الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, أما بعد:
فهذه فوائد جمعتها من كتاب الأنوار الكاشفة للمعلمي اليماني رحمه الله تعالى, وكتبت نص كلام المعلمي رحمه الله بدون أدنى تغيير, وإلى الفوائد:

1- تطلق السنة لغة وشرعاً على وجهين:
الأول: الأمر يبتدئه الرجل فيتبعه فيه غيره, ومنه ما في صحيح مسلم في قصة الذي تصدق بصرة فتبعه الناس فتصدقوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أ جر من عمل بها ) الحديث.
والوجه الثاني: السيرة العامة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى هي التي تقابل الكتاب، وتسمى الهدى.

2- ثم تكلم الناس في الترتيب بالنظر إلى التشريع، فمن قائل: السنة قاضية على الكتاب, وقائل: السنة تبين الكتاب. وقائل: السنة في المرتبة الثانية بعدالكتاب. وانتصر الشاطبي في الموافقات لهذا القول وأطال، ومما استدل به هو وغيره قول الله عزوجل: (ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئناً بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة للمسلمين, إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ).
قالوا: فقوله: ( تبياناً لكل شيء ) واضح في أن الشريعة كلها مبينة في القرآن, ووجدنا الله تعالى قد قال في هذه السورة ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) فعلمنا أن البيان الذي في قوله ( تبياناً لكل شيء ) غير البيان الموكول إلى الرسول, ففي القرآن سوى البيان المفصل الوافي بيان مجمل, وهو ضربان: الأول: الأمر بالصلاة والزكاة والحج والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وتحريم الخبائث، وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك.
الثاني: الأمر باتباع الرسول وطاعته وأخذ ما أتى به والانتهاء عما نهى عنه ونحو ذلك. وفي الصحيحين وغيرهما عن علقمة بن قيس النخعي- وكان أعلم أصحاب عبد الله بن مسعود أو من أعلمهم - قال ((لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعن سول الله وفي كتاب الله؟ قالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته، قال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ), ظاهر صنيع ابن مسعود أن الاعتماد في كون القرآن مبيناً لكل ما بينته السنة على الضرب الثاني, وتعقيب آية التبيان بالتي تليها كأنه يشير إلى أن الاعتماد على الضربين مجتمعين، ورجحه الشاطبي وزعم أن الاستقراء يوافقه, فعلى هذا لا يكون للخلاف ثمرة.
ثم قال قوم: جميع ما بينه الرسول علمه بالوحي, وقال آخرون: منه ماكان باجتهاد أذن الله له فيه وأقره عليه. ذكرهما الشافعي في الرسالة.

3- ثم قال أبو رية ص19: ( وكان الإمام مالك يراعي كل المراعاة العمل المستمر والأكثر، ويترك ما سوى ذلك وإن جاء فيه أحاديث ).
أقول: كان مالك رحمه الله يدين باتباع الأحاديث الصحيحة إلا أنه ربما توقف عن الأخذ بحديث ويقول: "ليس عليه العمل عندنا", يرى أن ذلك يدل على أن الحديث منسوخ أو نحو ذلك, والانصاف أنه لم يتحرر لمالك قاعدة في ذلك فوقعت له أشياء مختلفة. راجع الأم للشافعي 177:7 - 249.
وقد اشتهر عن مالك قوله: ( كل أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر ) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم, وقوله للمنصور إذ عرض عليه أن يحمل الناس على الموطأ: "إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار فعند أهل كل مصر علم".