(16)التوفيق بين النصوص المتعارضة في الحارث بن عمير أبو عمير البصري -وترجيح مذهب الجمهور- من خلال(تهذيب التهذيب)([1])

إليك أخي طالب الحديث أقوال النَّقدة في الحارث بن عمير،أبو عمير البصري
مذهب حماد بن زيد
قال أبو حاتم عن سليمان بن حرب كان حماد بن زيد يقدم الحارث بن عمير ويثني عليه،زاد غيره: ونظر إليه فقال هذا من ثقات أصحاب أيوب

(ز)مذهب أبي بكر بن أبي شيبة
كان ثقة([2])

(ز)مذهب أحمد
(قال أبو داود : سمعت أحمد . قال : الحارث بن عمير من أصحاب أيوب , ثقة ثقة , كان إسماعيل-ابن عُليَّة- حدثنا عنه , وابن عيينة يحدث عنه)([3])

مذهب ابن معين
ثقة

مذهب أبي حاتم
ثقة

مذهب النسائي
ثقة

مذهب أبي زرعة
ثقة، رجل صالح.

مذهب الدارقطني
ثقة

مذهب العجلي
ثقة

(ز)مذهب الترمذي
صحح حديثه،وقد خرج له الترمذي عن ابن عمر قال : كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه و سلم حي أبو بكر و عمر و عثمان ([4])

مذهب ابن خزيمة
كذاب،على ما نقله ابن الجوزي

مذهب الأزدي
ضعيف منكر الحديث

مذهب الحاكم
روى عن حميد الطويل وجعفر بن محمد أحاديث موضوعة.

مذهب ابن حبان
كان ممن يروي عن الاثبات الاشياء الموضوعات، ساق له عن جعفر عن أبيه عن جده عن علي مرفوعا أن آية الكرسي وشهد الله أنه لا إله إلا هو والفاتحة معلقات بالعرش يقلن يا رب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك الحديث بطوله، وقال موضوع لا أصل له، وقد وقع لي هذا الحديث عاليا جدا ،والذي يظهر لي أن العلة فيه ممن دون الحارث.

مذهب الحافظ الذهبي
قال:وما أراه إلا بين الضعف([5])،وقال في موطن آخر :أنا أتعجب كيف خرج له النسائي؟؟([6]) وقال أيضا:(لا يحتج به،وقد وثقه أبن معين وأبو حاتم والنسائي،ووهاه ابن حبان وقال الحاكم:(يروي الموضوعات))([7])

مذهب ابن حجر
قال:( وثقه الجمهور وفي أحاديثه مناكير ضعفه بسببها الأزدي وابن حبان وغيرهما فلعله تغير حفظه في الآخر)([8])وقال في موطن آخر:( وثقه الجمهور وشذ الأزدي فضعفه وتبعه الحاكم وبالغ ابن حبان فقال إن أحاديثه موضوعة وليس له في الصحيح سوى موضع واحد في أواخر الحج وهي زيادة في خبر توبع عليها في الصحيح أيضا)([9])
الخلاصة
أن الحارث بن عمير ثقة ، قد ثقه أهل عصره وجمهور النقاد المتقدمين،وكيف لا يكون ثقة وقد قال عنه الإمام أحمد (ثقة ثقة)،وهو توثيق قوي من الإمام أحمد يدل على علو مكانة الحارث عند أبي عبد الله ، وقد حقق العلامة المعلمي رحمه الله حال الحارث ورجح توثيقه وأجاب عن المضعفين حيث قال :(الحارث بن عمير وثقه أهل عصره والكبار، قال أبو حاتم عن سليمان بن حرب(( كان حماد بن زيد يقدم الحارث بم عمير ويثني عليه )) زاد غيره (( ونظر إليه مرة فقال: هذا من ثقات أيوب )) وروى عنه عبد الرحمن بن مهدي ، وقد قال الأثرم([10])عن أحمد :(( إذا حدث عبد الرحمن عن رجل فهو حجة )) وقال ابن معين والعجلي وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي والدارقطني :(( ثقة )) زاد أبو زرعة (( رجل صالح )) وفي (( اللآلي المصنوعة )) عن الحافظ ابن حجر في ذكر الحارث (( استشهد به البخاري في (( صحيحه )) وروى عنه من الأئمة عبد الرحمن بن مهدي وسفيان بن عيينة وأحتج به أصحاب السنن )) وفيها بعد ذلك (( قال الحافظ ابن حجر في أماليه ... أثنى عليه حماد بن زيد ... وأخرج له البخاري تعليقاً ... )) ولم يتكلم فيه أحد من المتقدمين، والعدالة تثبت بأقل من هذا ، ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا بحجة وبينة واضحة كما سلف في القواعد . فلننظر في المتكلمين فيه وكلامهم :
أما الأزدي : فقد تكلموا فيه حتى أتهموه بالوضع ،على أنه أستند إلى ما أستند إليه ابن حبان وسيأتي ما فيه .
وأما ابن خزيمة فلا تثبت تلك الكلمة عنه بحكاية ابن الجوزي المعضلة ، ولا نعلم ابن الجوزي التزم الصحة فيما يحكيه بغير سند ، ولو التزم لكان في صحة الاعتماد على نقله نظر لأنه كثير الأوهام ، وقد أثنى عليه الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) كثيراً ثم حكى عن بعض أهل العلم أنه قال في ابن الجوزي : (( كان كثير الغلط فيما يصنفه فإنه كان يفرغ ما الكتاب ولا يعتبره )) ،وقال الذهبي : (( نعم له وهم كثير في تواليفه يدخل عليه الداخل من العجلة والتحويل إلى مصنف آخر ومن أجل أن علمه من كتب صحف ما مارس فيها أرباب العلم كما ينبغي )) ،وأما الحاكم فأحسبه تبع ابن حبان ، فان ابن حبان ذكر الحارث في ( الضعفاء ) وذكر ما أنكره من حديثه ، والذي يستنكر من حديث الحارث حديثان :
1- الأول رواه محمد بن زنبور المكي عن الحارث عن حميد ،
2- والثاني رواه ابن زنبور أيضاً عن الحارث عن جعفر بن محمد ، فاستنكرها ابن حبان وكان عنده أن ابن زنبور ثقة فجعل الحمل على الحارث ، وخالفه آخرون فجعلوا الحمل على ابن زنبور ، قال مسلمة في ابن زنبور : (( تكلم فيه لأنه روى عن الحارث بن عمير مناكير لا أصول لها وهو ثقة )) وقال الحاكم أبو أحمد في ابن زنبور (( ليس بالمتين عندهم تركه محمد بن إسحاق بن خزيمة )) وهذا مما يدل على وهم ابن الجوزي ،وساق الخطيب في ( الموضح ) فصلاً في ابن زنبور فذكر أن الرواة عنه غيروا اسمه على سبعة أوجه وهذا يشعر بان الناس كانوا يستضعفونه لذلك كان الرواة عنه يدلسونه . وقال ابن حجر في ترجمة الحارث من ( التهذيب ) : (( قال ابن حبان كان ممن يروي عن الإثبات الأشياء الموضوعات لا أصل له )) ثم ساقه ابن حجر بسنده إلى محمد بن أبي الأزهر عن الحارث . وكذلك ذكره السيوطي في ( اللآلي المصنوعة ) وابن أبي الأزهر هو ابن زنبور وأسند الخطيب في ( الموضح ) هذا الحديث في ترجمة ابن زنبور . ثم قال ابن حجر : (( والذي يظهر لي أن العلة فيه ممن دون الحارث )) يعني من ابن زنبور ، وخالفهم جميعاً النسائي فوثق الحارث ، ووثق ابن زنبور أيضاً وقال مرة : (( ليس به بأس )) ،قال المعلمي : لو كان لا بد من جرح أحد الرجلين لكان ابن زنبور أحق بالجرح ، لأن عدالة الحارث أثبت جداً وأقدم ، ولكن التحقيق ما اقتضاه صنيع النسائي من توثيق الرجلين ، ويحمل الإنكار في بعض حديث ابن زنبور عن الحارث على خطأ ابن زنبور، وقد قال فيه ابن حبان نفسه في ( الثقات ) : (( ربما أخطأ )) . والظاهر أنه كان صغيراً عند سماعه من الحارث كما يعلم من تأمل ترجمتهما ،وقد تقدم في ترجمة جرير بن عبد الحميد أنه اختلط عليه حديث أشعث بحديث عاصم الأحول، فكأنه اختلط على ابن زنبور بما سمعه من الحارث أحاديث سمعها من بعض الضعفاء ولم يتنبه لذلك كما تنبه جرير،فكأن ابن زنبور في أوائل طلبه كتب أحاديث عن الحارث ثم سمع من رجل آخر أحاديث كتبها في تلك الورقة ولم يسم الشيخ ، ثقة بأنه لن يلتبس عليه ، ثم غفل عن ذاك الكتاب مدة ثم نظر فيه فظن أن تلك الأحاديث كلها مما سمعه من الحارث . وقد وثق الأئمة جماعة من الرواة ومع ذلك ضعفوهم فيما يروونه عن شيوخ معينين منهم عبد الكريم الجزري فيما يرويه عن عطاء ، ومنهم عثمان بن غياث وعمرو بن أبي عمرو و داود ابن الحصين فيما يروونه عن عكرمة ، ومنهم عمرو بن أبي سلمة فيما يرويه عن زهير بن محمد ، ومنهم هشيم فيما يرويه عن عكرمة ، ومنهم عمرو بن أبي سلمة فيما يرويه عن زهير بن محمد ، ومنهم هشيم فيما يرويه عن الزهري ، ومنهم ورقاء فيما يرويه عن منصور بن المعتز ، ومنهم الوليد بن مسلم فيما يرويه عن مالك . فهكذا ينبغي مع توثيق ابن زنبور تضعيفه فيما يرويه عن الحارث بن عمير ،فإن قيل : فأين أنت عما في ( الميزان ) (( ابن حبان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمود بن غيلان أنبأنا أبو أسامة ثنا الحارث بن عمير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس . قال العباس :لأعلمن ما بقاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا، فأتاه فقال يا رسول الله لو اتخذنا لك مكاناً تكلم الناس منه ، قال بل اصبر عليهم ينازعوني ردائي ويطأون عقبى ويصيبني غبارهم حتى يكون الله هو يريحني منهم . رواه حماد بن زيد عن أيوب فارسله أو أن ابن عباس قاله - شك )) فهذا الحديث لا شأن لابن زنبور فيه وليس في سنده من يتجه الحمل عليه غير الحارث،قلت:ليس في هذا الحديث ما ينكر، وقد رواه حماد بن زيد غير أنه شك في إسناده وقد قال يعقوب بن شيبة (( حماد بن زيد اثبت من ابن سلمة وكل ثقة غير أن ابن زيد معروف بأنه يقصر في الأسانيد ويوقف المرفوع ، كثير الشك بتوقيه وكان جليلاً لم يكن له كتاب يرجع إليه، فكان أحياناً يذكر فيرفع الحديث، وأحياناً يهاب الحديث ولا يرفعه )) فأي مانع من أن يكون هذا مما قصر فيه حماد وحفظه الحارث ، وقد كان حماد نفسه يثني على الحارث ويقدمه كما مر . فإن شدد مشدد فغاية الأمر أن يكون الخطأ في وصله ، وهل الخطأ من الحارث أو ممن بعده ؟ وعلى فرض أنه من الحارث فليس ذلك مما يوجب الجرح ، ومثل هذا الخطأ وأظهر منه قد يقع للأكابر كمالك والثوري ، والحكم المجمع عليه في ذلك أن من وقع منه ذلك قليلاً لم يضره بل يحتج به مطلقاً إلا فيما قامت الحجة على أنه أخطأ فيه ، فالحارث بن عمير ثقة حتماً . والحمد لله رب العالمين )([11])وممن يرى توثيق الحارث من المعاصرين المحدث الجهبذ عبد الله السعد حفظه الله([12])


[1] حرف الزاي إشارة إلى كون النص النقدي زيادة عما في التهذيب

[2] معرفة الرجال عن يحيى بن معين وغيره(2/222)

[3] سؤالاته،ص235

[4]الجامع(6/282)

[5] الميزان(1/440)

[6] المغني(1/215)

[7] من تكلم فيه وهو موثق،ص116

[8] التقريب(1/147)

[9] هدي الساري(1/457)

[10] في المطبوع الذي بتحقيق العلامة الألباني(الأكرم) ،ولعل الصواب(الأثرم) كما لا يخفى،انظر (1/220)،الطبعة الثانية1406هـ

[11] التنكيل-بتصرف-( 1/224 )ت:العلامة الألباني

[12] انظر مقدمة الشيخ لكتاب (التمييز)للإمام مسلم ص44،تحقيق:د.عبد القادر المحمدي،ط.دار ابن الجوزي،الأولى 1430