يدور الإيمان بالقدر على أربعة أمور هي أصوله وأركانه التي لايكون إلا بها ؛ وهي العلم والكتابة والمشيئة والخلق . وقد تضافرت النصوص في تقرير هذه الأصول ، وبيان مايندرج تحتها من المعاني العظيمة والحكم البليغة ، وقد آمن بموجبها أهل السنة والجماعة وحاد عنها كثير من الخاطئين والمخطئين ؛ وهم على كثرتهم تكاد تجمعهم أربع طوائف : -
1- القدرية الأولى ؛ وهم الذين يزعمون أن لاقدر ، وأن الأمر أنف ؛ أي مستأنف لم يسبق بعلم ولاكتاب ؛ ومن أول من تكلم بهذه المقالة معبد الجهني بالبصرة ثم اتبعه خلق على إفكه أشهرهم غيلان الدمشقي ؛ وهو الذي دعا عليه الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز فقتل وصلب في عهد هشام بن عبدالملك ! وقد نقل غير واحد من أهل السنة إجماع السلف على تكفير أهل هذه المقالة إلا أنه يشكل على ذلك الرواية عن معبد الجهني ؛ فهو كما هو معروف من رجال الكتب الستة !
2- الفلاسفة الإلهيون ؛ فإنهم ينكرون علم الله بالجزئيات المعينة ؛ لأن إدراكها إنما يكون بجسم أوقوة حالة في جسم ، وأنكروا كذلك المشيئة ؛ لأن الرب بزعمهم موجبا بالذات ؛ أي أن أفعاله تصدر عنه بلامشيئة ؛ ولهذا جعلوا علاقة الله بالعالم علاقة فيض لاخلق ! وهذه نظرية الفيض أو الصدور المشهورة والتي تبناها الاسماعيلية وفلاسفة الصوفية وغيرهم !
3- القدرية الثانية ؛ وهم الذين يؤمنون بقدر ويكذبون بقدر ؛ فيؤمنون بالعلم السابق والكتاب الأول ، ويكذبون بعموم المشيئة والخلق ؛ ولهذا أخرجوا أفعال العباد من عموم مشيئة الرب وخلقه ؛ وزعموا أن هذا موجب العدل ! ولهذا سموا أنفسهم عدلية ، وسماهم السلف مجوسية ؛ لأن عقيدتهم تشبه عقيدة المجوس في القول بالأصلين ، وإثبات خالقين ! وهذه العقيدة لازالت حية إلى اليوم ؛ يدين بها المعتزلة والزيدية والشيعة الإمامية وغيرهم .
4- الجبرية ؛ وهم الذين غلوا في إثبات القدر حتى سلبوا قدرة العبد ، أو أثبتوا له قدرة غير مؤثرة في الفعل ! يقول الجرجاني :( الجبرية إثنان ؛ متوسطة تثبت للعبد كسبا في الفعل ؛ كالأشعرية ، وخالصة لاتثبت ؛ كالجهمية ) .
وهناك مقالة عن كيفية الإيمان بالقدر عند أهل السنة نشرتها بملتقى أهل الحديث فليراجعها من أحب أن يأخذ فكرة موجزة عن عقيدة أهل السنة في هذا الأصل العظيم ، ومن أراد البسط فليراجع المطولات ؛ كشفاء العليل لابن القيم . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل