س/ ما هي العلمانية؟

ج/ معناها: اللادينية وهي: (( اتجاه في الحياة أو في شأن خاص يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية يجب أن لاّ تتدخل في الحكومة , أو استبعاداً تاماً عن شؤون الدولة , فهي تعني مثلاً السياسة اللادينية البحتة للحكومة, وهي نظامٌ اجتماعي في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام السلوكية والخُلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي دون النظر إلى الدين)).

س/ ما سبب ولادتها؟
ج/ هي وليدة الصراع الطويل والمرير بين السُلطتين الدينية والدنيوية في أوربا.

س/ ما هي سمات العلمانية؟
ج/
1/ وضع الحواجز بين الروح والمادة.
2/النظرة إلى القيم الروح نظرة سلبية , بغض النظر عن تلك التي تُعدّ قاسماً مشتركاً للمجتمع الذي تسوده , والتي يجب أن تُحافظ على إيجابيتها بسبب من طابعها الاجتماعي , كالتكافل والتعاون والتضحية والإيثار .......وغيرها, كما أنّها بإغفالها لهذا تفتح المجال لحدوث تصادم بين القيم –ذات الطابع الاجتماعي- وبين القيم المادية المفروضة من الخارج.


3/ مناداتها بفصل الدين عن السياسة لكي يتحرر – كما يقولون- دعاتها من ظروف السياسة وملابساتها (ولكي يُسمح لها بالانطلاق في مجالها الحيوي), وهنا وقع التناقض الصريح باعترافها أيضاً بوضوح , بأن السياسة أداة لا أخلاقية , ولابد أن تُمارس الانحراف عن القيم الخُلقية المتعارفة لأسبابٍ تقتضيها ظروفها وملابساتها, وما دامت هكذا فمن الخطأ إذن إنزال الدين من سماواته العُليا إلى دركاتها ؛ لأنّها ترى أن السياسة لا تتورع عن استخدام أيّ أسلوب دنيء يُمكّنها من الوصول إلى أهدافها بأسرع وقتٍ مُستطاع.
4/ حاولت اللادينية أن تُحقق سماتها وأهدافها من خلال احتواء التربية والتعليم , للسيطرة على إخراج أجيال لا تعرف الدين أو الأخلاق , فأبعدت الثقافة الدينية عن المدارس العامة في أوربّا, أمّا نجاحها فإنها لم تنجح –النجاح الحق- في تحقيق غايتها وهي إقامة دولة ومُجتمع ينحصر فيها الدين على الصعيد الفردي , حيثُ لم تتمكن اللادينية حصرِ الدين في الفرد فقط ,ولم تتمكن كذلك من جعل أبناء الطوائف الذين يعيشون في بلدٍ واحد, يشعرون أّنهم إخوةٌ في الوطن , بصرف النظر عن كونهم غيرُ إخوةٍ في الدين, فقد قامت الدولة اللادينية لكنّها في الواقع لم تقم إلّا بشكلٍ صوري. بل إن الدّول التي تمركزت فيها اللادينية لم تتخلّ عن دينها كلياً, وإن الدين لا يزال له نفوذه , وإنّ رجال الدين في أوربا أدركوا أنّ عليهم أن يلبسوا الدين وتقاليده ثوباً عصرياً , ومع هذا بقاء الشعور الديني حتّى في البلاد التي تدين بالإلحاد رسمياً , وهنا من الممكن القول بفشل اللادينية فشلاً جُزئيا في تلكَ البلاد.




أسباب اختلاف اللادينية بين المُجتمع الأوربي والمجتمعات الإسلامية:
1/ إن فشل الكنيسة لايعني فشل الإسلام فالكنيسة ضيّقة التأثير على الحياة الاجتماعية والمعاملات اليومية للفرد والمجتمع . أما الدين الإسلامي فبالإضافة إلى احتوائه على العقائد والعبادات والأخلاق , فقد جاء بنظامٍ شامل يُهذب حياة الإنسان في شتّى نواحي الحياة . فهو نظامٌ يتفق مع صميم طبيعة الحياة الإنسانية , فالفصل هنا معناه التنصل من التشريع الحق. قال الله تعالى(( ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)).
2/لاتوجد في الإسلام مؤسسة كالكنيسة الغربية , وإنّ الإسلام بمنهجه الشمولي ومسايرته لكلّ زمانٍ ومكان , فإنّه في منابعه يرفض أي نوعٍ من أنواع السُلطة الأبوية , لأنه يأبى مفهوم العِصمة ويرفضه , إذ بات من المقررات الشرعية التي استقر عليها العمل منذُ الصدر الأول أن كلّ شخصٍ يؤخذ منه ويردّ إلّا رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي قال جلّ في عُلاه في حقه: (( ومآ ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)). وأن لا طاعة لمخلوق في معصيّة الخالق فلا وجود للطاعة العمياء ولا لصكوك الغُفران.
3/لا صدام بين الدين الإسلامي والعلم, كما حصل في الكنيسة. بل على العكس من ذلك , فقد شجّع الإسلام العلم وحثَّ عليه وجعل منزلة العلم والعُلماء منزلةً مرموقةً في المجتمع حيثُ قال عزّ من قائل ((قُل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)). ثمّ نادى العقل والفِكر بالتدبر في الكثير من الآيات القُرآنية , فلم يمنع من تقّدمه في كل ميادين الحياة , فلا تعارض بين هذا وذاك.أمّا دين الكنيسة الذي بدأ يترنّح تحت ضربات اللادينية فهو ليس دين الإسلام, بل هو الصورة الشوهاء والنصوص المحرّفة والخرافة المسطورة التي عُرضت في محلاّت المعابد عند أرباب المسيحية الأوربية , أمّا الإسلام يُوحِّد بين الدين والعلم لأنه يقوم على النظر والتفكير والاعتماد على البُرهان , والعلمُ في الإسلام فريضةٌ على كلّ مسلمٍ ومسلمة.
4/إنّ الأخلاق المتفشية في المجتمعات الأوربية هي غيرها في المُجتمعات الإسلامية , فقد هجر الناس الكنيسة في الغرب لما يلاقونه من ازدواجية وتضارب بين العقيدة المسيحية والسلوك الكنيسي , فأعلنوا تخلّيهم عن الكنيسة وما يدورُ في فلكها , فغرقَ الناسُ في سفاسف الأخلاق, وفي حمأة الجنس بتأثير المبادئ الهدّامة , فنسوا أو تناسوا أنّهم ينحرفون عن الأخلاق التي كان مصدرها غالباً من المسلمين أيام احتكاك العالم الصليبي بالعالم الإسلامي في الحروب الصليبية, ودخولهم إلى بلاد الإسلام وإقامتهم فيها فترات من الزمن بوضع دُويلات مؤقتة كما فعلوا في بعض بلاد الشام, أمّا المجتمعات الإسلامية فلا تزال الأخلاق فيها قائمة , وانفصال الأخلاق عن الدين أمرٌ مستبعد . ومن هنا فلا توجد حاجة لأن يعتنق الفكر الإسلامي أو المجتمعات الإسلامية مبدأ اللادينية, إذ أنَّ العوامل التي كانت سبباً لنشوئها في أوربا,لم تُوجد في المجتمع المسلم ولا الفكر الإسلامي.






5/ لم تكن الكنيسة مُستندة على الوحي الإلهي , بينما يعتمد الإسلام على الوحي, لاسيما في الجوانب القطعية الثابتة بالوحي الإلهي . أما الاجتهاد المتحرّك في الحياة ضمن إطار ضوابط الفهم الأصولي الإسلامي في حدود مصالح الأمة وفي حركتها الحضارية الصاعدة فهو أمرٌ محمود.
6/ (لم يكن موقف الكنيسة مع أهل الأديان الأخرى والمذاهب النصرانيّة المُخالفة موقفاً ودياً , بل كان موقفاً يتميز بالعنف والاضطهاد وسفك الدماء كما في محاكم التفتيش).
بينما الإسلام حل تلك المسألة حلاًّ جذرياً , عند ما صوّر القرآن ذلك بقول الله تعالى(( لا إكراه في الدين قد تبيّن الرُشد من الغي)) وقوله تعالى: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين.))
فحقوق الناس والأديان كلّها ثابتة في الإسلام , بل كان وجود النصارى بين المسلمين سبباً لظهور مبادئ التسامح عندهم .
وأخيراً:ماذا جنت الشعوب من اللادينية؟! إنها الحضارة الموهومة التي أودت بعاشقيها في متاهات الظلام , ثم ساقتهم إلى جرفٍ هارٍ فانهار بهم في نار جهنّم.






همسة اعتذار:
أعتذر أخواني القرّاء عن الإطالة ولكن يعلم الله أنّي خشيتُ الإيجاز المُخل, حيثُ أنّ الموضوع لايحتمل الهضم , وهو الآن أمامكم يُعتبر مُختصر في نظري ولكن بشكلٍ شمولي, أتمنى أن أكون وفقّت , فإن كان صواباً عملي فمن الله وإن كان خطئاً فمن نفسي والشيطان.


( مقتبسة : من رسالة الأستاذ: موفق الدليمي ""خصائص وسمات الجاهلية المعاصرة"")

وبتصرّف الفقير إلى ربه : سهيل عمر سهيل الشريف