وهذا كلام سماحة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الدعوة والأوقاف والإرشاد - حفظه الله - أثاء شرحه لأصول الإيمان لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - لعله ينفع بإذن الله :
قال الشيخ :
هذا الباب معقود لبيان ركن من أركان الإيمان وأصل من أصوله العظام ألا وهو الإيمان بملائكة الله جل وعلا، فإن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى.
والإيمان بالملائكة ركن لا يصحّ إيمان أحد إلا أن يؤمن بالملائكة؛ يعني: لأن الملائكة موجودون كما أخبر الله جل وعلا، وأنهم عابدون لا يُعبدون، وهذا القدر واجب وركن وهذا هو القدر المُجزئ من الإيمان، فمن لم يؤمن بذلك وهو:
- الإيمان بوجود الملائكة والإقرار أنه ثَمَّ من خلق الله ملائكة اصطافهم جل وعلا.
- والثاني أنهم عابدون لا يُعبدون وأنهم بأمر الله يعملون.
هذا القدر لا بد منه في الإيمان لأن هذا معنى وجود الملائكة. في أن الإيمان بالملائكة إيمان بوجودهم وأنهم يعبدون الله جل وعلا وأنهم لا يعبدون.
لفظ الملائكة جمع (ملأك)، وأصل هذه الكلمة(ملأك) مقلوبة عن (مألك)، والمألك: مصدر يعني بالاعتبار العام أصلها من الألوكة، والألوكة: هي الرسالة، وفعلُها أَلَكَ يَأْلَكُ أَلُوكَةً، يعني: أرسل برسالة خاصة وبمهمة خاصة.
فإذن الكلمة راجعة إلى معنى الإرسال، (فالملائكة) من لفظها اللغوي معناها: المرسلون برسالة خاصة والقائمون بمهمة خاصة.
فلذلك في الإيمان بالاسم لمن يعقل معنى الاسم فيه ذكر المرتبتين اللتين ذكرتهما: الإيمان بالوجود والإيمان بالعمل، هذا موجود في الاسم لمن يعقل اللفظ العربي.
والملائكة: خلق من خلق الله جل وعلا خلَقهم من نور كما جاء في حديث عائشة الذي رواه مسلم: (خُلقت الملائكة من نور) فهُم أرواح مطهرة مكرمة جعلهم الله جل وعلا عنده يعني أنه جعلهم في السماء فأصل مقامهم في السماء وقد يوكلون بأعمال في الأرض فينزلون بأمر الله جل وعلا: ?تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ?[القدر:4]، و ?نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ?[الشعراء:193]، يعني أصل مكانهم في السماء كما أن أصل مكان الجن والإنس في الأرض.
الملائكة الكلام على ما يتعلق بهم بما جاء في النصوص كثير واأُلفت فيهم بعض المؤلفات وهي مبسوطة في كتب الحديث والتفسير قد ساق الإمام المصلح رحمه الله في هذا الموضع جملا كثيرة من تعداد الملائكة ومن صفتهم وبعض ما يتصل بذلك.
فيمكن أن نقول –في جُمَل بحث الملائكة-: الملائكة من حيث خَلْقُهم خلق عظيم يعني في الصفة، وأنهم أنوار يعني: خلقوا من نور لا يراهم الإنسان بعينه المجردة، لكن إن كشف عنه الغطاء رأى كما قال سبحانه: ?فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ?[قّ: من الآية22]، فالإنسان على بصره غطاء يعني حدود يرى بها، لكن بالموت إذا كُشف الله عنه الغطاء البشري في الدنيا لأنبيائه ورسله فإنهم يرون ما لا يرى غيرهم فيرى الملائكة على صورتهم التي خلقهم الله جل وعلا عليها، كما ثبت في الصحيح: أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال: «رأيت جبريل على صورته مرتين له ستمائة جناح قد سدَّ الأفق»، ومنهم ذووا الأجنحة، ومنهم من ليس بذي أجنحة، خلقهم متنوع لكن يجمعهم أن خلقهم من نور.
الملائكة منهم ثلاثة كرّمهم الله جل وعلا وجعلهم سادة الملائكة وهم: جبرائيل وميكائيل وملك النفخ في الصور إسرافيل.
وهؤلاء الثلاثة في مهمتهم تشابه:
فجبرائيل جعله الله جل وعلا سيداً على الملائكة وموكلاً بالوحي فهو الذي ينزل بالوحي من الله جل وعلا إلى رسله وإلى ملائكته.
وميكائيل موكل بالقطر من السماء يُصرِّفه كما يأمر الله جل وعلا: ?وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا?[الفرقان: من الآية50].
وإسرافيل هو: الموكل بقبض الأرواح، وبالنفخ في الصور ونحو ذلك.
والتناسب بينهم كما ذكر العلماء: أن هؤلاء متصلة بهم الحياة، فجبرائيل متصلة به حياة الدين حياة الأرواح الحقيقية؛ لأنه ينزل بالوحي، وميكائيل بحياة الأرض بالقطر من السماء، وإسرافيل بحياة الأبدان بعد موتها.
أيضاً مما يتصل بذلك أن الله جل وعلا جعل الملائكة موكلين بالأعمال ولفظ (التوكيل) جاء في القرآن كما قال سبحانه: ?قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ?[السجدة: من الآية11]، فالله جل وعلا وكَّل الملائكة بأعمال، فهذا مختص بالسحاب وهذا مختص بالهواء وهذا بالبحار وهذا بالإنسان إلى آخره.. في أعمال كثيرة جداً، فما من شيء يحصل إلا والله جل وعلا قد أمر به وحدث بأمره وإذنه وقدرته، والملائكة موكلون بذلك وقد يكون المَلَك الموكل بشيء معه ملائكة كثير يفعلون ما يأمرهم به كما قال سبحانه في ذكر ملك الموت: ?حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ?[الأنعام:من الآية61]، فهم رسل وسيدهم أو رئيسهم ملك الموت.
من الملائكة: الملائكة المقرّبون الذين ذكرهم الإمام فيما سمعت، والملائكة المقربون أقسام:
منهم حملة العرش وهؤلاء يقال لهم: (الكروبيون) في بعض ما جاء في آثار السلف، وسُمُّوا بذلك: لأجل ما يعلوهم من الكرب من حمل العرش وقربهم من الله جل جلاله وخوفهم منه سبحانه وشدَّة فزعهم وكثرت فزعهم من الله جل وعلا.
ومنهم الملائكة الذين –يعني هؤلاء المقربين- منهم الملائكة الذين حول العرش كما قال جل وعلا: ?الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْد رَبِّهِمْ?[غافر: من الآية7]، وبعض العلماء يجعل حملة العرش ومن حوله جميعاً يدخلون في اسم الكروبيين.
وحملة العرش ومن حوله لهم مزيد اختصاص لقربهم من الله جل وعلا ومزيد فضل واختلف العلماء في حملة العرش كم عددهم على قولين:
* منهم من قال: إنهم ثمانية لقواه سبحانه: ?وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ?[الحاقة: من الآية17].
* ومن أهل العلم وهم الأكثر قالوا: إنهم أربعة في الدنيا وثمانية يوم القيامة، يعني أن عرش الرحمن جل وعلا إذا جيء به يوم القيامة لفصل القضاء فإنه يأتي به ثمانية من ملائكة الله جل وعلا، أما في الدنيا فهم أربعة ويستدلون لذلك بحديث رواه الإمام أحمد بإسناد جيّد: أن ملائكة العرش أربعة.
ومن الملائكة: خازن الجنة وخازن النار.
ومنهم: ملائكة موكلون بابن آدم منهم ما يكتب ما يصدر منه، ومنهم من يحفظه من بين يديه ومن خلفه وهؤلاء هم المعقبات يتعاقبون على ابن آدم أربعة. يتعاقبون فيهم يعني في المكلفين.
والملائكة أنواع وأشكال كثيرة متنوعة في مهامهم، والمؤمن يؤمن بهؤلاء إجمالاً على وجودهم لا ينكر شيئاً من ذلك وتفصيلاً فيما علمه بالتفصيل.
فالإيمان بالملائكة على درجتين:
* إيمان إجمالي فيما علمت وفيما لم تعلم.
* والإيمان التفصيلي فيما فُصِّل لك في النصوص، فما جاء في النص من وصف ملك أو ذكر اسمه في دليل في القرآن أو في حديث صحيح ثابت في سنة النبي ( فوجب اعتقاده؛ لأن هذا أمر غيبي يجب اعتقاده على ما جاء في الدليل.
ولعلكم ترجعون إلى كتاب مختص بالملائكة وتطلعون على صفات الملائكة وما يتصل بذلك، ويأتي إن شاء الله في هذا الكتاب تتمة الكلام في ذلك.
من آثار الإيمان بالملائكة يعني أن إيمان المؤمن بالملائكة له آثار على إيمانه ويقينه منها:
أولا شدة تعظيمه لربه جل وعلا: لأن إيمانه بالملائكة به يعلم عظمة الرب جل وعلا، وأن هؤلاء الملائكة الذين عظُم وصفهم وعظمت إحاطتهم وقُدَرهم بما أقدرهم الله جل وعلا وكثرة عددهم وتنوّع خلقهم وصفاتهم فيه الإيمان بعظمة الله جل وعلا وشدة الخوف من الله جل وعلا والعلم بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، فإذا كانت الملائكة يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم، فالعبد المؤمن يعلم أنه أحق بالخوف لأنه مكلف متعرض للطاعة وللذنب وأولئك مطهرون، وإذا علم أن الملائكة إذا سمعوا كلام الله جل وعلا أصابتهم صعقة ورعدة شديدة وصُعقوا ثم يُفزع عن قلوبهم فإنه يعلم حينئذٍ أنّ الملائكة – مع شدَّة خلقهم وعِظَم وصفهم –أنهم ينالهم ذلك فمع تقواهم له جل وعلا ومع طاعتهم وأنهم ركّع سجود يعملون بأمر الله لا يخالفونه فكيف بحال العبد المكلَّف الذي يخالف كثيرا ويعصي كثيرا ويغفل كثيرا.
فإذن الأثر الأول العام هو: الإيمان بعظمة الله جل وعلا وما يورثه الإيمان بالملائكة من خوف الله جل وعلا ومن الإنابة إليه.
الثاني محبة الملائكة: فإن الملائكة مطهرون عباد مكرمون مطيعون لله موحدون لله، فبين الموحّد وبين هؤلاء الموحّدين بينه وبينهم سبب وصلة ومحبة، ولذلك الملائكة يستغفرون لابن آدم يستغفرون لمن في الأرض ويستغفرون لمن دعا لأخيه، فبينهم وبينه محبة، وكذلك المؤمن يحبهم ولذلك لا يرضى بالتعدي عليهم أو بادعاء أنهم وسطاء عند الله جل وعلا، أو بأنهم بنات الله جل وعلا – كما يدعيه المشركون – تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
من آثار الملائكة بالله جل وعلا أيضا: أن الإيمان بالملائكة يعرِّف المؤمن الموحد ويجعل المؤمن على يقظة ومحاسبة لما يصدر منه، لأن الملائكة منهم الموكل بالكتابة ومنهم الموكل بالحفظ وهؤلاء بأمر الله جل وعلا يعملون ولهذا يُكرم الملَك عند المؤمن الموحد وعند العالم الراسخ، يُكرم الملَك عن كثير من الأعمال والهيئات والأقوال التي تصدر عن الجهلة، فكلما عَظُم الإيمان بالملائكة عظُم إكرامُهم عن ما يكرهون مثل: الكلام السيئ والأفعال الخبيثة والروائح الخبيثة ونحو ذلك مما تنفر منه الملائكة. إلى غير ذلك من الآثار التي ربما يأتي – إن شاء الله – بعضُها.
... ?نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)عَلَى قَلْبِكَ?[الشعراء:193-194]، ?إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ?[القدر:1] إلى أن قال ?تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ?[القدر:4]، يعني بكل أمر، فالعلماء يقولون: إنّ جبريل عليه السلام مختص بوحي الله جل وعلا يعني: بالنزول بالوحي، وهذا كثير في الأحاديث منها: «إن روح القدس نفث في روعي»، «إن جبريل أتاني آنفاً فقال...» وهكذا.
[المتن]
وعن جابر ( قال: قال رسول الله ( «أُذّن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام» رواه أبو داوود والبيهقي في الأسماء والصفات والضياء في المختارة.
فمن سادتهم جبرائيل عليه السلام وقد وصفه الله تعالى بالأمانة وحسن الخلق والقوة فقال تعالى: ?عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5)ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى?[النجم:6]، ومن شدَّة قوته أنه رفع مدائن قوم لوط عليه السلام وكنَّ سبعاً بمن فيهنَّ من الأمم وكانوا قريباً من أربعمائة ألف وما معهم من الدواب والحيوانات وما لتلك المدائن من الأراضي والعمارات على طرف جناحه حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قَلَبها فجعل عالِيَها سافلها. فهذا هو ?شَدِيدُ الْقُوَى?. وقوله: ?ذُو مِرَّةٍ?أي: ذو خلق حسن وبهاء وسناء وقوة شديدة، قال معناه ابن عباس رضي الله عنهما، وقال غيره: ?مِرَّةٍ? أي: ذو قوة، وقال تعالى في صفته: ?إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ?[التكوير:21] أي: له قوة وبأس شديد وله مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند ذي العرش ?مُطَاعٍ ثَمَّ? أي مطاع في الملأ الأعلى ?أَمِينٍ? ذي أمانة عظيمة ولهذا كان هو السفير بين الله وبين رسله وقد كان يأتي إلى رسول الله ( في صفات متعددة وقد رآه على صفته التي خلقه الله عليها مرتين وله ستمائة جناح روى ذلك البخاري عن ابن مسعود (.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله قال: رأى رسول الله ( جبريل في صورته وله ستمائة جناح كل جناح منها سدَّ الأفق يسقط من جناحه من التهاويل والدرّ والياقوت ما الله به عليم. إسناده قوي.
وعن عبد الله بن مسعود ( قال: رأى ر سول الله ( جبريل في حلة خضراء قد ملأ ما بين السماء والأرض. رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ( قال: «رأيت جبريل منهبطاً قد ملأ ما بين الخافقين عليه ثياب سندس معلق بها اللؤلؤ والياقوت». رواه أبو الشيخ.
ولابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جبرائيل عبد الله، وميكائيل عبيد الله وكل اسم فيه(إيل) فهو عبد الله.
وله عن علي بن الحسين مثله وزاد وإسرافيل عبد الرحمن. (6)
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (: «ألا أخبركم بأفضل الملائكة؟ جبرائيل».
وعن أبي عمران الجوني أنه بلغه أن جبرائيل أتى النبي ( وهو يبكي فقال له رسول الله ( «ما يبكيك؟» قال: ومالي لا أبكي فوالله ما جفت لي عين منذ أن خلق الله النار مخافة أن أعصيَه فيقذفني فيها. رواه الإمام أحمد في الزهد.
وللبخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله ( لجبرائيل: «ألا تزورنا أكثر مما تزورنا» فنزلت: ?وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلك?[مريم:من الآية64] الآية.
ومن ساداتهم ميكائيل عليه السلام وهو موكل بالقطر والنبات.
[الشرح]
(من ساداتهم) معنى السيادة هنا أنه معه من الملائكة من يأتمرون بأمره، فمعنى أنه سيد أي يأمر وينهى، فجبرائيل سيد الملائكة يعني: يأمر الملائكة، وميكائيل من سادات الملائكة لأنه يأمر، فمعنى (سادات الملائكة) يعني: الذين معهم جنود ومعهم أعوان ينفذون أمر الله جل وعلا بما وكل إليه، فملك الموت قال تعالى عنه: ?قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُم?[السجدة:من الآية11]، إسرافيل مثل ما جاء في الحديث: «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل» إسرافيل من سادة الملائكة وهو الموكل بالنفخ في الصور وبأخذ الأرواح أو إزهاقها حين النفخ في الصور، لأنه ينفخ نفخة الصعق فيموت الجميع ثم ينفخ نفخة البعث فتعود الأرواح، فملك الموت يقبض الأرواح، ومستودع هذه الأرواح في الجنة وفي الصور عند إسرافيل.
المقصود هذا معنى (من ساداتهم).
[المتن]
وروى الإمام أحمد عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ( قال لجبرائيل «ما لي لم أر ميكائيل ضاحكاً قط؟» قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار.
ومن ساداتهم: إسرافيل عليه السلام وهو أحد حملة العرش وهو الذي ينفخ في الصور.
روى الترمذي وحسنه والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر فينفخ». قالوا: فما نقول يارسول الله ؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ( قال: «إن ملكاً من حملة العرش يقال له: إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله قد مرقت قدماه في الأرض السابعة السفلى ومرق رأسه من السماء السابعة العليا». رواه أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية، وروى أبو الشيخ عن الأوزاعي قال: ليس أحد من خلق الله أحسن صوتاً من إسرافيل فإذا أخذ في التسبيح قطع على أهل سبع سماوات صلاتهم وتسبيحهم.
ومن ساداتهم ملك الموت عليه السلام – ولم يجيء مصرحاً باسمه في القرآن ولا في الأحاديث الصحيحة وقد جاء في بعض الآثار تسميته بعزرائيل فالله أعلم قاله الحافظ ابن كثير. وقال: إنهم بالنسبة إلى ما هيأهم له من أقسام:
فمنهم حملة العرش.
ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش وهم مع حملة العرش أشرف الملائكة وهم الملائكة المقربون كما قال تعالى: ?لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ?[النساء: من الآية172].
ومنهم سكان السماوات السبع يعمرونها عبادة دائمة ليلاً ونهاراً صباحاً ومساءً كما قال تعالى: ?يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ?[الانبياء:20].
ومنهم الذين يتعاقبون إلى البيت المعمور. قلت: الظاهر أن الذين يتعاقبون إلى البيت المعمور سكان السماوات.
ومنهم موكلون بالجنان وإعداد الكرامات لأهلها وتهيئة الضيافة لساكنيها، من ملابس ومآكل ومشارب ومصاغ ومساكن وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ومنهم الموكلون بالنار أعاذنا الله منها وهم الزبانية ومقدَّموهم تسعة عشر وخازنها مالك وهو مقدَّم على الخزنة، وهم المذكورون في قوله تعالى: ?وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ?[غافر:49]، وقال تعالى:?وَنَادَوْ ا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ?[الزخرف:77]، وقال تعالى ?عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ?[التحريم:6]، وقال تعالى ?عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ(30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً? إلى قوله ?وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ?[المدثر:30-31].
ومنهم الموكلون بحفظ بني آدم كما قال تعالى: ?لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ?[الرعد:من الآية11]، قال ابن عباس: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء أمر الله خلَّوْا عنه، وقال مجاهد: ما من عبد إلا وملك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال له وراءك إلا شيء يأذن الله تعالى فيصيبه.
ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد كما قال تعالى: ?إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَا نِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ?[قّ:17-18]، وقال تعالى: ?وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11)يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ?[الانفطار:10-12].
روى البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (: «إن الله ينهاكم عن التعرِّي فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات: الغائط والجنابة والغسل فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بجذم حائطٍ أو بغيره»، قال الحافظ ابن كثير: ومعنى إكرامهم: أن يستحِي منهم فلا يُملي عليهم الأعمال القبيحة التي يكتبونها فإن الله خلقهم كراماً في خلقهم وأخلاقهم ثم قال ما معناه: إن من كرمهم أنهم لا يدخلون بيتاً فيه كلب ولا صورة ولا جُنُب ولا تمثال ولا يصحبون رفقة معهم كلب أو جرس.
وروى مالك والبخاري ومسلم عن أبي هريرة ( أن رسول الله ( قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرُج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون»، وفي رواية: أن أبا هريرة قال: اقرءوا إن شئتم: ?وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً?[الإسراء: من الآية78].
وروى الإمام أحمد ومسلم حديث: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه».
وفي المسند والسنن حديث: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع».
والأحاديث في ذكرهم عليهم السلام كثيرة جداّ.
[الشرح]
هذه الأحاديث المتنوعة منها ما هو صحيح الإسناد ومنها ما لا يصح، وأهل العلم إذا أتوا إلى أصل من الأصول في تقريره فإنهم يسوقون ما في الباب من الأحاديث – كما هي طريقة أهل العلم الراسخين فيه من المتقدمين والمتأخرين-.
قال شيخ الإسلام في أحد أجوبته على منهج أهل الحديث قال: وأهل الحديث لا يستدلون بحديث ضعيف في أصل من الأصول بل إما في تأييده أو في فرع من الفروع – أو كما قال –.(7)
يعني: أنه لا يخترع أصل بحديث ضعيف لا يثبت، وإنما إذا كان الأصل ثابتاً فإن منهج أهل الحديث أنها تساق الأحاديث سواء منها ما صح أو ما لم يصح إسناده تأييداً لذلك الأصل وبياناً لكثرة ما ورد في ذلك؛ لأن الحديث الضعيف قد يكون صحيحاً وإنما حكمنا بضعفه لسوء حفظ راويه أو لانقطاعٍ فيه أو نحو ذلك، رعاية وحماية لكلام المصطفى (، وإلا فقد يكون صحيحاً، ولذلك إذا كان في أصل من الأصول فإنه يؤيد به.
وهذا التأييد على قسمين في طريقة أهل الحديث المتقدمين منهم والمتأخرين يعني من حفاظ الحديث ورواته هذا التأييد على قسمين:
* إما تأييد كامل يعني: تأييداً لجميع الأصل.
* وإما تأييد ناقص يعني: تأييدا (8) [لبعض ما جاء في الأصل.
وفي بعض الأحاديث التي ذكرها الشيخ روايات ضعيفة] ولكنها دالة على وجود الملائكة وعلى أسمائهم وعلى تقاسيمهم ونحو ذلك.
فالأصل هو وجود الملائكة وأنهم أقسام وأن منهم كذا ومنهم كذا وأنهم متنوعون إلى آخر ذلك، هذا هو الأصل الذي تحشد له الأدلة لأن المقصود الإيمان بالملائكة والإيمان بالملائكة يحصل بمجموع هذه الأحاديث، فنعلم منها أن الملائكة خلق عظيم من خلق الله جل وعلا مكرمون مقربون وأنهم عباد إلى آخره، فيحصل من جملة هذه الأحاديث صفات عامة هي ثابتة لكثرة ما جاءت الروايات في تدعيم هذا الأصل العظيم.
يأتي بعض الفقرات يكون هل هذا ثابت أو غير ثابت في بعض الصفات أو غيرها، هذا يتبع صحة الحديث من عدمه.
وهذا حتى في العقائد في مباحث العقيدة وفي صفات الله جل وعلا أو في العرش وما جاء فيه أو في العلو أو نحو ذلك، تجد أن طريقة أهل الحديث –رحمهم الله تعالى– أن طريقتهم أن يحشدوا ما في الباب فيكون إيرادهم مدعماً للأصل فيكون هذا التأييد كما ذكرت لك هناك تأييد إجمالي وثَمَّ تأييد تفصيلي.
فالتأييد الإجمالي بكثرة الروايات يحصل التأييد.
أما التأييد التفصيلي فمن أراد أن يحتج بكلمة على عقيدة أو على أمر غيبي فلا شك أنها لا بد أن تثبت لكن لا يمنع هذا من رويتها والاستدلال بها والاستشهاد كما هو طريقة أهل العلم – كما ذكرنا لكم-.
من حيث الأحاديث التي ذكرها واضحة بينة لا تحتاج إلى مزيد بيان.
(الكروبيون) أوضحنا لكم معناه في الدرس الماضي، وتقاسيم الملائكة ومهمتهم كلها موضحة هنا لا يوجد إن شاء الله ما يشكل.