تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 15 من 15

الموضوع: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ
    أولاً- البغاء
    البغاء: ممارسةُ المرأة الزنا لقاءَ أجر، لحاجة. فإن خلا من الأجر والحاجة فهو الزنا. وكان البغاءُ موجوداً عند معظم الشعوب القديمة والمتحضرة، حتى أن بعض الدول كانت تنظم شؤون البغايا، وتضع لهن التشريعات. وكان البغاء منتشراً بين اليهود منذ عهود قديمة،كما يوحي به هذا النص: «لا تدنسْ ابنتَك بتعريضها للزنى» [سِفر اللاويين 19/29]
    وقد عرِف العربُ في جاهليتهم إلى جانب الزواج الشرعي، الذي كانوا يسمونه زواجَ البعولة؛ أنواعاً من الأنكحة الباطلة أو الزنا، منها البغاء، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – عن أنواع النكاح، في الجاهلية، أنها قالت:«إِنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ...وَنِكَاحُ الرَّابِعِ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ، لا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا، كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ، تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ».
    وظل البغاءُ عند مشركي العرب حتى بعد ظهور الإسلام، كان لعبد بن أبي بن سلول (زعيم المنافقين) إماءٌ، كان يكرههن على البغاء؛ طلباً لخراجهن، فأنزل الله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور: 33].وكانت تقام للبغايا بيوتاتٌ تُدْعى (المواخير) تشرَب فيها الخمورُ وتمارَس فيها الزنا.
    يقول علي عبد الواحد وافي: كان كثير من سراة اليونان في العصور القديمة يستخدمون إماءهم في البغاء؛ للانتفاع بأجورهن، بل إن بعض حكوماتهم أخذ ينافس الأفراد في هذه التجارة، فقد نظم صولون نفسه – وهو كبير مشرع أثينا وحاكمُها – شؤون البغاء الرسمي، وانشأ منازل خاصة للبغايا، واشترى عدداً كبيراً من الإماء، وفرَّقهن على هذه المنازل، لتنتفع الدولة بأجورهن. كذلك كان البغاء منتشراً انتشاراً كبيراً في معظم المدن الرومانية.
    وكان كثير من اليابانيين يخصصون بناتهم للبغاء؛ للانتفاع بأجورهن، فيُلْحِقوهنّ بمنزل من منازل الفسوق، وما كان يجوز للبنت أن تعصي أباها، ولا أن تعترض على أمره. ويضاف إلى هؤلاء طائفة أخرى كبيرة العدد – في اليابان – تتألف من اللائي يسلكن هذا الطريق، بمحض اختيارهن.
    وقد جرت عادة بعض الأزواج في الصين أن يقدموا زوجاتهم للبغاء؛ للانتفاع بأجورهن.
    وكان كثير من الدول المتحضرة في أوربة وأمريكة وغيرهما تقر البغاء الرسمي، وتسن له اللوائح والقوانين، وتنتفع حكوماتها بما تجبيه من المومسات من رسوم وضرائب، ولا يزال هذا النظام معمولاً به في بعض هذه الأمم ف الوقت الحاضر.. كذلك انتشر نظام البغاء الرسمي في كثير من الدول العربية والإسلامية بعدما دخلتْ تحت نير المستعمر الأوربي.
    واصطلح الباحثون على تسمية هذا النوع من البغاء بالبغاء المدني، تمييزاً له عن البغاء الديني.

    ثانياً- البغاء المقدس

    بجانب البغاء المدني كان يوجد نوعٌ آخر من البغاء، يطلق عليه اسم البغاءُ الديني أوالبغاء المقدس؛ لأنه كان يُعدُّ شعيرةً من شعائر الدين، أو وسيلةً لإرضاء الآلهة والتقرب إليهم. وقد عثر الباحثون على عدة مظاهر لهذا النظام عند كثير من الشعوب.
    نقل (علي وافي) عن (ريد = Read) قوله: إن كثيراً من زنوج أفريقية ينظرون إلى البغاء أحياناً على أنه عمل من أعمال البر الديني، حتى إن الموسرات من النساء ليشترين – وهن في مرض موتهن – إماءً يوصين بأن يخصصنَ للبغاء، ويتخذن من ذلك وسيلةً للتقرب إلى الله، وخَتْمِ حياتهن بصالح الأعمال. كما تفعل الموسرات من نساء إنجلترة، إذ يوصين قبل وفاتهن بجزء من ثرواتهن لعمل خيري عام.
    قال: وذكر (إليس = Ellis) في اثناء حديثه عن أهل ساحل العبيد بأفريقية أنه كان يوجد في كل مدينة من مدنهم مؤسسة، تقدم إليها الفتيات الجميلات من سن العاشرة إلى الثانية عشرة، ويقضي هؤلاء الفتيات بهذه المؤسسات ثلاث سنين، يتعلمن في أثنائها الرقص الديني، وترتيل الأوراد المقدسة، في صوت غتائي شجي، فإذا انتهت مدة تعلمهن تخصصن للبغاء المقدس، فيصبحن من الناحية النظرية وقفاً على رجال الدين، وإن كن في الواقع لا يمتنعن عمن يريدهن من غيرهم. وينظر الناس إليهن في هذه البلاد على أنهن زوجات للألهة، ويُعتقد أن ما يأتينه من أعمال ليس إلا ضرباً من ضروب العبادة التي يُتقرَّب بها إلى الله زلفى، ويُستدَرُّ بها عطف السماء؛ ولذلك كان يٌنظَر إلى من يأتين به من الأولاد على أنهم أولاد الله.
    وقال وافي: وروى (إليس) كذلك عن أهل ساحل الذهب بأفريقية أن راهباتهم وقسيساتهم كان يحرم عليهن الزواج، ولكن كنَّ يزاولن نوعاً من البغاء المقدس، يشبعن عن طريقه رغباتهن مع من يشأنَ من الرجال، فإذا راق في أعين إحداهن رجلٌ ما دعته إلى منزلها، وأنهتْ إليه أن (الإله) الذي أوقفت حياتها على عبادته قد أوحى إليها أن تتخذه عشيقاً لها، فيغتبط الرجل أنْ وقع عليه هذا الاختيار، ويظل حبيساً لديها، يحقق لها رغباته، حتى تملّه، فتستبدل به رجلاً آخر، تعيد معه القصة نفسها، وهكذا دواليك. وقد تجمع الواحدة منهن أكثر من رجل واحد في منزلها، بل قد يصل عشاقها إلى ستة رجال أو نحو ذلك، وتسير البغيُّ من هؤلاء في الحفلات المقدسة، يحيط بها عشاقها كما تحيط الحاشية بملكة أو أميرة. فحياتهن حياة فسق وفجور بالغين. وقد ينحدر بعضهن في هذه الوهدة إلى مستوى حيواني وضيع، وخاصة عندما يهيِّجها الرقص الديني، الذي تزاوله من حين لآخر.
    (وقال وافي): ومن أشهر أنواع البغاءِ المقدس ما كان يجري عليه العمل في (بابل) في معبد الإلهة ميليتَّا = زهرة (وهي في شخصيتها ووظائفها وأساطيرهاتماثل الإلهة أفروديت عند اليونان والإلهة فينوس عند الرومان والإلهة عشتروت عندالفينيقيين) وقد أفاض المؤرخ اليوناني هيرودوت في وصف هذا النظام، فذكر أن كلبنت تولد في هذه البلاد كان يجب عليها مرة في حياتها أن تذهب إلى معبد الإلهةميليتا حيث تقدم نفسها لرجل أجنبي عن البلاد، فكانت تجلس في ساحة المعبد حتى يمربها أجنبي، ويضع على ركبتها قطعة فضية من النقد، داعياً في أثناء ذلك (أن تباركهاالإلهة ميليتا وتشملها برعايتها) ثم يصحب الفتاةَ بعيداً عن الساحة المقدسة ليقضيمعها إربته... وكان يُنْظَر إلى هذه الاتصالات على أنها ضربٌ من العبادة الدينية، أو نوعٌ من القربان، تقدمه الفتياتُ لإلهتهن ميليتا وكان يُعْتَقَد أن هذا الضرب من العبادة، أو القربان من أحب العبادات والقرابين إلى الإلهة، وأنه مصدرُ خير وبركة للفتاة.
    (وقال وافي): ولهذا التقليد البابلي أشباهٌ ونظائرُ في كثيرمن بلاد اليونان في عصورها القديمةوخاصة في بعض مناطق في جزيرة قبرص، وبيبلوس،وقورنثة، وأثينة، ففي قبرص كان يجب على العذارى أن يذهبن إلى ساحل البحر في أيام معلوماتليقدمن بكارتهن قربانا للإلهة أفروديت. وفي معبد الإلهة أفروديت بقورنثة كانيوجد عدد كبير من النسوة، يزاولن البغاء المقدس. وتروي الأساطير اليونانية أنبعض مدن اليونان كانت إذا اشتبكت في حرب ينذر أهلها للإلهة أفروديت أن يخصصوابناتهم للبغاء المقدس في معابدها، إذا أمدتهم بعون منها فخرجوا منتصرين على أعدائهم.
    وجرت عادة سُراة اليونان في مملكة أثينا وغيرها أن يخصصوا بعض إمائهم للبغاء فيمعبد من معابد الإلهة أفروديت، على أن يخصص دخلهن من هذه المهنة لصندوق المعبدنفسه. وقد انتشرت هذه الطقوس في مخلتف بلاد اليونان... وقد أطرى هذه الأعمال كبيرُ مؤرخيهم سترابون وعدَّهامشروعات وطنية جليلة؛ لأنها على حد قوله: تجذب الأجانب للبلاد (أي: السواح)، فينفقون فيهاأموالهم، فتنتعش بذلك اقتصادياتها، ويعمها الرخاء، ويزداد دخلهاالقومي.
    وعند قدماء الأرمن كانت الفتيات يزاولنَ كذلك البغاءَ المقدس بالطريقة نفسها التي كانت تسير عليها البابلياتُ، أو بطريقة قريبة منها، فقد روى سترابون أن كل أسرة أرمنية، حتى الأسرات الأرستقراطية الراقية كانت تبعث ببناتها إلى المعابد؛ ليزاولن البغاء المقدس، فترة معينة في حياتهن.
    (وقال وافي): ويظهر أن المرأة التي كانت تُعد في نظر قدماء المصريين زوجة للإله في طيبة، كانت تمارس كذلك الغاء المقدس في المعابد، فقد روى المؤرخ سترابون أنها (كانت تتصل بمن تشاء من الرجال، حتى يتخلص جسمها من أدرانه، وتصل إلى أقصى درجات الطهر، وجينئذ تَهَب نفسها لرجل واحد).
    (وقال وافي): وفي كثير من معابد الهند، في العصور القديمة، كانت تقطن طائة من الراقصات، يزاولن البغاء المقدس. وكنَّ موضع إجلال ديني، فكانت مرتبتهن تأتي بعد مرتبة السدنة، ومقدمي الضحايا للمعبد... وقد ظلت هذه التقاليد سائدة في في مناطق من بلاد الهند إلى عهد قريب، ففي القرن التاسع عشر نفسه كان لا يزال يوجد في كثير من معابد الهند عدد كبير من البغايا، يزاولن مهنتهن لصالح المعابد نفسها، ويخصصن لها دخلهن من هذه المهنة، وكان هؤلاء النسوة موضع تقدير وإجلال لخاصة القوم وعامتهم، بل كن وحدهن اللائي يسمح لهن بالتعلم في الهند.([1])
    وعند قدماء الكنعانيين (سكان فلسطين ولبنان قديما) كانت توجد طائفة من النسوة، وقفنَ أنفسَهن على خدمة المعبَد، ووهبنَ جسومَهنَّ للبغاء المقدَّس، «وأقام إسرائيل في شِطّيم [اسم مكان في موآب، شرق البحر الميت] وابتدأ الشعب يزنون مع بنات موآب. فدعَوْنَ الشعبَ إلى ذبائح آلهتهن، فأكل الشعبُ، وسجدوا لآلهتهن» [سفرالعدد 25/1-2]
    ويقول وِلْ ديورانت في سياق حديثه عن العهر المقدس: «لكنَّ عاهراتٍ من أصناف مختلفة كنَّ يسكنَّ في أرباض الهيكل (حول المعبد) ويمارسنَ حرفتَهنَّ فيها، ومنهن مَنْ كنَّ يجمعنَ من عملهنَّ الأموال الطائلة، وكانت عاهراتُ الهياكل كثيراتٌ في غربي آسية. تجدهن عند بني إسرائيل، وفي فريجية [منطقة في آسية] وفينيقية، وسورية، وغيرها من الأقطار... وظلت الدعارة المقدسة عادة متبعة في بلاد بابل حتى ألغاها قسطنطين حوالي عام 325 ق.م».([2])
    ويقول غوستاف لوبون: «إن النظام اليهودي بأسره ليس إلا وجهاً بسيطاً للنظام الكلداني [في بلاد بابل، حيث سباهم بختنصر]... لمْ يجاوز اليهود أطوارَ الحضارة السفلى... فلم يقتبسوا من تلك الأمم العليا سوى أخس ما في حضارتها، أي لم يقتبسوا غير عيوبها، وعاداتها الضارية، ودعارتها وخرافاتها... كان اليهود يحملون نساءهم على البغاء المقدس، في المشارف».([3]) أي: على الجبال والتلال.
    كانت عادةُ البغاء المقدس منتشرةً بين اليهوديات، المتزوجات والبنات على حد سواء، ولِمَ لا، ما دام ذلك قربة إلى الله تعالى؟! وهذا ما صرح به هوشع على لسان الرب: «لأن روح الزنى قد أضلهم [يقصد: شعب إسرائيل] فزنوا من تحت إلههم. يذبحون على رؤوس الجبال، ويبخِّرون على التلال، تحت البلُّوط واللّبْنَى والْبُطم؛ لأن ظلها حسن. لذلك تزني بناتُكم، وتفسُق كنَّاتُكم (زوجة الابن). لا أعاقب بناتِكم لأنهن يزنين، ولا كنَّاتكم لأنهن يفسُقن. لأنهم يعتزلون مع الزانيات، ويذبحون مع الناذراتِ الزنى. وشعبٌ لا يَعقِل يُصْرَع» [سِفر هوشع 4/12- 14]
    فالزنا بحد ذاته – حسب هوشع - ليس خطيئة تحاسب عليها المرأة، بل هي قربة (بغاء مقدس) ولكن الخطأ في أسلوب الممارسة، فعلى البغيِّ أن تمارس شهوتها في صمت، بعيداً عن الأضواء، أما أن تتخذَ سَمْتَ ومظهرَ (الناذراتِ الزنا)، وتخلعَ عِذار الحياء، وتعتزلَ مع الزانيات، وتشتهرَ بتلك الآفة؛ فحينئذ يكون الفسادُ بلغ نهايتَه، ويكون الدمارُ المحتم، (وشعبٌ لا يَعقِل يُصْرَع).
    يؤكد هذا ما ألمح إليه القرآن الكريم في قصة مريم الصِّدِّيقة، نذرتها أمُّها للعبادة وخدمة بيت المقدس، وكان من أمرها ما قصه القرآن الكريم، فلما وضعت وليدها عيسى – عليهما السلام – وحملتْه على يديها، وأتتْ به قومها (بني إسرائيل) اتهموها بهذا النوع من البغاء، تعريضاً، قالوا: {قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم]
    ويخاطب الربُّ أورشليمَ قائلاً: «ازدريتِ أقداسي، ونجَّسْتِ سُبُوتي... في وسطِكِ عمِلوا رذيلةً. فيكِ كَشفَ الإنسانُ عورةَ أبيه، فيكِ أذلّوا المتنَجِّسةَ بطمثها. إنسانٌ فعلَ الرجسَ بامرأة قريبه، إنسانٌ نجَّسَ كنَّته برذيلة، إنسانٌ أذلَّ فيكِ أختَه بنتَ أبيه» [حزقيال: 22/ 8- 11] اللواط بالأب، والزنا بالحائض، وبامرأة القريب، وبالكنّة، وبالأخت. وماذا بعد؟ وما جديدُ عاهرات ومِثْلِيِّيْ أوربة وأمريكة؟ وما مصدرُ الدعواتِ المطالِبَةِ برفع حاجزِ زواج المحارم هناك أو هنالك، إن لم يكن هذا الكتاب؟
    لقد عرف العرب أنواعاً من الزنا، ولكنهم لم يعرفوا البغاء المقدس، حتى البغايا ما كان يذهب إليهنَّ إلا سفلةُ الناس، ولا يذهبون إلا في الظلام، يجرَّون أطراف مآزرهم وراءهم؛ لتطمس آثارَ أقدامهم على الرمال، لذلك أطلق على البغايا اسم الْمُظْلِمات وفي ذلك تقول العوراء بنت سبيع في رثاء([4]) :
    أبكِي لِعَبْدِ اللهِ إذْ *** حُشَّتْ قُبَيْلَ الصُّبْحِ نَارُهْ
    طَيَّانَ طَاوى الْكَشْحِ لا *** يُرْخَى لِمُظْلِمةِ إزَارُهْ
    ورغم انتشارِ نورِ الإسلام، وأنوارِ سورة النور؛ لا زال البغاءُ المقدس موجوداً اليوم، تشرِّعُه وتمارسُه بعضُ الطوائف، وراثةً عن اليهود وغيرهم، ولكن تحت أسماءَ وعناوينَ أخرى.
    ففاحشة الزنا تمارس على ثلاثة مستويات: (الأول) الزنا، وسببه ضعف النفس والوازع الديني، والمذنِبُ موضع مغفرة الله إن تاب. (والثاني) البغاء، وهو انحرافٌ عن الفطرة السوية، وحِرفةٌ قذرة، تُسبب الإفساد. (والثالث) البغاء المقدس، وهو الأسوأ؛ ففيه - إضافة إلى ما سبق - إضفاءٌ للقداسة على أداء اللذة الجنسية بطريقة غير مشروعة، وفي مكان يُفْتَرَضُ فيه أن يكون مقدساً، بعيداً عن هذه القاذورات.

    ثالثاً- دافع الجنس وظيفته وضبطه

    دافع الجنس دافع فطري في كيان الإنسان، وهو مما أقره الإسلام، قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ... ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...} [آل عمران: 14]
    وهذا الدافع له هدفان: قريب وبعيد، أما القريب فهو الاستمتاع الحسي، وهو - في الوقت نفسه - وسيلةُ إلى الهدف البعيد، المقصودِ أصلاً من هذه الشهوة أو الدافع. وأما الهدف البعيد فهو التناسل؛ لحفظ النوع، واستمرار بقائه، أخرج أبو داود والنسائي عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ – رَضِيَ الله عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ».
    يقول الغزالي في بيان الغاية من دافع الجنس: «إن شهوة الجماع خُلقت لتكون باعثة للإنسان على الجماع، وهو سبب بقاء النوع الإنساني، فيُطلَب النكاحُ للولد، والتحصن، لا للعب والتمتع».([5])
    فالمؤمن الحق لا يكون هدفه من الجنس الاستمتاع الحسي فقط، بل يجب عليه أن يجعل هذا الهدف وسيلة إلى هدفين أسميين، هما التناسل لبقاء النوع، وتحصين النفس ضد الانحرافات الجنسية؛ لأن الوقوف عند الاستمتاع الحسي عبث لا يليق بالعاقل.
    وقد عدَّ الإسلام الزواج الرابطة الجنسية الوحيدة المشروعة، التي تحقق أهداف الاتصال الجنسي اللائق بالإنسان، لذلك حض عليه، لأنه بالزواج تتحقق الرغبة في الإنجاب، خاصة عند الأم. وبالزواج تتحق السكينة والطمأنية النفسية. وبه تتحصن النفس ضد الانحرافات والاتصالات الجنسية الشاذة،. وبه يتكون المحضن المناسب لتربية الأولادجسمياً، ونفسياً، وعقلياً، وروحياً.
    ولا يتحقق شيء من هذه الأهداف عن طريق الاتصالات الجنسية الشاذة كاللواط، أو السحاق، أو الزنا، أو البغاء، أو البغاء المقدس، لذلك حرمها الإسلام، وقرر العقوبات المناسبة على مرتكبيها؛ لما لها من أضرار على الفرد وفطرته، وعلى الأسرة، وعلى المجتمع.
    كذلك حرم الإسلام الرهبانية، لمافيها من مناقضة للفطرة الإنسانية؛ حيث يحصل بسببها العنت والمشقة؛ لقوة دافع الجنس وشدة التوتر الناشئ عن عدم إشباعه. ولما يترتب عليها من انقراض النسل وخراب العالم.{وَرَهْبَانِيَّ ةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27] فالله تعالى لم يفرضها عليهم، لكنهم هم فرضوها على أنفسهم طلباً لرضوان الله تعالى، فما رعوها حق رعايتها، ولم يفوا بمستحقاتها. وهي أيضاً أمر مخالف لسنة الأنبياء {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38]
    إن تلك الممارسات الجنسية الشاذة لا تحقق أي هدف من الأهداف التي خلقت الشهوة الجنسية من أجله، فلا نسل، ولا سكن، ولا سكينة، بل هي انحراف باللذة عن مسارها، ووسيلة إلى الفساد والإفساد في الأرض، كنشر الإيدز وغيره من الأمراض الجنسية، إضافة إلى ما فيه من اختلاط الأنساب، وضياع الحقوق {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32].
    ********************
    الاثنين 16/شوال/1431هـ = 4/10/2010م
    أبو الخلود
    الهوامش
    ([1]) انظر للوافي: قصة الزواج والعزوبة في العالم (ص 65- 72) أو غرائب النظم والعادات والتقاليد (ص 256- 263).
    ([2]) قصة الحضارة- الجزء الثاني من المجلد الأول (2/230).
    ([3]) اليهود في تاريخ الحضارات الأولى (ص 30، 31، 32).
    ([4]) ديوان الحماسة لأبي تمام وشروحه. قال المرزوقي: (2/1106) (حُشَّت نارُه): ضَمَّ ما تفرق من الحطب إليها، وأُوقدت، وإنما تريد نار الضيافة. وقال الأعلم الشنْتمري (1/532): (الطيان): الضامر البطن جوعاً. (والطاوي): الضامر البطن خلقة. أي: كان مهفهفاً، قليل اللحم. (والكشح) الجنْب والخِصْر. [والعرب ترى من السيادة ألا يشبع الرجل]. (والمُظلمة): الْخَصْلة القبيحة، أي: لا يرخي إزاره لفاحشة. وقال أبو العلاء المعري (1/668): (ومُظلمة): امرأة أظلم عليها الليل. وكانوا إذا قضوا حوائجهم من الفواحش عفُّوا آثارهم بالأُزر لئلا تُقْتَصَّ.
    ([5])مدارج القدس في معارج معرفة النفس (ص 72)

  2. #2

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    ابو الخلود

    موضوع يستحق القراءة أكثر من مرة ولقد قمت للتو بحفظه

    للعودة إليه كلما سنحت لي الفرصة خاصة وأنك مشكوراً

    قد تجشمت عناء البحث وذكر المراجع أيضاً

    شكرا لك مرة أخرى

  3. #3

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    بارك الله فيكم
    ويمكن أن يضم إلى نوع البغاء المقدس زواج المتعة عند الروافض لاعتقادهم أن المتمتع له أجر عظيم وتستغفر له ملائكة بعدد قطرات غسله والعياذ بالله من الضلال والإفك والكفر
    أبو محمد المصري

  4. #4

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الخلود مشاهدة المشاركة
    كانت عادةُ البغاء المقدس منتشرةً بين اليهوديات، المتزوجات والبنات على حد سواء، ولِمَ لا، ما دام ذلك قربة إلى الله تعالى؟! وهذا ما صرح به هوشع على لسان الرب: «لأن روح الزنى قد أضلهم [يقصد: شعب إسرائيل] فزنوا من تحت إلههم. يذبحون على رؤوس الجبال، ويبخِّرون على التلال، تحت البلُّوط واللّبْنَى والْبُطم؛ لأن ظلها حسن. لذلك تزني بناتُكم، وتفسُق كنَّاتُكم (زوجة الابن). لا أعاقب بناتِكم لأنهن يزنين، ولا كنَّاتكم لأنهن يفسُقن. لأنهم يعتزلون مع الزانيات، ويذبحون مع الناذراتِ الزنى. وشعبٌ لا يَعقِل يُصْرَع» [سِفر هوشع 4/12- 14]
    فالزنا بحد ذاته – حسب هوشع - ليس خطيئة تحاسب عليها المرأة، بل هي قربة (بغاء مقدس) ولكن الخطأ في أسلوب الممارسة، فعلى البغيِّ أن تمارس شهوتها في صمت، بعيداً عن الأضواء، أما أن تتخذَ سَمْتَ ومظهرَ (الناذراتِ الزنا)، وتخلعَ عِذار الحياء، وتعتزلَ مع الزانيات، وتشتهرَ بتلك الآفة؛ فحينئذ يكون الفسادُ بلغ نهايتَه، ويكون الدمارُ المحتم، (وشعبٌ لا يَعقِل يُصْرَع).
    يؤكد هذا ما ألمح إليه القرآن الكريم في قصة مريم الصِّدِّيقة، نذرتها أمُّها للعبادة وخدمة بيت المقدس، وكان من أمرها ما قصه القرآن الكريم، فلما وضعت وليدها عيسى – عليهما السلام – وحملتْه على يديها، وأتتْ به قومها (بني إسرائيل) اتهموها بهذا النوع من البغاء، تعريضاً، قالوا: {قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم]
    سؤال:كيف عرفت أن إتهام بني إسرائيل لمريم عليها السلام كان بهذا النوع من البغاء؟ هل من قول يوشع المنقول أعلاه فقط ؟أم من مصادر موثوقة لدينا نحن كمسلمين ؟
    سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىَ الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الأخت الكريمة: أم معاذ وفقك الله تعالى لكل خير.
    جواباً على سؤالك أقول:
    في كتابهم المقدس إثبات لهذا النوع من الدعارة.. كذلك أثبتها عليهم المؤرخون، كما سبق من أقوالهم هذه من ناحية.
    ومن ناحية أخرى كانت مريم عليها السلام تتعبد الله تعالى في المعبد، وهي في كفالة نبي الله تعالى زكريا عليه السلام.
    وظهرت عليهم مريم فجأة بوليدها عيسى عليه السلام {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}
    هكذا اتهموها، وهذا أمر متفق عليه، ولما كانت تعيش في المعبد، لذلك ترجح أن الاتهام كان من نوع البغاء المقدس، وليس البغاء المأجور.
    والله تعالى أعلم.

  6. #6

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الخلود مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الأخت الكريمة: أم معاذ وفقك الله تعالى لكل خير.
    جواباً على سؤالك أقول:
    في كتابهم المقدس إثبات لهذا النوع من الدعارة.. كذلك أثبتها عليهم المؤرخون، كما سبق من أقوالهم هذه من ناحية.
    ومن ناحية أخرى كانت مريم عليها السلام تتعبد الله تعالى في المعبد، وهي في كفالة نبي الله تعالى زكريا عليه السلام.
    وظهرت عليهم مريم فجأة بوليدها عيسى عليه السلام {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}
    هكذا اتهموها، وهذا أمر متفق عليه، ولما كانت تعيش في المعبد، لذلك ترجح أن الاتهام كان من نوع البغاء المقدس، وليس البغاء المأجور.
    والله تعالى أعلم.
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    إذا لا مصادر موثوقة عندنا كمسلمين تثبت ما ذهبت إليه أخي الفاضل ، وعليه : فجزمك إلى أن القرآن أكد المعنى الذي جاء في موضوعك حول البغاء المقدس ، واستدلالك بالآية الكريمة غير وارد لسببين :
    الأول أنه لا دليل على هذا الجزم غير الإسرائيليات وكلام المؤرخين .
    الثاني : أن هذا الإفتراض أو التفسير سيقودنا إلى أن نفسر البغاء في قوله تعالى "قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا" باليغاء غير المقدس أي البغاء الذي يكون علانية !
    ما قولك ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الخلود مشاهدة المشاركة
    هكذا اتهموها، وهذا أمر متفق عليه، ولما كانت تعيش في المعبد، لذلك ترجح أن الاتهام كان من نوع البغاء المقدس، وليس البغاء المأجور.
    والله تعالى أعلم.
    تقصد أنهم إتهموها بالبغاء المأجور لا المقدس ، لأن البغاء المقدس عندهم ـ على حسب قولك ـ لم يكن تهمة وإنما البغاء المأجور والله أعلم .
    سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىَ الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    بسم الله الرحمن الرحيم
    يبدو أن لديك إشكالية في الفرق بين البغاء والبغاء المقدس. وأحدهما غير الآخر، مع أن كليهما زنىً,
    والوصف تابع للهدف: هل الهدف هو الأجرة أم الطاعة والتقرب.
    وكلمة البغاء يختلف مدلولها من سياق لآخر، فالبغاء في قول مريم عليها السلام {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} غير البغاء في قوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور: 33] فهذا يحمل على البغاء المأجور، لأن هو ما كان مشتهراً عند أهل مكة والمدينة قبل الإسلام.
    غير البغاء في قول بني إسرائيل لمريم عليها السلام {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} وما حملتُه على البغاء المقدس، إلا لأن هذا النوع من البغاء كان مشتهراً عندهم، ولأنه كان يمارس في المعابد عندهم وعند غيرهم من الشعوب.
    ومع ذلك لست متحمساً كثيراً أن يكون البغاء من النوع المأجور أو المقدس، لأني رميت بالبحث إلى أبعد من هذا، وذلك واضح لمن تأمل في البحث وفيما يقال ويدور في واقعنا الحاضر.
    وأمر آخر أن القرآن الكريم والسنة الشريفة، لا يتناولان تفاصيل التاريخ وجزئياته، وعمدتنا في ذلك التاريخ وحتى الإسرائيليات، ما داما لا يتعارضان مع الشرع أولاً ومنطق العقل ثانياً.
    وأخيراً، شكراً لك، وزادك الله تعالى حرصاً.
    ووفقنا جميعاً لما فيه الخير والصواب.

  8. #8

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أظن أنني فهمت كلامك جيدا، وسؤالي الأول وملاحظتي بعد إجابتك عنه خير دليل ـ على الأقل بالنسبة لي ـ أعلم أنك تفرق بين البغاء المقدس والذي هو البغاء غير المأجور والذي كان يعتبر عند بني إسرائيل قربة لله عز وجل وبين البغاء غير المقدس والذي قلت عنه أنه تهمة بسبب الخطأ في الممارسة والتي تخرج من الصمت إلى العلن، ما جعلني أستفسر عن هذا الأمر هو تفسيرك لقول بني إسرائيل لمريم " وما كانت أمك بغيا " بأنهم يقصدون البغاء غير المقدس، أي أنهم إتهموها بالبغاء العلني والذي أظهرته بظهورها مع إبنها ـ عليهما السلام ـ ، فهذا الكلام لا بد وأن يكون عليه دليل لأنه يعتبر تفسيرا لآية في القرآن الكريم، هذا من جهة، من جهة أخرى فالآية الأخرى التي قبلها لابد وأن تفسر بنفس تفسيرك السابق، لأنها تدور في نفس البيئة، أما الآية التي وردت في قريش فهي ليست محل حديثنا لأننا نتكلم عن بني إسرائيل وليس قريش ، هل إتضحت فكرتي ؟
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الخلود مشاهدة المشاركة
    وأخيراً، شكراً لك، وزادك الله تعالى حرصاً.

    ووفقنا جميعاً لما فيه الخير والصواب.
    شكرا لك ... بارك الله فيك ...
    سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىَ الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    مبادئ عامة تُعِين على فهم القرآن الكريم
    كان هدفي من كتابة مقالتي الموسومة (بالبغاء والبغاء المقدس) أنّ يدرك القارئ بنفسه أنّ هناك من يمارس البغاء الديني اليوم تحت عنوان المتعة، وأنهم ورثوها من الجاهليات القديمة، وأنهم خلف لأولئك الجاهليين، وأنهم لا ينفع معهم الدليل؛ لأن القضية ليست قضية وجود دليل أو عدمه أو تعارض الأدلة عندهم، بل المسألة أبعد من أن تقف عند حدود الحل والحرمة، فقد أضفوا على هذا النوع من الزنا صفة القداسة، وجعلوه من أفضل ما يتقرب به العبد إلى معبوده. وقد أدرك ذلك كل من الأخ الكريم، عارف العضيب، والأخ الفاضل: أبو محمد العمري وفقهما الله تعالى.
    قالت الضّفدع قولاً ***** فـــــهمتــــــ ـــــــــــه الحكـماء
    في فمي ماءٌ وهل ينــ ***** ــطق من في فيه ماء
    وأحب أن أذكِّر الأخوة الكرام بمبدأ مهم عند هذه الطائفة التي ترفع شعار الإسلام، ولا تدين إلا بشذوذ العقائد، حتى أنشؤوا ديناً موازياً للإسلام من الألف إلى الياء،، بهدف هدم الإسلام، وتفريغه من محتواه، وهي إذ تمارس البغاء الديني، تمارس معه الإسقاط، فتتهم الآخرين بأبشع وأقذع الصفات.
    أما المبدأ أو القاعدة التي ينطلقون منها فهي: أنهم يعتقدون أولاً، ثم يركِّبون الدليل لعقائدهم من المتشابهات، فإن لم يجدوا في المتشابهات ما يسعفهم قالوا: إن للقرآن ظاهراً وباطناً، وأن باطنه هو المقصود. وبذلك يفتحون الأبواب لأهوائهم، فيقولون ما يشتهون، ولا يشتهون إلا الباطل.
    هذا ما كنت أرمي إليه من تلكم المقالة، كما يعبر عنه العنوان والعرض معاً، إلا أن الأخت الفاضلة، أم معاذة، وقفت عند جزيئة صغيرة – ليست من أغراض المقالة – فسألتني: كيف عرفتَ أن إتهام بني إسرائيل لمريم عليها السلام كان بهذا النوع من البغاء؟ هل من قول يوشع المنقول أعلاه فقط أم من مصادر موثوقة لدينا نحن كمسلمين؟

    فأجبتُ عن تساؤلها باختصار، إلا أنها عادت وافترضت افتراضات وافتراضات، منها قولها: يلزم أن يكون مدلول (البغي) في الآية (20) هو نفس مدلوله في الآية (28) وقالت عني: تقصد أنهم اتهموها بالبغاء المأجور لا المقدس؛ علماً أني صرحت بخلاف ذلك تماماً. وغير ذلك مما تناوله النقاش والأخذ والرد، حتى غطى على الهدف الرئيس للمقالة. ذلك كله دون أن تبدي لنا رأياً واضحاً.

    لهذا أحببت أن أضع بين يدي القارئ الكريم بعض المبادئ التي يجب أن يصطحبها، أثناء قراءته لتفسير آية أو لنص تاريخي أو غير ذلك، وأن يخرج من دائرة التقليد، ويتجاوز مقولة: ما ترك الأول للآخر شيئاً. وأنه لا يحل لمسلم أن يقول في كتاب الله تعالى بالهوى والتشهي.
    1- مصادر المعرفة والعلاقة بينها:
    أولها وأعلاها: الوحي الإلهي المعصوم، وهي تلكم التعاليم الإلهية التي اختير لها محمدٌ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لتبليغها إلى الناس.
    والثاني: الكون بأحيائه وأشيائه، وهو كل ما يقع تحت حواس الإنسان مباشرة أو بوساطة أدوات اخترعها الإنسان. والكون ساحة عمل الإنسان، ومجال حركته، وقد دعته الآيات القرآنية الكريمة إلى النظر والتفكر فيه؛ لاستثماره، واستخراج كنوزه.
    والثالث: التاريخ وما حوتْه سجلاتُه من المعرفة البشرية المتراكمة، فالتاريخ ذاكرة البشرية، وسجل تجاربها، وقد أمر الله تعالى بالسير في الأرض في أكثر من آية للاعتبار بمصائر المكذبين، منها قوله: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [الأنعام: 11]
    وظيفة الوحي: للوحي وظيفتان: (الأولى) امداد العقل بالعلوم. (والثانية) توجيهه وضبط مساره، فهو المرشد الأمين والحاكم المهيمن؛ يقول الأصفهاني تحت عنوان: (تظاهر العقل والشرع وافتقار أحدهما للآخر): «اعلم أن العقل لن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لا يتبين إلا بالعقل، فالعقل كالأس والشرع كبناء، ولن يغني أس ما لم يكن بناء، ولن يثبت بناء ما لم يكن أس». [تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، ص 117]
    وظيفة العقل: وللعقل وظيفتان: (الأولى) تلقي الصور والمعاني عن طريق الحواس من الوحي، والكون، والتاريخ. (والثانية) وهي الأساسية: القيام بالتحليل والتركيب، والقياس والاستنتاج، والاستقراء، فينتقل من المقدمات إلى النتائج، ومن المعلوم إلى المجهول، عبر طريق يتصف بالمرحلية، والتدرج، والترابط، ليعطينا معلومة جديدة؛ لتضاف إلى صرح العلم المتطور دائماً.
    وظيفة التجربة: أما التجربة فلا تعد مصدراً للمعرفة – كما يدعي الماديون – وأما وظيفتها فلا تتجاوز أن تكون أداة تقاس بها الفرضيات لمعرفة مدى صدقها من عدمه. مثلها مثل جهاز قياس الحرارة أو قياس الضغط الذي يستعمله الطبيب.
    3- ظاهرُ التاريخ وباطنُه:
    للتاريخ ظاهر وباطن، أما ظاهره فهو جمع أخبار الأمم الخالية ثم نقلها، وأما باطنه فهو السعي للتعرف على أسباب الحوادث، والدوافع إلى فعلها، ومحاولة استخلاص ما يمكن استخلاصه من النتائج، واستبعاد ما يتنافى مع ما كان عليه أحوال الناس من العادات والأعراف، أو يتناقض مع طبائع الأمور.
    جاء في (مقدمة ابن خلدون، ص 9-10) قوله: «إن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الاممُ والاجيال وتُشَدُّ إليه الركائبُ والرحال...إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الاولى... وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليلٌ للكائنات ومبادئها دقيقٌ، وعلمٌ بكيفيات الوقائع وأسبابها عميقٌ، فهو لذلك أصيلٌ في الحكمة عريقٌ، وجديرٌ بأن يُعَدَّ في علومها وخليقٌ».
    وقال في موضع آخر منها (ص 16): «اعلم أن فن التأريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الامم في أخلاقهم، والانبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم. حتى تتم فائدةُ الاقتداء في ذلك - لمن يرومه - في أحوال الدين والدنيا؛ فهو محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة، وحسنُ نظرٍ وتثبتٍ، يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكِّبان به عن الْمَزِلّات والمغالِط؛ لأن الاخبار إذا اعتُمد فيها على مجرد النقل، ولم تُحْكَم أصولُ العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران والاحوال في الاجتماع الانساني، ولا قياس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب؛ فربما لم يؤمَن فيها من العثور، ومَزِلّة القدم، والْحَيَد عن جادة الصدق». ثم ذكر أمثلة لذلك.
    2- الإسرائيليات وكيفية التعامل معها:
    الإسرائيليات: قصص أو حوادث تروى عن مصدر إسرائيلي. (واصطلاحاً): هي كل ما دخل في التفسير والحديث والتاريخ من أساطير قديمة، منسوبة في أصل روايتها إلى مصدر يهودي أو نصراني أو غيرهما. وإنما أطلق لفظ الإسرائيليات على كل ذلك من باب التغليب للون اليهودي على غيره؛ لأن غالب ما يروى عن هذه الخرافات والأباطيل، يرجع في أصله إلى مصدر يهودي.
    التعامل مع الإسرائيليات: إن دين الإسلام دين معرفة واسعة، ولا تقتصر معارفه على ما يدور في فلك المسلمين، وإنما تمتد إلى معارف أمم سابقة، وديانات سابقة، تأخذ منها الحق لتؤيد به حقها، وتلفظ منها الباطل الذي لا يتفق وهديها. قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، الأنبياء: 7]
    وأخرج الإمام أحمد والبخاري والترمذي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا حَرَجَ...».
    والإسرائيليات تنقسم باعتبار مضمونها إلى ثلاثة أقسام: (1) ما يتعلق بالعقائد. (2) ما يتعلق بالأحكام. (3) ما يتعلق بالمواعظ أو الحوادث التي لا تمت إلى العقائد والأحكام بصلة.
    وكل قسم منها تنقسم باعتبار موافقتها لما في شريعتنا ومخالفتها له إلى ثلاثة أقسام: (1) موافق لما في شريعتنا. (2) ومخالف له. (3) ومسكوت عنه، أي: ليس في شريعتنا ما يؤيده، ولا ما يعارضه.
    يقول شيخ الإسلام في (مقدمة في أصول التفسير، ص 100): «الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد، لا للاعتقاد؛ فإنها على ثلاثة أقسام: ما علمنا صحته مما بأيدينا، مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح. والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا، مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به، ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم. وغالبُ ذلك مما لا فائدة فيه، تعود إلى أمر ديني».
    إذاً ما جاء منها موافقاً لما في شرعنا تجوز روايته. وأما ما جاء مخالفاً لما في شرعنا، أو كان مما لا يصدقه العقل، فلا تجوز روايته. وأما ما سكت عنه شرعنا فتجوز روايته للاستئناس، لا للاعتماد.
    مثال على المسكوت عنه: قال الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران: 35]
    قال ابن جرير الطبري: «كان الْمُحَرَّر إذا حُرِّر جُعل في الكنيسة لا يبرحها, يقوم عليها، ويَكْنِسها. (ثم روى عن عكرمة): أن امرأة عمران كانت عجوزاً، عاقراً، تسمى حَنَّة, وكانت لا تلد، فجعلت تغبط النساء لأولادهن, فقالت: اللهم إن علي نذراً – شكراً - إن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس, فيكون من سدنته، وخدامه».
    قال ابن كثير: «امرأة عمران هذه أم مريم بنت عمران - عليها السلام - وهي حَنَّة بنت فاقود. قال محمد بن إسحاق: وكانت امرأة لا تحمل، فرأت يوما طائرًا يَزُقُّ فرخه، فاشتهت الولد، فدعت الله، عز وجل، أن يهبها ولدا، فاستجاب الله دعاءها، فواقعها زوجها، فحملت منه، فلما تحققت الحمل نذرته أن يكون {مُحَرَّرًا} أي: خالصا مفرغاً للعبادة، ولخدمة بيت المقدس».
    وههنا أسئلة: الأول: من أين عرفوا أن اسمها حَنَّة؟ والثاني: من أين عرفوا أن امرأة عمران كانت عجوزاً عاقراً. والثالث: من أين عرفوا سببَ النذر، علماً أن عكرمة ذكر سبباً غير الذي ذكره ابن إسحاق؟ ومثل هذا كثير. أليس مصدر ذلك كله الإسرائيليات؟ وهو مما لا فائدة فيه، تعود إلى أمر ديني، ولا ضرر.
    دور العوائد في فهم القرآن الكريم:
    {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189] نزلت هذه الآية في قوم كانوا لا يدخلون - إذا أحرموا - بيوتَهم من قِبل أبوابها.
    أخرج البخاري عن الْبَرَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – يَقُولُ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا، كَانَتْ الأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا، فَجَاءُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا».
    وروى ابن جرير الطبري عن الزهري: أنهم كانوا يتحرجون من الدخول من الباب، من أجل سقف الباب أن يحول بينهم وبين السماء، ويعدّون فِعْلهم ذلك بِرّاً.
    قال صاحب (الكشاف): «كان ناس من الأنصار إذا أحرموا لم يدخل أحدٌ منهم حائطاً، ولا داراً، ولا فسطاطاً من باب، فإذا كان من أهل المدر نقب نقباً في ظهر بيته، منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلماً يصعد فيه، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء؛ فقيل لهم: {وَلَيْسَ الْبِرُّ} بتحرّجكم من دخول الباب{وَلَكِنَّ الْبِرَّ} برُّ{مَنِ اتَّقَى}ما حرّم الله».
    نفى القرآن الكريم أن يكون هذا العمل من البر في شيء، فهو غير مشروع، بل هو غلوٌّ في أفعال الحج، فالحج وإن اشتمل على أفعال راجعة إلى ترك الزينة عن البدن كترك المخيط، وترك تغطية الرأس، إلا أنه لم يكن الهدف من تشريعه إعنات الناس، بل إظهار التجرد، وترك الترفه.
    إن من لا يعرف هذه العادة لأهل المدينة ولغيرهم من بعض قبائل العرب، لا شك أنه لن يستطيع فهم هذه الآية على الوجه الصحيح، ومثل ذلك عوائد الأمم السابقة التي تحدث عنهم القرآن الكريم، فإن معرفة ذلك أحد الأمور الهامة لفهم آيات الكتاب الكريم على الوجه الأتم. ومن ذلك ما عرف عن اليهود من البغاء الديني (المقدس) إلى جانب البغاء المدني.
    4- عطاء القرآن الكريم المتجدد:
    يرجع العطاء المتجدد للقرآن الكريم إلى مرونة مفرداته وسعتها، فقد جاءت الكلمة القرآنية على فصاحتها عامة، مرنة، مطلقة عن الزمان والمكان، خاصة إذا تعلق الأمر بعرض حقائق الكون، والخلق، والتاريخ، فالكلمة القرآنية مرنة عامة، تجمع بين النسبي والمطلق في آن واحد، وتتسع لمفاهيم مختلفة، هي اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، مفاهيم تتجدد بتجدد المعرفة الإنسانية، لتتكامل، فكلما تطور العلم، واتسعت مدارك الإنسان؛ توسعت معرفته وفهمه لآيات القرآن الكريم . والأمثلة على ذلك كثيرة، وللتوضيح أكتفي بذكر مثالين:
    المثال الأول:
    كلمة (أدنى) وكلمة (الأرض) في قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ}
    قال صاحب (الكشاف): «والأرض: أرض العرب، لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم. والمعنى: غُلبوا في أدنى أرض العرب منهم، وهي أطراف الشام. أو أراد أرضهم (يقصد الروم) على إنابة اللام مناب المضاف إليه، أي : في أدنى أرضهم إلى عدوّهم (يقصد فارس). قال مجاهد: هي أرض الجزيرة (الفراتية)، وهي أدنى أرض الروم إلى فارس. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الأردن وفلسطين».
    وقال ابن الجوزي في (زاد المسير): «أي: أقرب الأرض، أرض الروم إِلى فارس. قال ابن عباس: وهي طرف الشام. وفي اسم هذا المكان ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الجزيرة (الفراتية)، وهي أقرب أرض الروم إِلى فارس، قاله مجاهد. والثاني: أذْرِعات وكَسْكَر، قاله عكرمة. والثالث: الأردنُّ وفلسطين، قاله السدي».
    تعليق وتوضيح: مما سبق تبين أن علماءنا الأجلاء فسروا (أدنى) بأقرب، وفسروا (الأرض) بأرض العرب، ومنهم من فسرها بأرض الروم، وبناء عليه اختلفوا أيضاً في تحديد موقع المعركة ومكانها.
    ونتيجة للمعطيات العلمية توسعت المدارك والأفهام، فتم تفسير (أدنى) بأخفض، وتفسير (الأرض) بمطلق الأرض؛ لأنه ثبت علمياً أن أخفض نقطة في الأرض بالنسبة لسطح البحر هي في غور الأردن – حيث كانت الواقعة – وهي تقابل أعلى نقطة في الأرض التي هي في جبل هيملايا في الهند.
    وبناء عليه يترجح القول: (غُلبوا في أدنى أرض العرب منهم، وهي أطراف الشام). وبذلك تكون الآية قد جمعت بين (النسبي) و(المطلق): النسبي هو أقرب أرض العرب إلى الروم. والمطلق وهو أخفض نقطة في الأرض، وهذا نوع من الإعجاز، أو دليل علمي جديد على صدق النبوة.
    المثال الثاني:
    كلمة (لمن خلفك) في قوله تعالى لفرعون:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 91]
    قال أبو جعفر الطبري: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} يقول: لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون بك، ، فينزجرون عن معصية الله ، والكفر به، والسعي في أرضه بالفساد.
    وقال الزمخشري: {لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً}: لمن وراءك من الناس علامة، وهم بنو إسرائيل، وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأناً من أن يغرق. وروي أنهم قالوا: ما مات فرعون ولا يموت أبداً.
    وقال الحافظ ابن كثير: «قال ابن عباس وغيره من السلف: إن بعض بني إسرائيل شكُّوا في موت فرعون، فأمر الله تعالى البحر أن يلقيه بجسده بلا روح، وعليه درعه المعروفة به على نجوة من الأرض، وهو المكان المرتفع؛ ليتحققوا موته وهلاكه؛ ولهذا قال تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} أي: نرفعك على نَشز من الأرض {بِبَدَنِك} قال مجاهد: بجسدك. وقال الحسن: بجسم لا روح فيه. وقال عبد الله بن شداد: سويا صحيحا، أي: لم يتمزق؛ ليتحققوه ويعرفوه. وقال أبو صخر: بدرعك. وكل هذه الأقوال لا منافاة بينها. والله أعلم. وقوله: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}، أي: لتكون لبني إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك».
    تعليق وتوضيح: نتيجة للمعطيات العلمية الجديدة فقد توسعت المعارف عما كان عليه أولئك الأجلاء من المفسرين، ففي العصر الحديث اكتشف علماء الآثار بوادي الملوك بمصر معبداً، تحت الأرض، يضم أجساد الفراعنة محنطة، ومن بينهم فرعون موسى عليه السلام، أياً كان هو.
    وبناء عليه يترجح تفسير (لِمَنْ خَلْفَكَ) بمعنى: لمن بعدك من الناس، سواء أكانوا الذي عاصروه وعاشوا بعده من المصريين وبني إسرائيل، أم الذين جاؤوا من بعدهم مطلقاً. وهكذا تكون الآية قد جمعت بين النسبي والمطلق، النسبي هم أهل مصر وبنو إسرائيل الذين عاصروا فرعون وقاسوا ظلمه، وعاشوا بعده. والمطلق هم الذين عاصروه، والذين جاؤوا من بعدهم، إلى قيام الساعة. وهذا دليل علمي جديد على صدق النبوة، أو نوع من الإعجاز العلمي.
    وعليه لا تصح بالمطلق مقولة: ما ترك الأول للآخر شيئاً. وعليه على كل من يحمل قاعدة علمية شرعية رصينة أن يخرج من دوامة التقليد، ويستعمل عقله، فقد نعى الله تعالى على أقوام عطلوا ملكة التدبر والتفكير، فقال جل شأنه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]
    عود على بدء
    سبق القول: إن الباحثين قسموا البغاء إلى نوعين: (الأول) البغاء المدني، وهدفه الكسب. (والثاني) البغاء الديني أو المقدس، وهدفه التقرب إلى الإله. وقد ذكرتُ من أقوالهم ما يدل على وجود هذين النوعين من البغاء، وعلى انتشارهما في معظم المجتمعات القديمة، ومنها المجتمع اليهودي. وأن كلا النوعين كانا يمارسان في العلن أصلاً، قبل السر، كما يدل على ذلك نصوص الباحثين.
    وقلتُ عن البغاء المدني: اصطلح الباحثون على تسمية هذا النوع من البغاء بالبغاء المدني، تمييزاً له عن البغاء الديني أو البغاء المقدس (ولم استعمل البغاء العلني بتاتاً) لأن كليهما كانا يمارَسان في العلن قبل السر. أما قول هوشع ففيه من التناقضات ما لا يخفى على متأمل، وإنما أخذت من قوله ما يدل على إثباته للبغاء الديني على قومه. وتفسيري لبعض قوله لا يعني – بحال - أني أتبنى وجهة نظره.
    تفسير (البغيّ):
    قال الله تعالى:{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم: 20]
    البغيُّ: الفاجرة التي تبغي الرجال (الكشاف للزمخشري)، أي: تطلبهم.
    البغيُّ: مَنْ دأبها الفجور. (انظر نظم الدرر للبقاعي)
    أخرج الشيخان وأصحاب السنن - واللفظ للبخاري - عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ».
    قال ابن حجر في [الفتح، كتب البيوع، باب ثمن الكلب 4/497]: «مهر البغي: وهو ما تأخذه الزانية على الزنا؛ سماه مهراً، مجازاً». ومن هذه المعاني صغت تعريف البغاء، فقلت:
    البغاء: ممارسةُ المرأة الزنا لقاءَ أجر، بدافع الكسب. أما إذا كان بغير أجر، وبدافع الشهوة؛ فهو الزنا، ومن قبيل الزنا ما سعتْ إليه امرأة العزيز {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23} ومنه ما جاء في حديث الظل: «وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ».
    والسؤال: ما المراد بالبغي في قولها:{وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}؟ هل هو البغاء المدني، أم هو البغاء الديني، أم هما معاً؟ وهل النفي يتجه إلى وقت دون وقت، أم إلى كل الأوقات؟
    الجواب: نفتْ مريم البتول – عليها السلام - عن نفسها البغاء بنوعيه، ماضياً وحاضراً، لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، أي: ما كنت بغيّاً فيما مضى فكيف أكون بغيّاً فيما يستقبل؟!
    أما قولهم لها:{قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28] فهو تقرير لكون ما جاءت به فريّاً، أي: ما كان أبوك ولا أمك أهلاً لهذه الْفَعْلة - حتى نقول نزعك عرق - فكيف جئتِ أنت بها؟!
    واليهود قوم بهت اتهموا مريم الصِّدِّيقة – عليها السلام - بالبغاء، لا بالزنا. (والزنا): اسم للاتصال الجنسي غير المشروع بين رجل وامرأة بهدف التمتع. وسببه ضعف النفس، والحب العارم، وغلبة الشهوة. وهو أعم من البغاء بنوعيه، فالبغاء المدني هدفه التكسب، بينما البغاء المقدس هدفه التقرب إلى الإله أو الإلهة.
    وعدول القرآن عن كلمة (الزنا) إلى كلمة (البغيّ) لم يكن عبثاً، والبغيّ صفة خاصة بالمرأة كالحامل والحائض، لذلك جاءت الكلمة مجردة من (تاء التأنيث) في الموضعين، بينما (الزنا) وصف يوصف به المرأة والرجل على حد سواء، وفي سورة النور: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي...}
    لذلك يراد بالبغيّ في الآية (28) أحد النوعين، لا النوعين معاً، بخلاف الآية (20)؛ لاختلاف السياق، والقائل، والصيغة، فالصيغة في الآية (20) نفي مطلق، وفي الآية 28) إثبات وتهمة. والذي ترجح لدي أن المراد هو البغاء الديني؛ لقرائن: (الأولى) أن اللغة تحتمل هذا وذاك؛ فلم نعطل اللغة.
    (والثانية) وجود هذا النوع من البغاء بين بني إسرائيل إلى جانب البغاء المدني، إلى جابب الزنا، إلى جانب أناس يعيشون حياة الطهر والعفاف، كأسرة زكريا وأسرة مريم عليهم الصلاة والسلام.
    (والثالثة) أن مريم – عليها السلام – كانت تقيم في المعبد (المحراب) وكان البغاء الديني يمارس في المعابد وفي أرباض المعابد، كما أثبت ذلك الباحثون ومؤلفو (الكتاب المقدس). وهذه قرينة قوية.
    (والرابعة): أن البغاء الديني يكفي أن يمارس ولو مرة واحدة، في بعض الأحيان، لحصول المطلوب، أي: القربة، بخلاف البغاء المدني الذي يتخذ حرفة، ويمارس مرة بعد مرة.
    أما عدم تعرض علماؤنا الأجلاء من المفسرين والمؤرخين – رحمهم الله تعالى – لذكر البغاء الديني نفياً أو إثباتاً؛ فالراجح – حسب اطلاعي على الأقل – أنهم ما كانوا يعرفون هذا النوع من البغاء. وعدم العلم بالشيء ليس دليلاً على عدم وجوده. وربما عرفوا ولكنهم لم يفرقوا بين النوعين، وإن كنتُ استبعد هذا الاحتمال؛ لأنني لم أعثر ولو على إشارة منهم إلى هذا المعنى الديني للبغاء.
    وسواء أَحَملنا البغاءَ على هذا النوع أو ذاك، فهو مما لا ضرر فيه على أمر ديني؛ فهو ليس من العقائد التي لا تثبت إلا بدليل قطعي من الكتاب والسنة، ولا من الأحكام الشرعية، بل من الحوادث التي لا تمت إلى العقائد والأحكام بصلة. ومن نظر في كتب التفسير يجد من ذلك الكثير والكثير.
    هذا ما وفقني الله تعالى إلى بيانه وتوضيحه، ولكل مجتهد نصيب. والله أعلم.
    وشكراً للأخت الفاضلة، الكريمة، أم معاذة، التي كانت أسئلتُها ونقاشُها سبباً ودافعاً لي إلى كتابة هذا التعقيب الذي أرجو أن ينتفع به.
    {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]
    ابن الجزيرة الفراتية

  10. #10

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الخلود مشاهدة المشاركة
    والذي ترجح لدي أن المراد هو البغاء الديني
    يكفيني هذا التوضيح منك، وإن كنت قد فهمته من جوابك الأول،وأرجو أن تعذر جهلي لكلام الضفادع، شكرا.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الخلود مشاهدة المشاركة
    وشكراً للأخت الفاضلة، الكريمة، أم معاذة، التي كانت أسئلتُها ونقاشُها سبباً ودافعاً لي إلى كتابة هذا التعقيب الذي أرجو أن ينتفع به.
    العفو.
    سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىَ الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    أخيتي، أم معاذة
    وفقني الله وإياك للخير، وطهر قلوبنا...
    المقصود من البيتين عبارة: (في فمي ماء) وهو أشبه بمثل
    وقد عبرت به عن نفسي، فقد يكون المرء في موضع لا يستطيع أن يتكلم بكل مايعرف.
    والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين

  12. #12

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الخلود مشاهدة المشاركة
    أخيتي، أم معاذة
    وفقني الله وإياك للخير، وطهر قلوبنا...
    المقصود من البيتين عبارة: (في فمي ماء) وهو أشبه بمثل
    وقد عبرت به عن نفسي، فقد يكون المرء في موضع لا يستطيع أن يتكلم بكل مايعرف.
    والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
    هذا كلام له خبـئٌ معناه ليست لنا عقولُ
    كل تلك التلميحات وبعد ذلك تقول أنك تقصد كذا وكذا !!
    وبعد كل الذي زبرته فوق تقول "فقد يكون المرء في موضع لا يستطيع أن يتكلم بكل مايعرف"!
    عموما ما كنت أنتظر ردك الطويل العريض ذاك ، لأني وكما أسلفت قد فهمت أن كلامك في الآية إنما هو من كيسك ومن كيس الكتب المقدسة والمؤرخين،كما فهمت أنك عرفت ما غاب عن العلماء المسلمين وأصحاب التفاسير، وقد أخبرتك أني ما كنت لألتفت لما تسميه بالجزئية ـ التي أردت توضيحها بكل تلك القواعد ـ لولا استدلالك بالآية على ما ذهبت إليه، وإشكالي حول قول مريم بالمعنى الذي ذكرته أنت، في محله، وللأسف لم أجد في كلامك ما يفنده ، ربما لأني أجهل لغة أقوام! وليت صدورنا تتسع قليلا لنقاش ما نكتب وننقل، فهذا منتدى، فيه من يفهم لأول وهلة وفيه العكس ، وفيه من يقتنع بكل ما يُكتب وفيه العكس،وفيه من يمر مرور الكرام وفيه العكس،وفيه الحكماء الذين يفهمون كلام الضفادع وفيه العكس.
    والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
    سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىَ الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [148: النساء]

    ومع ذلك لن استعمل حقي كاملاً في الرد؛ لما روى الشيخان وغيرهما عن أنس بن مالك – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: «يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ ».
    أولاً- قالت أم معاذة: (هذا كلام له خبـئٌ *** معناه ليست لنا عقولُ)
    لا أطعن في عقل أحد، لكني مؤمن بتفاوت العقول في الإدراك؛ لوجود مواطنَ يتسرب الخلل منها إلى الفهم أو العقل البشري، فيرى الأمور على غير حقيقتها، من هذه المواطن: النظر إلى الحدث مفصولاً عن سياقه التاريخي. والنظر في النص مفصولاً عن سياقه: سابقه ولاحقه. والنظر في الجزئيات خارج إطار الكليات. والحكم على الأشياء من خلال أفكار مسبّقة. والنظر إلى الأمر من زاوية وإهمال بقية الزوايا، أو النظر فيه من خلال علم دون بقية العلوم إذا أمكن ذلك، إلى غير ذلك من المواطن. لهذه الأسباب وغيرها تتفاوت الأفهام والعقول، شاهد ذلك قوله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]
    ثانياً- إن انزعاجك من نقيق الضفادع لا أعلم له مسوغاً، إلا أن تعاني من حالة نفسية تجاهها، وسأزيد الأمر إيضاحاً، ربما يذهب عنك ما تجدين، يقولون: «إن الضفدع لا يصوت، ولا يتهيأ له ذلك حتى يكون في فيه ماء، وإذا أراد ذلك أدخل فكه الأسفل في الماء وترك الأعلى حتى يبلغ الماء نصفه». بخلاف الإنسان فإنه لا يستطيع أن يتكلم إذا كان في فمه ماء؛ لذلك يقال لمن كان قليل الكلام، كثير الصمت، أو لا يستطيع التحدث بكل ما عنده، (في فمي ماء)، فلو سُئل أحدٌ - وهو في جماعة - فأجاب: (في فمي ماء) يفهم السامعون فوراً أنه لا يستطيع البوح بما عنده في هذا المجلس.
    ثالثاً- سألتِ في أول رد لك: كيف عرفت أن إتهام بني إسرائيل لمريم عليها السلام كان بهذا النوع من البغاء؟ (أي: بالبغاء الديني).
    فأجبت عنه، وذكرت من أقوال المؤرخين ومن أقوال كُتَّاب (الكتاب المقدس)، ما يثبت ذلك عليهم، عند هذا قلت: يؤكد هذا ما ألمح إليه القرآن الكريم في قصة مريم الصِّدِّيقة... (وأن قومها) اتهموها بهذا النوع من البغاء، تعريضاً {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}
    وأضيف هنا فأقول: ثبت بكتاب الله الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] أن اتهام القوم لمريم الصديقة كان (بالبغاء) ولم يكن (بالزنا). وعرفتُ من التاريخ أن هناك نوعين من (البغاء) وأن البغاء المنفي في الآية الكريمة: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} والآية الكريمة: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} فمدلولهما واحد، وهو نفي البغاء بنوعيه، والحديث عندي كان موجهاً لنوع البغاء الذي اتهموا به مريم الصديقة، والذي ترجح لدي أنه كان بالبغاء الديني، بقرينة {قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} وقد شرح المفسرون كلمة (فَرِيًّا) بمعنى: منكراً، فظيعاً، بشعاً، وهذه الأوصاف أولى بالبغاء الديني منه بالبغاء المدني، إضافة إلى القرائن الأخرى التي ذكرتها فيما سبق.
    رابعاً- في ردك قبل الأخير شكرت، وطلبت العفو، فعفوتُ، بل زيادة على ذلك أنصفتك من نفسي فاعتذرتُ ببيان المقصود من الأرجوزة، وأنه ليس فيها شيء فيه إيذاء لأحد أو تعريض بأحد.
    فما الذي جرى لك حتى قلت في ردك الأخير كلاماً ليس له علاقة بالحوار، بل كان هجوماً سافراً، جارحاً، صادراً عن صدر امتلأ حنقاً، وعن نفس كأنها مصابة بمرض التضخم والعناد.
    1- قلت: (ردك الطويل العريض).
    تعليق: هذا وصف يحمل معنى التهكم، وإن كان ينم عن شيء فهو ينم عن غيظ، استحكم فتله. ما الذي أزعجك من هذا الرد، سواء كام طويلاً عريضاً أم قصيراً ضيقاً؟ أليس في فضاء النت متسع له؟ ثم لم يكن الرد موجهاً إليك، وإن كانت مادته حول محور المشاركة الأصلية، بل خاطبت به القراء - وإن كنت منهم بهذا الاعتبار - وقد ذكرت ذلك؛ لذلك جعلت له عنواناً خاصاً، وذكرت في الختام أن الأسئلة التي طرحتِها كانت الدافع لي إلى كتابة هذا التعقيب. فإن انتفع به أحد عاد الفضل إليك أولاً. {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: 154، القلم: 36]
    2- قلت: (فهمتُ أن كلامك في الآية إنما هو من كيسك... وقلت: لولا استدلالك بالآية...)
    تعليق: لم استدل بالآية على ما ذهبتُ عليه، بل استعنتُ بالتاريخ، واللغة، وقرائن الأحوال على فهم الآية، فالتاريخ أثبت هذا النوع من البغاء، ولغة القرآن تحتمله، وقلتُ: إن عدول القرآن الكريم عن كلمة (الزنا) إلى كلمة (البغيّ) لم يكن عبثاً؛ إذاً لم أقل ذلك من (كيسي)كما تزعمين في تهكم. وفي الوقت نفسه لستُ من صنف الآبائيين الذين يقولون: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [المائدة: 104]
    ولو حذفنا ما أخرجه المفسرون من (كيسهم) لا يبقى من تفاسيرهم إلا القليل. فليس كل شيء في القرآن والسنة، بل لا بد من الرجوع إلى الكيس أحياناً بشروط، فهذا عمر بن الخطاب يأمر أبا موسى الأشعري – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أن يرجع إلى كيسه في بعض الأحيان، ليس في مثل هذه القضايا التي لا يتعلق بها أمر ديني، بل للحكم بين الناس، فيقول: «الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك، مما ليس فيه قرآن ولا سنة، واعرف الأشباه والأمثال، ثم قس الأمور عند ذلك، ثم اعمد لأحبّهم إلى اللّه، وأشبههم بالحق، فيما ترى».
    إن القضية كانت واضحةً لدي من البداية وحتى كتابة هذه الكلمات، وفي كل رد أو تعقيب كنت أزيد الأمر إيضاحاً. أما أنت فلم تكن القضية واضحة لديك؛ لأنك – كما يبدو لي – بحاجة دائمة إلى من يفكر عنك؛ لذلك لا يحوي كيسك شيئاً، أي: لا تدرين ما الذي تريدين إثباته؟ ولا الذي تريدين نفيه؟ ففي ردودك تناقضات: مرة تقولين: تقصد البغاء الديني. ومرة تقولين: تقصد البغاء المأجور، وأخرى تقولين: تقصد البغاء العلني. ومن السهولة بمكان الرد على ردودك بردودك.
    3- قلت في استنكار: (فهمت أنك عرفت ما غاب عن العلماء المسلمين وأصحاب التفاسير).
    تعليق: ما العيب أو الخطأ أن أعرف من بعض قضايا التاريخ أو العلوم الكونية، أي: فيما ليس له تعلق بقضايا الإيمان والأحكام، مما لم يعرفه السابقون؟ فالعلم في تطور مستمر، فقد يعرف المرء اليوم ما كان غائباً عنه بالأمس، فكيف الحال إذا كان يفصل بيننا وبين أولئك الكرام أجيال وقرون، وقد عرف الإنسان اليوم من أسرار الكون والتاريخ ما لم يخطر على بالنا، بله بالهم؟! أخرج الإمام مسلم عن أنس – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال لأصحابه، في إحدى المناسبات، في أمر من هذا القبيل: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ».
    4- قلت في تعجب واستعلاء: (ربما لأني أجهل لغة أقوام!).
    تعليق: كونك تجهلين لغة أقوام هذه مشكلة خاصة بك، وثانياً: جوابي على هذه العنصرية والاستعلاء ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ. مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ. وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ. لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ».
    وما أخرجه الإمام أحمد والإمام مسلم عن أبي مالك الأشعري - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ، لَا يَتْرُكُونَهُنّ َ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَا ءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ».
    ومع ذلك أقول، وبلا فخر: إني من قوم كانوا حَمَلَةَ راياتِ (ذي قار)، وكان منهم الصحابي الجليل المثنى بن حارثة أول قائد حارب الفرس، في عقر دارها (جمهرة أنساب العرب، ص 325) وهو الذي أطمع أبا بكر والمسلمين في الفرس، وهوَّن أمر الفرس عندهم (أسد الغابة 4/55) وكان منهم الإمام الجليل أحمد بن حنبل الشيباني. ولا فخر. لا – والله - لن أنتسب إلى غير آبائي وقومي.
    5- قلت بعد تلك السموم: (ليت صدورنا تتسع قليلاً لنقاش ما نكتب وننقل).
    لا أدري كيف تتمنين هذا التمني بعد كل الذي قلته؟! لكن يبدو لي أن هذه النصيحة للتصدير لا للاستهلاك المحلي. ولا أعترض على المبدأ، لكن لا ينقضي عجبي من التناقض بين ما تقولين وما تتمنين! {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]. وبهذه المناسبة أتمنى أن تعودي إلى العمل بهذا المبدأ؛ لأن «مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل». كما قال الفاروق، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
    وأخيراً: لا بد أن أشير إلى أمرين، أحدهما يتولد من الآخر: (الأول) أن يكون هدف الحوار هو الوصول إلى الحق، وليس الانتصار للنفس، الذي من علاماته الإصرار والعناد، والإعراض عن الدليل، أي: لا نكون كما يقول المثل: (عنزة ولو طارت). والأمر الثاني: إذا تطور الحوار إلى جدل ومراء عندئذ يخضع المرء لهوى النفس ووساوس الشيطان، فيتحول الحوار إلى نزاع وخصومة، وبعدها لن يستجيب أحد لصوت الدليل. وهنا يجب الوقوف عن الاستمرار.
    أخرج أصحاب السنن عن أبي أمامة وأنس بن مالك – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ (وفي رواية: فِي وَسَطِهَا) لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا».
    بلغ اليراع إلى هنا وتكسر، فقد قررتُ إيقاف الحوار في هذا الأمر، ما لم يكن اضطرار، بعد أن خرج عن مساره؛ سداً للطريق على الشيطان ووساوسه، وعلى النفس الأمارة بالسوء وتسولاتها.

    والله نسأل أن يلهمنا رشدنا، وأن يهدينا سواء السبيل.

  14. #14

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ما كنت أود الرد عليك لأنك لم تأت بجديد يذكر حول الموضوع،وكذلك لكون النقاش خرج عن مساره، وأذكرك بأنك أول من بدأ بالتعريض، فإن أبيت إلا الإنكار فهذا شأنك ولكنك لن تقنعني بغير هذا مهما بررت واحتججت،وأنا لا أعرفك حتى أحنق عليك،ولقد استوقفني تفسيرك الغريب العجيب لعبارتي السابقة !
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الخلود مشاهدة المشاركة
    4- قلت في تعجب واستعلاء: (ربما لأني أجهل لغة أقوام!).
    تعليق: كونك تجهلين لغة أقوام هذه مشكلة خاصة بك، وثانياً: جوابي على هذه العنصرية والاستعلاء ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ. مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ. وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ. لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ».
    وما أخرجه الإمام أحمد والإمام مسلم عن أبي مالك الأشعري - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ، لَا يَتْرُكُونَهُنّ َ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَا ءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ».
    ومع ذلك أقول، وبلا فخر: إني من قوم كانوا حَمَلَةَ راياتِ (ذي قار)، وكان منهم الصحابي الجليل المثنى بن حارثة أول قائد حارب الفرس، في عقر دارها (جمهرة أنساب العرب، ص 325) وهو الذي أطمع أبا بكر والمسلمين في الفرس، وهوَّن أمر الفرس عندهم (أسد الغابة 4/55) وكان منهم الإمام الجليل أحمد بن حنبل الشيباني. ولا فخر. لا – والله - لن أنتسب إلى غير آبائي وقومي.
    الله المستعان،ما هذا الكلام؟! وكيف فهمت من عبارتي تلك أني أقصد ما كتبته هنا؟! وما أدراني أصلا بحسبك ونسبك حتى أتعالى عليك وأتكبر ؟!
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الخلود مشاهدة المشاركة
    بلغ اليراع إلى هنا وتكسر، فقد قررتُ إيقاف الحوار في هذا الأمر، ما لم يكن اضطرار، بعد أن خرج عن مساره؛ سداً للطريق على الشيطان ووساوسه، وعلى النفس الأمارة بالسوء وتسولاتها.
    والله نسأل أن يلهمنا رشدنا، وأن يهدينا سواء السبيل.
    أحسنت وخيرا فعلت ، وأنا بدوري سأفعل نفس الشيء.
    والله نسأل أن يلهمنا رشدنا، وأن يهدينا سواء السبيل.
    سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىَ الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    102

    افتراضي رد: البِغاءُ والبِغاءُ الْمُقَدَّسُ

    السؤال الذي فهمته من الأخت أم معاذة هنا و هو سؤال وجيه:
    إذا كان البغاء المقدس عند بني إسرائيل كان قربة إلى الله فكيف يتهمون مريم عليها السلام بأمر هم يعتبرونه فضيلة و ليس تهمة؟
    الاتهام لابد أن يكون لشئ محرم أو مذموم
    ففي هذا التفسير تناقض

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •