تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: تفريغ الرابع والخمسين من فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    Arrow تفريغ الرابع والخمسين من فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني

    فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق
    الدرس الرابع والخمسون
    للشيخ أبي إسحاق الحويني
    إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
    أما بعد:
    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمدٍ r وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
    ****
    فقد عدنا إليكم بحمد اللهI ونسأل الله U أن يكون عودًا حميدًا علي وعليكم ، ونواصل ما كنا بصدده منذ فترة طويلة من الإنقطاع نواصل شرح كتاب الرقاق ، والذي اصطلحت علي تسمية شرحي عليه بـ ( فك الوثاق في شرح كتاب الرقاق ) من صحيح الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري - رحمه الله تعالي - .
    وحتى أصل ما ذكرته قديمًا بما سأذكره أُذكِّر بما ذكرته قديمًا في عُجالة سريعة حتى أستطيع أن أجمع المحاور كلها
    المراد بكتاب الرِقاق:هو جمع رقيقة ، والمقصود به الأحاديث التي ترقق القلب ولأن العقل في القلب كان القرآن المكي يخاطب قلوب الناس بالتوحيد ، وذكر آلاء اللهI ، وذكر القيامة ، والمعاد ، والحساب وكذلك الأحاديث التي ذكرها النبي r في هذا الصدد كثيرة ووفيرة بحمد الله تعالي وكلها تعني بهذه المضغة التي وصفها النبي r بقوله:« ألا إن في الجسد مضغة إن صلحت صلح الجسد كله ، وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب » ، وكما ذكرت لكم إن العقل في القلب قال تعالي:﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(الحج:46) مكان العقل والدليل علي ذلك:فليس العقل في الرأس كما يذهب إليه بعض أهل العلم ، بل الصحيح أن العقل في القلب والآية نص في هذا :﴿ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ، وليست القلوب التي في الرؤوس ، وقال الله U:﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ (ق:37) والمقصود من هذا جميعًا هو تزكية النفس عن طريق تزكية هذا القلب .
    الإمام البخاري صنف كتابًا أودعه من جملة صحيحه أي كتاب الرقاق ليس كتابًا منفصلًا عن الصحيح مثل كتاب الأدب المفرد ، البخاري - رحمه الله - له عدة كتب منها كتاب الأدب المفرد ، إنما سماه المفرد حتى يفرده عن كتاب الأدب الذي وضعه في صحيحه ، أنتم تعلمون أن صحيح البخاري كما ذكرت لكم قبل ذلك يتألف من عدة كتب بدءً من كتاب بدء الوحي وانتهاءً بكتاب التوحيد ، ما بين هذين الكتابين عدة كتب مثل كتاب الإيمان ، وكتاب العلم ، وكتاب الطهارة ، وكتاب الغسل وكتاب الحيض ، وكتاب الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والفرائض والجهاد والاعتصام بالكتاب والسنة ، والطلاق ، والنكاح إلي آخر ما هو مذكور في هذا الكتاب ، صحيح البخاري مقسم إلي كتب ، فمن جملة الكتب التي هي في صحيح البخاري كتاب الأدب .
    فحتى لا يلتبس كتاب الأدب إذا قيل أخرجه البخاري في أدب الصحيح مع الكتاب الذي صنفه منفصلًا عن الصحيح ولم يشترط فيه ما اشترطه في صحيحه سماه كتاب الأدب المفرد ، فلذلك نحن إذا أردنا أن نعزو حديثًا إلي البخاري في الأدب المفرد لا يجوز عند أهل التخريج من المحدثين أن تقول أخرجه البخاري في الأدب وتسكت لإحتمال أن تقصد الأدب الذي في صحيحه ، بل لابد أن تقول أخرجه البخاري في الأدب المفرد وإذا أردت أن تذكر أو تعزو حديثًا لكتاب الأدب الذي في الصحيح تقول رواه البخاري في كتاب الأدب من صحيحه ، لماذا ؟ حتى لا يلتبس بكتاب الأدب المفرد الذي صنفه الإمام البخاري .
    فكتاب الرقاق ليس كتابًا منفصلًا: إنما هو كتاب من جملة صحيح الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري- رحمه الله - ، وكتاب البخاري مُعجب مُطرب ، وأنا رحلتي مع هذا الكتاب تجاوزت ربع قرن ، وكل يوم أكتشف جانبًا من جوانب عظمة هذا الكتاب .
    سبب اختفاء الشيخ حفظه الله في الفترة الماضية: في الفترة التي اختفيت فيها منذ رجوعي من ألمانيا كنت مشغولًا بتصنيف كتابين يتعلقان بصحيح البخاري والحمد لله انتهيت من أحدهما والآخر علي وشك التمام الكتاب الأول أنا سميته:( مجمة الفؤاد بما اتفق عليه الشيخان في المتن والإسناد ) ، والكتاب هذا قصدت منه تحرير شيء قلت في نفسي لو ثبت لكان البخاري هذا سماء وهو كذلك ، لكن لارتقي أكثر من ذلك ، ما موضوع الكتاب الذي يبين شموخ كتاب البخاري ويمثل شموخ مصنفه أيضًا - رحمة الله عليه - ؟ الذي هو حقيق بقول القائل:
    يَدع الجواب فلا يُراجع هيبةً
    والسائلون نواكس الأذقَان
    وهذا الكلام قيل في مالك
    عز الوقار وعز سلطان التُّقي
    فهو المهيبُ وليس ذا سلطانِ
    وهو أيضًا حقيق بقول القائل:
    إذا نحن أثنينا عليك بصالحٍ
    فأنت كما نُثني وفوق الذي نُثني
    وإن جرت الألفاظ يومًا بِمدحَةٍ
    لغيرك إنسانًا فأنت الذي نعني
    وهو الإمام البخاري حقيق بهذا .
    مميزات البخاري ومسلم: يقول العلماء، كتاب البخاري يفضل كتاب مسلم بكذا وكذا ، وكتاب مسلم يفضل كتاب البخاري بكذا وكذا فكان من جملة تفضيل ما فضلوا به كتاب مسلم علي البخاري
    قالوا: إن مسلمًا يراعي الألفاظ ، وكتب صحيحه في حياة شيوخه بخلاف البخاري قال: ( رُبَّ حديث سمعته بمصر كتبته بالشام ، ورب حديثٍ سمعته بالشام كتبته في الحجاز) وهكذا أي هناك تباعد بين سماع البخاري وما بين كتابته للحديث ، ففضلوا مسلمًا علي البخاري بأن مسلم يحافظ علي الألفاظ ، فأنا أردت أن أعرف حقيقة هذه القضية ، وهل هي كما قالوا فعلًا أم لا ؟ .
    فجمعت الأحاديث التي رواها الشيخان معًا عن شيخٍ واحدٍ بإسناد واحد ، فإذا رأيت الألفاظ اتفقت مع بُعدِ كتابة البخاري للحديث بالنسبة لسماعه منه ، وعناية مسلم بالألفاظ يكون البخاري هذا لا نظير له ، لأنه مع هذا البعد ما بين التحمل وما بين الكتابة ويأتي بالألفاظ علي وجهها كما جاء بها مسلم،كنت حريصًا علي تحرير هذه القضية وجملة ما اتفق عليه الشيخان مائتان وخمسون حديثًا ، ورتبته علي مشايخ البخاري ، باب من اسمه أحمد ، باب من اسمه إبراهيم أي مشايخه الذين يبدءون بحرف الألف وحرف الباء وحرف التاء إلي آخره وانتهيت من هذا الكتاب بحمد الله تعالي ووجدت أن البخاري وافق مسلمًا في غالب ما رواه بألفاظه . الكتاب الثاني أسميته ( كسوة العاري بذكر علة الحذف عند البخاري ) .
    البخاري ممكن يروي الحديث فيحذف منه جملة، لماذا يحذفها البخاري ؟ هل لأنها معللة ؟ هل هي خطأ مثلًا ؟ ما هي الأسباب التي جعلت البخاري يحذف جملة من الحديث فلا يذكر هذه الجملة في صحيحه ؟
    أنا جمعت كما قلت كثيرًا من مادة الكتاب وبعض إخواني أتحفني ببعض مادة هذا الكتاب وأنا في سبيل إنهاء هذا الكتاب أيضًا ، و تبين لي قدر الإمام البخاري أكثر وأكثر ، كل ما الإنسان يتعمق في كتاب البخاري كلما يظفر بكثير من الفوائد ويعرف عظمة هذا الكتاب وأن الذين يتهجمون عليه صم بكم عمي فهم لا يعقلون ، ليس معنى هذا أن البخاري كتابه وحي السماء وأنه ليس عليه انتقادات ، أبدًا ، البخاري عليه انتقادات قديمة معروفة عند أهل العلم لكن لا يقدر قدرها إلا أهل العلم فقط إنما العوام الذين يمشون مشية الأنعام كما يقول اللاكنوي فهؤلاء ليس لهم أن يدخلوا في هذا الكتاب أبدًا حسبهم أن ينظروا إليه فقط ، أو أن يقرؤه إن استطاعوا أن يقرؤوا المتن والإسناد قراءةً صحيحه ، لكن يدخل ويعترض على أحكام الصنعة فهذا مما يسيء المرء به إلى نفسه .
    كتاب الرقاق من أواخر الكتب الموجودة في صحيح البخاري ، والإمام كما ذكرت لكم قبل ذلك وأذكر ذلك تذكيرًا حتى أستطيع أن أصل ما مضى بما سأذكره إن شاء الله تعالى فيما بعد ، فأنا ألخص في ما مضى في ربع ساعة أو ثلث ساعة وذلك حسب ما ييسر اللهI .
    ملخص ما مضي من كتاب الرقاق:رتب الإمام البخاري كتاب الرقاق رتب أبوابه ترتيبًا رائعًا دقيقًا، شرحت خمسة أبواب من الكتاب الإمام البخاري بدأ كتابه:
    بالباب الأول: قال: (باب ما جاء في الرقاق وألا عيش إلا عيش الآخرة)، وأورد فيه حديث بن عباسy أن النبيr قال:« نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ » ، فكانت بداية رائعة للإمام البخاري لأنه ذكر بدأ برأس المال لأن الدنيا سوق وهي تجارة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾(الصف:10- 11) .
    إذًا الدنيا تجارة:،ولا يمكن لتاجرٍ أن يدخل السوق وأن يتاجر إلا إذا كان معه رأس مال ورأس المال هذا قد يكون رأس مال عرب أموال سائلة حقيقية ، وقد يكون رأس مال في رأسه هو يدخل سمسار يفعل صفقات يرتب ما بين هذا وذاك ويخرج بمكسب في النهاية ، لكن لابد أن يكون معه رأس المال ، ما هو رأس مال الإنسان الذي خلقه الله U في الدنيا ليعيش فترة محدودة قدرها الله I ثم يكون منقلبه في النهاية إلي ربه كما قال تعالي:﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ (المائدة:18) ؟
    رأس مال الإنسان في الدنيا: هو مدة بقاءه علي هذه الأرض وهو العمر فبدأ الإمام البخاري بكلام النبي r:« نعمتان مغبون فيهما » ، والغبن: هو الخسارة ، والأصل أنك من مسألة الغبن تشتري بالغالي وتبيع بالرخيص فتخسر مرتين خسرت مرة عندما اشتريت بالغالي وخسرت المرة الأخرى عندما بعت بثمن أقل هذا الغبن وهو الخسارة :« نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس » أي كثير من الناس يخسر في هذه الصفقة « الصحة والفراغ »
    طالما إن المسألة في النهاية معلومة والإنسان سيموت ثم يلقي ربه I فأتي بحديث أنس وبحديث سهل بن سعد ألساعدي أن النبيr قال:« اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فأصلح الأنصار والمهاجرة » ، وكان النبي r يقول هذا وهم يحفرون الخندق ، وكان الصحابة يبادلونه فيقولون:

    نحن الذين بايعوا محمدا
    علي الجهاد ما بقينا أبدا

    فلا عيش إلا عيش الآخرة، لماذا أورد الإمام البخاري هذا الحديث؟ حتى لا يظن ظان أن هؤلاء الصحابة أضاعوا أعمارهم ،لأنهم كانوا يخرجون من غزوة إلي غزوة، فحياتهم كانت كلها في الغزوات وفي الجهاد ونادرًا ما كانوا يستطيعون إصلاح أموالهم كما في غزوة تبوك مثلًا ، نفر النبي r في غزوة تبوك والظلال والثمار نضجت ، ولذلك لم يكن مع الناس مال وسمي الجيش آنذاك جيش العسرة إشارة إلي قلة المال،ولم يكن هناك ظهر حتى يركب الناس عليه وقصة البكائين معروفة الذين أرادوا ذهبوا إلي النبي r وطلبوا أن يحملهم النبي r قال:﴿ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾(التوبة:92)
    فحياة الصحابة كلها كانت في الغزو: فلم يتفرغوا كما يقول الناس ليعيشوا حياتهم ، اليوم كثير من الناس لابد أن يكون لديه برنامج سنوي أو شهري أو أسبوعي فسحة ، ويسافر في الخارج أو يذهب إلي شواطئ أو يسافر إلي أي مكان لكي يقول أنا أروح عن نفسي ، لماذا ؟ لأن الحياة هكذا نحن نكسب ونتعب لكي نسعد بهذا المال ، الصحابة الذين قضوا حياتهم في الجهاد وفي ضرب الرقاب وترك الأموال وهذا الكلام ، هل أضاعوا رأس المال ، هل أضاعوا عمرهم فعلًا ؟ .
    الإمام البخاري أراد أن يبين أنهم ما ضيعوا حياتهم حتى قال: (باب ما جاء في الفراغ وألا عيش إلا عيش الآخرة،) وأورد هذين الحديثين في الباب الأول مع حديث ابن عباس « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ » .
    الباب الثاني: الذي عقده الإمام البخاري- رحمه الله- قال: (باب مثل الدنيا في الآخرة )، وأورد الإمام البخاري فيه حديث سهل بن سعد الساعدى أن النبي r قال:« موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها » ،
    لما أورد الإمام البخاري هذا التبويب وهذا الحديث بعد الباب الأول ؟ ليبين أن هؤلاء لم يضيعوا أعمارهم ، وأن هؤلاء الذين جاهدوا لأنه أورد الحديث:« ولغدوة في سبيل الله أو روحة » .
    الغدو والرواح: في طرفي النهار بكرة وعشية :« في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها » ، يريد أن يقول: أن ما فاته من الدنيا لا يعتبر شيئًا ما فاته في الحقيقة شيء يذكر إذا دخلوا الجنة ، لماذا ؟ لأن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، والسوط عبارة عن عصا ،ممكن يكون طولها متر،اثنين متر ، لكن عرض العصا لا يكاد يذكر ممكن يكون سنتيمتر واحد أو اثنين سنتيمتر ، فلو اثنين سنتيمتر في متر ونصف أو في مترين وأنت وضعتهم علي الأرض لا تشكل شيئًا مذكورًا أنت لا تستطيع أن تضع قدمك علي العصا حتى لأنها ليست موضعًا لقدم ، هذا إذا ظفرت بموضع سوطٍ في الجنة فخير لك من الدنيا وما فيها الشاهد إشارة بأنك إذا دخلت الجنة حتى لو كان لك فيها موضع سوطٍ فهذا خير من الدنيا وما فيها ، ليس في هذا العصر فقط، لأنك في الأعصار التي مضت لا تملكها ، والأعصار التي تأتي قد لا تملكها قد تكون من أهل القبور فأنت نتكلم عن هذا العصر ، كم تساوي الدنيا الآن ؟ نحن لو أتينا في أي مكان في العالم وقلنا المتر في هذه الأرض كم يساوي ؟ هناك متر بمائة ألف ومتر بمليون ومتر بعشرة مليون ومتر بخمسين مليون وستين مليون ومائة مليون ، في المتر المربع الواحد ، في بقعة من بقاع الأرض قد يساوي هذا المبلغ الذي أذكره ، فتصور لو أنك أردت أن تحسب الكرة الأرضية كلها بما لها من مسطح وبما فيها من مباني .
    أنظر الأرض البور التي هي فراغ المتر فيها كم يساوي فكيف إذا بنيت عليها برج أو بنيت عليها مبنى فكم يكون ثمن المبني وكم يكون ثمن التشطيب؟ ، وغير ذلك ستدخل تحت رقم أنا ما أستطيع أن أذكر رقمًا ، إذا أردت أن تحسب الدنيا كلها ما تستطيع أن تأتي برقم على الحقيقة ، فلو الدنيا كلها جميعًا أنت تملكها وكان لك موضع سوط في الجنة هو خير لك من كل هذا الذي تملكه ، فكيف تضحي بالجنة بشيء أنت لا تملكه ؟ ، لو فرضنا أنك تملكه فالسوط خير منها ، فكيف وأنت لا تملكه ، لا تملك هذا الشيء الذي هو الدنيا كلها .
    فلما يقول الإمام البخاري يقول: (باب مثل الدنيا في الآخرة،) يقول أنك لن تضيع عمرك عندما رابط من النبيr أو رابط في الجهاد ولم تضيع عمرك لأن العيش على الحقيقة إنما هو عيش الآخرة .
    ثم بدأ الإمام البخاري يذكر بعض الآفات التي تعرض للمرء في الدنيا فتصرفه عن حظه في الآخرة ، بين رأس المال وبين لك حقيقة الدنيا وأنها لا تساوي شيئًا في الآخرة ، وأريد أن أصل إلى هذه الجنة التي موضع السوط فيها خير من الدنيا التي لا أملكها فماذا أفعل ؟ عقد:
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ الرابع والخمسين من فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني

    الباب الثالث: للإجابة عن هذا السؤال فقال: باب قول النبيr:« كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل » ، لا تستطيع أن تتجاوز هذه العقبة إلا إذا كنت غريبًا ، عشت غريبًا في الدنيا في مناخ غير مناخك ، للناس اهتمامات لا تشاكل اهتماماتك ، اهتماماتك مباينة لاهتماماتهم ، أنت تريد شيئًا وهم يريدون شيئًا آخر ، ولكن الإنسان ابن البيئة فستجد بطبيعة الحال من يؤزك أزًا على ترك الطريق الذي اخترته حتى تصل إلى الله بسلام وأنك تنخرط مع أهل الدنيا ، أيضًا بدعاوى الدين ، فيقول لك: ولا تنسى نصيبك من الدنيا ، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وستجد من يقول لك أن هذا الطريق لا يجوز إلى آخره .
    فأنت في صراع دائم ، لابد أن تكون غريبًا ، غريبًا في مطالبك ، وليس معنى غريب أنك تعتزل الناس وأنك لا يكون لك اهتمام مع الناس مشترك ، أبدًا ، وإنما شرعت العبادات الجماعية ، وشرع تعاون الناس مع بعضهم مع بعض في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن نتعاون في البر ، فكل هذا مشروع وله ثواب وأجر ، لكن القصد أ، تكون مستوحشًا بقلبك حتى لو كنت تتعامل مع الناس ببدنك ، فهذا هو لمقصود في الحديث .
    « كن في الدنيا كأنك غريب » ، ثم أضرب النبيrونقله لوصف آخر هو أشد من الوصف الأول قال له: « كن في الدنيا كأنك غريب» ، ثم كأنه استدرك لأن الغريب قد يأنس في دار الغربة بخلان جدد ، كثير من الناس ترك ملاعب صباه وترك بلاده وأتى إلى بلاد أخرى وأناس آخرين وصار هؤلاء الناس أقرب إلى قلبه من أسرته ومن أبيه وأمه ، فالغريب قد يأنس في دار الغربة بمعارف جدد وهذا مشكلة أن يأنس ، فقال له: لا تكن غريبًا بل كن عابر سبيل .
    (أو) هنا للإضراب عن الشيء الأول إلى الشيء الثاني ، و(أو) هنا بمعنى بل كما قالI:﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾(النحل: 77) أي بل هو أقرب ، وكقولهI:﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾(الصافات:147) أي بل يزيدون ، وهذا الحديث أيضًا يدل على هذا ، لماذا ؟ لأن الإنسان عابر السبيل لا يكاد يأنس بشيء ، عابر سبيل يحمل متاعه وخيمته على كتفه ويقضي سحابة النهار ماشيًا ، فإذا جاء الليل نصب خيمته ونام ، فإذا أصبح الصباح جمع خيمته ومتاعه وحمله على كتفه ومضى ، فمثل هذا لا يأنس بشيء لأنه يمشي وحده .
    فيكون أكبر آفة أن تركن إلى الدنيا وأهلها، فما النجاة إذًا؟ حتى نصل إلى الجنة التي هي موضع السوط فيها خير من الدنيا وما فيها ، النجاة أن تكون غريبًا ، كما قلت ليس المقصود بالغربة أن تعتزل الناس ولكن أن تكون غريبًا عنهم بقلبك وباهتماماتك وبتطلعاتك وأهدافك ، لأجل هذا عقد الإمام البخاري الباب الثالث في كيف تنجو من الدنيا وتواصل سيرك الحثيث إلى اللهI ، وهذا هو الباب الثالث .
    الباب الرابع: ذكر آفة من أكبر الآفات التي تعرض للإنسان وتجعله يسوف ، ويستخدم في كلماته سوف ، ولعل ، أو السين المستقبلية ، فعقد بابًا قال: ( باب في الأمل وطوله) ، والأمل هو الذي ينسي الإنسان الموت وهذا مطلوب أن ينسى المرء الموت لفترة من حياته من يومه لكن لا ينساه أبدًا لأن الإنسان لو استحضر الموت ما عمل إطلاقًا ولا حرك ساكنًا والنبيr قال لحنظلة لما جاءه وهو يقول أي حنظلة ، يقول: نافق حنظلة فقال له النبيr:« مه » أي أنظر ماذا تقول ولما ذاك ؟ قال: يا رسول الله نكون معك تحدثنا عن الجنة والنار حتى كأنا رأي عين ، تحدثنا عن الجنة كأننا نراها ، وتحدثنا عن النار كأننا نراها ، ترق قلوبنا وتخرج الدنيا من قلوبنا تمامًا ،فإذا رجعنا إلى بيوتنا عافسنا النساء والأولاد والذرية ، يلعب مع الأولاد الصغار ويطارح امرأته في الكلام ويتبسط وغير هذا فينسى الذي قاله النبيr آنفًا ، فيكون ما بين معافسة الأزواج والأولاد وما بين سماعه لكلام النبيr لا يتعدى عشر دقائق ، فيبكي في مجلس النبيr وينسى كل شيء ويشتاق إلى الجنة ويفر من النار وبعد عشر دقائق ينسى هذه المسألة كلها و يضحك ويلعب بينما كان يبكي منذ قليل ، فالنبيr قال لحنظلة:« لو تدومون على ما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ساعة ، وساعة ، ساعة وساعة » .أي اجعلها ساعة هكذا وساعة هكذا ، هذا المزاح وهذا الباطل المباح.
    من الباطل المباح: أن يداعب الإنسان فرسه ، ويداعب امرأته ، ويداعب ولده هذا كله مما أباحته لنا الشريعة وخلقنا مفطورين علي ذلك ، ولا تصلح حياتنا أبدًا إلا بهذا ، وكان النبي r وهو سيد ولد آدم يفعل هذا وهو القائل:« أما إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية » ، ومع ذلك كان يسابق عائشة t ، وكان يُدلِع لسانه أي يخرج لسانه للطفل الصغير فيظنه الطفل تمرة فيريد أن يخطف التمرة فيدخل النبي r لسانه يمازح الطفل ، وهذا أفضل من مشي علي الأرض بقدمين ، والذي يُكَلَم من رب العالمين I ومع ذلك كان يفعل مثل هذا ، ولنا فيه أسوة حسنة .
    فالأمل هو الذي جعلنا نبني، نكتب ونصنف : هو الذي جعلنا ندعو الناس إلي الله I ، هو الذي جعلنا نعمر الدنيا بصفة عامة الأمل هو الذي يفعل ذلك ، فكيف يكون الأمل من أكبر العقبات التي تعترض طريق الإنسان وهو مهم إلي هذه الدرجة ؟ طبعًا الأمل منه ما هو محمود ، ومنه من هو مذموم:
    أنواع الأمل:
    الأمل المحمود: كل شيء تبتغي فيه وجه الله I وتتمني أن تفعله مستقبلًا فهذا كله داخل في الأمل المحمود ، كتصنيف أهل العلم لكتبهم ، وتمني الواحد منهم أن يعيش حتى يكتب في الموضوع الفلاني ، أو يحل اللغز الفلاني ، أو يشرح الكتاب الفلاني للأمة أو أو إلي آخره ، كل هذا محمود ، إنما الأمل الذي عناه الإمام البخاري الأمل المذموم
    الأمل المذموم: هو الذي يلهي عن معرفة عاقبة أمل المرء، ولذلك أورد فيه حديث ابن مسعود أن النبي r خط خطًا مربعًا أي رسم مربع ومن داخل المربع رسم خطًا طويلًا خرج خارج المربع ، وحول هذا الخط الطويل من داخل المربع رسم خطوطًا قصارًا عن يمين الخط الطويل وعن يساره ثم قال:« هذا الإنسان وهذا أجله محيط به »هذا المربع « أجله محيط به » ، ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾(النساء: 78) ، « هذا الإنسان وهذا أجله محيط به » ، ثم أشار إلي الخط الطويل الخارج قال:« وهذا أمله » ، إذًا أمل الواحد منا يتجاوز أجله بكثير ، كل واحد منا يظن أنه سيعيش فترة طويلة .
    وقد يكون الإنسان يخطط لعشرات السنين وهو سيموت الليلة أو سيموت بعد ساعة أو سيموت غدًا وهو يخطط لسنوات طويلة قادمة فأمله اكبر بكثير من أجله ، وأشار إلي الخطوط القصيرة التي حول الخط الطويل من داخل المربع وقال:« وهذه الأعراض كلما نجا من عرضٍ نهشه الآخر » . الأعراض: هي المشاكل ، الأمراض والابتلاءات التي تعرض للإنسان في حياته
    إن نجا من عرضٍ انتظره عرضٍ آخر ، إن نجا من مصيبة تنتظره مصيبة أخرى وإن نجا من هذه تنتظره مصيبة أخري ، وإن نجا من كل هذا وما أخاله ينجو أبدًا وتمضي حياته بسلام انتظره الموت ، هذه الأعراض التي لا يمكن للإنسان أن ينفك منها ، ولا يمكن أن تمضي حياته أبدًا بلا أي ابتلاء لابد أن يبتلي الإنسان .
    لما أشار النبي r إلي أن أمل الواحد أكثر من أجله هذا إشارة إلي الأمل الذي يلهي المرء وينسيه كما قال تعالي:﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾(الحشر:19) ، هناك جنس من البشر ينسي تمامًا أنه سيموت ، ولو وقف كل إنسان في يومه كل يوم يعطي تفكيره في الموت ساعة واحدة لكفه عن كثير من المظالم ، الذين ظلموا العباد ، وعذبوا الناس أشد العذاب ، ونهبوا أموالهم ، وهتكوا أعراضهم يستحيل أن يكون مر بذهن واحد منهم أنه سيموت وأنه سيرمي في قاع حفرة وحيدًا فريدًا رهين عمله وأن فيه عذاب ، وأن فيه ثواب الذي يعلم هذه الحقيقة لا يظلم ويخاف أن يظلم .
    أكبر العقبات التي تقف في طريق الإنسان: لذلك اعطانا الإمام البخاري عرضًا آخر إذا عرض لك ولم تنتبه منه يكون هذا من أكبر العقبات التي تقف في طريقك ألا هو طول الأمل وأورد أيضًا في حديث أبي هريرة وحديث أنس بن مالكy أن النبي r قال:« قلب الكبير شاب في اثنتين: حب البقاء ، وحب المال » ، مع أن كل ما الواحد عمره يرتفع المفترض يشبع ، الذي ممكن أن يتطلع إلي زيادة العمر الشباب الصغير ، تري الآية في الناس معكوسة تجد الرجل كلما يكبر في السن يكون حريص جدًا علي حياته ، أما الشاب فتجده متهور ممكن أن يضحي بحياته ولذلك تجد الذين يسارعون إلي الجهاد ، يسارعون إلي المعارك ، يسارعون إلي المشاجرات والكلام هذا تجدهم الشباب .
    أما الشيوخ فكل رجل كبير يضن بحياته ولا يبذلها كما يبذل الشاب حياته أي المسألة معكوسة، رجل مثلًا بلغ ثمانين عامًا أو بلغ تسعين سنة،ماذا يريد من الحياة ؟ تجده أكثر تشبثًا بالحياة كما ذكرت من الشاب الذي سنة خمسة عشر ستة عشر عشرين سنة « قلب الكبير شاب في اثنتين: حب البقاء، وحب المال »، ثم في
    الباب الخامس: ذكر الإمام البخاري السن لكي يقول لك أن عمرك قصير فلا تهدره فيما لا ينبغي ، إذا كان نحن نقول بدأنا كتاب الرقاق بأن رأس المال وهو العمر ، النبي r بين لنا أن رأس مالنا علي الحقيقة صغير فقال كما في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح: « أعمار أمتي ما بين الستين إلي السبعين وأقلهم من يتجاوز ذلك » متوسط أعمار الأمة هذه الأمة خمس وستون عاما ، ماذا تعني خمسة وستين سنة ؟ هذا ليس شيئًا كثيرًا فعمرك قليل ، دق الإمام البخاري كما يقال ناقوس الخطر بالتبويب الخامس عندما بوب في هذا التبويب.
    وقال: (باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه).أعذر: أي قطع عذره من بلغ ستين سنة ولم يتب أعذر الله إليه أي أمهله مدة طويلة، وأتي بالحديث « أعذر الله لرجل بلغه ستين سنه »أعذر: أي قطع عذره، يقول قائل: ما معني هذا ؟ لو أن إنسانا ظل ستين سنة مذنبا وأراد أن يتوب لا يقبل منه ؟ ، هذا السؤال المتبادر لأي أحد ممكن أن يسمع هذا الكلام لأجل هذا السؤال عقد الإمام البخاري الباب السادس الذي سنبدأ الكلام منه إن شاء الله تعالي ، نحن شرحنا الأبواب الخمسة الماضية من كتاب الرقاق وطبعًا هو الحقيقة كمية قليلة ، لكن كان يعترضنا آنذاك شبهات واحد يخرج يسب في البخاري فنضطر ندافع عن البخاري ونبين تحدث مناسبة لابد أن نتكلم فيها بكلام يناسبها فنخرج نترك الكتاب ونرجع للمناسبة وهكذا ، مع الإنقطاع عن الدروس ، جعل المسألة يسيره كما ترون خمسة أبواب فقط نحن يمكن أن يكون أصبح لنا سنتين نشرح في كتاب الرقاق.
    الباب السادس: وهو المفترض أن يكون حلقة اليوم للإجابة عن هذا السؤال: هل إذا بلغ الرجل ستين سنة ولم يتب هل معني ذلك أنه إذا أراد أن يتب لا يقبل منه ؟
    الإجابة: في تبويب الإمام البخاري في الباب السادس عندما قال: (باب العمل الذي يُبتغي به وجه الله) ، وقال فيه سعد قال: حدثنا معاذ بن أسد قال: أخبرنا عبدالله ، عبدالله هو ابن المبارك ، قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخبرني محمود بن الربيع وزعم محمود أنه عقل رسول الله r وقال: وعقل مجة مجها من دلوٍ كانت في دارهم ، قال محمود بن الربيع: سمعت عِتبان بن مالك الأنصاري وهو أحد بني سالم قال: غدا علي رسول الله r فقال:« لن يوافي عبد يوم القيامة يقول: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه اللهِ إلا حرم الله عليه النار » .
    هذا الحديث الذي أورده البخاري ، وقد اختصر البخاري هذا الحديث وسأذكره بتمامه إن شاء الله لأن البخاري ذكره بتمامه في صحيحه قبل ذلك ، لكن بوب عليه بقوله: باب: (العمل الذي يبتغي به وجه الله )، إذًا الباب مفتوح لكن إذا مات الرجل علي سن ستين عامًا ولم يتب فقد أعذر الله إليه ، لكن إذا رجع المرء إلي ربه قبل أن يموت وتاب توبة نصوحًا قبل الله U منه بشرط أن يبتغي بعملهِِ وجه الله لأنه ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل حتى في قوم قارون عندما وعظوا قارون قالوا له:﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ ﴾(القصص:77) .
    لأن كل عملٍ لا يُبتغي به وجه الله U فهو هدر كأن صاحبه ما فعل شيئًا ويأتي يوم القيامة مفلسًا ، فلابد للعبد أن يبتغي وجه الله بالعمل ، قال: فيه سعد ، يريد أن يقول في هذا الباب حديث عن سعد بن أبي وقاص t وهذا الحديث الذي أشار إليه البخاري- رحمه الله - عندما قال فيه سعد رواه البخاري في أحد عشر موضعًا من صحيحه، ورواه في أربعة مواضع تامًا ، وفي سبعة مواضع روي بعضه ، أي كعادة البخاري إذا أراد أن يأخذ حكمًا فقهيًا من حديث لا يشترط أن يأتي بالحديث كله بل قد يختصر الحديث علي الفائدة التي يريدها مثل حديث عِتبان بن مالك هذا .
    حديث بن عِتبان بن مالك هذا فيه قصة وهي مفيدة جدًا وسوف أتي عليها وأذكر الفوائد التي فيها ، لكن البخاري لأنه روي هذا الحديث قبل ذلك تامًا في مواضع لم يحتج منه إلا هذه الفقرة إلا كلام النبي r وهو الذي في الأخر « لن يوافي عبدٌ يوم القيامة يقول: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه اللهِ إلا حرمه الله علي النار » ، البخاري يريد هذه الجملة فقط فاختصر الحديث وأتي بهذه الجملة فقط ، فالبخاري روي الحديث تامًا في أربعة مواضع ورواه ببعضه سواء كان طويلًا إلي حد ما أو كان قصيرًا يقتصر علي جملة واحدة في السبعة المواضع الأخرى.
    روي هذا الحديث ثلاثا من أبناء سعد بن أبي وقاصy في الصحيحين
    الأول: عامر بن سعد بن أبي وقاص
    وهذا أوفاهم سياقًا وهو أفضل من ساق هذا الحديث ، وحديث عامر هذا في الصحيحين ورواه عن عامر ،الإمام محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري الإمام المعروف ، ورواه عن الزهري إبراهيم بن سعد في الصحيحين ، وانفرد البخاري برواية شعيب بن أبي حمزة ورواية مالك بن أنس ، ورواية عبدالله بن عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري ، ومسلم انفرد برواية سفيان بن عيينة ورواية يونس بن يزيد ألأيلي ورواية معمر بن راشد عن الزهري .
    أي أنهم اتفقوا عمومًا في رواية الحديث عن الزهري عن عامر وافترقا فيما تحت الزهري ، اتفقا في إبراهيم بن سعد فقط عن الزهري واختلفا في الباقي الذي ذكرته أنا أنفًا ، وطبعًا في رواية كل واحد من هؤلاء ما ليس في رواية الأخر كما لعلي أشرح ذلك إن شاء الله تعالي ،.
    الثاني: مصعب بن سعد، وقد انفرد مسلم برواية مصعب هذا
    الثالث: عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، وقد انفرد البخاري برواية عائشة.
    إذًا اتفقا علي رواية عامر عن سعد وانفرد البخاري برواية عائشة عن أبيها سعد بن أبي وقاص، وانفرد مسلم برواية مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه.
    ما هو الحديث ؟
    هو حديث رائع وممتع وممتلئ بالفوائد وأنا فضلت أن أقرا بعض هذه المواضع التامة التي ذكرها البخاري - رحمه الله - في صحيحه وكون البخاري يورد هذا الحديث في أحد عشر موضعًا من صحيحه يكون بوب علي كل موضعٍ بتبويبٍ مختلف ، وهذا ميزة أن يُطل المرء علي الحديث مباشرة ويأخذ منه الفائدة طبعًا بشرط أن يكون له أهلية يكون دارس علوم الأصول ، يكون دارس علم أصول الفقه لكي يعلم كيف يستنبط الحكم الجزئي من الدليل الشرعي لأن الدليل الشرعي ممكن يخدم أكثر من جزئية ، مثل ما أنتم ترون الآن ، وأنا أعطيكم على سبيل المثال كيف بوب البخاري على هذا الحديث ، وماذا تقول تبويباته ؟ ورواها في أي كتب ؟ وبما بوب على كل موضع من هذه المواضع .
    ونحن كنا قد ذكرنا قبل ذلك الترجمة والمترجم والمترجم له ، وذكرنا شروط الترجمة الفاسدة والصحيحة ، وكيف تكون مواصفات الترجمة الفاسدة ، ولا أريد أن أعيد الكلام عن هذا مرة أخرى ، لكن واضح جدًا من تبويب البخاري أنه تبويب واضح ومباشر ولم يلتبس إن شاء اللهI المواضع التي روي فيها الإمام البخاري _ رحمه الله_الحديث:
    الموضع الأول: رواه في كتاب الإيمان قال: باب: (ما جاء أن الأعمال أن بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى )، ولم يأت بحديث:« إنما الأعمال بالنيات » ، إنما أتى بهذا الحديث من رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن بن عامر عن سعد بن أبي وقاص أن النبيr قال:« إنك لن تنفق نفقة تبتغي وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فِيِّ امرأتك » فالتبويب واضح جدًا ، « أنك لن تنفق نفقة تبتغي وجه الله » ، وهو يقول: باب ما جاء في أن الأعمال بالبنية والحسبة ، والتبويب واضح أنه مطابق تمامًا للحديث .
    الموضع الثاني: رواه الإمام البخاري في كتاب الجنائز ، قال: ( باب رثاء النبيr سعد بن خولة ) والرثاء: هو ذكر محاسن الميت أو التوجع للميت وهو أصل الرثاء ، سياق الحديث وذلك لكي تقول لي رثاء النبيr كيف أتى في الحديث ، وكان المفترض أن أقرأ الحديث كله أولًا ثم أبدأ أقول لك البخاري وضعه في أي الأبواب .
    يقول سعد كان رسول اللهr يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله إني قد بلغ بيَّ من الوجع أي ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة واحدة ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ فقال:« لا » ، فقلت بالشطر ؟ قال:« لا » ، ثم قال:« الثلث والثلث كثير أو قال كبير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت بها حتى ما تجعله في فِيِّ امرأتك».
    فقلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي ؟_ أي هل أنا سأموت في مكة وأنتم ترجعون إلى المدينة وتتركونني دفينًا في مكة_، قال يا رسول الله أخلف بعد أصحابي ؟ قال:« إنك لن تخلف فتعمل عملًا صالحًا إلا ازددت بها درجة ورفعة ، ثم لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوامٌ ويضر بك آخرون ، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول اللهr أن مات بمكة » .
    يرثي له :أي يتوجع له ، ولماذا يتوجع النبيr لسعد بن خولة ؟ لأن المهاجرين عندما تركوا ديارهم وأموالهم تركوها للهI ، فحرَّم الله عليهم لأجل أن يبقى أجرهم كاملًا أن يرجعوا إلى مكة مرة أخرى فيرتدوا على أعقابهم وينكلوا عما بذلوه لله ، فسعد بن خولة مات في مكة في حجة الوداع قبل الحج ، ليته مات في المدينة لكنه مات في أصل مكانه الأول لذلك النبيr سماه البائس« لكن البائس سعد بن خولة » .
    فسعد بن أبي وقاص خشي أن يموت كسعد بن خولة ولذلك قال له يا رسول الله: أخلف بعد أصحابي ؟ هل أنا سأموت بمكة أيضًا ؟ ، ولذلك كما في حديث العلاء بن الحضرمي عند البخاري لم يرخص رسول اللهr للحاج المهاجري أن يبقى في مكة بعد الصدر ، بعد أن يخرج من منى إلا ثلاثة أيام فقط ،ذا حفاظًا على ما بذلوه لله ،فقد بذلوا أموالهم وبذلوا ديارهم للهI لا يرجع مرة أخرى لذلك لما فتحت مكة نما لعلم الأنصار أن النبيr سيرجع إلى مكة ليعيش فيها ، لأن الرسول وهو خارج من مكة التفت إليها وقال:« والله إنك لأحب أرض الله إلى الله وإليَّ ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت » .
    طبعًا بعض الناس يستخدم هذا الحديث في غير مكانه ويستدل به على حب الوطن وعلى حب التراب وأن المرء لابد أن يكون محبًا لبلده ومتعصب لبلده ، لا ، النبيr ما قال هذا تعصبًا لمكة لأنه ولد فيها ، لا أبدًا ، إنما الذي جعله يقول لمكة:« والله إنك لأحب أرض الله إلى الله وإليَّ » أي لأنها أحب الأرض إلى الله وليس لأنه ولد فيها ، نحن من أهل مصر ومكة هي أحب أرض الله إلينا مع أننا لسنا من أهلها ،لأنها أحب الأرض إلى الله ، وهذه هي العلة وليس لأنه ولد فيها وأن هذا دليل على حب الوطن ، لا ، حب الوطن يشترك في الكافر والمسلم ، كل واحد يحب بلده وكل واحد ينتمي إلى بلده وهكذا ، ويحب ملاعب صباه ويحن إليها ، لا فرق بين كافر ومسلم في هذه الجزئية .
    فعندما فتحت مكة ظن أو نما إلي بعض الأنصار أن النبي r يرجع إلي مكة ليعيش فيها ويتركهم في المدينة فأتوا إليه باكين الحديث الحقيقة يمزق القلب هو في صحيح مسلم لو ذكرته لكم كله مؤثر جدًا للغاية فجاءوا إلي النبي r يبكون أنك ستتركنا وسترجع إلي مكة مرة أخري فقال لهم:« المحيا محياكم والممات مماتكم » أي أنني حييت في وسطكم وعشت في وسطكم وسأموت أيضًا بين ظهرانيكم إذًا النبي r مهاجري أن يبقي بعد الخروج من مني بعد الإنتهاء من مناسك الحج إلا ثلاثة أيام يقضي فيها حاجته ثم يرجع إلي المدينة مرة أخري ويحرم عليه أن يبقى في مكة .
    هناك أيضًا حديث آخر وهو الحديث الذي رواه الإمام النسائي وابن ماجه بسند صحيح عن عبدالله بن عمر بن العاص y أن رجلًا مات بالمدينة أي أهو مدني ومات بالمدينة ، فقال النبي:r« ليته مات في غير مولده » أي ليته مات غريبًا بعيدًا عن مكان الذي ولد فيه فقالوا: ( لما يا رسول الله ؟ ) ، فقال لهم:« إن الرجل إذا مات في غير مولده قيس له من موضع مولده إلي منقطع أثره في الجنة » أي هو مثلًا من أهل مصر وذهب إلي الهند ، أو إلي أبعد نقطة في الكرة الأرضية مهاجرا لله ، فارًا بدينه ، ثم مات غريبًا يقاس له في الجنة أي زيادة المسافة التي بين موضع مولده وبين الموضع الذي هاجر إليه ومات فيه ، انظر المسافة طويلة جدًا « يقاس له من موضع مولده إلي منقطع أثره » وهو غريب « في الجنة » ، فهذا أيضًا خسر هذا ، فسعد بن أبي وقاص خشي أن يموت في مكة مثلما مات سعد بن خولة ولذلك قال يرثي له رسول الله r أن مات بمكة أي يتوجع النبيr له أن مات بمكة في بلده التي ولد فيها وهاجر منها إلي الله ورسوله ،ولذلك الإمام البخاري وضع هذا الحديث في كتاب الجنائز بسبب الجملة الأخيرة التي ذكرها .
    الموضع الثالث: ذكره البخاري في كتاب الوصايا قال: ( باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس) ، ثم روي الحديث وطبعًا واضح « أنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس » .
    الموضع الرابع: في كتاب الوصايا أيضًا بعد هذا الحديث بباب قال: ( باب الوصية بالثلث) أي أنه لا يجوز أو يكره للرجل أن يوصي بأكثر من الثلث قال ابن عباس: « وددت لو غض الناس من الثلث » لأن النبي r قال:« الثلث والثلث كثير » .
    الموضع الخامس: البخاري ذكره في كتاب مناقب الأنصار قال: (باب قول النبي r: اللهم أمضي لأصحابي هجرتهم ومرثيته لمن مات بمكة )، لأنه قال:« اللهم أمضي لأصحابي هجرتهم ولا تردهم علي أعقابهم » .
    الموضع السادس: وضعه في كتاب المغازي في (باب حجة الوداع )، لأن مرض سعد بن أبي وقاص هذا كان في حجة ، وموت سعد بن خولة كان أيضًا في حجة الوداع .
    الموضع السابع: الإمام البخاري وضعه في كتاب النفقات قال: (باب فضل النفقة علي الأهل )و الشاهد من هذا الحديث « ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في فِيّ امرأتك » « خير دينار ما أنفقته علي أهلك » كما قال النبي r في حديث أبي هريرة .
    الموضع الثامن: وضعه في كتاب المرضى ، قال: (باب وضع اليد على المريض ) وأورد في هذا حديث عائشة بنت سعد بن أبي وقاص لأن أنا ذكرت لكم أن البخاري انفرد بحديث عائشة عن أبيها ، ومسلم انفرد بحديث مصعب بن سعد عن أبيه الشاهد من هذا عندما سعد بن أبي وقاص قال له:( فأوصي بالثلث وأترك لها الثلثين ) أي للبنت الوحيدة قال له:« الثلث والثلث كثير »ثم وضع يده علي جبهته ثم مسح يده علي وجهي وبطني ثم قال:« اللهم أشف سعدًا وأتمم له هجرته » ، قال سعد:( فمازلت أجد برده علي كبدي فيما يخال إلي حتى الساعة ).
    الموضع التاسع: في صحيح البخاري وضعه في كتاب المرضي ، (باب ما رخص للمريض أن يقول أنا وجع )، لأن سعد بن أبي وقاص قال له:( يا رسول الله قد بلغ بيَّ الوجع ما أري ) لأن في بعض الصوفية يقولون: من توجع فقد شكي الله إلي خلقهِ ، فهل لو قال الإنسان أنا وجع أو أنا أشعر بألمٍ شديد أو أنه تألم ألمًا شديدًا هل هذه تعتبر من الشكوى لغير الله I أم لا ؟
    الجواب: لا، والدليل علي ذلك: أن سعدًا قال:( يا رسول الله قد بلغ بِيَّ الوجع ما تري ) ، وفي بعض الروايات قال:( وجعت وجعًا شديدًا ) هذا وصف لما رأي ومع ذلك لم يعقب النبي r ولم يقل له: كيف تشكو إلي إن هذا شكوى من الله إلي غير الله U وهذا لا يجوز ،وسكوت النبي r يعد إقرارًا .
    الموضع العاشر: وضعه في كتاب الدعوات ، باب: ( الدعاء برفع الوباء والوجع )، طبعًا لأنه قال:« اللهم أشف سعدًا وأتمم له هجرته» وهذا دعاء منه r .
    الموضع الأخير وهو الموضع الحادي عشر: وضعه في كتاب الفرائض وهو المواريث ، قال: (باب ميراث البنات) ، وكأن الإمام البخاري يشير إلي العادة الجاهلية التي مازالت مستمرة حتى الآن وهو أنهم يأكلوا ميراث البنات ، أو أن الأب يوصي البنت تأخذ أي شيء من الميراث من باب الترضية لها ويترك الباقي لأولاده الذكور علي أساس أن هذه المرأة تتزوج ولها زوج ينفق عليها .
    البخاري - رحمة الله - عليه أخرج إحدى عشرة فائدة من هذا الحديث والحديث هذا فيه أكثر من إحدى عشرة بأضعاف ، ولذلك أنا في المرة القادمة إن شاء الله I سأقف عند بعض الفوائد التي لم يذكرها الإمام البخاري في صحيحه ، لأدلل بذلك علي أن النص الواحد يمكن أن يستخرج منه عشرات الأحكام ، لا يشترط أن يكون لكل حكمٍ جزئي دليلًا مستقلًا ، لا ، بل الحديث الواحد قد يخدم عدة أدلة ولكن لا يستطيع أن يصل إلي هذا إلا رجلٍ غواص دارس لعلوم الآلات خاصة علم أصول الفقه ويعرف كيف يتصرف في المعاني .
    انتهى الدرس الدرس الرابع والخمسين
    نسألكم الدعاء
    ( أختكم أم محمد الظن)
    * * * *

    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ الرابع والخمسين من فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني


    رايط تحميل الدرس مفرغ
    http://alheweny.org/aws/play.php?catsmktba=11682
    الرابط المرئي:
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ الرابع والخمسين من فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني

    يرفع للفائدة
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •