رابطة علماء المغرب والإعلام المغربي (1)


أعده : أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني
عامله الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي


مقالات مختارة من صحيفة " الميثاق " لسان علماء المغرب في وقت رئاسة الشيخ عبد الله كنون رحمه الله



يعتبر الإعلام سحرا يتحكم في تصورات واتجاهات ومشاعر وأفكار كثير من الناس، ولما أدرك أعداء الإسلام هذه الحقيقة عملوا على العبث فيه وتسميمه بإثارة الشكوك حول كثير من الأحكام الشرعية وبث الأفكار الدخيلة والأخلاق السافلة الغريبة على الهوية الإسلامية من خلال القصص الغرامية والروايات الهابطة والأفلام الجنسية... وهكذا دواليك.
ولتخوف أهل العلم رحمهم الله من هذا الغزو ومعرفتهم بخطورته من وقت مبكر، سعوا إلى إنكاره والصدع بالحق ضده، مع الدعوة إلى إعلام إسلامي متميز عبر مقالات رصينة أوردتها صحيفة " الميثاق " (2) التي كانت تصدرها رابطة علماء المغرب تحت رئاسة الشيخ عبد الله كنون رحمه الله فهاك طرفا منها :


المقال الأول: تقويم الإعلام وتدعيمه


" مما لا شك فيه أن الإعلام في هذا العصر أصبح أساس كل نظام ووسيلة كل خطة أو تصميم وأن دوره أخذ يزداد ويعظم يوما بعد يوم فهو لسان الدولة ووجهها وأداتها لتطبيق وتنفيذ ما تريد وعن طريقه وبواسطته توجه الناس إلى ما ترمي إليه من نظم وقوانين، ونظريات وخطط، وبأجهزته ووسائله تنفذ إلى العقول والأفكار (3)، ولذلك تهتم الدول والحكومات بوسائل إعلامها وتعنى بها حق العناية، فتنظمها أحسن تنظيم وتوجهها وفق رغبتها ومصلحتها، وترصد للإعلام كافة الإمكانيات، من مال وأطر ومناهج، وتكفل لأجهزته أداء رسالتها والقيام بمهماتها على الوجه الأكمل الصحيح، ومن أجل ذلك كان تقدم الإعلام ورقي وسائله وأجهزته وضعفها وفشلها، مقياسا من المقاييس الصحيحة التي تعبر عن مستوى الدولة ودرجتها من الرقي والحضارة...أما عندنا وفي عالمنا الثالث (4) – أخذ الله بيده – فلا يكاد يكون هناك شأن لوسائل الإعلام وأجهزته فلا أموال كافية (5) ولا أطر واعية ولا برامج مفيدة ذلك أن مفهوم الإعلام عندنا يقوم على أنه وسيلة ترفيه ولهو وتسلية في حين أن وظيفته الحقيقية عند الدول المتقدمة (4) أنه وسيلة تربية وتوجيه وتثقيف (6) ولم تعد التسلية والترفيه سوى بعض أغراضه الثانوية..." انتهى بتصرف يسير من العدد 375 السنة 18-20- صفر عام 1402 هجرية.


المقال الثاني: أنقذوا الناشئة من ويلات الأفلام


".... من منكرات الأخلاق العامة التي لم تعرفها الأجيال الماضية، منكرات ما تبثه بعض الأفلام التلفزية والسنمائية الواردة من الخارج، من بلبلة وانحراف يتأثر بهما الناشئ أكثر من غيره، خصوصا وأن هذه الأفلام تقتحم كل بيت، وتعرض على مرأى ومسمع من جميع أفراد العائلة الواحدة شبابهم وشيبهم، وإذا كان كبار السن قد تطغى عليهم ظروف الحياة وقد دخلوها من بابها الواسع فلا يعيرون أكبر انتباه لما يعرض من مناظر هذه الأفلام فإن الناشئة وقد صفت أذهانهم وخلت أفكارهم من هموم المعيشة، فإنهم يتأثرون بما تحتويه هذه الأفلام من سوءات ومخازي (7)، فهل من الحكمة أو هل من المعقول أن نترك الناشئة فريسة هذه المشاهد المثيرة ؟!
....فما هو العلاج ؟
... الحل الوحيد المنطقي أن تراقب هذه الأفلام من طرف المتشبعين بالتدين والأخلاق، فلا يسمحون بعرض المناظر المخلة بالأخلاق والملقنة للناشئة أمثلة السوء، خوفا من الإقتداء بها والتأثر بمخازيها، ففي مناظر الحلال المباح الغنية والكفاية، وهل لدى محبذي (8) مناظر الخزي والفحش، فلسفة جدية، تثبت بالحجج القاطعة أن حياة الناس وطمأنينتهم بل ومتعهم لا تتوفر إلا إذا كان الخزي يمازجها والعار يلاحقها ؟!
إننا شعب مسلم من القمة إلى القاعدة، وإن الإسلام ملخص في مكارم الأخلاق، بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) فهل تشرفنا هذه المكارم في نظر أنفسنا ؟ وهل إذا كرمنا وشرفنا في حقيقة أمورنا نحتاج إلى شهادة غيرنا ؟ فليعش العالم كله على الرذيلة – إن شاء – فهذا لا يهمنا لأننا مسلمون ... " انتهى من العدد 424 السنة 19 – عام فاتح رجب 1403 هجرية.


المقال الثالث: هل يفسد التلفزيون أم يصلح ؟


"... المتتبع لحالة المغرب الاجتماعية منذ أن أصبح له جهاز تلفزيون يلاحظ الفرق العظيم بين الأمس واليوم فيما كانت عليه هذه الحالة وما آلت إليه والسبب هو التلفزيون لا غير... نعم للسينما يد في فساد الأوضاع الاجتماعية، ولكنها بالنسبة إلى التلفزيون لا تمثل حتى 10 في المائة، لأن التلفزيون دخل علينا بيوتنا، في حين أن السينما إنما تؤثر فيمن يسعون إليها ويغشون دورها، وهؤلاء قلة لا تقاس بمشاهدي التلفزيون وهم سكان المغرب أجمع، وأنا لا أشبهه إلا بأداة للهدم، وغالب برامجه إنما هي معاول تعمل في مقدساتنا وتنقضها لبنة تلو اللبنة، والغريب أنهم يختمون هذه البرامج بآيات بينات من الذكر الحكيم الداعي لكل صلاح والمحارب لكل فساد، ويلتفون إلى الناحية التربوية الإصلاحية في رمضان خاصة (9) فيكثرون من الأحاديث التي يسمونها بالدينية، كأنهم يعتقدون أن الإسلام خاص برمضان، وإذا ما ظهر هلال شوال رجعوا إلى برامجهم العادية.
لو قدر للمشرفين على البرامج التلفزيونية أن يخالطوا المجتمع المغربي لعرفوا نتائج أعمالهم، ولو قدر لهم أن ينظروا بعين الاعتبار لأحوالهم لعرفوا أن ما هم فيه من مصائب هو أثر هذه البرامج وصدق الله إذ قال " ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا ويعفو عن كثير ) الشورى 30 " انتهى من العدد 278 السنة 15 – عام 15 رمضان 1398 هجرية.


المقال الرابع: الإعلام الإسلامي وكيف ينبغي أن يكون ؟


".... الإعلام الإسلامي يكتسي الروح الجماعية المتبصرة المتفتحة التي تحذر التخديرات الدخيلة، والإيديولوجيات العلمية، والتسربات الإسرائيلية الإلحادية، لأن الكفر ملة واحدة وإذا تنوعت أساليبه ووسائله، فإن غايته واحدة سواء استهدفها الشرق أو الغرب، وتلك الروح الجماعية بالذات هي التي تجعل كل فرد من المجتمع الإسلامي مسؤولا عن سلامة الاعتقاد والمبدأ والتطبيق، والتفكير في زاد المعاد، مع خشية الله ومراقبته سرا وعلانية في جميع المعاملات، مع النفس أو مع الناس.
وسواء كان الإعلام مرئيا أو مسموعا، فإن الإسلام يوصل حقائقه الباهرة تلقائيا وبصفة مرضية ومقنعة في آن واحد إلى المشاهدين والمستمعين، المشتاقين لإدراك حقائق دينهم، إدراكا خاليا من التهويلات والشوائب والتأويلات الخاطئة، والفلسفات الفارغة التي يمجها المنطق السليم، وذلك درءا لكل التهجمات المقصودة، ودفعا لحملات التشكيك والتضليل والترهيب فلا بد من الرجوع في كل الحالات إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشرعية، والاجتهادات التي أجمعت عليها الأمة، فذلك هو المنبع الصافي والنور الخالص، الذي يتضمن كل التخصصات الإيجابية الملموسة للتوجيه الديني الذي يتقي المزالق – لأن من لم يعرف الشر كاد يقع فيه – والذي يرمي إلى أرقى درجات التوعية الأخلاقية، والسلوك الإنساني المثالي (10) ..." انتهى من العدد 445 السنة 20 – عام 1 صفر 1404 هجرية.


هذه أقوال بعض أهل العلم فيما كان يبثه الإعلام الهدام في تلك السنوات الغابرة مع ما فيه من مسكة خير، فماذا يكون قولهم في إعلامنا الحاضر الذي استولى عليه العلمانيون الذين يعتبرون قيم العفة والحياء والحشمة عوائق تحول دون اللحاق بقطار التقدم الغربي الذي قام على الدعارة والشذوذ والجريمة المنظمة قبل العلم والتكنولوجيا، فهلا أخذنا بهدي كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وما كان عليه سلفنا الصالح وأئمتنا ؟!
فلا حول ولا قوة إلا بالله..
.............................. .................... ...................
1. هذا المقال تم نشره في جريدة السبيل المغربية السلاوية في عددها الثالث، 29 شعبان 1426 من غير ذكر اسمي عليه للغفلة عن ذلك يومها، مع التنبيه أني أضفت عليه الآن بعض الحواشي والتعليقات نسأل الله تعالى التوفيق والبركات.
2. جاء في افتتاحية أول عدد لها بتوقيع مديرها الشيخ عبد الله كنون رحمه الله في 15 رمضان 1382 ما يأتي :" ... (الميثاق) ليست جريدة معارضة سياسية، ولا لسان تكتل حزبي، وإنما هي صحيفة إسلامية للدعوة والتجديد يستعين بها العلماء على تأدية رسالتهم المقدسة التي لم يألوا جهدا في تأديتها بالوسائل المعهودة كالخطابة والمحاضرة والدرس والتأليف، وبقيت وسيلة الصحافة فهم يستخدمونها الآن ليقولوا كلمتهم في كل ما يهم الأمة من أمور الدنيا والدين، ويبلغوها بواسطتها إلى كل من يهمه أن يعرف رأي العلماء في مختلف القضايا ومجريات الأحوال وخاصة أولئك الذين يكثرون من التساؤل عن العلماء وموقفهم من الأحداث الهامة التي تقع في البلاد ... فإلى هؤلاء وإلى أفراد الأمة كافة تحرص رابطة العلماء أن تبلغ كلمتها ورأيها عن طريق الميثاق وما كلمتها إلا كلمة الدين الحنيف وما رأيها إلا رأي الشرع المطاع...".
3. لأن من مؤثرات الإعلام : المصطلح و الكلمة واللفظ، وكما قال أحد الحكماء:" من ضروريات فن سياسة الأمم معرفة طائفة من الألفاظ المؤثرة لأن تأثيرها أشد من تأثير الأدلة العقلية غالبا "، وأحسن آخر حيث قال:" إذا شاع اللفظ تشعبت معانيه بحسب معقول مستعمليه ".
4. إطلاق مثل هذه المصطلحات محل نظر عندي والعلم عند الله لأنه مما لا يخفى عند أهل النظر ما لمثل هذه المصطلحات من بعد آخر قد يرمي في اتجاه التأثير على المجتمعات الإسلامية لترسيخ الهزيمة النفسية وهذا من أعظم المصائب ذلك لأن " الكسل والخور واليأس من أعظم موانع الخير، ومن أيس من تحصيل مطالبه انشلت حركاته ومات وهو حي " وجوب التعاون بين المسلمين للعلامة ابن ناصر السعدي رحمه الله ص: 11-12.
5. واقع إعلامنا المفسد اليوم على العكس من ذلك والله المستعان.
6. هذا من جهة نظرهم وزعمهم فتنبه.
7. خاصة تأثير الصور الفاضحة، والمناظر القبيحة ...
8. المشهور أن " حبذا " من الأفعال الماضية الجامدة، والجامد لا يصاغ منه فعل مشتق، إلا أن العلامة الفيروزابادي رحمه الله قال في القاموس المحيط 424:" لا تحبذني تحبيذا : لا تقل لي : حبذا ".
وقال العلامة الزبيدي رحمه الله في تاج العروس 2/558:" ( لا تحبذني تحبيذا ) : أهمله الجوهري، وصاحب اللسان ..".
وقال العلامة الصغاني رحمه الله في التكملة 2/374:" الفراء: لا تحبذني، أي: لا تقل لي: حبذا ".
9. أما في وقتنا هذا فلا تخلوا برامجنا التلفزية في هذا الشهر الفضيل كذلك غالبا من العار والخزي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
10. ولو قيل : السلوك الشرعي الراقي لكان أفضل... فقد قال عليه الصلاة والسلام :"... وإياك وما يعتذر منه " السلسلة الصحيحة 4/544.