الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين أما بعد:
فلقد تواترت النصوص على علو الله تبارك وتعالى بذاته وقهره وصفاته تواترت نصوص الكتاب والسنة وتنوعت ألفاظها وتوافقت على أنه سبحانه فوق عباده وذكرها أئمة السنة على أساس أنها عقيدة أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية الطائفة المنصورة وأذكر هنا أهمها:
النوع الأول: نصوص علو الله تعالى على أن الله هو {العلي} وهو {الأعلى} وهو {المتعال} ولا ريب أن هذه الأسماء تدل على مطلب عظيم وهو علوه سبحانه وتعالى العلو المطلق ذاتا ورتبة وقهرا فهو سبحانه وتعالى على خلقه فوق عباده ويلزم منه: أنه بائن عن هذا العالم ، وإلا لم يكن فوقه. لكن التالي باطل فالمقدم مثله.فتأمل.
النوع الثاني: نصوص فوقيته سبحانه وتعالى على عباده كقوله تعالى: { وهو القاهر فوق عباده } فهذه الآية تدل على مطلبين :
الأول: فوقية القهر والغلبة لله تعالى ،دل عليه " القاهر" .
والثاني: فوقية الذات لله سبحانه ، دل عليه "فوق" .
وقوله تعالى: { يخافون ربهم من فوقهم } وهذه الآية لا احتمال فيها لأي مجاز وتأويل بوجه من الوجوه لوجود كلمة {من} المعينة للفوقية الذاتية الحقيقية.
النوع الثالث: نصوص كونه سبحانه في السماء؛ والمراد في "السماء" العلو.
النوع الرابع: نصوص استوائه تعالى على عرشه: مثل { الرحمن على العرش استوى }.
النوع الخامس: نصوص العروج إليه سبحانه وتعالى: مثل { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة }.
النوع السادس: نصوص الصعود إليه: مثل قوله تعالى:{ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه }.
النوع السابع: نصوص الرفع إليه : مثل قوله تعالى في عيسى-عليه السلام :{ بل رفعه الله إليه }.
النوع الثامن : قوله تعالى: { الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا}
انظر وتمعن بقلب منصف هل في القرآن أوضح وأدل من هذا الدليل؟!! فمن لم يكن له نصيب فيه فهو حقا عجيب، وكذاب مريب، إذ الحق واضح صريح، ها هو فرعون الطاغوت يقول لوزيره هامان، ويعهد إليه أن يبني له شاهقا أو برجا عاليا ، لعله يبلغ يبلغ بارتقائه طبقات السموات فيصعد فوقها ، لينظر ويتأكد من أن إله موسى في السماء إذ إن موسى عليه السلام أخبره بأن ربه الذي يدعو إليه فوق السموات السبع،ففي قوله تعالى{ فأطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه كاذبا } من الأدلة
والبراهين ما يفقأ عين الجاحد ويبطل عذر المعاند، فإن ما عهده فرعون إلى وزيره هامان من بناء الصرح كان ليستكشف ويطلع هل فعلا كما أخبره موسى بأن ربه في السماء؟
ولذلك فرعون في كلامه مع وزيره نسب الله إلى موسى فهو يعتقد أي فرعون بأن الله ليس فوق السموات فنسبة الإله إلى موسى، وإرادة الاطلاع إليه بعد ارتقاء الصرح دليل واضح على أن الله فوق السموات ويؤكده قول فرعون بعد { وإني لأظنه كاذبا } فهو يكذب موسى، وينكر علو ربه، لا يكذب نفسه أو هامان. فتأمل
وسبحان الله كيف جاءت آية سبقت قول فرعون هذا وجاء بعدها قول فرعون مباشرة وكأن الله سبحانه وتعالى يشير مسبقا ويتوعد هؤلاء الذين سيجادلون في علو الله تعالى على مخلوقاته فقد قال سبحانه:
{ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عندالله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار }. فمن نفى العلو من الجهمية والرافضة والمعطلة من الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم فهو فرعوني ومن أثبته فهو موسوي محمدي.
استدلال الأئمة بهذه الآية على علو الله تعالى:
( الإمام عثمان بن سعيد الدارمي )[من علماء القرن الثالث]
قال رحمه الله :
ففي هذه الآية بيان ، ودلالة ظاهرة ،أن موسى كان يدعو فرعون إلى معرفة الله بأنه فوق السماء ، فمن أجل ذلك أمر ببناء الصرح ،ورام الإطلاع إليه)
وقال رحمه الله :
(إن الأمة كلها ، والأمم السالفة قبلها ، لم يكونوا يشكون في معرفة الله تعالى أنه فوق السماء ،بائن من خلقه ، غير هذه العصابة الزائغة عن الحق ، المخالفة للكتاب وأثارات العلم كلها ، حتى لقد عرف ذلك كثير من كفار الأمم وفراعنتهم ،قال فرعون {يا هامان ابن لي صرحاً......}.من كتابه (الرد على الجهمية).
شيخ المفسرين :
(الإمام الطبري ) [من علماء القرن الثالث]
قال عليه من الله واسع الرحمة ، في تفسير هذه الآ ية (يا
هامان......) : ( يقول : وإني لأظن موسى كاذبا فيما يقول و يدعي أن له ربا في السماء ، أرسله إلينا )؛
وقال – رحمه الله تعالى – في موضع آخر :
( وقوله – أي فرعون :{{ لعلي أطلع إلى إله موسى }} يقول :أنظر إلى معبود موسى الذي يعبده ويدعو إلى عبادته ، {{ وإني لأظنه }} فيما يقول من أن له معبودا يعبده في السماء ، وأنه هو الذي يؤيده وينصره ، وهو الذي أرسله إلينا من الكاذبين) والموضعان فيتفسير الطبري " جامع البيان" القصص وغافر.
(الإمام أبو الحسن الأشعري):[ من علماء القرن الثالث والرابع]
قال – رضي الله عنه - :
( وقال الله حكاية عن فرعون: {{ يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب .أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا}} ، كذّب موسى عليه السلام في قوله : إن الله عزوجل فوق السموات).
( إمام الأئمة ابن خزيمة)[ من علماء القرن الثالث]
قال – رضوان الله تعالى عليه - :
( فاسمعوا يا ذوي الحجا دليلا آخر من كتاب الله ، أن الله جل وعلا في السماء مع الدليل على أن فرعون مع كفره .. وطغيانه ، قد أعلمه موسى عليه السلام بذلك ، وكأنه قد علم أن خالق البشر في السماء ، ألا تسمع قول الله يحكي عن فرعون قوله : {{ يا هامان ابن لي صرحا ...}} ففرعون عليه لعنة الله يأمر ببناء صرح ، فحسب أنه يطلع إلى إله موسى ، وفي قوله {{ وإني لأظنه من الكاذبين}} دلالة على أن موسى قد كان أعلمه أن ربه جل وعلا أعلى وفوق ).
من كتابه " التوحيد".
( الحارث بن أسد المحاسبي) [من علماء القرن الثالث]
قال – عليه رحمة الله – :
( وقال فرعون : {{ يا هامان ابن لي صرحا }} الآية.. ثم استأنف وقال:
{{ وإني لأظنه كاذبا }} يعني فيما قال أن إلهه فوق السموات ، فبين الله عزوجل أن فرعون ظن بموسى أنه كاذب فيما قال له ، وعمد إلى طلبه حيث قال له مع الظن بموسى بأنه كاذب). من كتاب " اجتماع الجيوش الإسلامية.
( العلامة أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين)
قال رحمه الله تعالى:
( وقال الله عن فرعون :{{ .... وإني لأظنه كاذبا ..}} وهذا يدل على أن موسى أخبره بأن ربه تعالى فوق السماء ، ولهذا قال : {{ وإني لأظنه كاذبا}}.من رسالة " إثبات الاستواء والفوقية" للجويني.
قال الإمام أبو محمد الجويني في آخر رسالته "الاستواء والفوقية" : [ وإذا كان هذا جسم - وهو السماء - علوها على الأرض بالذات فكيف من ليس كمثله شيء وعلوه على كل شيء بالذات كما قال تعالى { سبح اسم ربك الأعلى}.....].
وقال الإمام مالك الصغير أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني في خطبة " رسالته " المشهورة: [ .... وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه ].
وصرح القاضي عبد الوهاب إمام المالكية بالعراق بأن الله سبحانه استوى على عرشه بذاته ، نقله شيخ الإسلام في غير موضع من كتبه ، ونقله عنه القرطبي في شرح الأسماء الحسنى.
وقال الإمام الإمام إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي في " الحجة في بيان المحجة" :
[ ...فثبت أن لله تعالى علو الذات وعلو الصفات وعلو القهر والغلبة.....].
وقال إمام الشافعية في وقته سعد بن علي الزنجاني :
[ وهو فوق عرشه بوجود ذاته ].انظر " اجتماع الجيوش الإسلامية".
وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين " مجموع فتاويه" رحمه الله تعالى:
[ ... ولهذا لم يتكلم الصحابة فيما أعلم بلفظ الذات في الاستواء والنزول ، أي لم يقولوا استوى على العرش بذاته ، أو ينزل إلى السماء بذاته ، لأن ذلك مفهوم من اللفظ ، فإن الفعل أضيف إلى الله - تعالى - : إما إلى الاسم الظاهر ، أو الضمير ، فإذا أضيف إليه كان الأصل أن يراد به ذات الله - عز وجل - لكن لما حدث تحريف معنى الاستواء والنزول احتاجوا إلى توكيد الحقيقة بذكر الذات...].
والحمد لله رب العالمين.