« أصول دعوة الشيخ -رحمه الله- » :
لقد أوضح أصول دعوته في رسائله(( الدرر السنية )) (1 \ 62 - 64) حيث قال :
1 - أما ما نحن عليه من الدين فعلى دين الإسلام الذي قال الله فيه : (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))[سورة آل عمران : 85 ].
2 - وأما ما دعونا الناس إليه فندعوهم إلى التوحيد الذي قال الله فيه خطابا لنبيه صلى الله عليه وسلم: (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ))[سورة يوسف : 108] وقوله تعالى : (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ))[سورة الجن: 18] .
3 - وأما ما نهينا الناس عنه فنهيناهم عن الشرك الذي قال الله فيه: (( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ))[ سورة المائدة : 72] وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على سبيل التغليط وإلا فهو منزه هو وإخوانه عـن الشرك : (( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ))[سورة الزمر 65 - 66 ] وغير ذلك من الآيات .
4 - ونقاتلهم عليه كما قال الله تعالى : (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ))[سورة البقرة : 193 ] أي شرك ، ثم ساق الأدلة على ذلك إلى أن قال:
5 - وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون للـكتاب والسنة وصالح سلف الأمة وما عليه الاعتماد من أقـوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل -رحمهم الله- .
6 - وما جئنا بشيء يخالف النقل ولا ينكره العقل . . . نقاتل عباد الأوثان كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ونقاتلهم على ترك الصلاة وعلى منع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- . انتهى .
وقال في رسالة أخرى من رسائله (( الدرر السنية )) (1 \ 56 ). :
7 - وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا الذي أكفره ، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك .
8 - وأما القتال فلم نقاتل أحـدا إلا دون النفس والحرمة ، فإنا نقاتل على سبيل المقابلة سورة الشورى الآية 40 وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا .
وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعدما عرفه . وقال أيضا (( الدرر السنية )) (1 \ 54 ). .
9 - وأيضا ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر وأنواع المنكرات .
= = = = = = = = = =
« المراحل التي مرت بها دعوة الشيخ محمد رحمه الله » :
بدأ الشيخ دعوته في بلدة حريملاء لوجود والده فيها ، ولكن لما كانت الظروف غير مواتية ترك هذه البلدة بحثا عن غيرها فاتجه إلى العيينـة واتصل بأميرها عثمان بن معمر فساعده في أول الأمر واجتمع حـوله طلبة وبدأ بتنفيذ الأحكام الشرعية فهدم بعض القباب الشركية ورجم في الزنا .
ثم إن ابن المعمر تخلى عنه خوفا من تهديد بعض الرؤساء ، فترك الشيخ العيينة وبحث عن غيرها فاتجه إلى الدرعية واتصل بـأميرها محمد بن سعود وعرض عليه دعوته فقبلها وبايعه على مناصرته وصدق في ذلك .
وهناك استقر الشيخ -رحمه الله- وانعقدت حوله حلق الـدروس ووفد إليه الطلاب من مختلف الجهات . وتكونت في هذه البلدة ولاية إسـلامية أميرها الإمام محمد بن سعود وموجهها / الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وامتدت الدعوة إلى البلاد المجاورة ونشأ الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة التوحيد وقمع الشرك . وما هي إلا فترة وجيـزة حتـى انتشرت الـدعوة وتوحدت جميع البلدان النجدية تحت رايتها . وامتدت فيما بعد ذلك إلى الحجاز وعسير وشمال الجزيرة ، وكان ذلك بفضل الله وحده ثـم مؤازرة آل سعود لهذه الدعوة المباركة ، وصدق الله وعده (( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ))[سورة محمد : 7] ،(( وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ))[سورة الصافات: 173]،(( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ))[سورة الحج :40 ].
= = = = = = = = = =
« المراجع التي يعتمد عليها الشيخ -رحمه الله- وعلماء الدعوة من بعده والمنهج الذي يسيرون عليه في الفتوى وأخذ المسائل » :
المراجع التي يعتمد عليها علماء الدعوة هي:
1 - القرآن الكريم وتفاسيره المعتمدة .
2 - السنة النبوية وشروحها .
3 - كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه وابن القيم وغيرها من كتب السلف في سائر الفنون .
4 - كتب المذاهب الأربعة وبالأخص كتـب المذهـب الحنبلـي وما ترجح بالدليل من غيره .
يقول الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (( الدرر السنية )) (1 \ 126) . :
مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة وطريقتنا طريقة السلف وهي أنا نقر آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها .
ونحن أيضا في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة .
ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق ولا أحد لدينا يدعيها . إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتـاب أو سنة غيـر منسـوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة ، فإنا نقدم الجد بالإرث وإن خالف مذهب الحنابلة .
ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد وقد سبق جمع من أئمة المذاهب الأربعة إلى اختيارات لهم في بعض المسائل مخالفين للمذهب الملتزمين تقليد صاحبه .
ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة ومـن أجلها لدينا تفسير ابن جرير ومختصره لابن كثير الشافعي وكذا البغوي والبيضاوي والخازن والحداد والجلالين وغيرهم .
وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري والنووي على مسلم والمناوي على الجامع الصغير ، ونحرص على كتب الحديث . خصوصا الأمهات الست وشروحها ونعتني بسـائر الكتب في سائر الفنون أصولا وفروعا وقواعد وسيرا ونحوا وصرفا وجميع علوم الأمة .
هذا وعندنا أن الإمام ابن القيم وشيخه إماما حق من أهل السنة وكتبهم عندنا من أعز الكتب إلا أنا غير مقلدين لهما في كل مسألة فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ومعلوم مخالفتنا لهما في عدة مسائل منها طلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس فإنا نقول به تبعا للأئمة الأربعة .
= = = = = = = = = =
« ثمرات دعوة الشيخ محمد بن عبد الـوهاب -رحمه الله- وآثارها » :
إن كل دعوة من الدعوات وكل عمل من الأعمال إنما تعرف قيمته من ثمراته المترتبة عليه ومن أثره الذي يتركه . وإن دعوة الشيخ -ولله الحمد- لما كانت دعوة خالصة لله مترسمة منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمـدة عليـه ومستمدة من الكتاب والسنة صار لها أطيب الأثر واستمر نفعها وبقي أثرها وأنتجت للأمة خيرات كثيرة منها:
1 - قيام دولة إسلامية هي دولة آل سعود الذين آزروا هذه الـدعوة وجاهدوا في سبيلها ، ولا تزال هذه الدولة -ولله الحمد- تحكم بشريعـة الله وتخدم الحرمين الشريفين وتشد أزر المسلمين في كل مكان من بقاع العالم بعمارة المساجد والمراكز الإسلامية والتعليمية وتنشر دعوة الإسلام .
2 - تصحيح العقيدة الإسلامية مما علق بها من الشركيات والبدع والخرافات وإرجاعها إلى منبعها الصافي من كتاب الله وسنة رسوله ، وقـد طهر الله كل البلاد التي صار لهذه الدعوة المباركة فيها نفوذ وسلطة من جميع مظاهر الشرك والبدع والخرافات .
3 - امتداد أثر هذه الدعوة المباركة خارج بلادها حتى انتفع بها من هدفه الحق في مختلف بلدان العالم الإسلامي في الشام ومصر والمغرب العربـي ، وإفريقيا والسودان واليمن والعراق والهند والباكستان وإندونيسيا وغيرها .
4 - وجود حركة علمية واعية متحررة من التقليد الأعمى ، فانتشر التعليم في المساجد في مختلف مناطق البلاد حتى تخرج منها علماء أفذاذ في حياة الشيخ وبعدها .
قاموا بنشر هذه الدعوة ورعايتها إلى يومنا هذا ، ثـم أسست لهـذا التعليم جامعات إسلامية تخرج الأفواج تلو الأفواج من مختلف العالم الإسلامي مسلحين بالعقيدة الصحيحة والفكر السليم ينتشرون في العالم الإسلامي وغيره للدعوة إلى الله .
5 - نشاط حركة التأليف والنشر ، فقد قدم علماء هذه الدعوة للأمة الإسلامية رصيدا من الكتب النافعة في الأصول والفروع ومن ذلك:
1 ) مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب إمام الـدعوة ويتـكون مجموعها من اثني عشر مجلدا في الفقه والعقائد والتفسـير والحـديث والسيرة .
2 ) مجموع الفتاوى والرسائل لعلماء الدعوة ويتكون من أحد عشر مجلدا .
3 ) كتب ألفها أئمة الدعوة في مختلف العصـور للرد على خصـوم الدعوة وتبلغ العديد من المجلدات وهي مطبوعة ومتداولة .
4 ) نشر كتب السلف وتوزيعها على المسلمين في موسم الحج وغيره .
5 ) نشر كل مفيد من المؤلفات العصرية وتوزيعها مجانا .
= = = = = = = = = =
« الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ والرد عليهـا » :
تعرضت دعوة الشيخ كغيرها من دعوات المصلحين للنقد من قبل خصومها وأثيرت حولها شبهات ربما تروج على من لـم يعرف حقيقتها ، وقد أثير كثير من هذه الشبهات في حياة الشيخ ورد عليها بنفسـه ، وأثير البعض الآخر - أو بالأصح- أعيدت إثارة تلك الشبه بعد وفـاته ، فرد عليها تلامذته وغيرهم من محققي علماء المسلمين الذين لا يروج عليهـم البهرج والكذب ولا تأخذهم في الله لومة لائم . ومن هذه الشبه:
1 - قالوا: إنه يبطل كتب المذاهب الأربعة ويقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء .
2 - وأنه يدعي الاجتهاد وأنه خارج عن التقليد وأنه يقول اختلاف العلماء نقمة .
3 - قالوا: إنـه يحرم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وزيارة قبر الـوالدين وغيرهما .
4 - وأنه يكفر من حلف بغير الله .
وقد أجاب الشيخ عن هذه بقوله:
جوابي عن هذه المسائل أني أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم وقبله من بهت النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور قال تعالى : (( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ )) [سورة النحل : 105] بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول إن الملائكة وعيسى وعزيرا في النار فأنزل الله في ذلك (( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ )) [سورة الأنبياء : 101] انتهى (( الدرر السنية )) (1 \ 30- 31) .
5 - قالوا: إنه ينهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يقول لو أن لي أمرا هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يتكلم في الصالحين وينهـى عـن محبتهم .
وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: هذا كذب وبهتان افتراه علي الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل. ((الدرر السنية ))(1 \ 52 ) .
6 - قالوا: إنه يكفر جميع الناس إلا من اتبعه وأن أنكحتهم غير صحيحة .
وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: يا عجبا كيف يدخل هذا في عقل عاقل وهل يقول هذا مسلم ، إني أبرأ إلى الله من هـذا القـول الـذي ما يصدر إلا من مختل العقل فاقد الإدراك ، فقاتل الله أهـل الأغراض الباطلة. (( الدرر السنية )) (1 \ 55) . .
7 - قالوا: إنه يكفر بالعموم ويوجب الهجرة إليـه على من قـدر إظهار دينه .
وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: كل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله ، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثـالها لأجل جهلهم وعدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل يعني لم يكفر المسلمين ويقاتلهم (( سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ))[ سورة النور الآية 16] (( انظر الدرر ))(1 \ 66) .
8 - قالوا: إنه ينكر الشفاعة ، فرد الشيخ على ذلك بقوله: ثم بعد هذا يذكر لنا أن عدوان الإسلام الذين ينفرون الناس عنه يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنقول سبحانك هذا بهتان عظيم .
بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع صاحب المقام المحمود نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفعه فينا وأن يحشرنا تحت لوائه ، هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح من المهاجرين والأنصار والتابعين وتابع التابعين والأئمة الأربعة -رضي الله عنهم أجمعين- وهم أحب الناس لنبيهم وأعظمهم في اتباعه وشرعه ، فإن كانوا يأتون عنـد قبـره يطلبونه الشفاعة فإن اجتماعهم حجة ، والقائل: إنه يطلب منه الشفاعة بعد موته يورد علينا الدليل من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع الأمة والحق أحق أن يتبع . انتهى (( الدرر السنية )) (1 \ 46 ) .
9 - وأما اتهام الشيخ أنه يكفر بالعموم ويقاتل المسلمين ، فقـد أجاب الشيخ عنه بقوله: وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثـم بعد ما عرفه سبه ونهى عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفر ، وأكثر الأمة -ولله الحمد- ليسوا كذلك ، وأما القتال فلم نقاتل أحدا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا ، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة وجزاء سيئة سيئة مثلها ، وكذلك مـن جاهر بسب دين الرسول بعدما عرف فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه وأن الواجب إشـاعته في النـاس وتعليمـه الـرجال والنساء. (( الدرر السنية )) (1 \ 51 ). انتهى .
وقال أيضا لما بين بطلان الذي يفعله القبوريون ، فهذا الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقـاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم ، وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ))[سورة البقرة :193] فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان ، كما قال تعالى : (( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ))[سورة الحديد:25] انتهى (( الدرر السنية ))(1 \ 58).
وقال ابنه الشيخ عبد الله بن محمد ، مجملا هذه الشبه مع الـرد عليها:
وأما ما يكذب علينا سترا للحق وتلبيسا على الخلق بـأنا نفسر القرآن برأينا ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا من دون مـراجعة شرح ولا معول على شيخ ، وأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا: النبي رمة في قبره وعصا أحدنا أنفع منه ، وليس لـه شفاعة ، وأن زيارته غير مندوبة ، وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أنزل الله عليه : (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ))[ سورة محمد : 19] .
مع كون الآية مدنية ، وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء ونتلف مؤلفات أهل المذاهب لكون فيها الحق والباطل ، وأنا مجسمة ، وأنا نكفر الناس على الإطلاق أهل زماننا ومن بعد الستمائة إلا من هو على ما نحن عليه ، ومن فروع ذلك أنا لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير عليـه بأنه كان مشركا وأن أبويه ماتا على الإشراك بالله وأنا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقا .
وأن من دان بما نحن عليه سقطت عنه جميع التبعات حتى الديون ، وأنا لا نرى حقا لأهل البيت -رضوان الله عليهم- وأنا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم ، وأنا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شابا إذا ترافعوا إلينا . . . . . فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولا (يعني علماء مكة ) كان جوابنا في كل مسألة من ذلك سبحانك هذا بهتان عظيم .
فمن روى عنا شيئا من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى ، ومن شاهد حالنا وحضر مجالسنا وتحقق ما عندنا علـم قطعا أن جميع ذلك افتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين تنفيرا للناس عـن الإذعـان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص الله عليـه بأن الله لا يغفره (( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))[ سورة النساء: 116] .
فإنا نعتقد أن من فعل أنواعا من الكبائر كقتل المسلم بغير حق والـزنا وشرب الخمر وتكرر منه ذلك أنه لا يخرج بفعله ذلك عن دائرة الإسلام ولا يخلد به في دار الانتقام إذا مات موحدا بجميع أنواع العبادة ، والـذي نعتقده أن رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشـهداء المنصـوص عليهـا في التنزيل ، إذ هو أفضل منهم بلا ريب ، وأنه يسـمع سلام المسلم عليـه وتسن زيارته إلا أنه لا يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس ، ومن أنفـق نفيس أوقـاته بـالاشتغال بالصلاة عليه ، -عليه الصلاة والسلام- الواردة عنه فقد فاز بسعادة الدارين وكفي همه وغمه كما جاء في الحديث عنه ، ولا ننكر كرامات الأولياء ونعترف لهم بالحق وأنهم على هدى من ربهم مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية ، إلا أنهم لا يستحقون شيئا من أنواع العبادات لا حال الحياة ولا بعد الممات ، بل يطلب من أحـدهم الدعاء في حال حياته بل ومن كل مسلم فقد جـاء في الحـديث: دعاء المرء المسلـم مستجاب لأخيه الحديث . وأمر صلى الله عليه وسلم عمر وعليا بسؤال الاسـتغفار من أويس ففعلا .
ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ما ورد ، وكذلك نثبتها لسائر الأنبياء ، والملائكة ، والأولياء والأطفال حسب ما ورد أيضا .
ونسألها من المالك لها والآذن فيها لمن يشاء من الموحدين الـذين هـم أسعد الناس بها كما ورد بأن يقول أحدنا متضرعا: اللهـم شـفع نبينـا محمدا صلى الله عليه وسلم فينا يوم القيامة ، اللهم شـفع فينـا عبـادك الصـالحين أو ملائكتك ، أو نحو ذلك مما يطلب من الله لا منهم ، فلا يقال يـا رسول الله أو يا ولي الله أسألك الشفاعة أو غيرها كأدركني أو أغثني أو اشفني أو انصرني على عدوي ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى فإذا طلب ذلك مما ذكر في أيام البرزخ كان من أقسام الشرك ، إذ لم يرد بذلك نص من كتاب أو سنة ولا أثر من السلف الصالح في ذلك ، بل ورد الكتاب والسنة وإجماع السلف أن ذلك شرك أكبـر قـاتل عليـه رسـول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى (( الدرر السنية )) (1 \ 127- 129) .
هذا وقد انبرى كثير من العلماء بعد وفاة الشيخ -رحمه الله- للإجابة عن هذه الشبهات وألفوا في ذلك مؤلفات ضخمة من أشهرها:
(1) مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام ونسب إليه تكفير أهل الإسلام في مجلد . وهو للشـيخ عبـد اللـطيف بـن عبد الرحمن بن حسن من آل الشيخ -رحمهم الله- .
(2) معارج القبول ، للشيخ الحسيني بن مهدي النعمي من علماء اليمن في مجلد .
(3) غاية الأماني في الرد على النبهاني للشيخ محمود شكري الآلوسي من علماء العراق وهو في مجلدين .
(4) صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان للشيخ محمد بشير السهواني الهندي في مجلد .
وهكذا يقيض الله سبحانه للحق أنصارا في كل زمان تقوم بهم حجة الله على خلقه ، فللـه الحمد والمنة ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .