الرد على إنكار الملاحدة أن كل حادث يحتاج إلى محدث



إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين


أما بعد :



فقد زعم الملاحدة أن قول المؤمنين كل حادث يحتاج إلى محدث قول بلا دليل و لا سبيل للبرهنة عليه و مهما جمع من أدلة من العالم فإنها لا تكفي للوصول إلى الكلية لاستحالة اختبار كل الحوادث و معرفة هل هي محتاجة إلى محدث أو لا. و هذا سفسطة لا أثارة عليها من علم إذ مقولة الحادث لا بد له من محدِث من البديهيات .


و البدهيات هي حقائق ضرورية لا تحتاج إلى برهان، أي أنها تفرض نفسها على الذهن بحيث لا يحتاج إلى برهان لإثباتها ويجمع العقلاء على صحتها واعتمادها كأصول ضرورية لازمة ، و هي تعتبر أسسا و قواعد أولية ومقاييس تبنى عليها باقي الأفكار، وبراهين لإثبات صدق غيرها من الأفكار .

و مقولة كل حادث لابد له من محدث هي كمقولة كل كتابة لابد لها من كاتب و لو رأي شخص كتابة فقال لابد لها من كاتب فاعترض عليه آخر قائلا : ( أثبت لي أن هذه الكتابة تحتاج لكاتب و هل اختبرت كل الكتابات لتعرف هل تحتاج إلى كاتب أم لا ) لعده الناس مجنونا .

و مقولة كل حادث لابد له من محدث بديهية مستغنية أن يذب عنها يستدل بها و لا يستدل لها فالسؤال عن إثباتها يعتبر خطأ فادح كالتصديق بأن النار حارة فهذا التصديق لا يحتاج إلى إثبات و جمع الأدلة عليه من كل العالم .

و لا يجوز القدح في البديهيات بالنظريات ، لأن البديهيات أصل للنظريات، فلو جاز القدح بالنظريات في البديهيات، والنظريات لا تصح إلا بصحة البديهيات، كان ذلك قدحاً في أصل النظريات، فلزم من القدح في البديهيات بالنظريات فساد النظريات، وإذا فسدت لم يصح القدح بها ، و القدح في البديهيات بالنظريات يستلزم فساد النظريات و فساد العلوم .

و إذا لم يجز القدح في البديهيات بالنظريات فمن باب أولى لا يجوز السؤال عن إثبات البديهيات فالبديهيات لا تحتاج في حصولها إلى كَسْبٍ ونظر وفكر إذ أنها تحصل بالبداهة والضرورة، من غير تعبٍ ومن غير إجراء عملية فكريَّة .

و إن قيل كيف نجهل بكثير من الأمور رغم بداهتها؟ و هل الجهل بها يضرُّ ببداهتها ؟
فالجواب :
ليس من الضروري أن يطّلع جميع الناس على جميع البديهيات، بل ربَّ بديهي واضحٍ ويجهله كثيرٌ من الناس، والسرّ في جهل الناس لكثير من البديهيات فيرجع إلى أمرٍ آخر وهو ما يُسمَّى بأسباب التوجُّه. فللوصول إلى البديهيّات ينبغي التوجه إليها أخذها في الاعتبار .

و من أسباب التوجه :
1 - الانتباه: وهذا السبب ضروريٌ في كافة الأمور البديهيَّة، فرب صوتٍ لا يسمعه سليم السمع وربَّ صورة لا يراها قويُّ البصر، كلُّ ذلك لأجل الغفلة وعدم الانتباه.
2 - سلامةُ الذهن: وهذا أيضاً شرط في جميع الأمور البديهيَّة، فالإنسان لأجل أن يُدرك الضروريات، لابدَّ وأن يكون سليم الذهن، فسقيم الذهن قد يشك في أوضح الأشياء وأظهر الأمور أو لا يفهمها، وهذا أيضاً لا يدلُّ على أنَّ هذا الأمر نظري بل هو ضروريٌّ على أي حال، والنقص إنما هو راجع إلى الإنسان نفسه.
3 - فقدان الشبهة: ربما تختلج شبهة في الذهن تسبب مشكلة للإنسان، فيظن أنَّ هذا الضروري الواضح ليس بضروريٍ، مثلاً استحالة اجتماع النقيضين من البديهيات الأوليَّة، بل هي أساس جميع البديهيّات - كما سيتَّضح - ولكن ربَّ شبهة تشكك في هذا البديهي، فيتصوَّر البعض أنّه من الممكن اجتماع النقيضين كما لو توهَّم أنَّ بين النور والظلمة حالةً ليست من الظلمة وليست من النور! فالبديهي بديهيٌ على أي حال.

هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات