مسند الشهاب للقضاعي (1036) :
أَخْبَرَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأُدْفُوِيُّ ، ثنا أَبُو الطَّيِّبِ ، أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُرَيْرِيُّ إِجَازَةً ، أنبا أَبُو جَعْفَرٍ ، مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى ، ثنا شَبَابَةُ ، ثنا مَخْلَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا ، وَإِنَّ قَلْبَ الْقُرْآنِ يس وَمَنْ قَرَأَ يس وَهُوَ يُرِيدُ بِهَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ، وَأُعْطِيَ مِنَ الأَجْرِ كَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ قُرِئَ عِنْدَهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ مَلَكُ الْمَوْتِ سُورَةُ يس نَزَلَ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْ سُورَةِ يس عَشَرَةُ أَمْلاكٍ ، يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفًا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ ، وَيَسْتَغْفِرُو نَ لَهُ ، وَيَشْهَدُونَ غُسْلَهُ ، وَيُشَيِّعُونَ جِنَازَتَهُ ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ ، وَيَشْهَدُونَ دَفْنَهُ ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ قَرَأَ يس وَهُوَ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ لَمْ يَقْبِضْ مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ حَتَّى يَجِيئَهُ رِضْوَانُ خَازِنُ الْجَنَّةِ بِشَرْبَةٍ مِنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ فَيَشْرَبُهَا ، وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ ، فَيَقْبِضُ مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ وَهُوَ رَيَّانُ ، فَيَمْكُثُ فِي قَبْرِهِ وَهُوَ رَيَّانُ ، وَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ رَيَّانُ ، وَلا يَحْتَاجُ إِلَى حَوْضٍ مِنْ حِيَاضِ الأَنْبِيَاءِ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ رَيَّانُ " .
قلت : وهذا اسناد منكر فيه مخلد بن عبد الواحد البصري ، ضعفه أبو حاتم الرازي ، و انكر أحاديثه ابن حبان ، و اتهمه الذهبي بالوضع .
قال المحدث محمد عمرو بن عبد اللطيف رحمه الله :
ورواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/239) من طريق أبي بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدثنا محمد بن عاصم قال حدثنا شبابة بن سوار به مطولاً في فضائل القرآن سورة سورة ، إلا أنه لم يسق هذه القطعة في فضل يس(1)
وفيه : مخلد بن عبد الواحد. قال ابن حبان في «المجروحين» (3/43) : « يروي عن البصريين وعلي بن زيد بن جدعان وغيره (كذا ، والصواب عندي حذف الواو الأولى) روى عنه المكي بن إبراهيم والناس ، منكر الحديث جداً ينفرد بأشياء مناكير لا تشبه حديث الثقات فبطل الاحتجاج به فيما وافقهم من الروايات » .
وقال الذهبي في ترجمته من «الميزان» (4/83) : « وروى عنه شبابة بن سوار، عن ابن جدعان . وعن عطاء بن أبي ميومنة ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب ، عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ بذاك الخبر الطويل الباطل في فضل السور ، فما أدري من وضعه إن لم يكن مخلد افتراه . حدث به الخطيب(2) عن ابن رزقويه ، عن ابن السماك ، عن عبد الله بن روح المدائني ، عن شبابة ، قال محمد بن إبراهيم الكناني ، سألت أبا حاتم عن حديث شبابة ، عن مخلد من قرأ سورة كذا فله كذا. فقال : ضعيف » .
وقال ابن الجوزي : « وقد فرق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره فذكر عند كل سورة ما يخصها وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك ، ولا أعجب منهما لأنهما ليسا من أصحاب الحديث ، وإنما عجبت من أبي بكر بن أبي داود كيف فرقه على كتابه الذي صنفه في فضائل القرآن وهو يعلم أنه حديث محال ، ولكن شره جمهور المحدثين (كذا في الموضوعات ولعل الصواب : ولكنه شره) فإنهم من عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل ، وهذا قبيح منهم لأنه قد صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ أنه قال : « من حدث عني حديثاً يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين » . وهذا حديث فضائل السور مصنوع بلا شك ، وفي إسناد الطريق الأول : بزيع(3)، قال الداقطني : وهو متروك ، وفي الطريق الثاني : مخلد بن عبد الواحد ، قال ابن حيان : (فذكر بعض كلامه) ، وقد اتفق بزيع ومخلد على رواية هذا الحديث عن علي بن زيد ، وقد قال أحمد ويحيى : علي بن زيد(4)ليس بشيء .
وبعد هذا فنفس الحديث يدل على أنه مصنوع ... » إلخ .
قلت : وطريق بزيع بن حسان ـ أبي الخليل البصري ـ بمتابعة مخلد بن عبد الواحد عند العقيلي في «الضعفاء» (1/156) وعنه ابن الجوزي . وروى ـ عقب ذلك ـ بإسناده إلى علي بن الحسن بن شقيق المروزي سمعت ابن المبارك يقول في حديث أبي بن كعب عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ : « من قرأ سورة كذا فله كذا ، ومن قرأ سورة كذا » قال ابن المبارك : «أظن الزنادقة وضعته » .
ثانياً : من طريق هارون بن كثير عن زيد بن أسلم ـ أو : سالم ـ عن أبيه عن أبي أمامة عنه : قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي (3/85) : « أخبرنا هلال الحفار قال: قرئ على أبي بكر محمد بن علي بن رزق الخلال وأنا أسمع في رجب سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. وحدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف قالا : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك بن الفضل بن خالد البزار ، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عبدالله بن يونس اليربوعي ، حدثنا سلام بن سليم المدائني ، حدثنا هارون بن كثير ، عن زيد بن أسلم عن أبيه ، عن أبي أمامة ، عن أبي بن كعب قال : قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : « يا أُبَيّ إن جبريل أمرني أن أقرأ عليك القرآن ، وهو يقرأ عليك السلام » . قال: «وذكر الحديث بطوله » . قلت : ورواه أيضاً ابن عدي (7/2588) ، فاختصر لفظه ، وابن مردويه في «تفسيره» كما في «اللآلئ المصنوعة» (1/227) و«الكافي الشاف» (ص140) ، والثعلبي كما فيه ، والشجري (1/98 : 103) من هذا الوجه ولفظه ـ كما هو عنده ـ : « إن لكل شيء قلباً ، وإن قلب القرآن يس ، ومن قرأ سورة يس يريد بها الله غفر الله له ... » فذكره بنحو الرواية الأولى عن أُبَيّ .
وسلام المدائني متروك(5)، ولكن قال ابن عدي ـ رحمه الله ـ : « ورواه عن هارون ابن كثير القاسم بن الحكم العُرَنيّ(6) بطوله سورةً سورةً ، ورواه عن هارون يوسف ابن عطية ـ الكوفي لا البصري ـ بعضه ، وهارون غير معروف ، ولم يحدث به عن زيد ابن أسلم غيره ، وهذا الحديث غير محفوظ عن زيد » .
قلت : والقاسم أصلحهم حالاً ، فإنه صدوق لا بأس به ، رُمي بشيء من الغفلة .
ويوسف بن عطية الكوفي متروك اتهمه الفلاس(7) .
ويحتمل أن يكونوا قد توبعوا في الأسانيد التي لم نطلع عليها. فالله أعلم .
( وهارون ) ، قال أبو حاتم الرازي ـ رحمه الله ـ في حديث آخر له بهذا الإسناد إلى أبي أمامة وابن عمر : « هذا حديث باطل ، لا أعرف من الإسناد إلا أبا أمامة » (!) كما في «علل الحديث» لولده عبد الرحمن (1880) .
وفيه : « عن زيد بن سالم أو ابن أسلم عن أبيه » .
وقال الذهبي في «الميزان» (4/286) : « مجهول وزيد عن أبيه نكرة » .
ومما زاده عليه الحافظ في «اللسان» (6/181) : « قلت : ووقع في بعض طرقه : زيد بن أسلم ، وهو تحريف ، والصواب : زيد بن سالم » .
وقال السيوطي في «اللآليء» : « ومن طرقه الباطلة طريق هارون بن كثير عن زيد ابن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أُبَيّ بن كعب. أخرجه ابن عدي في الكامل ، وقال : رواه عن هارون ... إلخ » .
إلى أن قال : « وهذه الأحاديث الثلاثة ( يعني : هذا ، وحديثي بزيع ومخلد) مخرجة بطولها في آخر تفسير ابن مردويه ... » .
( طرفة ) تتعلق بهذا الحديث :
روى ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/241) بإسناده إلى محمود بن غيلان سمعت مؤملاً (8)
يقول : حدثني شيخ بفضائل سور القرآن الذي يروى عن أُبَيّ بن كعب ، فقلت للشيخ : من حدثك ؟ قال : حدثني شيخ بواسط وهو حي. فصرت إليه ، فقال : حدثني شيخ بالبصرة فصرت إليه ، فقال حدثني شيخ بعبدان فصرت إليه ، فأخذ بيدي فأدخلني بيتاً ، فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ ، فقال : هذا الشيخ حدثني ، فقلت : يا شيخ من حدثك ؟ فقال : لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا وجوههم إلى القرآن » .
ثم رواها (1/241 - 242) من وجه آخر عن محمود بن غيلان بنحو الأولى .
وفي الإسناد الآخر: القاضي أبو العلاء الواسطي ـ شيخ الخطيب فيها ـ عن أبي بكر المفيد . وفيهما مقال شديد . وفي الأول بعض من لم أتحقق منه . فالله أعلم .
__________
(1) وزكريا بن يحيى الذي في إسناد القضاعي هو ابن ايوب المدائني الضرير، سكت عليه الخطيب في «تاريخه» (8/457) وله مناكير عديدة عن شبابة بن سوار ساقها الإخوان الأفضال في بطاقته لدينا بـ « دار التأصيل » . ولكن شيخ القضاعي لم أجده إلا في «الطالع السعيد» (ترجمة 225) مسكوتاً عليه كالعادة . وشيخ شيخه سكت عليه الخطيب أيضاً (4/179 - 180) .
نعم ، تابع زكريا : محمد بن عاصم الثقفي الأصبهاني ـ شيخ ابن أبي داود ـ وهو صدوق مصنف ، ولكن لفظه الذي ساقه ابن الجوزي في فضل كل سورة مختصر جداً ، إذ فيه : « نعم يا أُبَيّ ، أيما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر كمن قرأ ثلثي القرآن ، وأعطي من الأجر كأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة ، ومن قرأ آل عمران أعطي بكل آية منها أماناً على جسر جهنم ، ومن قرأ سورة النساء أعطي من الأجر كأنما تصدق على كل من ورثه ميراثاً... » وهكذا باختصار في فضل كل سورة . فالله أعلم بحقيقة هذا التفاوت .
(2) وهذه متابعة صحيحة للمدائني ومحمد بن عاصم ، لكنني لا أدري أمطول لفظه أم مختصر؟ ولم أهتد إليه في «تاريخ بغداد» مع احتمال أن يكون الخطيب قد رواه في تصنيف آخر له . فالله أعلم .
(3) تحرفت إلى (بديع) وفي مصادر شتى إلى ( بزيغ ) !
(4) قد حررت القول في ( علي بن زيد بن جدعان ) وأوردت طائفة من مناكير حديثه في حاشية «إماطة الجهل» (ص 14 : 16) ولكن الإعلال به هنا ليس بشيء ، لأنه مقرون في الإسناد بعطاء بن أبي ميمونة ، وهو ثقة عند الجمهور ، من رجال الجماعة سوى الترمذي ، ورُمي بالقدر. وروايته هو وابن جدعان عن زر فيها تكلف وافتعال ، ولم تعهد من طريق الثقات .
(5) لكنني لا أدري هل رواه ابن مردويه والثعلبي من طريقه أم لا، فإن ابن حجر والسيوطي ما بينا ذلك .
(6) تحرفت في المطبوع إلى : « الغزي » .
(7) وفي ترجمته من «تهذيب الكمال» (32/441) تحرف شيخه هارون بن كثير إلى : مروان ابن كثير(!) وقد رواه عن يوسف هذا ابنُ منيع في «مسنده» كما في «المطالب» (المسندة ق 500/1) بالقطعة التي تخص فضل يس حسب . وقد أشار ابن عدي إلى أن يوسف قد روى بعضه .
(8) هو ابن إسماعيل العدوي البصري نزيل مكة ـ رحمه الله ـ وقد كان صلباً في السنة شديداً على أهل البدع ، فلعله صنع ذلك من هذا الباب .
أو لعله تأثر بشيخه شعبة بن الحجاج - رحمه الله - ، فهو الذي اشتهر عنه هذا الصنيع وذاع في تتبع الرواة لضمان اتصال الإسناد ومعرفة مخرج الحديث وأحوال رواته ولعل مؤملاً ـ رحمه الله ـ إن صحت الحكاية كان يفعل ذلك في أول حياته وبداية نشاطه العلمي ، وإلا فإنه كان قد دفن كتبه ـ كما قال أبو الفضل الهروي الحافظ الشهيد ـ رحمه الله ـ وجاور بمكة . ومع ذلك فلم يَكفّ عن التحديث ، فوقعت له أوهام كثيرة أشار إليها سليمان بن حرب ، وابن سعد ، والفسوي ، وأبو حاتم ، وابن نصر المروزي ، وزكريا الساجي ، وأبو الفضل بن عمار الشهيد ، والدارقطني ، وغيرهم .
وقد ركنَت نفسي إلى جمع هذه الأوهام تمهيداً لبيانها ، وقد شرعت في الجزء الأول منها مقسماً على أسماء شيوخه الذين وهم عليهم منذ زمان ، ولكنني لم أكمله ، فأسأل الله العون والسداد.
وهذه القصة تبين أن المتصوفة كانوا من أعظم الخلق ضرراً على الإسلام وأهله ، ومثلهم الرافضة المتشيعة منذ قديم الزمان ، فهما صنوان في الكذب والاختلاق ونسج الأساطير والخيالات ودسها على عباد الله الساهين الغافلين ، أما الزهاد أمثال داود الطائي وبشر بن الحارث وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض ، فقد حاول الصوفية انتحالهم ، وهم أهل علم وفقه وسنة ، ومنهم المرابطون المجاهدون في سبيل الله عز وجل ، ولكن غلب عليهم طلب الإخلاص وقلة مخالطة الناس . والله أعلم بهم .