تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: عدالة الصحابة ونداء إلى من سبهم

  1. #1

    افتراضي عدالة الصحابة ونداء إلى من سبهم


    عدالة الصحابة ونداء إلى من سبهم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الصحابة نجوم هذه الأمة ومصابيحها المتقدة اللامعة , وقدوتها إلى طريق الهداية الحقة , والكلام على عدالة الصحابة من الأمور القديمة التي تداولها جُلَّ علماء الأمة الإسلامية , وآل اتفاقهم إلى أن الصحابة كلهم عدول , والسؤال ما أدلتهم على عدالة الصحابة ؟
    وفي هذه الأسطر القادمة سنبين ونفند تلك الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
    قبل الإجابة على هذا التساؤل أود الحديث عن معنى كلمة صحابي , ومن الذي يُطلق عليه صحابي ؟
    من هو الصحابي :
    اختلف العلماء في هذا فمنهم من قال : " الصحابي هو من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - , وإن لم يختص به اختصاص المصحوب , ولا روى عنه , ولا طالت مدة صحبته " .
    ومنهم من قال : " من لقي النبي مؤمنا، ومات على إيمانه " .
    ومنهم من قال : الصحابي إنما يطلق على من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - واختص به اختصاص المصحوب , وطالت مدة صحبته , وإن لم يرو عنه " .
    ومنهم من قال : " الصحابي هو من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وأخذ عنه العلم ".
    ومنهم من قال : "لا بد من أن يغزو معه حتى يسمى صحابيا" .
    والصحيحما قرره الحافظ ابن حجر بقوله : " وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابى هو من لقى النبى صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ، ومات على الإسلام ، ولو تخللت ردة على الأصح ".
    وقد أيد السيوطي – رحمه الله – هذا الرأي , فقال : " وهو المعتبر "[1] .
    وأيده كذلك الإمام السخاوي - رحمه الله – في فكتابه فتح المغيث حيث قال : " والعمل عليه عند المحدثين والأصوليين" .
    ونحى هذا النحو الإمام الزركشي في البحر المحيط[2] , والآمدي في الإحكام [3].
    فالصحبة تثبت ولو بساعة , فلو أنك صاحبت أحدًا في السفر فلك أن تقول صاحبت فلانا , ولو كانت مدة صحبتك له ساعة أو أقل , فالصحبة تثبت بدوام المصاحبة وبقصرها , فلو اعتمدنا طول المصاحبة لخرج من الصحبة الكثير من الأنصار الذين ماتوا في بدر , ولم تطول أعمارهم كي يصاحبوا النبي , أما من قال بضرورة الرواية عنه فهذا ليس بصحيح , فقد تُصاحب أنت إنسانا ولا تنقل عنه الأخبار ولا الأقوال , فهل معنى هذا أنك لا تستطيع أن تقول إنك صاحبته ؟ بالطبع لا , والكلام في مسألة أخذ العلم عنه ينطبق على مسألة الرواية . والله أعلم .
    قال تعالى : " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً " (البقرة 143 )
    وقيل في تفسير قوله تعالى وسطا أي عدولا .
    قال تعالى : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " (آل عمران 110 )
    كنتم هنا للخطاب , وكان خطابه تعالى موجهًا إلى الصحابة الموجودين زمن النبي – صلى الله عليه وسلم - .
    قال تعالى : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح : 29] .
    قال تعالى : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ(8) َالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (الحشر /8,9) , فالصادقون هم المهاجرون، والمفلحون هم الأنصار.
    فمن يجرؤ بعدُ أن يرد شهادة العزيز الغفار , ولتعلم الأمة الإسلامية أن الكلام في عدالة الصحابة يعني رد بعض آيات القرآن الكريم التي تحدثت وبيَّنت عدالتهم , ورد آيات من القرآن لا شك كفر وإلحاد .
    استعرضنا في الأسطر القليلة السابقة آيات من كتاب الله تعالى فيها دليل واضح على عدالة أولئك الصحابة – رضي الله عنهم – وسنستعرض بعون الله الآن ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه دليل واضح على عدالتهم .
    قال – صلى الله عليه وسلم - : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ".
    فهذه شهادة من لا تجرح شهادته , شهادة النبي المختار محمد بن عبد الله , فهؤلاء الصحابة هم نجوم هذه الأمة , وعلينا الاقتداء بهم , فهل سيأمرنا نبينا باتباع من ليسوا عدولا " !! .
    وقال – صلى الله عليه وسلم - : " إن الله اختار لي أصحابا وأصهارا وأنصارا " .
    فقد اختارهم الله سبحانه وتعالى لنُصرة نبيه ومؤازرته , وتحمل أمر الدعوى على أعناقهم , وهذه شهادة أخرى , فالله سبحانه وتعالى لا يختار مجروحا .
    وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ".
    فقد عمَّ النبي كل الموجودين من صحابته الكرام ولم يستثني واحدا منهم , وفي هذا أكبر دليل على عدالتهم جميعا .
    وقال – صلى الله عليه وسلم - : "خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ قوم تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِم يَمِيَنهُ ويَميِنُهُ شَهَادَتَهُ"[4] .
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "النجومُ أَمنةٌ للسماءِ، فإذا ذهبتِ النجوُمِ، أَتى السماءَ ما تُوعدُ، وأَنا أَمَنةٌ لأَصْحَابى. فإذا ذهبتُ أَتَى أَصْحَابِى ما يُوعدونَ، وأَصْحَابى أَمنةٌ لأُمَّتِى، فإِذا ذهب أصحابى أتى أُمِتى ما يُوعَدُون "[5] .
    والحقيقة واضحة لكل ذي لب سوي وعقل غير عيي أن زمن الصحابة هو أفضل أزمنة الإسلام من جميع النواحي , من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والفتوحات , بل ومن الناحية الروحية والترابط بين جميع أفراد المسلمين , وكذا الأخلاقيات , فلو استعرضنا سير هؤلاء الصحابة الكرام لوجدت العجب العجاب في حلاوة وطلاوة تعاملاتهم الدنيوية مع بعضهم بعضا , وكيف كانوا يخافون على دينهم , وكان الواحد منهم يهتم بأمره وأمر أخيه , فكانوا كالبنيان المرصوص بحق , وكانوا يتنافسون في الخيرات , فهل بعد هذا كله نجد منا من يسبهم أو يقدح في عدالتهم إلا من كان قلبه خال من الإيمان , وعار عن الإنصاف .
    فكيف يكونوا غير عدول وقد تربوا في المدرسة النبوية التي نبعت وارتوت جذورها من المدرسة الربانية , فقد تربى النبي على يد ربه – جل وعلا – ثم ربَّى نبينا أصحابه كما ربَّاه ربه .

    أقوال السلف الصالح في عدالة الصحابة :
    قال ابن حبان - رحمه الله -: (وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب» أعظم دليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف، إذ لو كان فيهم أحد غير عدل لاستثنى في قوله صلّى الله عليه وسلّم وقال: ألا ليبلغ فلان منكم الغائب، فلما أجملهم في الذكر بالأمر بتبليغ من بعدهم دل ذلك على أنهم كلهم عدول، وكفى بمن عدله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شرفاً) .
    وقال ابن الصلاح - رحمه الله -: (للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يُسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه؛ لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة، وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة)[6] .
    وقال أيضًا : (إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر، فكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك؛ لكونهم نقلة الشريعة، والله أعلم) .
    قال ابن عبد البر - رحمه الله -: (ونحن وإن كان الصحابة رضي الله عنهم قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول) .
    وقال الإمام الغزالى : "والذى عليه سلف الأمة ، وجماهير الخلق ، أن عدالتهم معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم وثنائه عليهم فى كتابه، فهو معتقدنا فيهم ، إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لا يثبت فلا حاجة لهم إلى التعديل - ثم ذكر بعض ما دل على عدالتهم من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال : فأى تعديل أصح من تعديل علام الغيوب - سبحانه - وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم كيف ولو لم يرد الثناء لكان فيما اشتهر وتواتر من حالهم فى الهجرة، والجهاد، وبذل المهج، والأموال، وقتل الآباء والأهل، فى موالاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونصرته، كفاية فى القطع بعدالتهم"[7]
    وقال ابن الأثير -رحمه الله-: « والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك، إلا في الجرح والتعديل، فإنهم كلهم عدول، لا يتطرق إليهم الجرح، لأن الله ورسوله زكياهم وعدلاهم، وذلك مشهور لا يحتاج لذكره ويجئ كثير منه في كتابنا هذا»[8].

    أما عما نُقل إلينا من حياة أولئك الصحابة , أولئك النفر المكرمون من حروبهم لنُصرة دين الله وإعلاء كلمة التوحيد في الأرض , وتضحيتهم بالمال والأنفس والأبناء , وسهرهم الدؤوب وعملهم المستمر من أجل دين الإسلام , وطاعتهم العمياء لأوامر الله وأوامر رسوله الكريم , وتسابقهم في الخيرات , وزهدهم ورقهم , وما خاضوه من معارك لنشر الإسلام في شتى بقاع الأرض حتى صار المسلمون من أعلى الأمم وأوسعها انتشارا , ووصل الإسلام بهم إلى الهند وأوروبا وإفريقيا , وهذا ثابت في كتب التاريخ والسيرة وفضائل الصحابة بالنقول الصحيحة المتواترة عنهم .
    وليس معنى عدالتهم هنا أنهم منزهون عن الخطأ , فالخطأ وارد وموجود بالفعل , فمن الناس على عهد رسول الله قد زنا مثل ماعز والغامدية , ومنهم من سرق ومن سب , ومنهم من شرب الخمر كأبي محجن وغير ذلك من الذنوب والأوزار التي كانت على عهده – صلى الله عليه وسلم - , فما من معصوم غير الأنبياء والمرسلين .
    وليس معنى عدالتهم إصابتهم الدائمة في الاجتهاد , فمنهم من يصيب ومنهم من يخطأ , ومن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر , لذا فالفتنة التي وقعت أيام عثمان وعلي , وكذلك أيام معاوية – رضي الله عنهم أجمعين – لا ينبغي لأي مسلم أن يأخذها على محمل الفسق , وعلى محمل الشر وليعاذ بالله , بل علينا أن نأخذها على محمل الاجتهاد , فكلا الفئتان ظنت أنها على صواب , وأن الثانية على خطأ .
    وكلتاهما ظنت أنه تُدافع عن الحق , فلهذا ضحوا بأنفسهم , ودخلوا في حروب ضروس , ولم تكن تلك الحروب إلا دفاعا عن الحق في نظر الفريقين , وأنه بهذه الحروب يدافع عن الإسلام والمسلمين ,ولم تكن حربهم – رضي الله عنهم – لمصالح شخصية ولا للوصول إلى منصب , ولا إلى جاه , ولا إلى مال .
    وفي هذا يقول الإمام ابن حجر في الفتح : " واتّفق أهلُ السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من حروبٍ ولو عُرف المحقُّ منهم؛ لأنَّهم لَم يقاتلوا في تلك الحروب إلاَّ عن اجتهادٍ وقد عفا اللهُ تعالى عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنَّه يؤجر أجراً واحداً وأنَّ المصيبَ يؤجر أجرين "[9].
    وقال الشيخ يحيى بن أبي بكر العامري - رحمه الله -:
    في كتابه الرياض المستطابة في من له روايةٌ في الصحيحين من الصحابة: " وينبغي لكلِّ صيِّنٍ متديِّنٍ مسامحة الصحابة فيما صدر بينهم من التشاجر والاعتذار عن مخطئهم وطلب المخارج الحسنة لهم وتسلِيم صحة إجماع ما أجمعوا عليه على ما علموه، فهم أعلم بالحال، والحاضرُ يرى ما لا يرى الغائبُ، وطريقةُ العارفين الاعتذارُ عن المعائب، وطريقةُ المنافقين تتبُّعُ المثالب، وإذا كان اللاَّزمُ من طريقة الدين سترُ عورات المسلمين فكيف الظنُّ بصحابة خاتم النبيّين مع اعتبار قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسبُّوا أحداً من أصحابي)، وقوله: (من حُسْن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه) هذه طريقةُ صلحاء السلف وما سواها مهاوٍ وتلف " [10].
    فمعنى العدالة أنهم كانوا لا يكذبون على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وذلك لشدة تقواهم واتباعهم لأوامر الله ورسوله , وبعدهم عما نهاهم عنه .
    فالعدل كما يقول الشافعي – رحمه الله - : " من اجتنب الكبائر؛ وكانت محاسنه أكثر من مساويه " [11].
    قال الإبياري : "وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم ، واستحالة المعصية عليهم ، وإنما المراد : قبول روايتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية ، إلا أن يثبت ارتكاب قادح ، ولم يثبت ذلك ولله الحمد ! فنحن على استصحاب ما كانوا عليه فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى يثبت خلافه ، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير، فإنه لا يصح ، وما صح فله تأويل صحيح "[12].
    وقال الخطيب البغدادى : "إنه لو لم يرد من الله - عز وجل - ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، والنصرة، وبذل المهج، والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين : القطع على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين، الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين. هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء" [13].
    وما قرأت أعظم مما قاله الإمام الذهبي في مقدمته لكتابه ميزان الاعتدال حيث يقول تقديرا منه للصحابة : " إلا ما كان في كتاب البخاري، وابن عدي وغيرهما من الصحابة فإني أسقطهم لجلالة الصحابة، ولا أذكرهم في هذا المصنف، فإن الضعف إنما جاء من جهة الرواة إليهم، وكذا لا أذكر في كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحداً لجلالتهم في الإسلام وعظمتهم في النفوس، مثل أبي حنيفة، والشافعي، والبخاري، فإن ذكرت أحداً منهم فأذكره على الإنصاف وما يضره ذلك عند الله ولا عند الناس "[14] .
    وبعد : فعلى من يقول إن الصحابة رجال ونحن رجال أن يتقي الله , فهم رجال ونحن لا شيء بالنسبة لهم , يقول أبي حنيفة : "ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة تخيرنا، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال".
    فهذا هو القول الحق , أن الصحابة عدول وليسوا رجالا مثلنا , أما التابعون فهم رجال ونحن رجال , لكن مع الأخذ في الاعتبار أن القائل أبو حنيفة .
    إلى من سب الصحابة :
    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ , وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ "[15].
    قال الإمام الآجر ي : ( ومن سبهم فقد سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن سب رسول الله استحق اللعنة من الله عز وجل ومن الملائكة ومن الناس أجمعين )[16] .
    وقال كذلك : ( لقد خاب وخسر من سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لانه خالف الله ورسوله و لحقته اللعنة من الله عز وجل ومن رسوله ومن الملائكة ومن جميع المؤمنين ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ، لا فريضة ولا تطوعا ، وهو ذليل في الدنيا ، وضيع القدر ، كثّر الله بهم القبور ، و أخلى منهم الدور ) [17].
    وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِى لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِى فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ »[18].
    فهذا نهي واضح من النبي – صلى الله عليه وسلم – للمسلمين بعدم سب الصحابة , والتهديد لهم باللعنة من الله والملائكة والناس أجمعين .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وذلك إن الإيمان الذي كان في قلوبهم حين الإنفاق في أول الإسلام وقلة أهله ، وكثرة الصوارف عنه ، وضعف الدواعي إليه لا يمكن لأحد أن يحصل له مثله من بعدهم . وهذا يعرف بعضه من ذاق الأمر ، وعرف المحن والابتلاء الذي يحصل للناس ، وما يحصل للقلوب من الأحوال المختلفة . وهذا مما يعرف به أن أبا بكر - رضي الله عنه - لن يكون أحد مثله ، فان اليقين والإيمان الذي كان في قلبه لا يساويه فيه أحد . قال أبو بكر بن عياش : ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه . وهكذا سائر الصحابة حصل لهم بصحبتهم للرسول ، مؤمنين به مجاهدين معه ، إيمان ويقين لم يشركهم فيه من بعدهم)[19] .
    أقوال أئمة الأمة فيمن سب الصحابة :
    قال القرطبي في تفسيره: " فالصحابة كلُّهم عدولٌ، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخِيرتُه من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنَّة والذي عليه الجماعة من أئمَّة هذه الأمَّة، وقد ذهبت شِرذمةٌ لا مبالاة بهم إلى أنَّ حالَ الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم!! "[20].
    قال الإمام مالك - رحمه الله -: (من يبغض أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ قول الله سبحانه وتعالى: { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} إلى قوله: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ } [الحشر: 7 - 10] ، وذكر بين يديه رجل ينتقص أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقرأ مالك هذه الآية: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ } إلى قوله: { لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } [الفتح: 29] ، ثم قال: من أصبح من الناس في قلبه غل على أحد من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد أصابته الآية) .
    وقال الصابوني - رحمه الله -: (من أبغضهم وسبهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم الروافض والخوارج - لعنهم الله - فقد هلك في الهالكين.. ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم، ونقصاً فيهم) .
    وقال ابن أبي زيد القيرواني - رحمه الله -: (وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب).
    وقال الإمام الذهبي - رحمه الله -: (تقرر الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين -، ومازال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا : فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه، لتصفو القلوب، وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة، وآحاد العلماء) .
    وقد أمرنا الله – سبحانه وتعالى – في كتابة العزيز ألا نسب الصحابة وأن ندعو لهم بالخير , قال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ( الحشر10)
    والقول هنا بالقلب واللسان وليس باللسان فقط , فيجب علينا ألا نظن بهم السوء ولا نقدح فيهم بقلبنا ولساننا .
    سُئل الإمام الإمام النسائى عن معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما فقال : " إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام ، كمن نقر الباب - أى نقبه - إنما يريد دخول الدار، قال : فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة [21].
    بل ومن العلماء من اتهم من يسب الصحابة في إسلامه فها هو الإمام أحمد بن حنبل يقول : " إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام " [22].
    بل ومن العلماء من اتهم من يسب الصحابة بالزندقة يقول الإمام أبو زُرعة : " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن ، والسنن ، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة " [23].
    وهناك من العلماء والأئمة من أفتى بعدم تكفيرهم بل هو فاسق , وهناك من قال إن كان يسب كل الصحابة أو أكثرهم فهو كافر , خارج عن ملة الإسلام , أما إن سب بعضهم فهو فاسق ,




    انظر تدريب الراوي (2/ 216) .[1]

    انظر البحر المحيط (4/302 – 305 ) .[2]

    انظر الإحكام (2/84-85) .[3]

    [4] متفق عليه : أخرجه البخارى كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - ، ومن صحب النبى صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه رقم ؟؟؟؟؟ ، ومسلم كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم رقم ؟؟؟؟ من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - .

    [5] أخرجه مسلم كتاب فضائل الصحابة، باب بيان أن بقاء النبى - صلى الله عليه وسلم - آمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة رقم ؟؟؟؟؟ من حديث أبى موسى الأشعرى - رضي الله عنه- .


    [6] علوم الحديث ص 176 .

    [7] انظر : الإحكام للآمدى ( 2/81، 82 ) ، والبحر المحيط للزركشى ( 4/299) .


    [8] انظر : أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ( 1/10) .

    [9] فتح الباري (13/34) .

    [10] انظر الرياض المستطابة (ص:311) .

    [11] انظر : الروض الباسم فى الذب عن سنة أبى القاسم لابن الوزير اليمانى ( 1/28) .

    [12] انظر:فتح المغيث للسخاوى (3/96) ، والبحر المحيط للزركشى (4/300) ، والشفا للقاضى عياض (2/52) .

    [13] انظر الكفاية ص 96.

    [14] ميزان الاعتدال 1/2.

    [15] حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2340) .

    [16] انظر الشريعة للإمام الآجري – رحمه الله – (3/ 543) .

    [17] الشريعة (3/550) .

    [18] صحيح : أخرجه مسلم في صحيحه , كتاب فضائل الصحابة , باب تحريم سب الصحابة (2540) .

    [19] انظر : منهاج السنة ( 6/ 223 ) .

    [20](16/299)

    [21] تهذيب الكمال للحافظ للمزي ( 1/339 ) في ترجته للإمام النسائى.

    [22] انظر : البداية والنهاية لابن كثير (8/142).

    [23] انظر الكفاية للخطيب البغدادي ص 49 .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    496

    افتراضي رد: عدالة الصحابة ونداء إلى من سبهم

    هل صحيح ان النبي الاكرم سب ولعن بعض الصحابة عند الغضب؟دكتور

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •