليه. وكذلك تفسيرها بكثرة الاستغفار تفسير باللزوم أو التضمن لا بالمطابقة.
    والمقصودأن تفسير التزكية بشهادة أو كلمة التوحيد أو الإسلام أو التطهر من الشرك أو الإحسانالذي هو كمال التوحيد والإيمان، كل ذلك من المتقارب في المعنى والمراد وهو تحقيقالتوحيد، تفسير التزكية بذلك هو الصواب من وجوه:
    1- فيه حديث مرفوع صحيح إلىالنبي.
    2- أسانيده أصح من الأقوال الأخرى.
    3- القائلون به هم منالصحابة.
    4- القائل به ابن عباس حبر القرآن الذي دعا له النبي بعلمالتأويل.
    5- كثرة القائلين به وشهرتهم.
    6- مناسبة هذا التفسير للعهد الذي نزلفيه القرآن ومنهج النبي في الدعوة.
    7- القاعدة الكلية التي نص عليها ابن زيد،وهو أن التزكية ومشتقاتها في القرآن هي الإسلام.
    فمعنى التزكية عند جمهور السلفوعلى رأسهم الصحابة التوحيد وترك التنديد، لا كما يزعمه المتأخرون من أنها دعوةلترويض النفس على أعمال معينة كالإكثار من قيام الليل وقراءة القرآن والذكر والصوموالحج والعمرة والأخلاق وأنواع التطوعات الظاهرة والباطنة، ويهملون جانب التوحيدوالبراءة من كل مضاد له.
    ولا ريب أن الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة هيمكملات للتزكية ومتممات لها، ولذا ورد في غض البصر: (هو أزكى لهم) وفي الصدقة: (خذمن أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وفي التصدق عند مناجاة الرسول: (ذلك أزكى) وفيالاستئذان: (هو أزكى لكم) وفي الوقوف على حدود الله في الطلاق ونحوه: (ذلكم أزكىلكم). فجميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة هي مكملات للتوحيد وتمام له، وكلمازادت زاد توحيد المسلم والعكس بالعكس.
    لكن أريد هنا التنويه على معنى التزكية فيالقرآن عند النبي وأصحابه ومن اتبعهم وأن المراد بها تحقيق التوحيد، وكيف أن الخلفوسعوا معناها بمقتضى اللغة أو المصطلحات المتأخرة فانحرفوا بها عن المقصود وجعلوهاموازية لمفاهيم الصوفية والبوذية والرهبانية من ترويض النفوس على بعض الأخلاقالفاضلة وتصفية القلب من الأخلاق الفاسدة، وإذا أردت أن تعرف الفرق بين مفهومالتزكية عند الصحابة وأتباعهم ومفهومها عند غيرهم، فانظر إلى أثر المفهومين وهوالعمل بمقتضاهما والتطبيق على أرض الواقع يظهر لك الفرقان، واللهالمستعان.
    فصل:
    وهذه وساوس شيوخ الصوفية في شهادة التوحيد (لا إله إلا الله) من تفسير راويتهم أبي عبد الرحمن السلمي:
    في قوله تعالى: (شهد الله أنه لا إلاهو) سئل سهل بن عبد الله عن هذه الآية فقال:"شهد لنفسه بنفسه وهو مشاهد ذاته،واستشهد من استشهد من خلقه قبل خلقه لهم، فكان ذلك تنبيه أنه عالم بما يكون قبلكونه، وإنه لا يتجاوز أحد من خلقه ما تجلى به".
    قال أبو يزيد البسطامي يومالأصحابه: بقيت البارحة إلى الصباح أجهد أن أقول: أشهد أن لا إله إلا الله ما قدرتعليه قيل: ولم ؟ قال: ذكرت كلمة قلتها في صباي جاءتني وحشة تلك الكلمة فمنعتني عنذلك وأعجب من يذكر الله تعالى وهو متصف بشيء من صفاته.
    قال الشبلي: ما قلت "الله" إلا استغفرت من ذلك، لأن الله تعالى يقول : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو ) فمن شهد بذلك له من الأكوان إلا عن أمن أو غفلة.
    وعن بعضهم قال: "لا يصل إلىالشهادة لله تعالى بما شهد لنفسه حتى يصل إلى الفاقة الكبرى". قيل: وما الفاقةالكبرى ؟ قال: "حتى يعلم أنه لا يصل إليه إلا به، ولا ينجو منه إلا به".
    وقالالحلاج لرجل: أتشهد في الأذان ؟ قال: نعم قال: ألحدت من حيث وحدت في تشهدك حين شهدتلله تعالى وللرسول ولم تفرق بينهما حتى تشهد لله تعالى بالتعظيم وللرسول بالبلاغوالتسليم، عند ذلك باهت الأسرار فيما وراء الغير ولا غير".
    وقيل للشبلي: لم تقولالله ولا تقول لا إله إلا الله ؟ فأنشأ يقول:
    شمس يغالب فقدها بثبوتها ** فإذااستحال الفقد ماذا يغيب
    ثم قال: وهل يبقى إلا ما يستحيل كونه، وهل يثبت إلا مالا يجوز فقده ؟
    وقال ابن عطاء في قوله: ( شهد الله أنه لا إله إلا هو ) فقال: دلنا بنفسه من نفسه على نفسه بأسمائه وفيه بيان ربوبيته وصفاته، فجعل لنا في كلامهوأسمائه شاهداً ودليلاً، وإنما فعل ذلك لأن الله تعالى وحد نفسه ولم يكن معه غيره،فكان الشاهد عليه توحيده، ولا يستحق أن يشهد عليه من حيث الحقيقة سواه، إذ هوالشاهد فلا شاهد معه، ثم دعا الخلق إلى شهادته، فمن وافقت شهادته فقد أصاب حظه منحقيقة التوحيد، ومن حرم ضل.
    وقال جعفر الخلدي في قوله: ( شهد الله ) فقال: شهدالله بوحدانيته وأبديته وصمديته، وشهد الملائكة وأولوا العلم له بتصديق ما شهد هولنفسه .
    قال الحلاج في قوله: ( شهد الله أنه لا إله إلا هو ) شهادته لنفسه أن لاصانع غيره، آمن بنفسه قبل أن يؤمن به مما وصف من نفسه، فهو المؤمن بغيبه الداعي إلىنفسه، والملائكة مؤمنون به وبغيبه داعين إليه، والمؤمنون يؤمنون به وبغيبه، داعونإليه بكتبه ورسله، فمن آمن به فقد آمن بغيبه، وكل ما في القرآن مما يشير إلى غيبه،فإنما يشير بنفسه إلى غيبه ولا يعلم غيبه إلا هو".
    وقال السلامي في قوله: ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) أي ازدد علما وإيمانا فكلما كثرت النعم عليه أفادتهعلما بالمنعم فيترقى في العلوم والمعارف على حسب كثرة النعم وتعدادها وإنما يزيد عنغير نقص لأن العلوم لا تتناهي.
    وقال الحارث المحاسبي في قوله ( فاعلم أنه لاإله إلا الله ): لتعلم أنه ليس إليك من ضرك ونفعك شيء.
    وقال ابن عطاء : عالمقول لا إله إلا الله يحتاج إلى أربعة أشياء تصديق وتعظيم وحلاوة وحرمة فمن لم يكنله تصديق فهو منافق ومن لم يكن له تعظيم فهو مبتدع ومن لم يكن له حلاوة فهو مراءومن لم يكن له حرمة فهو فاسق ولم يكمل هذه الخصال إلا للنبي.
    وقال جعفر الخلديفي قوله: ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) قال: أزل العلل عن الربوبية ونزه الحق عنالدرك.
    قال الواسطي: هما دعوتان دعا إبراهيم إلى قوله: (أسلم ) ودعا محمد إلىقوله: (فاعلم )، دعا أحدهما إلى العلم، والآخر إلى الإسلام، وأعلاهما العلم وهومرتبة الأجلة والإسلام هو الانقياد إظهار العبودية والعلم إظهار الربوبية".
    وقالالقاسم في تفسير الآية: "فاعلم أنه لا إله يوجد المكونات ويفقدها إلاالله".
    وقال بعضهم: ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) قال: "أدخل النبي في عينالجمع بما دعاه إلى علم الهوية إذ الهوية علم الجمع وفرق الخلق في سائر الأساميوالصفات فطالع كل واحد منها قدره".
    قال ابن عطاء في قوله : ( فاعلم أنه لا إلهإلا الله ) قال: "طلب تنزيه العبد لئلا يكون له خاطر غيره في علمه بأن لا إله إلاهو علما لا قولا وهو حقيقة التوحيد حقائق تبني على الموجد لا حقائق تبنى علىالعبد".
    وقال الحلاج: ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) علما على جهل لأن العلوم فيالله لا تتناهى.
    وقال أبو عثمان في هذه الآية: إذا قيل للعالم اعلم يراد به اذكرلأن كل مؤمن عالم أن لا إله إلا الله، ورسول الله سيد العلماء وأعلم العلماء وإنمايراد به: اذكر أنه لا إله إلا هو. وازدد ذكرا أن لا إله إلا هو، فإن من ذكره فينفسه وذكره في ذكر حتى يسقط كل مذكور عن قلبه إلا الله الواحد الأحد الصمد في ذلكالوقت فإن خطر بباله غيره استغفر منه ومنه قوله : (إنه ليغان على قلبي) .
    وقالأبو سعيد القرشي:"طلب الحق من النبي حضور القلب وأن يليه علمه عما سواه".
    وقالابن خفيف: أقام العالم في شاهد الخطاب فوحدوه موحدا ووحد نفسه بتوحيد نفسه فوحدوهبما وحد نفسه إذا كان واحدا وذلك مبلغ كشف الحق له في أحديته قبل النقل له فيفردانيته لخلوص إفراده لمفرد به إليه ( إليه يرجع الأمر كله فاعبده ).
    يظهر لكمن مجموع هذه الأقوال أن الصوفية يتعمقون ويصرفون كل قوتهم العملية في توحيدالربوبية والأسماء والصفات ويفسرون بذلك شهادة التوحيد، ووافقهم على ذلك أهل الكلامحيث فسروا الشهادة بالقدرة على الاختراع والتفرد بالملك والتدبير.
    وهذا التفسيركان له التأثير الكبير في فهم الإسلام وتطبيقه في واقعنا المعاصر فصار قسيماللأديان الجاهلية فلم يعد سوى مجرد تصورات نظرية للربوبية والسعي وراء الأهواءاستقلالا واستكثارا وإهمال الأوامر الإلهية والنبوية إما تركا أو فعلا لكن في جوانبمحدودة أشبه ما تكون بطقوس وشعائر الأديان الجاهلية خالية في الغالب عن الإخلاصوالمتابعة للنبي مشوبة بالمراءاة وطلب السمعة والجاه والابتداع فيها.
    وسبب هذاالضياع هو إهمال التوحيد العملي الذي من أجله ابتلى الله به عباده وأنزل كتبه وبعثرسله، ألا وهو الخضوع لله تعالى وطاعته باتباع ما شرعه لرسوله كما قال: (إن كنتمتحبون الله فاتبعوني). ولا شك أن أعظم أركان العبودية هو الحب، الذي هو حب الألوهيةلا حب الربوبية، إذ كل البشر من يهود ونصارى ومشركين يحبون الله بزعمهم، لكن هذاالحب لا وزن له في الشرع حتى يؤتي لازمه وثمرته وهو الخضوع والطاعة باتباعالنبي.
    والملاحظ في زماننا أن كثيرا من الناس سواء كانوا خاصة أو عامة لهم دعاوىعريضة في حب الله، وبعضهم يتفانى في إثبات ذلك بأقواله وأفعاله وأحواله، فتجدهنشيطا في الدعوة ونشيطا في أعمال الخير من تصدق وإحسان إلى الغير بطرق مختلفةونشيطا في أحواله بتكلف البكاء والتأثر وما إلى ذلك، لكنه يخالف ويستسهل أن يخالفمنهاج الوحي قرآنا وسنة في جميع ذلك.
    فهؤلاء الدعاة بانفرادهم والجماعاتبتكتلاتهم كجماعة الإخوان وجماعة التبليغ وجماعة أدعياء السلفية لهم نشاط كبير فيدعوتهم لكن يظهر عليهم مخالفة صريحة لمنهاج الوحي وجماعة الصحابة وضعف عقيدة الولاءوالبراء وقلة التنبيه على آفات الجاهلية والوثنية المعاصرة التي تضر بعقيدةالمسلمين.
    فتسمع جعجعة كبيرة ولا ترى طحينا، وهذا هو نتاج دعوة التوحيد العلميبداهة، وفي هذا جواب على سؤال يطرحه بعض المتنبهين فيما يتعلق بالدعوة في عصرنا،وهو أن وسائل الدعوة كثيرة تكاد لا تحصى من فضائيات وأشرطة وأقراص وكتب ومجلاتودعاة وجماعات لا يحصون عددا، ثم الاستجابة النافعة قليلة جدا في مقابل هذا المجهودالضخم، فأين الخلل وما السبب ؟
    السبب هو أنه ليس هناك دعوة للإسلام الحق الذيبعث به النبيون من نوح إلى محمد، وإنما هو السعي وراء الأهواء المختلفة والتصوراتالمتعددة للإسلام وعبادة الله بها.
    أقول: إن ملة إبراهيم عزيزة، فمن عزتها أنإمامها وشيخها كان الوحيد الذي يتمسك بها ويدعو إليها في عصره، من عزتها أن أتباعهذه الملة في الغالب قلة وغرباء في كل عصر، من عزتها كثرة أعدائها ومناوئيها منالأقارب والأباعد.
    تتمة البحث في المرفقات بارك الله فيكم
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •