الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد .
فإن في هذه الأزمنة انتشرت هذه البدعة المنكرة وهي إقامة الشوادر للعزاء وقد ابتلي بها الكثير من المسلمين وللأسف بعضهم ممن يسمون بالمتدينيين أو الإخوة !!! ومما زاد الطين بلة أن بعض العلماء أفتوا بجواز هذه الشوادر ، فمن باب النصيحة للمسلمين أردت أن أوضح حكم الشرع في هذه الشوادر .
مفاسد الشوادر
1 - أنها من الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة ولكنه من الكبائر .
الدليل : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت " رواه مسلم - كتاب الإيمان - إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة .
* قال النووي - رحمه الله - : " وفيه أقوال أصحها أن معناه هما من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية . والثاني : أنه يؤدي إلى الكفر . والثالث : أنه كفر النعمة والإحسان . والرابع : أن ذلك في المستحل . وفي هذا الحديث تغليظ تحريم الطعن في النسب والنياحة . وقد جاء في كل واحد منهما نصوص معروفة . والله أعلم. "
أقول : وإقامة الشوادر من النياحة والدليل على ذلك ما رواه أحمد وابن ماجة بسند صححه النووي والبوصيري والألباني عن جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - أنه قال : " كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت ، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة "
وهذا الحديث له حكم الرفع أي كأنه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
* قال السندي - رحمه الله - في شرح سنن ابن ماجة : " قوله ( كنا نرى )
هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة رضي الله عنهم أو تقرير النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني فحكمة الرفع على التقديرين فهو حجة
( وصنعة )
أي الأهل وإفراد الضمير لإفراد لفظ الأهل وبالجملة فهذا عكس الوارد إذ الوارد أن يصنع الناس الطعام لأهل الميت فاجتماع الناس في بيتهم حتى يتكلفوا لأجلهم الطعام قلب لذلك وقد ذكر كثير من الفقهاء أن الضيافة لأهل الميت قلب للمعقول لأن الضيافة حقا أن تكون للسرور لا للحزن وفي الزوائد إسناده صحيح رجال الطريق الأول على شرط البخاري والثاني على شرط مسلم والله أعلم . "
ملاحظات هامة
أ - كما أنه لا تجوز إقامة الشوادر ، فإنه أيضا لا يجوز عمل مجلس للعزاء في أي مكان سواء أكان في البيت أم في دار المناسبات أم في أي مكان اّخر ، فليس للعزاء مجلس خاص إنما كل إنسان يعزي أهل الميت إذا قابله أو يذهب إليه في أي وقت ليعزيه ، وهذا هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث " كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - تعزية أهل الميت ، ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء ، ويقرأ القرأن لا عند قبره ، و لا عند غيره ، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة " زاد المعاد - 1 \ 527
ب - إذا أتى المعزون أو متبعو الجنازة من بلاد بعيدة ، وقدم لهم أهل الميت طعاما فهذا لا يكون من النياحة . راجع المغني 3 \ 497 ، إنما المحرم هو صنع الطعام للجميع كما يفعل البعض ويدخل فيها القهوة التي يقدمونها في الشوادر فإن كلمة " الطعام " في حديث جرير السابق كلمة عامة يدخل فيها كثير الطعام وقليله ، فإن قيل إن القهوة شراب وليست طعاما فالرد أنه أحيانا يسمى الشراب طعاما كما قال تعالى : " ومن لم يطعمه فإنه مني " البقرة 249 وكان هذا على الشرب من النهر كما قصة طالوت وجنوده والله أعلم .
ج - إذا دعي الإنسان لهذا الطعام فإنه يحرم عليه أن يلبي هذه الدعوة . راجع فتاوى اللجنة الدائمة ( 9 | 156 - 157 ) ترتيب الشيخ الدويش .
2 - أن الشوادر سبب لتقليل عدد المتبعين للجنازة ؛ لأن كثيرا من الناس سيكتفون بالعزاء في الشادر دون الذهاب إلى الجنازة ، وهذا يضيع خيرا عظيما على الميت المسكين الذي هو في حاجة إلى دعوات صالحات ، وفي حاجة إلى تكثير عدد المصلين عليه فقد جاء في صحيح مسلم وسنن أبي داود وابن ماجة من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعن رجلا ، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه " وجاء أيضا في صحيح مسلم وسنن النسائي والترمذي من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه " .
3 - ما فيها من تبذير للمال والتبذير محرم كما قال تعالى : " و لا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا " الإسراء - 27 ، وتزداد الطين بلة إذا دفعت هذه الأموال من أموال الأيتام وإنا لله وإنا إليه راجعون ، فيكون من أكل أموال اليتامى بالباطل الذي هو من أكبر الكبائر .
4 - ما فيها من إيذاء للمسلمين سواء بالضوضاء التي يحدثها أو بتعطيله الشوارع وأحيانا يسبب الضيق لأصحاب المحلات التجارية فيكون فيه إيذاء مالي للبعض .
5 - ما في هذه الشوادر من مفاخرات ومباهاة و لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر .
6 - ما فيها من قراءة للقراّن على وجه فيه تلحين شديد وأيضا تزداد الطين بلة عندما يأخذ القارىء أجرا على قراءته فهذا لا يجوز أبدا ، وهذه المسألة تختلف عن مسألة أخذ الأجرة على تعليم القراّن التي اختلف فيها العلماء والفتوى الاّن من علمائنا على الجواز والله أعلم .
7 - ما يصاحب هذه الشوادر في أغلب الأحيان من شرب للدخان والغيبة وغير ذلك من الأمور المحرمة .
وأخيرا أيها الأحباب ها أنتم قد علمتم حرمة هذه الشوادر فهل أنتم منتهون ؟؟؟؟
لا تهتموا بالعادات والتقاليد ولكن كونوا كصالح عليه السلام الذي قال لقومه " فما تزيدونني غير تخسير " هود - 63 فوالله لن تنفعكم التقاليد والعادات إذا كانت في معصية رب الأرض والسماوات ، وتذكروا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم : " من أسخط الله في رضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزينه ويزين قوله وعمله في عينه "
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه وسلم .