تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: فائدة نفيسة للإمـــــام ابن قدامة المقدسي رحمه الله .

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    75

    افتراضي فائدة نفيسة للإمـــــام ابن قدامة المقدسي رحمه الله .

    [align=center] بسم الله الرحمن الرحيم .

    هذه مقدمة كتاب [ تحريم النظر في كتب الكلام ] للإمام ابن قدامة رحمه الله ، و هذا الكتاب العظيم يرد الإمام بن قدامة فيه على ابي الوفاء إبن عقيل مع أن أبي الوفاء أعلن توبته ورجوعه لمذهب السلف ، بل كتب في الرد على ما كان يعتقده . وفي هذا بيان أن المفصود رد الباطل الذي قد يعتبره بعض الأغرار أو العوام حقاً لارتفاع مكان صاحبه في الناس ، وعلو قدره ، أو لكون صاحبه عرف بالذب عن السنة .
    فالسلف رحمهم الله ، عملوا على رد المقالات الباطلة التي تنتشر فيضل بها الناس صيانة للدين وحماية للشريعة من تحريف الغالين وانتحال المبطلين .فإلى هذه الفائدة النفيسة :

    قال الموفق ابن قدامة :
    ‘‘ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا موافيا لنعمه مكافئا لمزيده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في توحيده وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم أنبيائه وخير عباده وعلى آله وصحابته وسائر المتمسكين بسنته المحتذين لطريقه أما بعد فإنني وقفت على فضيحة ابن عقيل التي سماها نصيحة وتأملت ما اشتملت عليه من البدع القبيحة والشناعة على سالكي الطريق الواضحة الصحيحة فوجدتها فضيحة لقائلها قد هتك الله تعالى بها ستره وأبدى بها عورته ولولا أنه قد تاب إلى الله تعالى منها وتنصل ورجع عنها واستغفر الله تعالى من جميع ما تكلم به من البدع أو كتبه بخطه أو صنفه أو نسب إليه ( 1 )لعددناه في جملة الزنادقة وألحقناه بالمبتدعة المارقة ولكنه لما تاب وأناب وجب أن تحمل منه هذه البدعة والضلالة على أنها كانت قبل توبته في حال بدعته وزندقته ثم قد عاد بعد توبته إلى نص السنة والرد على من قال بمقالته الأولى بأحسن كلام وأبلغ نظام وأجاب على الشبه التي ذكرت بأحسن جواب وكلامه في ذلك كثير في كتب كبار وصغار وأجزاء مفردة وعندنا من ذلك كثير (2 )
    فلعل إحسانه يمحو إساءته وتوبته تمحو بدعته فإن الله تعالى يقبل التوبة عن عبادة ويعفو عن السيئات ولقد كنت أعجب من الأئمة من أصحابنا الذين كفروه وأهدروا دمه وأفتوا بإباحة قتله وحكموا بزندقته قبل توبته ولم أدر أي شيء أوجب هذا في حقه وما الذي اقتضى أن يبالغوا فيه هذه المبالغة حتى وقفت على هذه الفضيحة فعلمت(3) أن بها وبأمثالها استباحوا دمه وقد عثرت له على زلات قبيحة ولكن لم أجد عنه مثل هذه التي بالغ فيها في تهجين السنة مبالغة لم يبالغها معتزلي ولا غيره
    وكان أصحابنا يعيرونه بالزندقة فقال الشيخ أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلواذاني رحمه الله تعالى في قصيدته يقول فيها :
    ومذ كنت من أصحاب أحمد لم أزل ... أناضل عن أعراضهم وأحامي
    وما صدني عن نصرة الحق مطمع ... ولا كنت زنديقا حليف خصام


    يعرض بابن عقيل حيث نسب إلى ذلك وبلغني أن سبب توبته أنه لما ظهرت منه هذه الفضيحة أهدر الشريف أبو جعفر رحمه الله تعالى دمه وأفتى هو وأصحابه بإباحة قتله
    وكان ابن عقيل يخفى مخافة القتل فبينما هو يوما راكب في سفينة فإذا في السفينة شاب يقول تمنيت لو لقيت هذا الزنديق ابن عقيل حتى أتقرب إلى الله تعالى بقتله وإراقة دمه ففزع وخرج من السفينة وجاء إلى الشريف أبي جعفر فتاب واستغفر .
    وها أنا أذكر توبته وصفتها بالإسناد ليعلم أن ما وجد من تصانيفه مخالفا للسنة فهو مما تاب منه فلا يغتر به مغتر ولا يأخذ به أحد فيضل ويكون الآخذ به كحاله قبل توبته في زندقته وحل دمه
    أخبرنا الشيخ الإمام الثقة المسند أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادي بقراءتي عليه في ذي القعدة سنة ثلاث وستمائة بمسجدنا المحروس بظاهر دمشق حرسها الله تعالى قلت له أخبركم القاضي الأجل العالم أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزار إجازة إن لم يكن سماعا قال حضرت يوم الاثنين الثامن من المحرم سنة خمس وستين وأربعمائة توبة الشيخ الإمام أبي الوفاء بن عقيل في مسجد الشريف أبي جعفر رحمه الله تعالى في نهر معلى وحضر في ذلك اليوم خلق كثير قال : يقول علي بن عقيل إنني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب المبتدعة الاعتزال وغيره ومن صحبة أربابه وتعظيم أصحابه والترحم على أسلافهم والتكثر بأخلاقهم وما كنت علقته ووجد بخطي من مذاهبهم وضلالاتهم فأنا تائب إلى الله سبحانه تعالى من كتابته وقراءته وإنه لا يحل لي كتابته ولا قراءته ولا اعتقاده وذكر شيئا آخر ثم قال فإني أستغفر الله وأتوب إليه من مخالطة المبتدعة المعتزلة وغيرهم ومكاثرتهم والترحم عليهم والتعظيم لهم فإن ذلك كله حرام لا يحل لمسلم فعله لقول النبي من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام
    وقد كان سيدنا الشريف أبو جعفر أدام الله علوه وحرس على كافتنا ظله ومن معه من الشيوخ والأتباع سادتي وإخواني أحسن الله عن الدين والمروة جزاءهم مصيبين في الإنكار علي لما شاهدوه بخطي في الكتب التي أبرأ إلى الله تعالى منها واتحقق أنني كنت مخطئا غير مصيب
    ومتى حفظ علي ما ينافي هذا الخط وهذا الإقرار فلإمام المسلمين أعز الله سلطانه مكافاتي على ذلك بما يوجبه الشرع من ردع ونكال وإبعاد وغير ذلك وأشهدت الله تعالى وملائكته وأولي العلم على جميع ذلك غير مجبر ولا مكره وباطني وظاهري في ذلك سواء
    قال الله تعالى ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام

    ثم كتب الشهود خطوطهم وهذه نسختها
    1-أشهدني المقر على إقراره بجميع ما تضمنه هذا الكتاب وكتب عبد الله بن رضوان في المحرم سنة خمس وستين وأربعمائة بمثل ذلك أشهدني وكتب محمد بن عبد الرزاق بن أحمد بن السني في التاريخ
    2-أشهدني المقر على إقراره بجميع ما تضمنه هذا الكتاب وكتب الحسن بن عبد الملك بن محمد بن يوسف بخطه
    سمعت إقرار المقر بذلك وكتب محمد بن أحمد بن الحسن
    3-أشهدني المقر على نفسه بذلك وكتب علي بن عبد الملك بن محمد بن يوسف آخرها
    وكتب محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله وحضر في هذا اليوم في مسجد الشريف خلق كثير

    فهذه الفضيحة - [ابن قدامة يعني كتاب ابن عقيل وهو النصيحة سماه ابن قدامة بالفضيحة فتأمل ]-من جملة ما تاب منه إلى الله تعالى وأقر بأنه ضلال وبدعة وأنه متى وجد بخطه وجبت مقابلته عليه وينتقم الله منه
    فكيف يحتج بقول هذا محتج أو يغتر به مغتر أو يقول به قائل أو يتعلق به متعلق مع شهادة قائله عليه بالضلال وإجماع العلماء من أهل بلدته على استتابته منه وإهدار دمه به وبأمثاله وهذا أدل شيء على خطئه وضلاله وإن كانت هذه المقالة صدرت منه بعد توبته فهذا دليل على زندقته وإصراره على بدعته ورجوعه إلى ضلالته فإن معنى الزندقة إظهار الحق واعتقاد خلافه وهو النفاق الذي كان على عهد رسول الله ويسمى اليوم الزندقة .وهذا الرجل قد صنف في نفي تأويل الصفات والرد على متأولها جزءا مفردا وصنف في الحرف والصوت جزءا مفردا وصنف كتاب الانتصار للسنة وغيرها من الكتب وملأها من السنة والرد على المبتدعة
    فإن كان يظهر ذلك ويبطن هذا ويعتقده فهو زنديق فكيف يجوز أن يحتج محتج بمقالته أو يرضى لنفسه بمثل حاله أو يضل بضلالته ونعوذ بالله تعالى ولا يظن به هذا ولكن لما علمت منه حالتان حالة بدعة وحالة توبة نسبنا كل ما وجد من كلامه من البدع إلى حالة البدعة لا غير
    وما عادتي ذكر معائب أصحابنا وإنني لأحب ستر عوراتهم ولكن وجب بيان حال هذا الرجل حين اغتر بمقالته قوم واقتدى ببدعته طائفة من أصحابنا وشككهم في اعتقادهم حسن ظنهم فيه واعتقادهم أنه من جملة دعاة السنة فوجب حينئذ كشف حاله وإزالة حسن ظنهم فيه ليزول عنهم اغترارهم بقوله وينحسم الداء بحسم سببه
    فإن الشيء يزول من حيث ثبت
    (4)وبالله التوفيق والمعونة ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإسلام والسنة وعلى كل حال فهو قد نفر من التقليد وأنكر حسن الظن بالمشايخ فكيف يحسن الظن فيمن ينكر حسن الظن به وكيف يقبل قول من ينهى عن قبول قول غيره وينبغي لنا أن نقبل قوله في نفسه فيساء الظن به ولا نقبل قوله في غيره كمن أقر بشيء عليه وعلى غيره قبل قوله عليه ولم يقبل على غيره
    وها أنا أجيب عن مقالته إن شاء الله تعالى فصلا فصلا وأبين عوار كلامه فرعا وأصلا بتوفيق الله ومعونته ...
    ’’
    ا.هـ

    [align=right]______________

    (1 ) قلت : أنظر هنا ، وتأمل رحمك الله ، فهو يبين أنه تاب منها ، ورجع ، ومع ذلك يرد على ما كتبه أبو الوفاء ابن عقيل وانتشر بين الناس ، فلم بعض الأخوة هداهم الله يقولون لا تردوا على فلان من الناس ، فقد تاب ورجع ، والجواب على هذه الشبة سيأتي قي كلام ابن قدامة فتأمل .- انظر التعليق رقم -4- .
    (2) تأمل أخي الكريم ، هنا يؤكد ابن قدامة رحمه الله أن ابن عقيل تاب ، بل ردّ على من قال بقوله ومع ذلك لم يحمل ابن قدامة رحمه الله على ترك ما انتشر بين الناس من الباطل والضلال بلا تبيين وتعرية .
    (3) تامل أخي الكريم هذا الكلام ، واعلم أن العالم من علماء السنّة قد تخفى عليه بدعة المبتدع ، أو حاله ، او مقاله ، ثم بناءً عليه قد يظهر منه استنكار على من أنكر على المبتدع او شنّع عليه ، ولهذا فإن علماء السنّة يصدّق بعضهم بعضاّ في تقرير الأصول والقواعد الكلية الشرعية ، لكن لا يلزم من ذلك أن يعلموا حال كل مبتدع أو مخالف ، وبناءً عليه يختلف الحكم على الأشخاص من عالم لعالم .
    (4) هنا يذكر ابن قدامة سبب ردّه على ابن عقيل ، و التشنيع بمقالته ، مع أنه ذكر أنه تاب فتأمل هذا حق التأمل تعرف مدى حرص السلف رحمهم الله على حماية الشريعة لا حماية الأشخاص والله المستعان[/align]

    صالح السويح
    25/1/1428هـ
    [/align]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    166

    Post

    بسم الله الرحمن الرحيم:
    أسأل الله لك الأخ الفاضل أن يغفر لك ، ويرحمك ، ويرضى عنك ، ويتقبل منك ، ويدخلك الجنة ، وينجيك من النار.

    أولا، أودّ أن أشير إلى ثلاثة أحوال عُرفت عن الشيخ أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي، وأنها جاءت في الترتيب الزمني لحياة ابن عقيل على الشكل الآتي:
    الحالة الأولى: مدحُ الحلاج والترحم عليه والاعتذار له.
    وهنا يقول الشيخ ابن الجوزي: (وكان ~أي الشيخ ابن عقيل~ قد صنف في مدح الحلاج جزءا في زمان شبابه ، وذلك الجزء عندي بخطه تأول فيه أقواله وأفعاله، وفسر أسراره واعتذر له).
    فهذه الحالة كانت في شبابه، ثم تاب منها، فقال: ( واعتقدتُ في الحلاج أنه من أهل الدين والزهد والكرامات . ونصرتُ ذلك في جزء عملته . وأنا تَائب إلى الله تعالى منه ، وأنه قتل بإجماع علماء عصره ، وأصابوا في ذلك ، وأخطأ هو . ومع ذلك فإني أستغفر اللّه تعالى ، وأتوب إليه من مخالطة المعتزلة ، والمبتدعة ، وغير ذلك ، والترحم عليهم ، والتعظيم لهم فإن ذلك كله حرام . ولا يحل لمسلم فعله لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : « من عظَّم صاحب بدعة فقد أعان على هَدْمِ الإسلام )

    الحالة الثانية: أنه كان على السنة، إلا أنه أحيانا كان يميل إلى الاعتزال. خاصة في تأويل المتشابه.

    الحالة الثالثة: أنه كان على السنة المحضة، والموافقة الكاملة للسلف الصالح.

    وعن الحالة الثانية والحالة الثالثة، يقول الشيخ ابن تيمية : (.. لَكِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ الْغَالِبُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ عَنْ السُّنَّةِ أَنْ يَمِيلَ إلَى التَّجَهُّمِ وَالِاعْتِزَالِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ ؛ بِخِلَافِ آخِرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ . فَقَدْ خَرَجَ إلَى السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ)

    وبطبيعة الحال، ينبغي لنا أن نقول: (إن الشيخ أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي على مذهب السنة والجماعة، لأنه ~وكما قال الشيخ ابن تيمية ~ المذهب الذي استقر عليه آخر حياته).

    وهنا، وكما ذكر الأخ الكريم في هذا الموضوع (في رد الشيخ ابن قدامة المقدسي على الشيخ أبو الوفاء بن عقيل، رغم علمه بتوبته):
    فالأظهر أن الشيخ ابن قدامة المقدسي يناقش ابن عقيل في الحالة الأولى التي كان يعظّم فيها الحلاج، وتاب منها.
    لأن ابن قدامة يقول في كتابه (تحريم النظر في كتب الكلام):
    (وَأما قَوْله ~أي ابن عقيل~ فِي مَسْأَلَة الْقُرْآن فَالْكَلَام فِيهَا فِي فصلين أَحدهمَا فِي الصَّوْت الَّذِي بَدَأَ بإنكاره ..)
    فنحن نعلم أن كتاب (مسألة الحرف والصوت أو مسألة القرآن) هو كتاب صنّفه ابن عقيل في آخر حياته لإثبات أن الله عز وجل تكلم بصوت.
    وكذلك يقول ابن قدامة:
    «وَكم قد شرح هُوَ (يعني ابن عقيل) مقَالَة أهل السّنة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَبَين الْحق فِيهَا بعد تَوْبَته من هَذِه الْمقَالة، وَبَين أَنه إِذا سَأَلنَا سَائل عَن معنى هَذِه الْأَلْفَاظ، قُلْنَا لَا نزيدك على ألفاظها زِيَادَة تفِيد معنى، بل قرَاءَتهَا تَفْسِيرهَا من غير معنى بِعَيْنِه وَلَا تَفْسِير بِنَفسِهِ، وَلَكِن قد علمنَا أَن لَهَا معنى فِي الْجُمْلَة يعلمهُ الْمُتَكَلّم بهَا فَنحْن نؤمن بهَا بذلك الْمَعْنى»~انته كلام ابن قدامة~

    فأنا أعتقد أن رد الشيخ الموفق ابن قدامة على الشيخ ابن عقيل له إحتمالان:
    الأول: إما أن الشيخ الموفق ابن قدامة لا يعلم هل استقر آخر أمر الشيخ ابن عقيل على السنة، أم استقر على الاعتزال.
    وكلام الشيخ ابن تيمية يؤكد أن ابن عقيل استقر آخر أمره على السنة. ( قال الشيخ ابن تيمية : .. لَكِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ الْغَالِبُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ عَنْ السُّنَّةِ أَنْ يَمِيلَ إلَى التَّجَهُّمِ وَالِاعْتِزَالِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ ؛ بِخِلَافِ آخِرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ . فَقَدْ خَرَجَ إلَى السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ)

    الثاني: وهو ما قاله كاتب الموضوع جزاه الله خيرا: (سبب ابن قدامة على ابن عقيل ، و التشنيع بمقالته ، مع أنه ذكر أنه تاب. فتأمل هذا حق التأمل تعرف مدى حرص السلف رحمهم الله على حماية الشريعة لا حماية الأشخاص)
    ولي تعليق على هذا الاحتمال الثاني: وهو أنه إذا كان في رد ابن قدامة على ابن عقيل رغم علمه بتوبته; فائدةٌ هي التحذير مما كان يقول به ابن عقيل في بداياته، فلربما تلقّاها عنه من لا يعلم أنه تبرّأ منها.
    إلا أنه ~حسب رأيي~ هناك مخاطرةٌ في رد ابن قدامة على ابن عقيل بهذا الشكل، فلربما فهم الناس من هذا أن ابن عقيل كان معتزليا خارجا عن السنة، فيعرضون بذلك عن كل ما قاله ابن عقيل أو كل ما صنّفه.
    لأن الأولى، الرد والايضاح بالشكل الذي اتبعه شيخ الاسلام ابن تيمية، حيث يقول: (ولابن عقيل أنواع من الكلام فإنه كان من أذكياء العالم كثير الفكر والنظر في كلام الناس فتارة يسلك مسلك نفاة الصفات الخبرية وينكر على من يسميها صفات ويقول : إنما هي إضافات موافقة للمعتزلة كما فعله في كتابه ذم التشبيه وإثبات التنزيه وغيره من كتبه.. وتارة يثبت الصفات الخبرية ويرد على النفاة والمعتزلة بأنواع من الأدلة الواضحات. وتارة يوجب التأويل كما فعله في الواضح وغيره وتارة يحرم التأويل ويذمه وينهي عنه كما فعله في كتاب الأنتصار لأصحاب الحديث..)
    قلتُ: وحتى يُوضّح الشيخ ابن تيمية أن هذه الكتب لم تأت مختلطة مضطربة، بل كانت الكتب التي وافق فيها الشيخ ابن عقيل أهلَ السنة ككتاب الأنتصار لأصحاب الحديث وغيره، كانت هي التي استقر عليها أمره أخر حياته، لذا قال الشيخ ابن تيمية:
    ( لَكِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ الْغَالِبُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ عَنْ السُّنَّةِ أَنْ يَمِيلَ إلَى التَّجَهُّمِ وَالِاعْتِزَالِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ ؛ بِخِلَافِ آخِرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ. فَقَدْ خَرَجَ إلَى السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ)
    بل أكثر من ذلك، حتى لا يقول إنسان: (إذا أردتُ الأخذ عن كتب ابن عقيل الحنبلي، فإني سآخذ بكتاب الأنتصار لأصحاب الحديث، لأنه موافق للسنة، ولا آخذ بكتاب الواضح في أصول الفقه، لأن فيه دعوة للتأويل ..) فيوضّح الشيخ ابن تيمية في المُسَوَّدة: " لله در الواضح لابن عقيل من كتاب، ما أغزر فوائده، وأكثر فرائده، وأزكى مسائله، وأزيد فضائله، من نقل مذهبٍ، وتحرير حقيقةِ مسألةٍ، وتحقيق ذلك) أي كأن الشيخ ابن تيمية هاهنا يقول ( كتاب الواضح كتاب فوائده غزيرة وفرائده كثيرة، فاستفيدوا منها، لكن لا تأخذوا بدعوته ونصرته للتأويل، فإن التأويل للمتشابه مذهبٌ قد تاب الشيخ أبو الوفاء بن عقيل منه)
    قلت: ومن الدليل أيضا على أن الشيخ أبو الوفاء بن عقيل قد تاب عن التآويل، قوله في كتابه (مسألة في الحرف والصوت):
    قالت الأشاعرة بالتهجم على تأويل المتشابه وصرف الأحاديث عن ظاهرها بالرأي وحكم العقل خلاف الشرع. وذلك خطر عظيم و غرر جسيم وإثم موبق ودخول في من قال الله عز وجل في حقه: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ).
    والله أعلم بالصواب.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    166

    Post

    (تابع)
    فأنا أعتقد أن رد الشيخ الموفق ابن قدامة على الشيخ ابن عقيل له إحتمالان:
    الأول: إما أن الشيخ الموفق ابن قدامة لا يعلم هل استقر آخر أمر الشيخ ابن عقيل على السنة، أم استقر على الاعتزال.
    وكلام الشيخ ابن تيمية يؤكد أن ابن عقيل استقر آخر أمره على السنة. ( قال الشيخ ابن تيمية في مجموع الفتاوى: .. لَكِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ الْغَالِبُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ عَنْ السُّنَّةِ أَنْ يَمِيلَ إلَى التَّجَهُّمِ وَالِاعْتِزَالِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ ؛ بِخِلَافِ آخِرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ . فَقَدْ خَرَجَ إلَى السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ)

    الثاني: وهو ما قاله كاتب الموضوع جزاه الله خيرا: (سبب ابن قدامة على ابن عقيل ، و التشنيع بمقالته ، مع أنه ذكر أنه تاب. فتأمل هذا حق التأمل تعرف مدى حرص السلف رحمهم الله على حماية الشريعة لا حماية الأشخاص)
    ولي تعليق على هذا الاحتمال الثاني: وهو أنه إذا كان في رد ابن قدامة على ابن عقيل رغم علمه بتوبته; فائدةٌ هي التحذير مما كان يقول به ابن عقيل في بداياته، فلربما تلقّاها عنه من لا يعلم أنه تبرّأ منها.
    إلا أنه ~حسب رأيي~ هناك مخاطرةٌ في رد ابن قدامة على ابن عقيل بهذا الشكل، فلربما فهم الناس من هذا أن ابن عقيل كان معتزليا خارجا عن السنة، فيعرضون بذلك عن كل ما قاله ابن عقيل أو كل ما صنّفه.
    لأن الأولى، الرد والايضاح بالشكل الذي اتبعه شيخ الاسلام ابن تيمية، حيث يقول في (درء التعارض): (ولابن عقيل أنواع من الكلام فإنه كان من أذكياء العالم كثير الفكر والنظر في كلام الناس فتارة يسلك مسلك نفاة الصفات الخبرية وينكر على من يسميها صفات ويقول : إنما هي إضافات موافقة للمعتزلة كما فعله في كتابه ذم التشبيه وإثبات التنزيه وغيره من كتبه.. وتارة يثبت الصفات الخبرية ويرد على النفاة والمعتزلة بأنواع من الأدلة الواضحات. وتارة يوجب التأويل كما فعله في الواضح وغيره وتارة يحرم التأويل ويذمه وينهي عنه كما فعله في كتاب الأنتصار لأصحاب الحديث..)
    قلتُ: وحتى يُوضّح الشيخ ابن تيمية أن هذه الكتب لم تأت مختلطة مضطربة، بل كانت الكتب التي وافق فيها الشيخ ابن عقيل أهلَ السنة ككتاب الأنتصار لأصحاب الحديث وغيره، كانت هي التي استقر عليها أمره أخر حياته، لذا قال الشيخ ابن تيمية:
    ( لَكِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ الْغَالِبُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ عَنْ السُّنَّةِ أَنْ يَمِيلَ إلَى التَّجَهُّمِ وَالِاعْتِزَالِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ ؛ بِخِلَافِ آخِرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ. فَقَدْ خَرَجَ إلَى السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ)
    بل أكثر من ذلك، حتى لا يقول إنسان: (إذا أردتُ الأخذ عن كتب ابن عقيل الحنبلي، فإني سآخذ بكتاب الأنتصار لأصحاب الحديث، لأنه موافق للسنة، ولا آخذ بكتاب الواضح في أصول الفقه، لأن فيه دعوة للتأويل ..) فيوضّح الشيخ ابن تيمية في المُسَوَّدة: " لله در الواضح لابن عقيل من كتاب، ما أغزر فوائده، وأكثر فرائده، وأزكى مسائله، وأزيد فضائله، من نقل مذهبٍ، وتحرير حقيقةِ مسألةٍ، وتحقيق ذلك) أي كأن الشيخ ابن تيمية هاهنا يقول ( كتاب الواضح كتاب فوائده غزيرة وفرائده كثيرة، فاستفيدوا منها، لكن لا تأخذوا بدعوته ونصرته للتأويل، فإن التأويل للمتشابه مذهبٌ قد تاب الشيخ أبو الوفاء بن عقيل منه)
    قلت: ومن الدليل أيضا على أن الشيخ أبو الوفاء بن عقيل قد تاب عن التآويل، قوله في كتابه (مسألة في الحرف والصوت):
    قالت الأشاعرة بالتهجم على تأويل المتشابه وصرف الأحاديث عن ظاهرها بالرأي وحكم العقل خلاف الشرع. وذلك خطر عظيم و غرر جسيم وإثم موبق ودخول في من قال الله عز وجل في حقه: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ).

    والله أعلم بالصواب.



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •