تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: هل يفنى الخلق كلهم عندما يقبض الله الأرض ويطوي السماء؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    447

    افتراضي هل يفنى الخلق كلهم عندما يقبض الله الأرض ويطوي السماء؟

    السلام عليكم


    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ)
    وفي بعض الروايات "أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟"

    سؤالي:
    هل في ذلك اليوم عندما يقبض الله الأرض ويطوي السماء كطي السجل للكتب، يفنى الخلق كلهم دون استثناء؟ بما في ذلك الجنة والنار والملائكة .. إلخ

    أرجو ذكر الأدلة وأقوال العلماء في هذا

    أحسن الله إليكم
    إذا استفدت من المشاركة فادع الله لي ولزوجي أن يهدينا ويرزقنا الجنة من غير حساب
    التواني في طلب العلم
    معهد آفاق التيسير

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    700

    افتراضي رد: هل يفنى الخلق كلهم عندما يقبض الله الأرض ويطوي السماء؟

    بالنسبة للأنفس والله تعالى أعلم :
    قال ابن كثير في تفسير قول الله عز وجل : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } :
    ( يخبر تعالى إخبارًا عامًا يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت، كقوله: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ } فهو تعالى وحده هو الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخرًا كما كان أولا ) .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
    ((وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها لما في ذلك من الدلالة على بقاء الجنة وأهلها وبقاء غير ذلك )).
    قال الإمام ابن القيم :
    ((الباب السابع في ذكر شبه من زعم أن الجنة لم تخلق بعد قالوا لو كانت الجنة مخلوقة الآن لوجب اضطرار أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل ما فيها ويموت لقوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه و كل نفس ذائقة الموت فتموت الحور العين التي فيها والولدان وقد أخبر سبحانه أن الدار دار خلود ومن فيها مخلدون لا يموتون فيها وخبره سبحانه لا يجوز عليه خلف ولا نسخ

    قالوا وقد روى الترمذي في جامعه من حديث أبن مسعود قال قال رسول الله لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال يا محمد أقريء أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قال هذا حديث حسن غريب وفيه أيضا من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي أنه قال من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة قال هذا حديث حسن صحيح
    قالوا فلو كانت الجنة مخلوقة مفروغا منها لم تكن قيعانا ولم يكن لهذا الغرس معنى قالوا وقد قال تعالى عن امرأة فرعون إنها قالت رب إبني لي عندك بيتا في الجنة ومحال أن يقول قائل لمن نسج له ثوبا أو بنى له بيتا انسج لي ثوبا وأبن لي بيتا وأصرح من هذا قول النبي من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة متفق عليه وهذه جملة مركبة من شرط وجزاء تقتضي وقوع الجزاء بعد الشرط باع جمأ أهل العربية وهذا ثابت عن النبي من رواية عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعمرو بن عنبسة قالوا وقد جاءت آثار بأن الملائكة تغرس فيها وتبني للعبد ما دام يعمل فإذا فتر فتر الملك عن العمل قالوا وقد روى ابن حبان في صحيحه والأمام أحمد في مسنده من حديث أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله إذا قبض الله ولد العبد قال يا ملك الموت قبضت ولد عبدي قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده قال نعم قال فما قال قال حمدك واسترجع قال إبنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد وفي المسند من حديثه أيضا قال قال رسول الله من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة بنى الله له بيتا في الجنة قالوا وليس هذا من أقوال أهل البدع والاعتزال كما زعمتم فهذا ابن مزين قد ذكر في تفسيره عن ابن نافع وهو من أئمة السنة أنه سئل عن الجنة أمخلوقة هي فقال السكوت عن هذا أفضل والله أعلم



    الباب الثامن في الجواب عما احتجت به هذه الطائفة قد تقدم في الباب
    الأول من ذكر الأدلة الدالة على وجود الجنة الآن ما فيه كفاية فنقول ما تعنون بقولكم إن الجنة لم تخلق بعد أتريدون أنها الآن عدم محض لم تدخل إلى الوجود بعد بل هي بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور فهذا قول باطل يرده المعلوم بالضرورة من الأحاديث الصريحة الصحيحة التي تقدم بعضها وسيأتي بعضها وهذا قول لم يقله أحد من السلف ولا أهل السنة وهو باطل قطعا أم تريدون أنها لم تخلق بكمالها وجميع ما اعد الله فيها لأهلها وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أمورا أخر فهذا حق لا يمكن رده وادلتكم هذه إنما دلت على هذا القدر وحديث ابن مسعود الذي ذكرتموه وحديث أبي الزبير عن جابر صريحان في أن أرضها مخلوقة وأن الذكر ينشىء الله سبحانه لقائله منه غراسا في تلك الأرض وكذا بناء البيوت فيها بالأعمال المذكورة والعبد كلما وسع في أعمال البر وسع له في الجنة وكلما عمل خيرا غرس له به هناك غراس وبنى له بناء وأنشيء له من عمله أنواع مما يتمتع به فهذا القدر لا يدل على إن الجنة لم تخلق بعد ولا يسوغ اطلاق ذلك وأما احتجاجكم بقوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه فإنما أتيتم من عدم فهمكم معنى الآية واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن نظيرا احتجاج إخوانكم بها على فنائهما
    وخرابهما وموت أهلهما فلا انتم وفقتم لفهم معناها ولا إخوانكم وإنما وفق لفهم معناها السلف وأئمة الإسلام ونحن نذكر بعض كلامهم في الآية قال البخاري في صحيحه يقال كل شيء هالك إلا وجهه إلا ملكه ويقال إلا ما أريد به وجهه وقال الأمام أحمد في رواية ابنه عبد الله فأما السماء والأرض فقد زالتا لأن أهلهما صاروا إلى الجنة وإلى النار وأما العرش فلا يبيد ولا يذهب لأنه سقف الجنة والله سبحانه وتعالى عليه فلا يهلك ولا يبيد وأما قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه فذلك أن الله سبحانه وتعالى أنزل كل من عليها فان فقالت الملائكة هلك أهل الأرض وطمعوا في البقاء فأخبر الله تعالى عن أهل السموات وأهل الأرض أنهم يموتون فقال كل شيء هالك يعني ميت إلا وجهه لأنه حي لا يموت فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت انتهى كلامه وقال في رواية أبي العباس أحمد بن جعفر ابن يعقوب الاصطخري ذكره أبو الحسين في كتاب الطبقات قال قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروتها المعروفين بها والمقتدى بهم فيها من لدن أصحاب نبينا إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق وساق أقوالهم إلى ان قال وقد خلقت الجنة وما فيها وخلقت النار وما فيها و خلقهما الله عز و جل وخلق الخلق لهما ولا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبدا فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز و جل كل شيء هالك إلا وجهه وبنحو هذا من متشابه القرآن قيل له كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة ولا عند النفخة ولا أبدا لأن الله عز و جل خلقهن للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع وقد ضل عن سواء السبيل وخلق سبع سموات بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز و جل فوق الماء وأن الله عز و جل على العرش والكرسي موضع قدميه وهو يعلم ما في السموات والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى وما في قعر البحر ومنبت كل شعرة وشجرة وكل زرع وكل نبات ومسقط كل ورقة وعدد كل كلمة وعدد الحصا والتراب والرمل ومثاقيل الجبال و أعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم ويعلم كل شيء لا يخفى عليه من ذلك شيء وهو على العرش فوق السماء السابعة ودونه حجب من نار ونور وظلمة وما هو أعلم بها فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز و جل ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقوله وهو معكم أينما كنتم وقوله إلا هو معهم أينما كانوا وقوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ونحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني بذلك العلم لأن الله عز و جل على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان وقال في رواية أبي جعفر الطائي محمد بن عوف بن سفيان الحمصي قال الخلال حافظ أمام في زمانه معروف بالتقدم في العلم والمعرفة كان أحمد بن حنبل يعرف له ذلك ويقبل منه ويسأله عن الرجال من أهل بلده قال أملي على احمد بن حنبل فذكر رسالة في السنة ثم قال في اثنائها وأن الجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء الخبر قال النبي صلى دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا ورأيت الكوثر واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب برسول الله وبالقرآن كافر بالجنة والنار يستتاب فإن تاب وإلا قتل
    وقال في رواية عبندوس بن مالك العطار وذكر رسالة في السنة قال فيها والجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء عن رسول الله أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار فتأمل هذه الأبواب وما تضمنته من النقول والمباحث والنكت والفوائد التي لا تظفر بها في غير هذا الكتاب البتة ونحن اختصرنا الكلام في ذلك ولو بسطناه لقام منه سفر ضخم والله المستعان وعليه التكلان وهو الموفق للصواب ))
    قال الشيخ عبد العزيز الراجحي في شرح الطحاوية :
    ((لجنة والنار هما داران للجزاء على الأعمال، والإيمان بهما داخل في الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالجنة والنار لا بد منه لكل مسلم من الإيمان بالله واليوم الآخر الإيمان بالجنة والنار.
    والإيمان بأن الجنة والنار.. فيه مذهبان للناس:
    المذهب الأول: الإيمان بأن الجنة والنار مخلوقتان الآن دائمتان لا تفنيان أبدا، وأنهما مخلوقتان الآن، وموجودتان، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، مذهب الصحابة والتابعين.
    المذهب الثاني: أنهما معدومتان الآن، وإنما تخلقان يوم القيامة، وهذا مذهب أهل البدع من المعتزلة والقدرية وغيرهم، يقولون: إنهما الآن معدومتان، وإنما تخلقان يوم القيامة، والصواب ما عليه أهل السنة والجماعة، وهو الذي عليه الصحابة والتابعون، اتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، والتابعون، وتابعوهم، وأهل السنة والحديث قاطبة وفقهاء الإسلام، وأهل التصوف والزهد على اعتقاد ذلك وإثباته، وأنهما مخلوقتان الآن موجودتان، خلافا لأهل البدع القائلين بأنهما معدومتان الآن، وإنما تخلقان يوم القيامة.
    استدل أهل الحق على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن بأنواع من الأدلة، وإذا قلنا بأنواع من الأدلة، فالمعنى أن كل نوع تحته أفراد من الأدلة، ليس المراد حصر الأفراد، وإنما المراد حصر النوع، كل نوع تحته أفراد.
    من الأدلة: كل نوع تحته أدلة كثيرة، وذلك أنهم استندوا إلى خصوص الكتاب والسنة، وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم، من أولهم إلى آخرهم، فإنهم دعوا الأمم إليها، وأخبروا بها.
    النوع الأول: التعبير بصيغة الماضي في الجنة والنار، والتعبير بالماضي يدل على حصول الشي ووجوده، ومن أمثلة ذلك قوله -تعالى- عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} وقوله عن النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)} وقوله عن النار: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)} وقوله -تعالى- عن الجنة {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} فقوله: "أعدت" بصيغة الماضي، تدل على أنها موجودة، ومخلوقة الآن.
    النوع الثاني من الأدلة: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للجنة والنار في السماء يوم المعراج، والرؤية لا تكون إلا لشيء موجود قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} ففي الصحيحين من حديث أنس - رضي الله عنه - في قصة الإسراء، وفي آخره: (ثم انطلق بي جبريل، حتى أتي سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي قال: ثم دخلت الجنة، فإذا هي جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك) والجنابذ يعني قباب اللؤلؤ جمع قبة فقوله: (ثم دخلت الجنة) هذا دليل على أن الجنة مخلوقة الآن، خلافا لأهل البدع القائلين بأنها لا تخلق إلا يوم القيامة.
    النوع الثالث من الأدلة: أدلة عذاب القبر ونعيمه، وأن الروح تدخل الجنة قبل يوم القيامة، وكذلك روح الكافر تدخل النار قبل يوم القيامة، من ذلك.. من أمثلة ذلك ما في الصحيحين، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة) ومن أمثلة ذلك -أيضا- حديث البراء بن ع(9) - رضي الله عنه - الطويل المشهور، وفيه: (ينادي مناد من السماء أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها) .
    ومن أمثلة ذلك -أيضا- حديث أنس، وفيه فيقول له: (انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا من الجنة، قال: فيراهما جميعا) ومن أمثلة ذلك، الحديث الصحيح المشهور: (إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه) هذا صريح في دخول الروح الجنة، قبل يوم القيامة.
    النوع الرابع من الأدلة: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للجنة والنار يوم الكسوف، وهو على المنبر، كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الحديث وفيه: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم به، حتى لقد رأيتني آخذ قطفا من النوع الخامس من الأدلة: إرسال جبريل -عليه الصلاة والسلام- بعد خلق الجنة والنار للنظر إليهما، فشاهدهما، وما حف بكل منهما، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبرائيل إلى الجنة، فقال: اذهب، فانظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها فيها) وقال في النار مثل ذلك .. الحديث.
    هذه خمسة أنواع من الأدلة، كلها تدل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، وتحت كل نوع أفراد من الأدلة، أما المنكرون لخلقهما الآن، وهم المعتزلة والقدرية، فإنهم يقولون: إن الله ينشؤهما، ويخلقهما يوم القيامة، وأنكروا وجودهما الآن.
    حجتهم في ذلك:
    هذا المذهب مبني على أصلهم الفاسد، الذي حملهم على الإنكار، وأصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة للرب فيما يفعله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا، وهو الحسن والقبح العقليين، وقياس الله على خلقه في أفعاله، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات، فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة، التي وضعوها لله، وهي مسألة الحسن والقبح العقليين، وصرفوا النصوص عن مواضعها وضللوا، وبدلوا من خالف شريعتهم، فقالوا: -هذه شبهتهم العقلية- قالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث؛ لأنها تصير معطلة مددا متطاولة، والعبث محال على الله.
    هذه حجتهم: العقل، قالوا: خلق الجنة والنار الآن قبل الجزاء عبث؛ لأنها تصير معطلة مددا طويلة، ما فيها أحد، والعبث محال على الله.
    بتعبير آخر قالوا: وجودهما اليوم ولا جزاء نوع من العبث، والعبث محال على الله.
    الرد عليهم:
    أولا بإبطال أصلهم الفاسد: الذي وضعوا به شريعة للرب، وهو تحكيم عقولهم قبحا وحسنا، وقياس الله على خلقه.
    ويقال ثانيا: ليستا معطلتين من قال إنهما معطلتان ليستا معطلتين، بل هما مشغولتان، فإن الروح تنعم في الجنة، أو تعذب في النار، قبل يوم القيامة، كحديث: (إنما مثل روح المؤمن كطائر يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة) فهذا صريح في دخول الروح الجنة، قبل يوم القيامة، وحديث البراء بن عازب في قصة العبد المؤمن والكافر، وأنه يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، أو يفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها.
    ويقال ثالثا في الرد عليهم: أن الاتعاظ والتذكر فيهما إذا كانتا موجودتين الآن أشد وأبلغ منه فيما إذا قيل: إن الله ينشؤهما يوم القيامة، فإن الإنسان إذا علم بوجود الجنة اجتهد في تحصيلها، وإذا علم بوجود النار اجتهد في الهرب والبعد منها، أكثر مما لو كانت غير موجودة.
    ومن أدلتهم الشرعية، من شبههم الشرعية:
    استدلوا بقول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذائقة الْمَوْتِ} وقوله سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} وجه الاستلال من الآيتين: أن كلا من هذين الآيتين، تدل على أن المخلوقات صائرة إلى الفناء، ولو كانت الجنة والنار مخلوقتان الآن، لوجب اضطرارا أن تفنيا يوم القيامة، وأن يهلك كل من فيهما، ويموت فيموت الحور العين التي في الجنة والوالدان، وقد أخبر الله -سبحانه- أن الدار دار خلود، ومن فيها مخلدون لا يموتون فيها، وخبر الله -سبحانه- لا يجوز عليه خلف، فدل على أنهما تخلقان يوم القيامة، هذه دليلهم.
    أجيب عن الآيتين بأجوبة منها: أن المراد بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ} مما كتب الله عليه الفناء، والهلاك هالك وأما الجنة والنار، فخلقتا للبقاء لا للفناء، فلا يلزم من وجودهما الآن الفناء يوم القيامة، وكذلك العرش لا يفنى، فإنه سقف الجنة، وقيل المراد كل شيء هالك إلا ملكه، وقيل المراد إلا ما أريد به وجهه ، وقيل: إن الآية وردت للرد على الملائكة، وذلك أن الله تعالى أنزل كل من عليها، فإن فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض وطمعوا في البقاء، فأخبر الله تعالى عن أهل السماء والأرض، أنهم يموتون فقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت، والذي حمل أهل السنة على تأويل هاتين الآيتين، إنما فعلوا ذلك توفيقا بينهما وبين النصوص المحكمة الدالة على بقاء الجنة وعلى بقاء النار، أيضا.
    الدليل الثاني للمعتزلة: في أن الجنة والنار ليستا موجودتين الآن، استدلوا بحديث بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقيت إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ليلة أسري بي، فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) ومثله حديث جابر - رضي الله عنه - عنه مرفوعا (من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة) .
    ووجه الاستدلال: أن القيعان لشيء غير موجود، ولو كانت مخلوقة مفروغا منها لم تكن قيعانا، ولم يكن لهذا الغراس معنى، ولقال: طيبة الثمرة ، ولم يقل: طيبة التربة.
    هذا دليلهم، وأجيب بأن قوله: (طيبة التربة وعذبة الماء وقيعان) دليل على وجودها، فتربتها موجودة ، والحادث إنما هو غرسها فقط، فالحديث صريح صريح في أن أرض الجنة مخلوقة، وأن الذكر ينشئ الله -سبحانه- لقائله منه غراسا في تلك الأرض.
    ومن أدلتهم: قول الله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} ووجه الدلالة: أنها قالت "ابن لي بيتا" ولم تقل: بيتا مبنيا، فدل على أنها لم تخلق، إذ من المحال أن يقول قائل لمن نسج له ثوابا، انسج لي ثوبا.
    وأجيب: بأن غاية ما تدل عليه الآية، أنه لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنه لا يزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء، ولا تدل على أنها الآن معدومة، بل إن أرضها مخلوقة وبناء الغروس فيها بالأعمال المذكورة، والعبد كلما وسع في أعمال البر وسع الله له في الجنة، وكلما عمل خيرا غرس له به هناك غراسا، وبني له بناء وأنشئ له من عمله أنواع مما يتمتع به، ويجاب عن شبهتهم بجواب إجمال، وهو أن يقال: إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة، بمنزلة النفخ في الصور، وقيام الناس من القبور، فهذا باطل، يرده المعلوم بالضرورة من الأحاديث الصحيحة الصريحة، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا تزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء، وإذا دخلها المؤمنون، أحدث الله فيها عند دخولهم أمورا أخر، فهذا حق لا يمكن رده، وهو ما تشهد له الأدلة، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القول.
    مكان الجنة: معروف أن مكان الجنة في السماء، وأنه فوق السماء السابعة، وأن السقف عرش الرحمن، والنار في الأرض في أسفل سافلين، وتبرز يوم القيامة، فهذا في وجود الجنة والنار.
    [ نرجو من كل مسلم ومسلمة دعاء الله عز وجل بشفاء أخي وشقيقـى من المرض الذي هو فيه ]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •