بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


نواقض الإسلام وأن حل السحر عن المسحور لا يجوز من ساحر وما ذكر من بعض حيل الشياطين والمشعوذين والتحذير منهم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ,,,
إن الارتداد عن دين الإسلام إلى الكفر تارة يكون بترك الإسلام بالكلية إلى ملة من ملل الكفر، وتارة يكون بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام مع بقاء التسمي بالإسلام وأداء شعائره، فيعده بعض الناس من جملة المسلمين وهو ليس منهم، وهذا أمر خطير وموقف دقيق يحتاج إلى بصيرة نافذة يحصل بها الفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال.
إذ كثيرًا ما يلتبس هذا الأمر على كثير من الناس بسبب جهله بنواقض الإسلام وأسباب الردة، فيظن أن من أدى شيئاً من شعائر الإسلام صار مسلماً ولو ارتكب شيئاً من المكفرات، وهذا الظن الفاسد إنما نشأ من الجهل بحقيقة الإسلام وما يناقضه، وهذا واقع مؤلم يعتقده بعض من الناس في هذا الزمان، ممن لا يميزون بين الحق والباطل، والهدى والضلال، فصاروا يطلقون مسمى الإسلام على من يؤدي بعض شعائره ولو ارتكب ناقصاً من نواقض الإسلام، ولم يعلم هؤلاء أن من ادعى الإسلام وأدى العبادات، ثم ارتكب شيئاً من نواقضه فهو بمثابة من يتوضأ ثم يحدث، فهل يبقى لوضوئه أثر، وهكذا المسلم إذا ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام فإنه لا يبقى لإسلامه أثر.
إنه لا يكون العبد مسلماً بمجرد الانتساب إلى الإسلام مع البقاء على ما يناقضه من الأمور الكفرية، كما أنه لا يكفي مدح الإسلام والثناء عليه من غير تمسك به وعمل بأحكامه، فاليوم المنتسبون إلى الإسلام كثير، ولكن المسلمين منهم بالمعني الصحيح قليل، فنحمد الله تعالى أن من علينا بنعمة العمل بالتوحيد.
وإنه لمن الظلم الواضح والضلال المبين أن نصف بالإسلام من هو مرتكب لما يناقضه من أنواع الردة المجمع عليها لمجرد أنه يصوم أو يصلي أو يعمل شيئاً من شعائره، وهذا من الجهل بحقيقة الإسلام أو من اتباع الهوى، وكلا الأمرين خطير قبيح.
إن نواقض الإسلام كثيرة، وأسباب الردة متعددة، لكنا نذكر منها ما قد يخفى حكمه على بعض الناس:
فمنها السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر لقوله تعالى: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ﴾.
والسحر: في اللغة: عبارة عما خفي ولطف سببه، وسمي السحر سحرا لأنه يقع خفياً آخر الليل.
وفي الشرع: عقد ورقي، أي قراءات وطلاسم يتواصل لهذا الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد لتضر المسحور وأدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور وعقله وإرادته وميله فتجده ينصرف ويميل، وهو ما يسمى عندهم بالصرف والعطف، فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء.
والصرف بالعكس من ذلك: وهو صرف الإنسان عما يهواه كصرفه مثلاً عن محبة زوجته إلى بغضها، وفي تصوره بأن يتخل الأشياء على خلاف ما هي عليه وفي عقله، فربما يصل إلى الجنون والعياذ بالله.
والسحر محرم في جميع شرائع الرسل؛ فمن فعله أو رضي به كفر؛ لأن الرضا كالفاعل لقوله تعالى: ﴿ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ﴾ وقال عز وجل : ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ﴾ .
قال ابن عباس: من نصيب، وقال قتادة: علم أهل الكتاب فيما عهد إليهم أن الساحر لا خلاق له في الآخرة، وقال الحسن: ليس له دين، وقد نص أصحاب أحمد- رحمهم الله تعالى- أنه يكفر بتعلمه وتعليمه. وروى عبد الرزاق عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تعلم شيئاً من السحر قليلاً كان أو كثيراً كان آخر عهده من الله» وهو مرسل. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» . وروى النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه» .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاويه: والساحر لا يتم له السحر، ولا تخبره الشياطين عن غائب، ولا تساعده على قتل شخص إلا بعد ما يعبد غير الله بتقريبه للشياطين ما يحبونه من الذبح لهم ونحو ذلك، حتى إن بعضهم يمكنهم من فعل الفاحشة به، وهذا من الاستمتاع المذكور في الآية: ﴿ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ﴾ فيكون كفراً انتهى كلامه رحمه الله، فهو من الشرك بالله تعالى المخرج من الملة؛ لذا فلا تجوز الاستعانة بالجن بحال من الأحوال، لا بالأشياء المتاحة ولا بالأشياء المحرمة، ولا يجوز تحضيرهم وجمعهم، فمن فعل من الذين يقرأون على الناس شيئاً من ذلك فهو مشعوذ دجال؛ لأن الجن والشياطين ما تخدم أحدا حتى تستمتع به، وإذا استمتعت به فقد أشرك.
ومن أنواع السحر: العيافة والطرق والطيرة؛ لحديث قبيصة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت» قال عوف: العيافة: زجر الطير، والطرق: الخط يخط في الأرض، والجبت قال الحسن: رنة الشيطان [رواه أحمد رحمه الله].
وقوله من الجبت أي من السحر. وأما حل السحر عن المسحور فلا يجوز إلا بالرقية الشرعية والنشرة الجائزة فهو كما وضح ذلك ابن القيم- رحمه الله- تعالى حيث قال: السحر عن المسحور وهي نوعان:
أحدهما حل بسحر مثله: وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور.
الثاني النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة: فهذا جائز.
وعلى النوع الأول: يحمل حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: «هي من عمل «الشيطان» [رواه أحمد].
وعلى الثاني: وهي النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة يحمل ما جاء عن سعيد بن المسيب عن قتادة قلت لابن المسيب: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه. فالمراد به علاج السحر برقية من راق ليس بساحر ولا كاهن. أو بنوع من النشرة الجائزة كما تقدم.
اللهم إنا نعوذ بك من السحر والسحرة، اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندرأ بك في نحورهم.
ثم ليعلم أنه لا يجوز حل السحر عن المسحور بسحر، ولا يجوز للمسلم أن يأتي أو يذهب إلى ساحر أو إلى كاهن من أجل رقية أو علاج من وجوه:
الأول: لو كان يجوز للمسلم أن يذهب إلى السحرة التماسا للدواء برقية أو نحوها لما أمر بقتل الساحر، وفيه منفعة للناس، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حد الساحر ضربة بالسيف» .
الثاني: أن الله تعالى قال في السحرة: ﴿ وَيَتَعَلَّمُون َ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ وهذا لفظ علم يبين أن السحر ليس فيه نفع بوجه من الوجوه؛ لأنه من الشرك بالله، فإن الساحر لا يتم له سحره ولا يحصل له حل السحر عن المسحور حتى يعبد غير الله ويشرك مع الله، وذلك بتقريبه للجن والشياطين ما يحبون من ذبح أو سجود لهم، وقد يكون سراً فيما بينهم وبينه، أو إهانة لكلام الله عز وجل، ودخوله بالمصحف إلى الحمام والبول عليه، نعوذ بالله من ذلك، أو كتابة للفاتحة أو آية الكرسي أو غير ذلك من آيات القرآن بشيء نجس.
ومن كتب له لا يعلم بذلك لأنه لا يرى ولا يشاهد الآيات من القرآن ولا يدري أن هذا الساحر أو المشعوذ الدجال قد تقرب للشياطين بكتابتها بشيء نجس فهم ليس فيهم نفع مطلقاً كما قال تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوَهُمْ رَهَقاً ﴾ قال عكرمة في تفسير هذه الآية: كان إذا نزل الإنس وادياً هرب منهم الجن فلما سمع الجن ما يقول الإنس فأصابوهم بالجنون والخبل فزاد الجن تكبرا وطغيانا بسبب استعاذة الإنس.
ويشهد لهذا واقع كبير من الناس في هذا الزمن لما غفلوا عن طاعة الله وطاعة رسوله وتلاوته كتابه العزيز، وأقبلوا على آلات اللهو والغناء والمزامير والتلفاز والدش والجرائد والمجلات الخليعة والمسارح.
خف التوحيد في قلوبهم فضعفوا فتغلبت عليهم الجن وتسلطت على قلوبهم وأبدانهم بالهموم والغموم والأمراض الوهمية، فأخذ من أصيب بشيء من ذلك يذهب إلى القراء المشعوذين والدجالين والسحرة والكهان والعرافين، وهذه هي بغية الشياطين يؤذونهم ليذهبوا إلى إخوانهم من الإنس ليشركوا بالله فزادوهم رهقا أي: رعباً وخوفاً.
ومن ذلك: ما يفعله بعض القراء من توهيم المريض وذكر أشياء لا حقيقة لها، أو يقول له: إن فلانا قد نحتك وعانك، وهو كذب فيحدث من ذلك زيادة مرض وتوهم وتخيل لهذا الذي ذكر، أو لغيره فيزداد مرضه مرضاً، ورعبه رعباً، وخوفه خوفاً من كل أحد، ويحصل بسبب ذلك عدوان وبغضاء وشحناء من أجل ذلك، وهذا هو مراد الشياطين وبغيتهم، وقد يذكر بعض القراء أن فلاناً شفي وأنه قرأ عليه أمام الناس وخرج الذي به، وهذا من مكر الشياطين لتغر الناس بهذا المشعوذ الدجال؛ لأنك لو تتبعت هذا الذي حصل له ذلك ما وجدت أنه شفي، بل تجد أنه يتردد على بعض القراء طول عمره؛ لأن بعضهم يعلق قلب المريض به، فلا يتعلق بالله وإلا لو تعلق بالله شفاه الله، كما في الحديث: «اللهم رب الناس اذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما» . لذا فلا تجوز الاستعانة بالجن، ولا يجوز الذهاب إلى من يستعين بالجن ويحضره، ومن أفتى بجواز ذلك فقد أخطا وضل وأضل وفتح على المسلمين باب سوء وفتنة وشر. كيف يقول بذلك والله تعالى يقول﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوَهُمْ رَهَقاً ﴾ ويقول: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ .
والنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم عن الاستعاذة بالجن إلى خير من ذلك، فقال فيما رواه مسلم في صحيحه عن خولة بنت حكيم- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء» .
قال ابن القيم- رحمه الله تعالى- «من ذبح للشيطان ودعاه واستعاذ به وتقرب إليه بما يحب فقد عبده، وإن لم يسم ذلك عبادة ويسميه استخداماً. وصدق هو استخدام من الشيطان له، ليست خدمة عبادة؛ فإن الشيطان لا يخضع له ولا يعبده كما يفعل هو به» انتهى.
الثالث: مما يدل على أنه لا يجوز الذهاب إلى السحرة من أجل حل السحر عن المسحور أن الله تعالى قد يبن بأن الساحر لا يفلح حيث أتى ولو كان فيه فائدة لأحد لكان هذا نوعا من الفلاح وهو لا يفلح بإطلاق، قال تعالى: ﴿ ولا يفلحُ الساحر حيثُ أتى﴾.
الرابع: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين بأن الله لم يجعل شفاء أمته فيما حرم عليها، والسحر محرم بالإجماع.
الخامس: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين بأن: «من أتى كاهناً أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم [رواه الأربعة].
ولا شك أن الساحر أشد من الكاهن والعراف، بل جاء النص على الساحر في أثر ابن مسعود رضي الله عنه: «من أتى كاهناً أو ساحراً فصدقه بما أنزل فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم » .
وعن عمران بن حصين مرفوعاً: «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، من أتى كاهناً أو ساحراً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم » [رواه البزار].
ومن ثبت عليه أنه يسحر أو يتعاطى السحر فإنه يحكم بقتله؛ لما روى الترمذي عن جندب: «حد الساحر ضربة بالسيف» وروى البخاري في صحيحه عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر، وصح عن حفصة أم المؤمنين-رصي الله عنها- أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها. وروى البخاري في تاريخه عن أبي عثمان النهدي قال: كان عند الوليد رجل يلعب، فذبح إنساناً وأبان رأسه فعجبنا فأعاد رأسه، فقال الناس: سبحان الله؛ يحيي الموتى فذهب يلعب «أي الساحر» لعبه ذلك، فاخترط جندب سيفه فضرب عنقه، وقال: إن كان صادقًا فليحي نفسه.
وقال الإمام أحمد- رحمه الله-: صح قتل الساحر عن ثلاث من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال شارح الطحاوية: والواجب على من ولي الأمر وكل قادر أن يسعى في إزالة هؤلاء المنجمين والكهان والعرافين وأصحاب الضرب بالرمل والحصى، والقرع والقالات، ومنعهم من الجلوس في الحوانيت والطرقات، أو يدخلوا على الناس في منازلهم لذلك، ويكفي من يعلم تحريم ذلك ولا يسعى في إزالته مع قدرته على ذلك قوله تعالى: ﴿كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية الصديق رضي الله عنه أنه قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه» . والله تعالى أعلم، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات.