بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وبعد ...
في المقال السابق تحدثت عن خطر محدق يحتاج إلى دراسة واهتمام قبل أن يصبح واقعا لا يمكن رفضه مع أن هناك من بدأ بخطوات متسارعة لتعديل الأنظمة التي تعيق مسار التغريب وتقف في وجهه, ومع خطورة الأمر إلا أنه إلى الآن لم يلق من الاهتمام ما تلقاه الممارسات وكأننا ننتظر المنكر حتى يقع ثم نقوم بإنكاره دون أن نسعى إلى منعه قبل وقوعه, وأحيانا ننشغل به عن ماهو أخطر من وقوعه وهو تقنينه ليصبح قانونا سائدا لا يمكن إنكاره.
واليوم سنسعى لاستكمال الجزء الثاني من الموضوع والذي عنونته بما رأيتم حيث أن التغريبيين قد عجزوا عن بث أفكارهم في الأوساط المجتمعية, وقد شعرت المنظمات الغربية نفسها بعجز عملائها عن القدرة على التغيير, وعن نشر الفكر الغربي في الأوساط الإسلامية, بل إنها شعرت بفشلهم في تكوين أرضية ينطلقون منها رغم كل ما يقدم لهم من دعم لا محدود سواء الدعم المادي أو المعنوي أو حتى على المستوى الإعلامي والأمني.
لقد أدرك الغرب من خلال تجاربه في المجتمعات الإسلامية أن المجتمع المسلم لا يأبه بما يقوله عملاؤهم في البلاد الإسلامية بل أدركوا أن هؤلاء العملاء ليس لهم قيمة مجتمعية أصلا فهم منبوذين في داخل عوائلهم وقبائلهم ومجتمعاتهم, وهذا ما أكده لهم ما رأوه من خلال نتائج الانتخابات التي تـُجرى في طول العالم الإسلامي وعرضه, ولذا كان لزاما عليهم أن يسعوا جاهدين إلى التواصل بصور مباشرة أو غير مباشرة مع من يمكنه أن يؤثر في المجتمعات المسلمة ففي مؤتمر بكين ركزوا مثلا على الاهتمام بالشخصيات المؤثرة في المجتمع لتبني بعض أفكارهم وأجندتهم, وفي تقرير راند (( الإسلام المدني الديمقراطي: الحلفاء، والموارد والاستراتيجيات)) يتضح جليا سعي الخطط الغربية في اتجاه دعم من أسموهم بالتحديثيين في مقابل الأصوليين, وفي مؤتمر بكين +10 وبكين +15 بدا واضحا الحرص الشديد على العناية بالإسلاميين المنفتحين وأصحاب الفتاوى المتساهلة بل بدأت الجمعيات الغربية تعرض على بعض اللجان الإسلامية أسلمة التغريب مقابل ملايين الدولارات كما صرحت بذلك المهندسة كاميليا حلمي في مداخلة ضمن برنامج حوار الحضارات.
وهذا مانرى آثاره اليوم في مجتمعنا السعودي بصفة خاصة وإن كنا نعرف دور هؤلاء المشرعنين للتغريب في المجتمعات الإسلامية الأخرى كما حصل في مصر على سبيل المثال حيث كان دور من يطلق عليهم مفكرين إسلاميين أكبر بكثير من دور العلمانيين في تمرير وشرعنة التغريب, ونحن اليوم في المجتمع السعودي نجد بعض من يلبس الثوب الإسلامي هو أول من يشرعن التغريب ويشنع على من يستنكره, فهم للأسف لم يكتفوا بالتزام الصمت بل بدؤوا باتهام العلماء بالتشدد وعدم الوعي بالواقع ومصادمة الحضارات وأخذوا في إصدار الفتاوى الملفقة والشاذة من أجل أسلمة منتجات الحضارة الغربية الثقافية والفكرية والتي يستنكرها عقلاء الغرب أنفسهم فهذا البرفيسور" ريتشارد ويلكنز- رئيس المركز الدولي للسياسات الأسرية" يقول :( إنّ المجتمع الغربي قد دخل دوامة الموت ، ويريد أن يجرّ العالم وراءه ) بينما نجد بعض دعاتنا ومفكرينا يسعون لشرعنة دوامة الموت هذه وإدخالها على المجتمع المسلم بثوب الإسلام, وأنا في الحقيقة أتوقع إن لم يقم العلماء الكبار والدعاة المخلصون بواجبهم تجاه هؤلاء سواء بالتواصل معهم شخصيا ومناقشتهم ومناصحتهم _ حتى لا يجروا على الأمة الويلات باجتهاداتهم الفردية التي يرونها تجديدا وإصلاحا وهي في حقيقتها لا تعدوا أن تكون شرعنة للتغريب سواء شعروا أو لم يشعورا _ وفي حالة إصرارهم فإن من الواجب على العلماء والدعاة والمصلحين إصدار البيانات التحذيرية من مسلك هؤلاء وبيان فساد منهجهم وسوء طريقتهم ومخالفتهم لمنهج أهل السنة والجماعة استدراكا لما يمكن إدراكه وإسقاطا لمن بقي منهم يضلل الناس باسم الإسلام والإصلاح والتجديد والتغيير وباسم إشعال الشمعة بدلا من لعن الظلام والتي نخشى من أن يكون أول المحترقين بها صاحبها ثم يحرق بها مجتمعه وأمته فما كان الإصلاح قط في تنفيذ خطط الأعداء ومسايرتهم وشرعنة مشاريعهم ولي أعناق النصوص لتتوافق مع أجندتهم وأهدافهم.
نعوذ بالله من أئمة الضلال الذين حذرنا منهم صلى الله عليه وسلم حيث قال :"إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين" رواه الترمذي وأحمد والحاكم وقال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" فهم والله أخطر على الأمة من أعدائها لأنهم من يضلونها عن الصراط المستقيم ويفتنونها في دينها ويلبسونه عليها...
فهل سيمر التغريب عبر الدعاة ؟؟أم سيتنبه أهل الفضل لفضح مسلك من يستغل الدين ليشرعن لأعدائه أجندتهم ويلبسها الثياب الشرعية ويفتن الناس في دينهم ؟؟!!