هذه مقـالة كتبتها في أحد المنتديات ، و أعرضها بين أيديكم لعلي أجد المـستفيد و الناصح المـُفيد .
أذكر أني بالأمس أمسكت بقلمي بين أصابعي ، و كنت أكتب في كل مرة أفكار تتوارد لذهني ،فصفحتي تسود قليلا قليلا و ما إن تمتلأ و توشك على الختام ، إلا و أدرك بأن المعاني التي تجول في ذهني لم تجد خاطرًا يحددها بعد ، فالأفكار مبهمة في ذهني ، و أدعو الله بأن يرزقني بذلك الخاطر الذي يكشف حزني و يرسم أفكاري أمامكم .. و ها أنا أعود من جديد لأكتب هذه الليلة ، و لا أعلم هل سيكون حالي كالأمس ، و يكبو قلمي الليلة دون غايته ، و أمزق و أرمي الورق في مستقرها ، أم يحـل الخاطر كضيف يؤنسني و يريحني .
قد يستغرب البعض مما سأقول و سأتسحر عليه الليلة ، و قد يعتقد البعض أن جنابي - متطرف - ، و لكن المهم قراءة الموضوع ، و قراءة وجهة نظري فالموضوع جـدي و إن خلت هذه الخواطر و الأفكار من العنب فلن تخلو من البلح .
هناك فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى ، و هناك - أيضـًا - شياطين و وكلاء لإبليس ، يـُذيعون من الفتنة ما خفي على أبليـس ، و مالم يصل إليه عبد الله بن أبي ، و حمقهم أشبه بحماقة هبنّقة .
أرجو أن لا يأتي شخـصًا و يقول لي أتق الله فإنك في رمضان و لحوم الناس مسمومة ، أولا .. أقسم بالله أني أخشى الله و الله يعلم ما في نيتي ، و أنا مصر على أن أفتح موضوع أُناس يقدسون الشريعة في لحن القول ، فإذا جاعوا أكلوها ..
أقسم بالله العظيم أن تطبق السماء على الأرض أخف علي من أن يـُستغفل شعب كامل و شريحة و طبقة معينة من الناس ، و هم في غمرة ساهون . حينما يأتي من يعزف على وتر الدين و حينما يقول كلمة حق ليصل إلى باطل و يموه و يخلط صور الباطل بالحق ، فحينها يجب أن لا نسكت.
" أيها المسلمون تسحروا بارك الله لكم سحروكم ، فإني متسحر على الإعلام "
و أخص .. " طاش ما طاش " ، و كذلك " للخطايا ثمـن "
حاولت بالأمس أن أصيغ ما أقدر عليه بأسلوب علمي يعيبه الترتيب الركيك في الأفكار ، و قد عاهدت نفسي سابقا أن أسخر ما تجود به نفسي من كتابة و أصيغها بطريقة علمية أكثر من كونها استعطافية ..
و لكن لعلي دمجت النيتين و الشعورين .. و كما قلت سابقا إن خلت هذه المقالة من العنب فلن تخلو من البلح ..
لعل مقالتي تبدو طويـلة بعض الشيء ، و لكن أتمنى أن لا يبخل الجميع على نفسهم بهذه المعلومات .. فالموضوع ليس حكـرًا و حصـرًا على السنة من المسلمين فقط ، بل كذلك كل شيعي ، و مسلم يخشى على دينه و دنياه ، ما ستقرأه في أغلبه دراسة نفسية ، و إعلامية ، و تسويقية للخطر المنحدر منهم ..
إن مما يدمي القـلب استغلال بعض " البشر " - مع تحفظي على كلمة بشر - ، القضايا الإجتماعية و بالأخص السنيـة الشيعية ، ليكون مصدر عيشه و ليقتات منها ، و استغلاله لوضع اجتماعي معين و نقده بطريقة تحلو له ، ليضمن ما يسد به جوعه و يروي ضمأه .
على اختلاف علماء الإتصال الجماهيري في كيفية تأثير وسائل الإعـلام إلا أنهم مجمعيـن على ذلك التأثير على جمهوريها من خلال ما يُعرض ، في عام (1955) لخص العالمين ( لازارفيلد ) و ( ميرتون ) أربع أسباب رئيسية ينبع منها قلق الناس و انشغالهم بوسائل الإعلام .. و لعلي أذكر سببـًا واحدًا أرى أنه هو الأهم و لكي لا أطيل على الجميع في القراءة ..
السبب هو .. أن من الناس من يخشى استغلال أحاب المصالح و الأهواء لوسائل الإعلام ، بحيث تشجع الجمهور على قبول وضع اجتماعي معين ، أو تحرضه على التمرد على وضع قائم . و الأمر الذي يقلل من النقد الاجتماعي لواقع خاطئ ، و يضعف من قدرة الجمهور على التفكير الناقد فيما يطرح عليه من نظم اجتماعية و قيمية .
http://tbn0.google.com/images?q=tbn:.../injection.jpg
مما لاحظته في المسلسل المسمى بـ "طاش ما طاش " إستخدام بعض الإعلاميين - بحسن نية أو دونها - بعض التأثيرات الإعلامية الخطيرة و أخص هنا نظرية تأثيرية قوية لا يستهان بها و هي بما يسمى في الإعلام أو علم الإتصال الجماهيري ( بنظرية الحقنة أو الرصاصة innoculation theory ) ، و قد اشتق هذا الاسم و فكرته من الفكرة نفسها التي تقوم على أساسها التطعيم ضد الإمراض ، حيث إن تحصين الإنسان ضد الأمراض يتم من خلال حقنه بمصل يحتوي على جرثومة ضعيفة للمرض المراد التخصين ضده ، و من ثم يقوم ( نظام المناعة ) في جسم الإنسان باحتواء تلك الجرثومة الضعيفة و القضاء عليها و خلق حالة من الحصانة ضدها .
إن نظرية التطعيم هي من وجه آخر شبيهة بمفهوم التأثير على المدى الطويل . لأن التعرض المتواصل لبعض ما تبثه وسائل الإعلام يولد نوعـًا من التبلد و عدم الإحساس أو ما سميناه ( الحصانة ) في حالة التطعيم ضد المرض . إن الجرعات من المفاهيم و القيم التي نتلقاها من وسائل الإعلام تشبه الأمصال التي نحقن بها لكي تقل ، و إن لم تنعدم ، قدرة الجراثيم على لتأثير في أجسامنا .
فمثلا .. استمرار تعرضنا لمشاهد العنف و الجريمة و الجنس يخلق لدينا حالة من اللامبالة تجاهها و عدم النفور منها .
و قد يسأل سائل .. من أين أتت هذه الحالة السلبية تجاه الأشياء السلبية ؟
و الجواب : أن ( الحقــن ) المنتظم لعقولنا بـ ( الأمصال الإعلامية ) ولـّد حالة من البلادة تجاه الأمور السيئة و الجوانب السلبية أو حصانة تشبه الحصانة التي يصنعها المصل حينما نلقح ضد الأمراض .
لكن المفارقة الجميلة هنا .. أن التطعيم الطبي يستخدم لوقاية و حماية الجسم ، و أما الحقن الإعلامي فإنه لتوليد اللامبالاة و تبلد الإحساس ضد المنكرات و المشاهد المنحرفة .. فيصبح الأمر كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم : ( يصبح المعروف منكـرًا و المنكر معروفـًا ) . فالأمور المحرمة من التبرج و الإختلاص يصبر أمرا عاديا ، و الإنكار على هذه الظاهرة و التحذير منها يصبح أمرًا غريبـًا مستخجنًا يوصف فاعله بالتشدد و ضيق الأفق .
موضوع الحقن الإعلامي و هي نظرية إعلامية تقودني الآن إلى نظرية نفسية تسويقية ، هذه النظرية إستخدمها عالم روسي يسمى إيفان بافلوف .
هذه النظرية تسمـى .. الربط الذهني أو الإرتباط الشرطي أو الإستجابة الشرطية .. بداية إكتشاف بافلوف لهذه النظرية كانت عن طريق تجربتها على كلبه ، و لما تحققت قرر البعض تطبيقها على الأوادم ..
باختصار ... هذه النظرية تهدف إلى ربط الأحداث و الأفعال و المصائب و الأحاسيس إلى نتائج معينة نفسية يصعب الخلاص منها فيما بعد ..
دعني أوضح قليــلا ..
عند سؤالك لأحد اليهود أو النصارى عن الإسـلام .. فإن أول ما سيتبادر لذهنه هو الإرهاب .
عندما سألت أحد الشيعة عن نفس الشيء و قلت له ماذا يرتبط في ذهنك عندما أقول " السـُنة " ؟ أجابني بأن ما يرتبط في ذهنه هو السعودية .
عندما نقول الشيعة .. أغلب من سألتهم أجابوني بأن ما يرتبط في ذهنهم هو إيران .
تسير أحيانا في مكان ما .. و تشم رائحة عطر معينة ، فتذكر ( س) من الناس ..
تسير بالقرب من البحر و تشم رائحة معينة و لا شعوريا تجد نفسك تبتسم فتقول تذكرت كورنيش جدة أو كورنيش الدمام أو الخبر .
- إذا لم تتضح الصورة في هذه النقطة لا مانع من السؤال لزيادة الإيضاح -
الحقيقـة .. أن البعض إرتبط ذهنه إرتباطا شرطيـًا بمجرد رؤية ملتزمين أو متدينين ، بالتخلف أو الهمجية ، و أنهم ضيقي أُفق ، هذا إن لم يزد في الضحك عليهم ، فيرتبط في ذهنك كل ما هو إسلامي إرتباطًا شرطيا بالإرهاب و ضيق الأفق و التخلف .
العـــقل البشري إذا أُريد التأثير عليه فإنه يتأثر بطريقتين كما يقول علمـاء النفس ، و هي عن طريق : -
1/ الكـثـافة الحسيـة .
2/ التكرار .
حديثي سيكون فقط على النقطة الثانية وهي ( التكرار ) ..مما لاحظته في المسلسات و المشاهد التي يتعرض فيها أصحاب الـلحى و المتدينين إلى نقد ، هو تكثيف ( الكوميديا ) على الشخصية الملتمزمة ، و محاولة إضحاك الجمهور لأن يصل إلى أعلى درجة في شعوره بالضحك ، و من ثم ( مع التكرار و التكثيف من هذه الأمور ) فإن العقـل يتبرمج لا شعريـًا و يرتبط في ذهنه ، أن شخصية معينة مضحكة جدا و طريقة شخصية معينة في الحديث مضحكة جدًا ، و هذا أخوف ما أخاف منه ، وهو أن يأتي أناس فيما بعد يكرهون الإلتزام بمنهج معين سواء هذا المهج ( للسنة أو الشيعة ) و ذلك لأن أذاهنهم مرتبطة إرتباطًا شرطيا غير محسوس ، بأن الإلتزام يعني التخلف و الرجعية و ( الغبـاء ) .
المشكلة وجود أناس يعينونهم على هذا الشيء و هو بقولهم : إن هذا الواقع و ينتقدونه .
و سؤالي .. هل كل واقع يناقش بطريقة ساخرة ؟
عندما خرج مسلسل " للخطايا ثمن " فرح البعض بهذا العمل و كأنهم يتشفون و ينتقمون من فئة معينة ، و كذلك " طاش ما طاش " عندما ينتقدون فئة معينة من الناس بطريقة ساخرة ، فرح البعض الآخر .. و الواقع من المفترض أن يكون عكس ذلك و أن يتم نقاش المواضيع الحساسة التي قد تولد إرتباطـًا شرطيا في أذهان الناس عن فئة معينة من الناس ، بطريقة جديـة و سليمة و علمـيّة فليس المجال مجال عواطف ، و إنما المجال مجال أجيــال قد تكره الإنخراط في فئة معينة من الناس لأنهم تبرمجوا على أن هذه النوعية و الفئة " مريضة " .
إخوتي الأكارم .. أشعة الشمس تنفذ من النافذة ، قد دخل وقت الصيام و أنا لم أكمل سحوري بعد ، أتمنى أن أكون وفقت في عرض شيء بسيط من هذا الجانب ، و أعتذر عن أخطاء إملائية أو نحوية أو أخطاء فكرية ، فلازلت أحتاج التوجيه ، و إن طرأ علي تغيير أو زيادة فلن أتأخر .. و الـــسّلام .
*بالنسبة لنظريات الإعلام التأثيرة بإمكانكم الرجوع إلى كتاب من تأليف الدكتور الحضيف .( كيف تؤثر وسائل الإعلام ) .