من قيم التوحيد
الصدقالكاتب/الشيخ عبد المجيد الشاذلي.
من كتاب/وصية لقمان .
http://www.alshazly.net/books.php
* أول القيم الإيمانية الصدق، والصدق والأمانة لا يفترقان، والصدق يهدي إلى البر، والكذب يهدي إلى الفجور، ومع الصدق تأتي الموضوعية والجدية والإيجابية، والمؤمن كما وصف اللهُ رسولَه يأتي بالصدق ويصدق به، فهو في برد اليقين بعيدًا عن الحيرة والتهوك وجحيم الشك والتردد، نفسه مطمئنة دائمًا بذكر الله، واثقة في عدله وحكمته ورحمته، يرجو ويخاف، وهو دائمًا بعيدٌ عن الوهم والتوهم والخرص والظن، والمؤمن شخصية تستعصي على الإيحاء والتضليل والاستغفال، لا يَضِّل ولا يُضَّل دائمًا يقول: «اللهم أرنا الحقَّ حقًا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطلَ باطلاً وارزقنا اجتنابه»، ليس من الذين استكبروا ولا من الذين استضعفوا*، ولا من الذين أضَلّوا ولا من الذين ضَلّوا، ولا ممن استخف بهم الطواغيت فأطاعوهم كما استخف فرعون قومه فأطاعوه، ولا من الإمَّعات، ولا ممَن هو تبعٌ في الباطل وفي الحياة عمومًا لا رأي له ولا قرار ولا قوة له في مواجهة أحد: «الذين هم فيكم تبع»، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* والمسلم المؤمن قد تحرَّر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فلا يُستَذَل لغير الله، قائمًا لله شاهدًا بالقسط لا يخشى في الله لومة لائم، وهو إذا كان هكذا فلابد أن يكون عزيزًا منيعًا غير مُستَذَل ولا مستباح ولا مطموعًا فيه ليستطيع مع غيره من المؤمنين أن يقوموا بأمر الله ويعزروا وينصروا ويوقروا رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن لا قيام له بحق نفسه لا قيام له بحق دينه وعرضه، وهو إذا قوتل دون دمه وعرضه وماله ودينه ومظلمته يقاتل عنها فإذا قُتِل فهو شهيد، وإذا قتل الآخر فهو باغ ظالم، وكان الصحابة يكرهون أن يُستذلوا وإذا قدروا عفوا.
* وإذا قيل أعزة على الكافرين أذلة على المؤمنين فهذا كقوله تعالى:} وَ اخْفِضْ لَهُما جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَة{ِ**، من الأخوة والتماسك والتراحم والتواصل بين المؤمنين وليس ليتحول المؤمنون إلى بغاة ظالمين وأذلة مستضعفين قد ضربت عليهم الذلة والمسكنة، أما إذا قيل: « ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك» فلكي لا يتعاون مع مخابرات خمسة عشر دولة لغزو العراق إذا وقعت عليه مظلمة بالعراق، ولكي لا يتحول إلى أن يكون معاونًا مخلصًا تحت قيادة جارانج إذا وقعت عليه مظلمة بالسودان، ولكي لا يطلب الأمريكان ليحتلوا بلاده إذا جحد تلامذته حقه في الرئاسة بعد أن أخضعوا زُرَّاع الأفيون وقطَّاع الطريق في أفغانستان، ولكن من حقه أن يقاتل على مظلمته من غيره من المسلمين في الإطار الشخصي الذي لا يهدد الدولة ولا الكيان ولا يستجلب الأعداء من الكفار ليحتلوا بلاد المسلمين.
* والمسلم قد تحرَّر من الخوف إلا من الله، واستغنى عن المخلوقين بالخالق، فاستغنى واستعفف وتوكل على الله في كل أموره، فلم يستبد به الخوف والقلق، ولم يأخذ بمجامع نفسه، ولم يخلد إلى الاستكانة للأعداء والهزيمة النفسية أمامهم يأسًا من نصر الله، وإذا أحب فحبه لله وفي الله والله ورسوله أحب إليه مما سواهما، يفتقر دائمًا إلى الله ويأنس بالله سبحانه، ولا يستوحش وإن عاش وحيدًا فريدًا معزولاً فهو على صلة دائمة بربه، ولا تستبد به أو تستعبده شهوات البطن والفرج والرئاسة والملك والشرف والمال ومضلات الفتن، فهو كما استعصى على الإضلال يستعصي على الإغواء والاستعباد بالشهوات.
* وهو يراقب الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، لأنه كما قيل: «أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، لأنه يعلم أن الله يعلم السر وأخفى، ولا يحب أن يراه الله على معصية، ولا أن يفتقده في واجب، وعمله كله خالصًا لله متجردًا غير مرائي، يؤثر الآخرة على الدنيا، فما عند الله خير وأبقى، لا يعرف الرياء ولا الكبر ولا العجب ولا الحسد ولا البغي.
* والمؤمنون أمة واحد يسعى بذمتهم أدناهم تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم، يقاتلون في سبيل الله صفًا كأنهم بنيان مرصوص، ولذا فهم متآخون متراحمون غير متحاسدين ولا متفرقين، يحب أحدهم لغيره ما يحبه لنفسه، يعيشون كنفس واحدة لا يعرفون الأنانية ولا الأثرة ولا الاغتراب والتمحور حول الذات وترك الاهتمام بأمور الغير، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
* والمؤمنون لأنهم قائمون بأمر الله لهم صدق عزيمة وعلو همة، ومن ثَمَّ ضراوة وخشونة في مكابدة الحياة. ”تمعددوا واخشوشنوا وانتعلوا وامشوا حفاة“، وقال عمر رضى الله عنه: «علموا أولادكم الرماية ومروهم فليثبوا على ظهر الخيل وثبًا»، بعيدًا عن الطراوة والليونة والتخنث والحياة المخملية المفعمة بالدَّعة والراحة والخلود إلى اللهو والعبث والترف بعيدون، عن الجبن والبخل والعجز والكسل والاسترخاء.
والمؤمن ذو نفس طويل، وصبر ومصابرة ومثابرة، لأنه يرجو دائمًا إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، ويعيش حياة الرباط بصدق وليس بإدعاء.
* والمؤمن يتقن كل شيء، لأنه تربَّى على الإحسان، وعلى الخيرية وعلى عدم الغش أو الخداع أو المخاتلة أو الدجل، وعلى ألا يبخس الناس أشياءهم، وهو عفيف متعفف عن أموال الناس وعن أعراضهم، لا يأكل أموال اليتامى ولا غير اليتامى بالباطل.
* وإذا كان المؤمن يعرف أنه لابد له من ولاء وبراء، ومن التزام بشرع الله وتحقيق للعبودية لله بقبول شرعه ورفض ما سواه، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فلابد له من خصوم، ولابد من مكابدة هؤلاء الخصوم، فلابد أن يكون قويًا ذا حيلة واسعة، وبصيرة نافذة وشكيمة قوية وقدرة على كسب رزقه بعيدًا عن الكفر وولاء الكافرين، وبعيدًا عن مشاركة الفاسقين، فلا يبحث دائمًا عن الرخص لعجزه عن القيام بأمر نفسه بالحق وسط هذه الدياجير، وإن هاجر إلى بلاد الكفر لأمن أو لرزق أو لطلب علم فلا ينسى الولاء والبراء له ولزوجته وأبنائه وأحفاده وأبناء أحفاده وليعتبر بغيره، وينظر دائمًا إلى المستقبل ولا يتعامى عن أمور قد تجره أو تجر ذريته إلى الكفر.
----------------------------------------------------
* { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.
** سورة الإسراء، الآية: 24.