بسم الله الرحمن الرحيم
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر...

لا شك أن المؤمن الصادق يمتاز عن غيره بكثير من الصفات الجليلة التي يمليها عليه إيمانه واتباعه كتابَ ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن هذا أن موقف المؤمن من الحوادث والوقائع الكونية يختلف عن موقف غيره من الكفار بل حتى ضعاف الإيمان.
عندما تجد أخوين أحدهما مؤمن قوي الإيمان والآخر ضعيف الإيمان ولهما أب سيء الخلق، فإنك تجد الأول يبر أباه ويحتمل سوء خلقه، والآخر لا يبره ويرد سوءه بسوء مثله أو أشد منه، عندما تنظر إلى حالهما نظرة دنيوية مجردة قد ترى أن الآخر الذي لم يبر أباه هو المصيب، فما الذي يدفع الإنسان إلى بر رجل سيء الخلق هو في غنى عنه، وما النفع الدنيوي الذي سيعود عليه من هذا البر، ولكن الأول علم أن هذه الدنيا ممر وليست بمقر، وأن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، وأن له ربا قويا قديرا يأخذ بالذنب إذا شاء في الدنيا أو في الآخرة أو بهما والعياذ بالله، هنا يظهر أثر الإيمان بالله واليوم الآخر اللذين ورد ذكرهما مقترنين في كتاب الله أكثر من عشرين مرة، وما أكثر أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر...
وأيضاً، عندما ترى جباراً من جبابرة الأرض يموت وهو في قمة الثراء والسعادة الدنيوية، تجد استياءً من بعض الناس ولمزاً خفياً لحكمة الله تعالى، وذلك بأن الدنيا هي أكبر همهم وقصارى آمالهم، أما المؤمن فيعلم أنه لا يضيع حق عند أحكم الحاكمين، فإن لم ينتقم الله منه في الدنيا فيوم القيامة موعده، عندما يقول الجبار جل في علاه: أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون، فو الله إنه عند المؤمنين (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) لكرأي عين، جعلني الله وإياكم منهم.
وأيضاً، عندما ترى أمة الإسلام تعيش في تخلف ديني ودنيوي، ترى بعض الناس يظهر الجزع، وبعضهم يزيد فيفعل ما لا تحمد عقباه، أما المؤمن، فلا يجزع، ولا يفعل إلا ما يرضي ربه القائل على لسان موسى: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) فهو وإن كان عاملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) إلا أنه يعلم أن الله قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) ويعلم أن الذي عليه أن يأتيه أجله وهو مؤمن ثابت على الحق، وما أشدها من خصلة.
وتدبر هذا الحديث إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار: (إنكم ستجدون بعدي أَثَرَة شديدة، فاصْبِرُوا حتى تَلْقَوا الله ورسولَه على الحوض، قالوا: سنصبر) فانظر كيف دل الرسول الأنصار على الصبر وأن يجعلوا إيمانهم باليوم الآخر واقعاً عملياً، وانظر كيف استجابوا فقالوا: سنصبر.
(ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)