أزمة الانسلاخ من العبودية

حسن عبدالحي



وضوح الهدف:
شاء الله - تعالى - بحكمته في كَوْنِه وخَلْقِه أن يكون وراء كلِّ نجاح أسبابُه، عرَفَ هذه الأسبابَ مَن عرَفَها، وجَهِلَها مَن جَهِلَها، وبقدْر معرفتها وامتِثالها يكون النجاح المتحقق، وبقدْر التَّقصِير في طلب هذه الأسباب أو التَّقاعُس عن العمل بها يكون الإخفاق في تحقيق الهدف.

وإذا كان الهدف عظيمًا، بادَر العُقَلاء إلى دِراسَة أسبابه وسَبَرُوا طرقه؛ حتى يَتكامَل لديهم أقرب السُّبُل له، ثم تجتمع الهمَّة إلى العقل لتُكمِل المسيرة، فكلُّ طريق يحتاج لمعرفة وسَيْر.

العبودية:
وأعظم هدف هو ذاك الهدف الذي خلق اللهُ الإنسانَ في الدنيا لأجله، وهو بأسهل عبارة: (تحقيق العبودية لله - جلَّ وعلا)؛ إذ عليه تَدُور رَحَى السعادة؛ سعادة الدَّارَيْن.

ففهْم العبودية فهْم الإسلام، ووُضوحها وضوحه، فلا يَحيَا الإسلامَ كما أرادَ الله مَن جَهِل معنى العبودية أو تَنَكَّر لها.

معنى العبودية:
والعبودية باختِصار مُفِيد: أنْ أكون لله كما يُرِيد اللهُ - عزَّ وجلَّ.

والعبودية بعبارة سهلة: أنْ تكون حياتك ومَماتك لله - تعالى - ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

العبودية - أيُّها الإخوة والأخوات -: ألاَّ تحرِّك ساكنًا، ولا تُسَكِّن مُتَحرِّكًا إلا بحكمٍ من الله الملك - جلَّ في عُلاَه.

العبودية والتمكين:
وإذا كان الناس كعادتهم مُتَفاوِتِين، فهُم في وضوح معنى العبودية والتِزامِها كذلك مُتَفاوِتون على درجات لا تُحصَى، غير أنَّ المسلمين في النهاية بين ظالمٍ لنفسه، ومُقتَصِد، وسابِق بالخيرات بإذن الله.

إنّنا نُوقِن أن من جرَّاء جهل مفهوم العبودية اليومَ بين المسلمين ضياعَ عِزَّتهم، وتأخُّرهم في ذَيْلِ الأُمَم الكافرة العابثة، وسنَظَلُّ في هذا المستنقع الآسِن حتى نُراجِع ديننا ونفهمه حقَّ الفهْم، وتَتَّضِح مَعانِيه للعامَّة والخاصَّة، ووقتَها فقط يَأذَن الله بالتَّمكِين، وتَكُون العِزَّة للمؤمنين.

قال الله - تعالى -: ﴿ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ [النور: 55].

بل لقد جعل - جلَّ وعلا - العبودية غايَة التمكين؛ فقال - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].

من مظاهر الانسِلاخ من العبودية:
ونحن نعلم أنَّ كلَّ دعوة تدْعو إلى الحريَّة المزعومة إنما تدعو في الحقيقة للانسِلاخ من العبودية لله، والدُّخول في عبودية الهوى والنفس والشيطان.

فباسْم هذه الحرية تُرتَكَب أعظم المخالفات الشرعية، مخالفات عقدية وشرعية وأخلاقية، دعوات عقدية شركية، ودعوات إلحادية، حتى المُسلَّمات الشرعية لم تَسلَم من عَبَثِ أصحاب الحرية أَتْباع الغرب، وأصبحنا نرى أحكامًا إسلامية جديدة تُناسِب أهواء الناس المتغيِّرة.

أمَّا العَبَثُ بالأخلاق باسم الحرية، فحَدِّث ولا حَرَج، من تبرُّج وسُفُور، إلى زنا وخمور، وإنْ لم يَتدارَكْنا ربُّنا برحمة منه وفضل، فالقادم أدهى وأَمَرُّ.

واجبنا:
والواجب علينا نحن - أيُّها الإخوة والأخوات -: تعليم الناس معنى العبودية، وأنها لبُّ الإسلام وخلاصته، وأنَّ هذه المظاهر كلها تُنافِي حقيقتها؛ بل ولا بُدَّ من الأَخْذِ بأيديهم تجاهها في كلِّ كبيرة وصغيرة، وفي كلِّ ما جلَّ أو ْقلَّ، وإلا فنحن وهم واللهِ على خطَر كبير، وقد حذَّرَنا منه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((والذي نفسي بيده، لتَأمُرُنَّ بالمعروف ولتَنهونَّ عن المنكر، أو ليُوشِكنَّ الله أن يبعث عليكم عِقابًا من عنده، ثم لتَدعُنَّه فلا يَستِجيب لكم))؛ رواه أحمد وحسَّنه الألباني.

هذا، والحمد لله ربِّ العامين.