تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 56

الموضوع: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

  1. افتراضي نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ، وبعد :
    فهذا بحثٌ مختصر متواضع ، بيَّنتُ فيه مذهب ابن تيمية في الحقيقة والمجاز ، ثم ناقشتهُ وبيَّنتُ الذي أعتقد أنَّه الصواب والذي عليه جمهور الأئمة سلفًا وخلفًا ، وليتنبَّه القارئ الكريم على أنَّ هذه المسألة ليست مِن أصول الدين ولا يترتب على المخالفة فيها قدحٌ في الدين أو العدالة ، فلهذا ناقشتُ الإمامَ ابن تيمية مع الاحتفاظ بمكانته وجاهه ، والله المستعان وعليه التكلان وهو حسبي ونعم الوكيل .

    -(())-

    فصلٌ : مقدمةٌ في معنى الحقيقة والمجاز عند أهلِ اللغة :
    الحقيقةُ كما عرَّفها الجرجاني بقوله : ( كلُّ كلمةٍ أُريدَ بها ما وقعَت له في وضعِ واضعٍ – وإن شئتَ قلتَ : في مواضعةٍ – وقوعًا لا تَستَنِدُ فيهِ إلى غيرِهِ فهي حقيقةٌ ) أهـ . انظر كتاب "أسرار البلاغة" للجرجاني (ص350) .
    والمجاز : ( كل كلمةٍ أُريدَ بها غيرُ ما وقعَت له في وضع واضعها ، لملاحظةٍ بينَ الثاني والأوَّل فهي مجاز ) أيضًا انظر "أسرار البلاغة" للجرجاني (ص351) .
    أمَّا حقيقةُ المجاز وسببُ تسميتِهِ ، فقد قالَ الجرجاني : ( "المجازُ" مَفعلٌ مِن جازَ الشيءُ يَجوزُهُ ، إذا تعدَّاهُ . وإذا عُدِلَ باللفظِ عمَّا يُوجِبُهُ أصل اللغة ، وصِفَ بأنَّهُ مجاز ، على معنى أنَّهم جازوا بهِ موضعهُ الأصلي ، أو جازَ هو مكانه الذي وُضِعَ فيه أولاً ) أهـ . انظر كذلك "أسرار البلاغة" للجرجاني (ص395) .
    والمجاز ينقسِمُ إلى أقسامٍ كثيرة أطال فيها أهل اللغة ، وقد آثرتُ الاختصار في ذكرها ، مراعاةً لأصل هذا البحث ، فأقول وبالله التوفيق :
    * فمِن أقسامِ المجاز :
    (1) الاستعارة : وهي استعمالُ الكلمةِ مكان الكلمة الأصلية ، فيكونُ كالعاريَّة ، نحو قول العرب للمطرِ : سماءٌ ، لأنَّهُ مِن السماء يَنزِلُ ، قال الشاعر :
    إذا سقَطَ السماءُ بأرضِ قومٍ *** رعيناهُ وإن كانوا غِضَابًا
    (2) المقلوب : القلبُ هو وصفُ الشيء بضدِّ صفتهِ ، لأسبابٍ منها : التطير والتفاؤل ، أو للمبالغةِ في الوصف ، أو للاستهزاء ..
    مثالُ التطير والتفاؤل : قولهم للَّديغِ : "سليمٌ" تطيُّرًا مِن السُّقم وتفاؤلاً بالسلامَة .
    ومثالُ المبالغةِ في الوصف : قولهم للغراب : "أعور" لحدَّة بصرهِ .
    ومثالُ الاستهزاء : قولهم للحبشي : "أبو البيضاء" . ومِن هذا قولُ قوم شعيب : { إنَّك لأنتَ الحليمُ الرَّشيد } ، كما تقولُ للرجل تستجهلهُ : يا عاقل ، وتستخِفُّهُ : يا حليم .
    (3) الحذفُ والاختصار : منهُ أن تحذفَ المُضافَ وتُقيمَ المُضافَ إليهِ مقامَهُ وتجعَل الفِعلَ لهُ ، كقولهِ تعالى : { وسئل القريةَ التي كُنَّا فيها } أي : سل أهلها . ومثل قوله تعالى : { بل مَكرُ الليلِ والنهار } أي : مَكركم في الليل والنهار .
    ومنهُ أن تُوقِعَ الفِعلَ على شيئينِ وهوَ لأحدِهِمَا ، وتضمر للآخرِ فِعلَهُ ، مثلهُ قوله تعالى : { فأجمِعُوا أمركم وشركاءكم } أي : وادعوا شركائكم .
    ومِنهُ أن يأتيَ بالكلامِ مَبنيًّا على أنَّ له جوابًا ، فيُحذَفُ الجوابُ اختصارًا لعِلمِ المُخاطَب به ، كقوله سبحانهُ : { ولولا فضلُ الله عليكم ورحمتهُ وأنَّ الله رءوفٌ رحيم } أرادَ : لعذَّبَكُم فحُذِفَ .
    الخلاصة : أنَّ كلَّ هذهِ مِن أقسامِ المجاز وأنواعِه ، وهناك أيضًا غيرها ، ولكنني اقتصرتُ على المذكور مخافَةَ السآمَة ، علمًا بأنَّني اختصرتها مِن كتاب "تأويل مُشكِل القرآن" لابن قتيبة رحمه الله ، فقد قال في بداية الكتاب : ( وللعربِ المجازاتُ في الكلام ، ومعناها : طُرُقُ القولِ ومآخِذُهُ ، ففيها : الاستعارةُ ، والتمثيلُ ، والقلبُ ، والتقديمُ ، والتأخيرُ ، والحذفُ ، والتكرارُ ، والإخفاءُ ، والإظهار ، والتعريض ، والإفصاح ، والكناية ، والإيضاح ، ومخاطبةُ الواحِد مُخاطبة الجميع ، والجميعُ خطاب الواحد ، والواحِد والجميع خطاب الاثنين ، والقصدُ بلفظ الخصوص لمعنى العموم ، وبلفظ العموم لمعنى الخصوص ، مع أشياء كثيرة ، ستراها في أبواب المجاز إن شاء الله تعالى ... ) انظر "إعراب مُشكِل القرآن" لابن قتيبة (ص22) .

    -(())-

    فصلٌ : مناقشةُ مذهب ابن تيميَّة في الحقيقةِ والمَجاز :
    لأنَّ الكلامَ يطولُ في هذا الباب ، ولأنَّ البعض قد يضيعُ في أثناء المناقشةِ ، فيُنشئُ كلامًا عنَّا لم نقلهُ ، أو يتأوَّلُ مِن كلامِ ابن تيمية أمورًا لم يُردها ، قرَّرتُ أن أُقسِّمَ هذه المناقشة إلى ثلاثة أقسام ، حتى يسهل على القارئ متابعةُ الردود :

    (1) القسمُ الأول : بطلان قول ابن تيمية بحادِثيَّة التقسيم بعد القرون الثلاثة الأولى : بعد الاستقراء في كلام ابن تيمية أقول مُجازفَةً : إنَّ ابن تيمية قد أخطأ في دعواه بأنَّ المجازَ اصطلاحٌ حادثٌ بعد انقضاء القرون الثلاثة الأولى ، فتقسيم اللفظ إلى حقيقةٍ ومجاز قد وُجِدَ في القرنِ الثالث الهجري ، ولهذا فقد تكلَّم الإمامُ ابن تيمية في هذه المسألة بغير علم .
    قال رحمه الله : ( فإنَّ تقسيمَ الألفاظ إلى حقيقةٍ ومجاز إنَّما اشتهرَ في المئة الرابعة ، وظهرت أوائلهُ في المئة الثالثة ، وما علمتهُ موجودًا في المئة الثانية اللهم إلاَّ أن يكون في أواخرها ... ) انظر كتاب الإيمان (ص75) وانظر كذلك مجموع الفتاوى (7/89) .
    قلتُ : وهذا يُناقِض كلامه الثاني ، حيث قال رحمه الله : ( وبكل حالٍ فهذا التقسيمُ هو اصطلاحٌ حادثٌ بعدَ انقضاء القرون الثلاثة ، لم يتكلَّم به أحدٌ مِن الصحابة ولا التابعين لهم بإحسانٍ ، ولا أحدٌ مِن الأئمة المشهورين في العِلم ، كمالكٍ والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي ، بل ولا تكلَّم به أئمة اللغة والنحو كالخليل وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء ونحوهم ) أهـ . انظر كتاب الإيمان لابن تيمية ص73 ، وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/88) .
    قلتُ : انظر إلى قوله (حادثٌ بعدَ انقضاء القرون الثلاثة ) ، فهذا القولُ غيرُ مسلَّمٍ به ، فإنَّ التقسيمَ واردٌ في القرنِ الثالث ، والأئمةُ مِن القرنِ الثالث قد ذكروا المجازَ الذي هوَ قسيمُ الحقيقة ، وليتَهُ التزَمَ بقوله الأول ولم يُناقِض ، وأنا أنقلُ ما وسعني نقلهُ عن أشهرهم معَ قلة مصادري في هذا الجانب ، ولو بَحَثَ المُتخصِّص في هذه المسألة لوجد المزيد :
    (1) قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيرِهِ لقولهِ تعالى : { ألم تروا كيفَ خلَقَ اللهُ سبعَ سمواتٍ طباقًا * وجَعَلَ القَمَرَ فيهِنَّ نُورًا وَجعَلَ الشمسَ فيهِنَّ سِراجًا } ، قال رحمه الله : ( وكان بعض أهل العربيَّة مِن أهل البصرة يقول : إنَّما قيلَ : { وَجَعَلَ القمَرَ فيهنَّ نورًا } على المجاز ، كما يُقالُ : أتيتُ بني تميمٍ وإنَّما أتى بَعضَهُم . { واللهُ أنبتكم مِن الأرضِ نباتًا } يقول : والله أنشأكم مِن ترابِ الأرض ... ) هكذا نص ابن جرير .
    قلتُ : فهذا ابن جريرٍ الطبري المتوفى سنة 310هـ ، قد عاش في القرن الثالث الهجري وتوفي في أوائل القرن الرابع الهجري ، وقد نَقَلَ عن أهل اللُّغة في عَصرهِ وقوعَ المجاز الذي هوَ قسيمُ الحقيقة ، ومعروفٌ عن الإمام ابن جرير رحمه الله أنهُ كان عالمًا باللغة والنحو والقراءات ، فهو حجة في هذا .
    (2) وقال الإمامُ ابن قتيبةَ رحمه الله في كتابه "تأويل مشكل القرآن" : ( بابُ القول في المجاز ) ، ثم استطرد في هذا الباب ، حتى قال ( وقد تبيَّن لمن قد عرف اللغة أنَّ القولَ يقعُ فيه المجاز ، فيُقال : قال الحائطُ فمالَ ، وقُل برأسكَ إليَّ ، أي : أمِلهُ ، وقالت الناقة ، وقال البعير .
    ولا يُقالُ في مثل هذا المعنى : تكلَّمَ ، ولا يُعقَلُ الكلامُ إلاَّ بالنطق بعينِهِ ... ) انظر كتاب "تأويل مُشكل القرآن" (ص69- 73) .
    قلتُ : فهذا ابن قتيبة رحمهُ الله إمامٌ مِن أئمة اللغة وعالمٌ مِن علماء السلف ، عاشَ في القرن الثالث وتوفي فيهِ ، سنة 276هـ ، قد تكلَّم عن المجاز الذي هوَ قسيمُ الحقيقة ، بل وصفَ في كتابهِ مَن يُنكر المجاز في اللغة بأنَّهم جُهَّال ، ولمن أرادَ التوسع في ذلك فليقرأ كتابهُ ، فقد فصَّل رحمه الله في المجاز وذكرَ أنواعهُ .
    (3) وقال الإمامُ النحويُّ أبو العباس محمد بن يزيد المعروفُ "بالمُبرِّد" ، في كتابهِ "الكاملُ في اللغةِ والأدب" : ( ونذكُرُ آياتٍ مِن القرآن ربما غلَطَ في مجازِهَا النحويون ، قال الله عز وجل : { إنَّما ذلكم الشطيان يخوف أولياءه } . مجازُ الآية إنَّ المفعول الأوَّل محذوف، ومعناهُ : يخوفكم مِن أولياءه . وفي القرآن : { فمَن شهِدَ مِنكم الشهرَ فليصمهُ } ، والشهرُ لا يغيبُ عنهُ أحد ، ومجازُ الآية : فمن كانَ مِنكم شاهدًا بلدهُ في الشهر فليصمهُ ، والتقدير : فمن شهِدَ منكم أي فمن كان شاهدًا في شهر رمضان فليصمهُ ، نَصْبَ الظروف لا نَصْبَ المفعول بهِ . وفي القرآنِ في مخاطبةِ فرعون : { فاليومَ ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية } ، فليسَ معنى نُنجِّيكَ نُخلِّصكَ ، ولكن نُلقيكَ على نجوةٍ مِن الأرضِ ببدنكَ ، بدرعكَ ، يدل على ذلك لتكون لمَن خلفَكَ آية ... ) كتاب "الكامل في اللغة والأدب" للمُبرِّد (ص393) .
    قلتُ : وهذا أيضًا الإمامُ المُبرِّد الذي عاش في القرن الثالث وتوفي فيهِ ، سنة 285هـ ، ذكرَ المجاز الذي هو قسيمُ الحقيقة ، وكلامهُ واضحٌ جدًا .
    وبهذا يتبيَّن لنا أنَّ الإمام ابن تيمية قد أخطأ في هذا أو لنقل تناقَضَ ، وإن سُلِّمَ له ما قالهُ ، فإنَّهُ تقسيمٌ صحيحٌ لازمٌ لكلِّ أحدٍ لأنَّهُ واقعٌ في اللغة لا مفرَّ منهُ ، فهو تقسيمٌ واصطلاحٌ في فنِّ البلاغة والأدب ، وأهلُ اللغةِ أدرى بفنِّهم ، ولا علاقَةَ لهذا التقسيم أو الاصطلاح بمسألة الأسماء والصفات أو الإيمان .
    ولكنَّ إنكار ابن تيمية لهذا التقسيم والاصطلاح إنَّما هوَ ردَّة فعلٍ سلبيَّة منهُ ، جاءت بسبب تسلط المُعطلة والجهمية في زمانه ، فنتجَ عن ذلك إنكارهُ هذا التقسيم ، وقد كان عليه أن يردَّ عليهم كما ردَّ عليهم الأئمة قبلهُ ، لا أن يُنكر المجاز في اللغة .
    والخلافُ في هذا لا يُقدِّمُ ولا يؤخر ، فالمجازُ واقعٌ في اللغة باتفاق أهل اللغة ، حادثٌ ذلك الاصطلاح أم قديم .
    ولكنني لما اطلعتُ على آراء ابن تيمية وتتبَّعتُ مذهبهُ ، وجدتُهُ لا يُنكر حادثيَّةَ المجازِ فحسب ، بل يُنكرُ حَقيقتَهُ ووجودهُ في اللغة أيضًا ، وهذهِ مِن سقطاتهِ رحمه الله .

    (2) القسمُ الثاني : إنكارُ ابن تيمية المجازَ بمعناهُ : ومِمَّا يؤيِّدُ الذي ذكرتُ لك ، وهوَ أنَّ ابن تيميَّة يُنكر المجازَ في اللغةِ بمعنَاهُ وحقيقته قولهُ في كتاب الإيمان ببطلان هذا الاصطلاح وحقيقته ، وأمَّا ما جاءَ في المُسوَّدة مِن إقرارٍ بصحة التقسيم إلى الحقيقة والمجاز ، بقوله : ( مسألةٌ : اللغةُ مشتملةٌ على الحقيقة وكذا المجاز في قول الكافة خلافًا للإسفراييني ... ) ، فهذا ليسَ لشيخ الإسلام وإنَّما لجدهِ ، وهو مجد الدين ابن تيمية ، فالمسوَّدة كتابٌ جمعه أحد تلامذة شيخ الإسلام فاشترك فيه كلام الجد والابن والحفيد ، فما كان يُرمَزُ له بقوله : "قال شيخنا" فهذا يُقصَدُ به شيخُ الإسلام تقي الدين ، وما كانَ يُرمَزُ له بقوله : "قال والدُ شيخنا" فهذا يُقصَد به والد شيخ الإسلام شهاب الدين ، وما لم يُرمَز له بشيء فهو مِن كلام الجد مجد الدين ، فكل مسألةٍ تَبدأ ليس فيها رمز فهي للجد .
    وأمَّا شيخُ الإسلام رحمه الله فهو يقولُ بأنَّ مَا كان يُسمَّى مجازًا ، فهو على الصحيحِ عندهُ لا يُطلق عليه أنَّه مجاز ، ولكن يُقال أنَّه لفظٌ مشترك اقترنَ بقرينةٍ ، ثمَّ قسَّمَ القرينَةَ إلى لفظيةٍ وحاليةٍ ، ثمَّ قسَّم القرينةَ الحاليَّةَ إلى ما يختص بالنوع وما يختص بالشخص ، ولا شكَّ أنَّ هذا دليلٌ على تناقض الإمام في هذه المسألة ، فتقسيمهُ هذا بالتحديد ، هوَ تقسيمٌ حادثٌ !!! .. وإذا كانَ اصطلاحهُ اصطلاحٌ سائغٌ ، فاصطلاحُ الجمهور مِن باب أولى ، ولكنَّ اصطلاحهُ ليسَ اصطلاحًا سائغًا البتة ، فقد وُجِدَ فيه الكثير مِن الأخطاء ، مِمَّا يقوي اعتقادنا بأنَّهُ لم يفهم سبب التقسيم إلى حقيقةٍ ومجاز ، وقد بيَّنتُ سبب التقسيم في بداية البحث بعدَ تعريف المجاز .
    قال الإمام تقيُّ الدين في المسوَّدة عن اللفظ المشترك الموضوعِ بقرينةٍ لفظيةٍ للنوع – وهو يعني المجاز - : ( ... شيخنا : فصلٌ : إذا استعملَ اللفظُ في معنًى ثم استعملَ في غيرهِ لعلاقةٍ مُشتركةٍ ، فإمَّا أن يُقال : كان موضوعًا لما به الاشتراك فقط ، أو لما به الامتياز ، وامتياز الأول عن الثاني لم يستفد مِن نفس اللفظ المفرد فقط بل بقرينة تعريف أو إضافة ونحو ذلك ، فهذا يكون حقيقة فيها كما قلنا في أسماء الله التي يُسمَّى بها غيره ، وإمَّا أن يُقال : بل كان موضوعًا لما به الاشتراك والامتياز أو لما به الامتياز فقط ، كلفظ الأسد والحمار والبحر ونحو ذلك ، لكن إذا استُعمِلَ في الثاني فإمَّا أن يكون بقرينةٍ لفظية أو حالية ، فإن كان بقرينةٍ لفظية فإمَّا أن يكون للنوع أو للشخص ، فأمَّا النوعُ فهذا كثيرٌ كمَا يُقالُ : إبرةُ الذراعِ وإبرةُ القرنِ ورأسُ الذكرِ ورأسُ المالِ ورأسُ الدربِ ونحو ذلك ، فهذا قد قيلَ إنَّهُ مجازٌ ، والأصوبُ أنَّهُ حقيقةٌ ، وهوَ وضعٌ ثانٍ لهذا المُضاف ، لكن الموضوعُ هوَ الأوَّل وغيرهُ ، وإنَّما كان يدلُّ على ذلك المعنى بدون تركيب ، فإذا وُضِعَ المُركَّبُ صارَ وضعًا جديدًا لم يُوضَع قبلَ ذلكَ لمعنًى أصلاً ... ) انظر المسوَّدة (ص387 - 388) . - وفي طبعة الشيخ محيي الدين عبد الحميد ليس فيها قوله : ( شيخنا : فصلٌ : إذا استعمل اللفظ ... ) بل هي مُجرَّدةٌ عن شيخنا ، ولعله سقط ، يشهد على ذلك مذهب ابن تيمية الذي قرَّرهُ في كتابه الإيمان ، والطبعة التي أعتمدها في المسوَّدة هي طبعةٌ جديدة مِن دار ابن حزم - .
    أقول : ولنَا وقفةٌ مع قوله السابق ذكره ، فلازم قولهِ هنا أنَّ اللغاتَ اصطلاحيَّة ، وهذا لا شكَّ في أنَّهُ تناقضٌ مع ما قرَّرَهُ الإمامُ ابن تيمية نفسه في كتابه كتاب "الإيمان" ، حيث إنَّه انتصرَ للقول الذي يقولُ بأنَّ اللغاتَ توقيفيَّةٌ مِن الله عزَّ وجلَّ – وهو القول الصحيح المأثور عن السلف – ولكنه هُنا يُشيرُ إلى أنَّ مِن الألفاظ ما كان وضعها اصطلاحيٌ ، وذلك في قولهِ السابق ذكرُهُ ( وإنَّما كان يدلُّ على ذلك المعنى بدون تركيب ، فإذا وُضِعَ المُركَّبُ صارَ وضعًا جديدًا لم يُوضَع قبلَ ذلكَ لمعنًى أصلاً ... ) .
    واللازمُ الذي ذكرتُهُ هنا الآن ، يُثبتُ أيضًا بطلان قول مَن يقول : إنَّ تقسيم الألفاظ إلى حقيقةٍ ومجاز تقسيمٌ باطل ، أليس هذا ما قالهُ ابن تيمية ؟ لأنَّ الذي يُفهمُ مِن كلامهِ أنَّه يرى أنَّ مِن الألفاظ ما استُعملَ لمعنًى أوَّل ، ومِنها مَا استُعملَ في غير موضوعه الأصلي ، مَعَ أنَّه كان مِن الأحرى بالإمام أن يقول ( استعمال ) ولا يقولُ ( وضع ) .
    فلفظ ( الوضع ) في كلامهِ يُفهمُ مِنهُ اللازمُ الذي ذكرتُ لك ، وهوَ أنَّ لازم قوله أنَّ اللغات اصطلاحيَّة ، فقولنا ( استعمالُ اللفظ في غير ما وضع له على وجهٍ يصح ) غير قولنا ( وضع اللفظ في غير موضوعهِ الذي وُضِعَ له ) ، هذا الفرق لمن تأمله مِن الحُذَّاق ، يُبيِّن تناقض الإمام في هذه المسألة .
    فإن جادلَ مُجادلٌ وقالَ : الحقيقةُ ثلاثة أقسام :
    القِسمُ الأوَّل : الحقيقةُ اللغوية : وهي الأصل .
    والقسم الثاني : الحقيقةُ العرفية : وهي ما وُضِعَ عُرفًا ، أو مَا وَضَعَهُ أهل كل فنٍّ لشيءٍ مِن مصطلحاتهم .
    والقسمُ الثالث : الحقيقةُ الشرعية المنقولة : وهي ما استعملهُ الشرع كالصلاة للأقوال والأفعال المخصوصة ، والإيمان للعقد بالجنان ونطقٍ باللسان وعملٍ بالأركان ، ونحو ذلك .
    وابن تيميَّة يقصِدُ بالوضع قطعًا وضعُ الحقيقة العُرفيَّة ، فإنَّك ترى العرب يُغيِّرون المسمى في بعض الحقائق ، فمثلاً قولنا : "الدابة" فهي في أصل اللغة لكل ما يدب على الأرض ، ثم هَجَرَتها العرب وصارت عُرفًا حقيقةً للفرس ولكل ذاتِ حافر ، وهذا ذكرهُ أهل الأصول في كتبهم ، وابن تيمية يقصِدُ بالوضع هنا الوضع العرفي .
    فنقول ردًا على هذا المُجادِل : يُرَدُّ على هذا الكلام الباطل بأمرين :
    الأوَّل : إنَّ ابن تيميَّة لا يُؤمِن أصلاً بالتقسيم ، وهو تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز ، وتقسيمُ الحقيقةِ إلى لغوية وعرفية وشرعية ، فكيفَ يُجادَلَ عنهُ به ؟
    ثانيًا : لم يَقُل ابن تيميَّة أصلاً في كلامهِ أنَّهُ يقصِدُ الحقيقة العرفيَّة عندَ كلامهِ عن اللفظ المركب الذي صارَ بتركيبه وضعًا ثانيًا حقيقيًا ، وكلامُنا أصلاً عن المَجاز وكونُهُ استعمالُ اللفظ في غير موضوعه ، فابن تيمية يقول بأنَّه لا يوجَد استعمال اللفظ في غير موضوعه بل كلُّ الكلام حقيقة ، فهوَ لا يُؤمِنُ بالحقيقة العرفية أو اللغوية أو الشرعية أصلاً ، بل يعتبر اللفظ كله حقيقة ، وله تقسيماتٌ أخرى لحقيقته التي ذهب إليها وقد توسَّع فيها .
    ثم لنا وقفةٌ أخرى : فأهل اللغة يجعلون المجاز أنواع ، كالتشبيه والاستعارة ، فأين يذهبُ ابن تيمية بالاستعارة ؟ بل أينَ يذهبُ بالمقلوب ؟ أو الحذفِ والاختصار ؟ فكل هذه لا تنفعُ أن تكون وضعًا جديدًا عند التركيب ، فهذه الأمور لا تدخل ضمنَ اصطلاح الإمام ، فإن أنكرها فأينَ تذهبُ حقائقها ؟ .. وكلها واقعةٌ في لغة العرب قطعًا ، وهي مِن أقسام المجاز وأنواعه ، وسمِّهَا ما شئتَ ، فهي واقعةٌ لا محالةَ وإن كابرَ في ذلكَ مَن كابر .

    (3) القسم الثالث : سقطةٌ لابن تيمية ، لا يُوافَقُ عليها :
    إنَّ ابن تيميَّةَ لم يقل بأنَّ التقسيمَ حادثٌ فحسب ، ولم ينكر المجاز بمعناهُ فحسب ، فلو كان ذلكَ كذلك ، لهَانَ الأمرُ وصارَ خلافًا سائغًا يُناقَشُ بالأدلَّة ، ولكنَّ ابن تيميةَ رتَّب على قولهِ أمورًا لا ينبغي للمسلم المنصف أن يُوافِقَهُ عليها فضلاً عن طالب العلم أو العالم الفقيه ، فقد أهانَ شيخنا ابن تيمية علماءَ الإسلامِ مِمن صحَّت عقيدتهم ، ونزَّلَ مِن مكانتهم بغير حق ، فقالَ إنَّ مَن قال بهذا التقسيم فهو مبتدعٌ في الشرع وأنَّه يتكلم بغير علمٍ وبغير تصورٍ لما يقول ، بل قال بأنَّ مَن قال بتقسيم الألفاظ إلى حقيقةٍ ومجاز مخالفٌ للعقل !!!!
    حيث إنَّهُ قال بنصِّهِ : ( ونحنُ نُجيبُ بجوابين : أحدهما : كلامٌ عامٌّ في لفظ الحقيقَةِ والمجاز . والثاني : ما يَختصُّ بهذا المَوضِع . فبتقدير أن يكونَ أحدهما مَجَازًا ، ما هوَ الحقيقَةُ مِن ذلك مِن المَجاز ؟ هل الحقيقَةُ هو المُطلق أو المُقيَّد ، أو كلاهمَا حقيقة حتى يُعرَف أنَّ لفظَ الإيمان إذا أُطلقَ على ماذا يُحمَل ؟
    فيُقالُ أولاً : تقسيمُ الألفاظ الدالَّة على معانيها إلى حقيقةٍ ومجاز ، وتقسيمُ دلالتها أو المعاني المدلول عليها ، إن استُعمل لفظ الحقيقَة والمجاز في المدلول أو في الدلالة ، فإنَّ هذا كله يقعُ في كلام المُتأخرين ، ولكن المشهور أنَّ الحقيقةَ والمجاز مِن عوارض الألفاظ ، وبكل حالٍ فهذا التقسيمُ هو اصطلاحٌ حادثٌ بعد انقضاء القرون الثلاثة ... ) .
    فهنا الإمام ابن تيميَّة يردُّ على المُرجئة والجهميَّة الذين لا يُدخلون الأعمالَ في مُسمَّى الإيمان ويحملون الإيمانَ في حديث شُعَبِ الإيمان على أنَّهُ مَجاز ، فهو يَردُّ عليهم بجوابين ، فقد ذكرَ الجوابَ الأوَّلَ بقولِهِ ( فيُقالُ أولاً : تقسيمُ الألفاظ الدالَّة على معانيها إلى حقيقةٍ ومجاز ، وتقسيمُ دلالتها أو المعاني المدلول عليها ... ) .
    ثم استطردَ الإمامُ ابن تيميَّة في الجوابِ الأوَّل وأطالَ الكلام فيما يُقاربُ الست صفحات ، ثم ذَكرَ الجوابَ الثاني ، بقولِهِ : ( ثمَّ يُقالُ ثانيًا : هذا التقسيمُ لا حقيقَةَ لهُ ، وليسَ لمَن فرَّقَ بينَهُمَا حدٌّ صحيحٌ يُميِّزُ به بينَ هذا وهذا ، فعُلِمَ أنَّ هذا التقسيم باطلٌ ، وهوَ تقسيمُ مَن لم يتصوَّر ما يقول ، بل يتكلَّمُ بلا علم ، فهم مبتدعةٌ في الشرع ، مخالفون للعقل ، وذلك لأنَّهم قالوا : الحقيقةُ : اللفظُ المستعملُ فيما وُضِعَ له ، والمجازُ : هوَ المستعملُ في غير ما وُضِعَ لهُ ، فاحتاجوا إلى إثبات الوضع السابق على الاستعمال ، وهذا يتعذَّر ... ) . مِن كتاب الإيمان لابن تيميَّة (ص73 – 80) ، وانظر كذلك مجموع الفتاوى (7/87 – 7/96) .
    قلتُ : لقد قالَ ابن تيميَّة في كلامهِ السابق ما قد يُعدُّ مِن الكبائرِ ضدَّ علماء المسلمين :
    الأول : قولهُ أنَّ التقسيمَ باطلٌ لا يصح ، وقوله هذا خلاف الصحيح الذي عليه أهل اللغة ، وإن اختلف بعض العلماء في المسمى فلا ينبغي أن يختلفوا في المعنى فهو لازمٌ لكل أحدٍ إلا مَن أغوتهُ العصبيَّة وتشرَّب بتقديسِ الأئمة ، أو مَن لم يَعرف لغة العرب ، الثاني : قولهُ أنَّ القائلَ بالتقسيمِ لا يتصوَّرُ ما يقول ، وهذا لا ينبغي أن يصدر مِن العالم ، الثالث : قولهُ أنَّ القائل بالتقسيمِ يتكلم بغير علم ، وهذا حائرٌ على شيخنا ابن تيمية ، فقد أنكر وجود المجاز في القرن الثالث وقال بأنه حادثٌ بعد انقضاء القرون الثلاثة الأولى ، وهذا غير صحيح ، الرابع : قولهُ أنَّ القائلَ بالتقسيمِ مبتدعٌ في الشرع ، وهذه كبيرةٌ في حق علمائنا مِن أتباع السلف الذين حَسُنَت عقيدتهم وقالوا بالتقسيم ، الخامس : قولهُ أنَّ القائلَ بالتقسيم مخالفٌ للعقل ، وهذا لا يُوافقُهُ عليه كل العقلاء .
    ولا شكَّ في أنَّ هذه كبيرةٌ مِن الإمام ابن تيمية في حق الأئمة الأعلام الذينَ قالوا بهذا التقسيم مِن أصحابنا الحنابلة ، الذين عُرفوا بحُسنِ العقيدة وصفائها ، كأمثال الإمام القاضي أبو يعلى شيخُ المذهب ومُنقِّحُه ، والإمام البحر العلاَّمَة ابن قدامَة المقدسي ، وغيرهم مِن الأئمة في المذاهب الأخرى كالشافعية والمالكية ممَّن عُرفوا بحسن العقيدة .
    فإن جَادَلَ صاحبنا المُجادلُ بقولِهِ : إنَّ ابن تيميَّة لمَّا ذكرَ الجوابَ الثاني وقال مَا قالَ مِن أمورٍ أنتَ استعظمتها ، فإنَّهُ لا يقصدُ الأئمة المعروفين المشهود لهم بحسن العقيدة وصفائها ، بل هو يقصِد المبتدعة في باب الإيمان ، فاقتِصاصُكَ الكلامَ مِن سياقهِ الصحيح يُشعِركَ بأنَّه كان يَقصِدُ أولئك الأئمة الفحول ، والأمرُ ليس كذلك ، يدلُّ على هذا بدايةُ الكلام ، حينَ قال بنصِّهِ قبلَ ذكرِ الجوابين ( ونحنُ نُجيبُ بجوابين : أحدهما : كلامٌ عامٌّ في لفظ الحقيقَةِ والمجاز . والثاني : ما يَختصُّ بهذا المَوضِع ... ) ، فهو يُصرِّحُ بأنَّ الجواب الثاني – وهو الذي أنتَ استعظمتهُ – إنَّما هو مُختصٌّ بهذا المَوضِع ، وهو موضع الرَّد على المُرجئةِ والجهميَّة .
    فنقولُ نحنُ ردًّا على جهل هذا المُجادل : هذا هو ادِّعاءُ العِصمَةِ بعينِه !! التحريف والتلفيقُ على الأئمة ، فكلام الإمام ابن تيمية واضحٌ جليٌ لا خفاء فيه ، فظاهرُ جوابه الثاني عامٌ في كل مَن قال بالتقسيم ولم يُوجِّه ذلك لطائفةٍ مُعيَّنة ، فإن أنكرتَ أنَّ ظاهر جوابه العموم فأنتَ جويهلٌ لا تعرف ما هوَ الظاهرُ مِن الباطن .
    وأمَّا كلامُهُ في البداية بقولهِ ( ونحنُ نُجيبُ بجوابين : أحدهما : كلامٌ عامٌّ في لفظ الحقيقَةِ والمجاز . والثاني : ما يَختصُّ بهذا المَوضِع ... ) ، فهو يقصد بقوله "الموضع" : موضع التقسيم ، وليس موضع الرَّد على المرجئة والجهميَّة ، وهذا ظاهرٌ واضح ، فالإمام قد قالَ بنصِّهِ ( أحدهما : كلامٌ عامٌّ في لفظِ الحقيقة والمجاز ... ) فمَاذا يقصدُ بقوله (في لفظِ) ؟ لا شكَّ أنَّهُ يقصد بذلك لفظ الاصطلاح ، والدليل على ذلك أنَّه ناقشَ في الجواب الأوَّل كونُ الاصطلاح حادثٌ ، وأمَّا قولُهُ ( والثاني : ما يَختصُّ بهذا المَوضِع ... ) فهو يقصِد موضع التقسيم ، والدليلُ على ذلك أنَّه ناقشَ في الجواب الثاني حكمَ هذا الاصطلاح وهل هو اصطلاحٌ باطلٌ أم صحيحٌ في معناه ولم يتعرض للجهمية بالرد فدلَّ على أنه عام .
    إذًا : الجوابُ الأول كان في لفظ الاصطلاح وكونه حادثًا ، والجوابُ الثاني في حكمهِ وكونه صالحًا أم غير صالح ، ولا دليلَ البتةَ على أنَّهُ يَقصِدُ الجهميَّة والمرجئة ، ومَن حملها على هذا فهو مُتقعِّرٌ مختلقٌ للأعذارِ مُدَّعٍ للعِصمَة والعياذُ بالله مِن هذا .
    ثم لو سلَّمنا جدلاً وتنزُّلاً أنَّ الجوابَ الثاني قد قصَدَ به الجهمية ، فإنَّ مِن الأشاعرة أئمةٌ أعلام لهم جهودٌ في خدمة هذا الدين ، وابن تيمية يُسمِّي الأشاعرة جهميَّة ومَن استقرأ كلامهُ يعرف هذا ، ومِن الأشاعرة كما قلنا أئمةٌ أعلام ، صلاحهم وتقواهم وعلمهم يمنعُ مِن انتقاصهم فضلاً عن سبِّهِم ، فلا ينبغي أن يُقالُ في حقهم ما قاله شيخنا ابن تيمية ، فرحمَ الله الإمام وغفرَ له زلَّته .

    -(())-
    فصلٌ : أقوال أئمة المذهب الحنبلي في الحقيقة والمجاز :
    إنَّ البصيرَ بالمذاهب وانتشارها ، يعلمُ أنَّ المَذهبَ الحنبليَّ مِن أقلِّ المذاهب انتشارًا ، فلهذا كانت كتب الحنابلة التي في أيدينا قليلة جدًا ، وخصوصًا كتب أصول الفقه ، فأمَّا أسبابُ قلة الانتشار فلا تهمُّنا ولا يَسَعُنا ذكرها هنا ، ولكن أحببتُ الإشارة إلى هذا على سبيل الإيجاز توطئةً وتمهيدًا ..
    ومسألتنا مِن المسائل التي يُوردها الأئمة في أصول الفقه ، بينما أصل المسألةِ يتعلَّقُ باللُّغةِ والبلاغة ، فنجدها مُفصَّلةً في كتبِ البلاغةِ والأدب ، وبناءً على قلة المصادر الحنبليَّة التي في أيدينا ، سأكتفي بنقلِ كلام أشهر الأئمة في المذهب ، مِن الذين قالوا بتقسيم الألفاظ إلى حقيقةٍ ومجاز .
    * قال شيخُ المذهبِ القاضي أبو يعلى رحمه الله : ( مسألةٌ : في القرآنِ مجازٌ : نصَّ عليه أحمد رحمه الله فيما خرَّجهُ في متشابه القرآن ، في قوله تعالى { إنَّا معكم مستمعون } ، هذا مجازٌ في اللغة ، يقولُ الرجل : إنَّا سنجري عليك رزقك ، إنَّا سنفعلُ بك خيرًا . وهو قولُ جماعَة . خلافًا لمن مَنَع ذلك مِن أصحابنا وطائفةٌ مِن أهل الظاهر .
    دليلنَا : أنَّ اللهَ تعالى تكلَّمَ بالقرآن على لغة العرب ، ووجدناهُم تكلموا بالمجاز والحقيقة ، فوجبَ أن يجوزَ ذلك في كلامِ اللهِ تعالى ) .
    فهذا القاضي أبو يعلى رحمه الله يَستَدِلُّ بأنَّ المجازَ وُجِدَ في لغة العرب ، فمن باب أولى وجودهُ في القرآن ، ذلكَ لأنَّ القرآنَ نزلَ بلغة العرب ، وكلام الإمام لا يحتاجُ إلى شرحٍ أو حتى تدقيقٍ وتمحيص ، فهو أوضح من الشمس في رابعة النهار .
    يقول القاضي أبو يعلى بعد الذي ذكرنا : ( فإن قيلَ : هناك حذفٌ في الكلام . قيل : إلاَّ أنَّ هذه الألفاظ لم يوضع لها في صميم اللغة ، فإن لم تُسمِّها مجازًا فذلك مُنازَعةٌ في عبارة ، معَ تسليم المعنَى الموجود في المجاز . وأيضًا فإنَّ أهل اللغة قد صَنَّفوا في ذلك كتبًا ، فمَن منَعَ ذلكَ فهو كمَن دفَعَ أن يكونَ في اللسان مجاز .
    واحتجَّ مخالفٌ : بأنَّ المجازَ كذبٌ ، لأنَّه يتناولُ الشيءَ على خلاف الوضع .
    والجواب : أنَّ هذا خرقُ الإجماع ، لأنَّهم استحسنوا التَّكلمَ بالمجاز معَ استقباحهم الكذبَ وعلى أنَّ الكذبَ يتناولُ الشيءَ على غير سبيل المُطابقَة ، والمجازُ فيه تطابق الخَبَر مِن طريق العرف ، وإن كان لا يُطابقُ اللغةَ ) أهـ . انظر كتابُ العدَّة للقاضي أبي يعلى (2/423) طبعة دار الكتب العلميَّة .
    قلتُ : انظر إلى قول الإمام ( والجوابُ أنَّ هذا خرقُ الإجماع ... ) ردًا على مَن يقولُ بأنَّ المجازَ كذبٌ لأنَّهُ استعمالُ اللفظِ في غير موضعه ، فالإمامُ بيَّنَ بأنَّهُ لا علاقَةَ بينَ الكذب وبين المجاز .
    * ويقولُ الإمامُ الفذُّ البَحرُ العلاَّمَةُ الفقيهُ مُوفَّقُ الدِّين ابن قُدامَة المقدسي رحمه الله : ( فصلٌ : والقرآنُ يشتملُ على الحقيقَةِ والمجاز ، وهوَ اللفظُ المُستعمَلُ في غيرِ موضوعِهِ الأصلي على وجهٍ يصحُّ ) .
    ثم ذكرَ رحمَهُ الله الأدلَّةَ على ورودِ المجازِ في القرآن ، ولسنا بصددِ ذكرها هُنا ، فأذكرُ ما قالهُ بعد تلك الأدلَّة ، حيث قال : ( ... وذلكَ كلُّهُ مجَازٌ ، لأنَّهُ استعمالُ اللفظِ في غير موضوعِهِ ، ومَن منَعَ فقَد كابَرَ ، ومَن سلَّمَ وقالَ : لا أُسَمِّيهِ مَجازًا ، فهوَ نزَاعٌ في عِبارَة لا فائدَةَ في المُشاحَّةِ فيه ، واللهُ أعلم ) أهـ . انظر كتاب روضة الناظر لابن قدامة (1/216) تحقيق الشثري .
    قلتُ : وفي قولِ الإمَام ( وَمَن مَنَعَ فقد كابَرَ ) ردٌّ صاعقٌ على مُدَّعي العِصمَة للإمامِ ابن تيميَّة ، والله أعلمُ بحالهم وقبحِ مقالهم .


    والله أعلمُ ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم نلقاه ..
    كتبه : صالح الجبرين .
    رابط المقال : http://albahethalsalafi.blogspot.com...g-post_21.html


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,444

    افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    بعد الاستقراء في كلام ابن تيمية أقول مُجازفَةً : إنَّ ابن تيمية قد أخطأ في دعواه بأنَّ المجازَ اصطلاحٌ حادثٌ بعد انقضاء القرون الثلاثة الأولى ، فتقسيم اللفظ إلى حقيقةٍ ومجاز قد وُجِدَ في القرنِ الثالث الهجري ، ولهذا فقد تكلَّم الإمامُ ابن تيمية في هذه المسألة بغير علم .
    لو لم يكن إلا خطأ صاحب المقال في فقه مراد الشيخ(و العربية أهل العلم) بعبارة القرون الثلاثة وظنه كما تظن العامة أن معناها ثلاثمائة عام = لكفى هذا دليلاً على فقد أدوات النظر والبحث في تلك المسألة الجليلة..

    ثم يتهوك مع الخطأ وضعف التحقيق و يقول استقراء ومجازفة !!

    فليرفق الناس بأنفسهم وبالعلم وبأهل العلم وبنا ..
    اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وأصلح لنا شأننا كله ..

  3. افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو فهر السلفي مشاهدة المشاركة
    لو لم يكن إلا خطأ صاحب المقال في فقه مراد الشيخ(و العربية أهل العلم) بعبارة القرون الثلاثة وظنه كما تظن العامة أن معناها ثلاثمائة عام


    أحسَنَ الله إليك .. لو تقرأ البحثَ جيدًا لعرَفتَ أنني لم أخطئ ، فقولنا القرن الثالث ليسَ معناها ثلاثمئة عام ، هل فهمتَ ذلك مِن كلامي ؟

    ثم انظر في قولِ شيخنا : ( فإنَّ تقسيمَ الألفاظ إلى حقيقةٍ ومجاز إنَّما اشتهرَ في المئة الرابعة ، وظهرت أوائلهُ في المئة الثالثة ... ) ، ثم قوله في موضعٍ آخر : ( وبكل حالٍ فهذا التقسيمُ هو اصطلاحٌ حادثٌ بعدَ انقضاء القرون الثلاثة ... ) ، يدل على الاضطراب .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو فهر السلفي مشاهدة المشاركة
    فليرفق الناس بأنفسهم وبالعلم وبأهل العلم وبنا ..

    هذا هو الواجب بارك الله فيك ، ونحن معك فيه ، ولو دققت في كلامي لعرفتَ أني لم أنتقد الإمام ابن تيمية إلاَّ في مسألة فرعية ..


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,444

    Lightbulb رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    أحسَنَ الله إليك .. لو تقرأ البحثَ جيدًا لعرَفتَ أنني لم أخطئ ، فقولنا القرن الثالث ليسَ معناها ثلاثمئة عام ، هل فهمتَ ذلك مِن كلامي ؟


    نعم وهذه عبارتك :

    بعد الاستقراء في كلام ابن تيمية أقول مُجازفَةً : إنَّ ابن تيمية قد أخطأ في دعواه بأنَّ المجازَ اصطلاحٌ حادثٌ بعد انقضاء القرون الثلاثة الأولى ، فتقسيم اللفظ إلى حقيقةٍ ومجاز قد وُجِدَ في القرنِ الثالث الهجري ، ولهذا فقد تكلَّم الإمامُ ابن تيمية في هذه المسألة بغير علم .


    فالعبارتان الملونتان بالأحمر صريحتان في أنك فهمت من القرون الثلاثة ثلاثمائة عام؛وإلا لم يكن هناك وجه للتخطئة بهذه الصورة،وهذا بين جداً..

    ثم لم تقصر عن هذا حتى اتهمت الشيخ بأنه تكلم بغير علم..

    ولو كان ذا عن بينة ؟!!

    ثم انظر في قولِ شيخنا : ( فإنَّ تقسيمَ الألفاظ إلى حقيقةٍ ومجاز إنَّما اشتهرَ في المئة الرابعة ، وظهرت أوائلهُ في المئة الثالثة ... ) ، ثم قوله في موضعٍ آخر : ( وبكل حالٍ فهذا التقسيمُ هو اصطلاحٌ حادثٌ بعدَ انقضاء القرون الثلاثة ... ) ، يدل على الاضطراب .

    ولا اضطراب ولا شيء..


    فكلام الشيخ عن حدوثه بعد القرون الثلاثة المفضلة لا يتعارض أصلاً مع كلامه بأن أول التقسيم كان في أول المائة الثالثة إلا إذا كانت المائة الثالثة عندك قبل القرون المفضلة ،وهذا مستحيل لا يقال..

    فبعد القرون الثلاثة المفضلة = أول المائة الثالثة؛فالفرق بين آخر طبقة من أتباع التابعين ،وبين أول المائة الثالثة لا يبلغ ثلاثين عاماً..

    فأين الاضطراب ؟!!
    اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وأصلح لنا شأننا كله ..

  5. افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو فهر السلفي مشاهدة المشاركة
    فالعبارتان الملونتان بالأحمر صريحتان في أنك فهمت من القرون الثلاثة ثلاثمائة عام؛وإلا لم يكن هناك وجه للتخطئة بهذه الصورة،وهذا بين جداً..

    ثم لم تقصر عن هذا حتى اتهمت الشيخ بأنه تكلم بغير علم..

    ولو كان ذا عن بينة ؟!!


    لعلك استعجلتَ .. فكلامي واضح ، وكلام الشيخ واضح ، ركِّز فيه جيدًا وافهم قبلَ ذلك الاصطلاحات الرقمية ، القراءة السريعة والعصبية مانعان مِن موانع الفهم ..

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,444

    Lightbulb رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    أعرف أن كلامك واضح وكلام الشيخ واضح؛لذا أقول بثقة إنك تجرأت على اتهامه أنه تكلم بغير علم وأنت فاقد لأبجديات فهم كلامه،فإن كنتَ تراني مخطئاً = أبن حجتك ..

    وهذه عبارة أخرى لك توضح خطأ فهمك لكلام الشيخ

    انظر إلى قوله (حادثٌ بعدَ انقضاء القرون الثلاثة ) ، فهذا القولُ غيرُ مسلَّمٍ به ، فإنَّ التقسيمَ واردٌ في القرنِ الثالث ، والأئمةُ مِن القرنِ الثالث قد ذكروا المجازَ الذي هوَ قسيمُ الحقيقة

    ففهمك للقرن الثالث مباين تماماً لمراد الشيخ،ومثل هذا الخطأ في الفهم مما يُستحى معه من التصدر لنقد الشيخ وزعم أنه تكلم بغير علم..
    اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وأصلح لنا شأننا كله ..

  7. افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو فهر السلفي مشاهدة المشاركة
    فإن كنتَ تراني مخطئاً = أبن حجتك ..

    بل الصحيح العكس ..

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,444

    افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    بل الصحيح العكس ..
    قد أبديت حجتي من وجوه شتى وهي ظاهرة ظهوراً تاماً..

    وخذ منها قولك :

    قلتُ : فهذا ابن جريرٍ الطبري المتوفى سنة 310هـ ، قد عاش في القرن الثالث الهجري
    فأنت تحتج بأهل القرن الثالث الهجري مما يدل قطعاً على أنك فهمت معنى القرن في كلام الشيخ خطأ..

    وبالمناسبة : الطبري من وفيات القرن الرابع وهذا من أبجديات العلم أيضاً..
    اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وأصلح لنا شأننا كله ..

  9. افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو فهر السلفي مشاهدة المشاركة
    فأنت تحتج بأهل القرن الثالث الهجري مما يدل قطعاً على أنك فهمت معنى القرن في كلام الشيخ خطأ..

    وبالمناسبة : الطبري من وفيات القرن الرابع وهذا من أبجديات العلم أيضاً..

    ظهر خلطك وجهلك أخي الكريم ، ولعل هذا آخر رد لي عليك في مسألة الأرقام ، وليتك تتحفنا بردود علمية بدل هذا الذي يسمونه عندنا نحن أهل نجد "لف ودوران" ..

    ابن جرير بارك الله فيك متوفى في أوائل القرن الرابع ، وعاش في القرن الثالث ، وحكى عن أهل اللغة في زمانه أنهم قالوا بالحقيقة والمجاز .
    وابن قتيبة عاش في القرن الثالث وتوفي فيه ، توفي سنة 276 هـ ، ونقل الحقيقة والمجاز وفصل فيه .
    المُبرِّد عاش في القرن الثالث ، وتوفي فيه ، توفي سنة 285 هـ .
    وابن تيمية يقول بنصِّه : ( حادثٌ بعد انقضاء القرون الثلاثة ... ) ، وهذا خطأ قطعًا .
    فإن كنتَ لا تفهم معنى "القرن الثالث" ، أو حتى معنى "المئة الثالثة" .. فاسأل أهل العلم قبل أن تُجادل .


  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,120

    افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    الحقيقة أن قولك عن ابن تيمية :تكلم بغير علم=سوء أدب
    ولو قيلت في بعض المعاصرين لثار عليك من ثار
    أكلما قرأ أحد كلمتين جاء يناطح قمم الجبال؟
    والله المستعان
    قال الإمام ابن تيميّة رحمه الله تعالى:
    والفقرُ لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً..كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,444

    افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    المهم أن الطبري متوفى في الرابع وليس في الثالث..

    والمهم أنك أخطأت فهم معنى القرون في كلام الشيخ وإلا لما أطلت في النقل عن علماء المائة الثالثة،ومن لم يفهم مراد الشيخ بالقرون الثلاثة وأنه يعني بها القرون المفضلة التي تنتهي أواخر المائة الثانية،ويذهب لينقل عن علماء المائة الثالثة فماله وللمجاز ولابن تيمية بل وللعلم..

    وبالمناسبة: ليس في كلام الطبري ولا ابن قتيبة لفظ الحقيقة،وإنما لفظ الحقيقة هنا من كيسك وتزيدك على نصوص الأئمة،وإنما ذكروا لفظ المجاز فقط ولم يقسموا الألفاظ لحقيقة ومجاز ولم ينطقوا بلفظ الحقيقة في مقابل المجاز أصلاً..

    فلا أنت فهمتَ مراد ابن تيمية ولا أنتَ حافظت على نقول الأئمة من أن تزيد عليها من كيسك فأقصر؛ فالعلم نقطة كثرها الجاهلون..
    اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وأصلح لنا شأننا كله ..

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    22

    افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

    في رسالتي للماجستير حول ثقافة وإبداع الشاعر أبي تمام تبيّن لي من خلال رصد جل ديوانه لفظة الحقيقة والمجاز في بيتٍ له، فدلّ ذلك على أنّ اللّفظة -بمعناها الاصطلاحي إذ قوبلت بضدّها- قد عُرفت قبل سنة233 هـ، (تاريخ وفاة الشاعر): يقول حبيب-رحمه الله-
    لقد تركتني كأسُها وحقيقتي *** مجازٌ وحقٌّ من فعاليَ كالظنّ.
    ثمّ علام الجدال وكثرة الكلام وعلى النات محاضرة لشيخ جليل كريم عُقدت في الرياض بيّن فيها-حفظه الله تعالى- أنّ أوّل من قال بالمجاز لا أبي عبيدة ولا ابن قتيبة وإنّما هو سيبويه(-180هـ) في كتابه الكتاب، وإذا كان الإعتبار بالدليل فسيأتي في حينه، طبْعًا من أجل العلم والأدب وإلاّ فلا معنى بانفراد أحدهما.
    تفنى اللّذاذةُ مِمَّنْ نالَ شهوتها = من الحرامِ ويبقى الخِزيُ والعارُ.
    تبقى عواقبُ سوءٍ في مغبّتها = لا خيرَ في لذّةٍ من بعدها النّارُ.

  13. افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيلالي الصقر مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

    في رسالتي للماجستير حول ثقافة وإبداع الشاعر أبي تمام تبيّن لي من خلال رصد جل ديوانه لفظة الحقيقة والمجاز في بيتٍ له، فدلّ ذلك على أنّ اللّفظة -بمعناها الاصطلاحي إذ قوبلت بضدّها- قد عُرفت قبل سنة233 هـ، (تاريخ وفاة الشاعر): يقول حبيب-رحمه الله-
    لقد تركتني كأسُها وحقيقتي *** مجازٌ وحقٌّ من فعاليَ كالظنّ.
    ثمّ علام الجدال وكثرة الكلام وعلى النات محاضرة لشيخ جليل كريم عُقدت في الرياض بيّن فيها-حفظه الله تعالى- أنّ أوّل من قال بالمجاز لا أبي عبيدة ولا ابن قتيبة وإنّما هو سيبويه(-180هـ) في كتابه الكتاب، وإذا كان الإعتبار بالدليل فسيأتي في حينه، طبْعًا من أجل العلم والأدب وإلاّ فلا معنى بانفراد أحدهما.
    أحسنتَ كثيرًا ..
    بالنسبة لابن قتيبةَ رحمه الله ، فقد فصَّل في المجاز وذكر أنواعهُ في كتابه "تأويل مشكل القرآن" ، وردَّ بقوة على المعتزلة ، وردَّ كذلك على مَن قال بأنَّ المجاز كذبٌ .. وقرأتُ أيضًا في إحدى كتب الجاحظ كلامٌ صريحٌ في الحقيقة والمجاز ، بل نقل عن شيوخه كلامًا ، ولكني لم أنقل عنهُ لعقيدته .

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,120

    افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    يزعم بعض الناس أن الإمام ابن تيمية وقع في تناقض أو اضطراب حين أنكر المجاز ثم هو يتكلم عنه بصيغة الإثبات في مواضع من كتبه كأن يقول "وهذا مجاز مشهور"وظن آخرون لما وجدوا كلامه هذا في كتب متأخرة أنه تراجع عن قوله الأول..,وبعض طلبة العلم وأهله من عشاق هذا الإمام يعيش صراعاً مع نفسه, فهو يحبه جدا, ولكنه يجد جماهير العلماء يثبتون المجاز فيلجأ لموقف يرى فيه حالة نفسية من "الإنصاف" بأن يقول:محل خلاف بين أهل العلم أونحو ذلك ليضعضع من قوة قول الكثرة الكاثرة التي تستعمله-والكثرة تغلب الشجاعة!- في الأصول واللغة بأسلوب عفوي ودون نكير يذكر
    وكل هؤلاء غالطون في فهم مراد الإمام فإنه قال : ( المشهور أن المجاز من عوارض الألفاظ) أي ليس من عوارض المعاني, ومعنى ذلك أنه لا بأس عنده لو قلت "واسأل القرية" هو مجاز بمعنى أن اللغة تجوز ذلك وأنه لحظ معنى حذف المضاف فسماه بهذا كاصطلاح, لكنه ينكر -وهنا عبقريته -أن يكون العرب قد وضعوا للألفاظ حقائق كاليد في الجارحة..في أول الأمر..ثم طرأت أشياء جعلتهم يستعيرون هذا الوضع الأصلي لمعان أخر..ومن ثم قعّدوا بناء على ما سبق أموراًما أنزل الله بها من سلطان أفضت بهم لتحريف أسماء الله وصفاته عن معانيها اللائقة بها, فملخص نظريته رحمه الله =أنه لا دليل على كون هذه الألفاظ وضعت للمعاني التي تسمى عندها :حقيقة,,بل ما سموه مجازا هو حقيقة أيضا على اعتبار أن اللفظ الواحد يأتي لعدة معان..فيعرف أحد هذه المعاني الموضوعة للكلمة بالنظر في سياق الكلام
    فلو قلت :سأضربك بيدي..توجه الفهم أنها الجارحة..ولو قلت:لي عليك أياد بيضاء,,فالمتبادر منها معنى النعمة
    ولهذا لما قال الله تعالى "ما منعك ان تسجد لما خلقتُ بيديّ" امتنع أن يراد بها القدرة لأن العرب لم تستعمل التثنية في المصادر المضافة ..وقدرة الله واحدة لا تتعدد!
    أتمنى أن أكون وفّقت لتوصيل شيءمفيد
    والحمد لله رب العالمين

    قال الإمام ابن تيميّة رحمه الله تعالى:
    والفقرُ لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً..كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي

  15. #15

    افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    يا أخ صالح,
    أنت استنكرت على شيخ الإسلام قوله أن المجاز حادث بعد القرن الثالث, وعارضته بقوله أنه في ظهر في أوائل المائة الثالثة! وجعلته متناقضاً.
    ثم سقت أقوال أهل العلم من المائة الثالثة الهجرية.
    وهذا لا شك خطأ مبني على اعتبار أن مقصد شيخ الإسلام بالقرون الثلاثة هي الثلاثمئة سنة الأولى. وهذا ليس مذهب شيخ الإسلام في تحديد القرون الفضلى.
    فالاستدراك عليه بمثل هذا, خطأ علمي قبيح, وسقطه تُسقط معها كل البحث, إذ هي صميم بحثك. وهذا عين ما أشار إليه أبوفهر, ولكن لا أدري, ربما لم تر كلامه جيداً, أو أنك بحاجة إلى قراءة كلامه مرة أخرى.
    ثم كانت الكلمة التي والله أبكت قلبي, وهي قولك عن شيخ الإسلام أنه تكلم بغير علم.
    ولا حول ولا قوة إلا بالله. ربما لو صنتَ لسانك عن شيخ الإسلام لكان رد الأخوة بك أرفق في توضيح سقتطك, ولكن!

  16. افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    الأخ أبو الوليد وفقه الله :

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوالوليد السلفي مشاهدة المشاركة
    وهذا لا شك خطأ مبني على اعتبار أن مقصد شيخ الإسلام بالقرون الثلاثة هي الثلاثمئة سنة الأولى. وهذا ليس مذهب شيخ الإسلام في تحديد القرون الفضلى.

    حساب القرون عند ابن تيمية وعند غيره مفهومها واحدٌ ، ولا داعي إلى المُكابرة والتأويل .. ومَن ادعى شيئًا فعليه البينة .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوالوليد السلفي مشاهدة المشاركة
    وسقطه تُسقط معها كل البحث, إذ هي صميم بحثك. وهذا عين ما أشار إليه أبوفهر, ولكن لا أدري, ربما لم تر كلامه جيداً, أو أنك بحاجة إلى قراءة كلامه مرة أخرى.

    لعلك لم تقرأ البحث جيدًا .. فقولك أنَّ صميم بحثي في مسألة حدوث الاصطلاح يدل على أنك لم تقرأ البحث كاملاً ، فاستعجلتَ ..
    وبالنسبة للأخ أبو فهر وفقه الله ، فقد استعجلَ كذلك ، وغلط في الحساب ولم يعترف بذلك وأخذ يلف ويدور ويزعم أنني أنا مَن غلِط ، وكلامي واضح ، فصار الأمر كما يُقال : عَيَّرَ بُجَيرٌ بُجَرَه ، نَسِيَ بُجَيرٌ خَبَرَه .
    وليتهُ يترك عنه أسلوب المراهقين ، هذا الذي فيه غلظة وعجلة وكلام بغير علم ، فلو أنَّه نظر في الأرقام قليلاً لما قال ما قال .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوالوليد السلفي مشاهدة المشاركة
    ثم كانت الكلمة التي والله أبكت قلبي, وهي قولك عن شيخ الإسلام أنه تكلم بغير علم.

    قيَّدتُ ذلك بهذه المسألة فقط ، وراجع كلامي قبل أن تُجادل ، والبحث طويل ومسائله كثيرة فاقرأها كلها .. ولا يلزم مِن كلامي تجهيل الإمام وهو واضح ولله الحمد .


  17. #17

    افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    وهل تقدر أصلاً على تجهيل الإمام, سبحان الله, أوصلنا لهذا الحد!

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,444

    افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    حساب القرون عند ابن تيمية وعند غيره مفهومها واحدٌ

    حساب ؟!!

    حساب إيه ؟!!



    القرون الثلاثة ليست المئات الثلاث، وإنما القرون الثلاثة في لسان أهل العلم والعربية هي كما قال ابن بطال : ((القرون الثلاثة الصحابة والتابعين وتابعيهم )).

    وقال شيخ الإسلام نفسه : ((فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ بِجُمْهُورِ أَهْلِ الْقَرْنِ وَهُمْ وَسَطُهُ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ انْقَرَضُوا بِانْقِرَاضِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ إلَّا نَفَرٌ قَلِيلٌ وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانِ . انْقَرَضُوا فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ ، وَجُمْهُورُ تَابِعِي التَّابِعِينَ انْقَرَضُوا فِي أَوَاخِرِ الدَّوْلَةِ الْأُمَوِيَّةِ)) .


    وقال الشيخ : ((وَإِنَّمَا حَدَثَ هَذَا بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ . قَرْنِ
    الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ )).


    وقال الشيخ : ((فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفْ فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ لَا عِنْدَ قَبْرِهِ وَلَا قَبْرِ غَيْرِهِ لَا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا تَابِعِيهِمْ .))


    فهذه هي القرون الثلاثة عند ابن تيمية وأهل العلم،أما الفهم العامي فهو المئات الثلاثة وهو الذي أتيت به تسرد علماء المئات الثلاث وتقول تكلم شيخ الإسلام بغير علم

    وبعد انقضاء هذه القرون الثلاثة الصحابة والتابعون وأتباعهم زادت البدع خاصة بدع اليونان كالمجاز،ولذا أناط بانقضائها الشيخ وغيره كثيراً من البدع،ولذا قال غير ابن تيمية : ((وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان )).

    وهذا الزمان زمان أتباع التابعين ينتهي جمهور طبقته في حدود سنة 170 هجرية؛فكلام الشيخ كله على هذا الأصل تام منضبط..


    ثم تأتي فتتكلم عن الحساب وعن كلام ابن تيمية بغير علم!
    اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وأصلح لنا شأننا كله ..

  19. #19

    افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    قال شيخ الإسلام : فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ بِجُمْهُورِ أَهْلِ الْقَرْنِ وَهُمْ وَسَطُهُ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ انْقَرَضُوا بِانْقِرَاضِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ إلَّا نَفَرٌ قَلِيلٌ وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانِ . انْقَرَضُوا فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ ، وَجُمْهُورُ تَابِعِي التَّابِعِينَ انْقَرَضُوا فِي أَوَاخِرِ الدَّوْلَةِ الْأُمَوِيَّةِ ؛ وَأَوَائِلِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّة . أهـ

  20. #20

    افتراضي رد: نقد مفهوم الحقيقة والمجاز عند ابن تيمية

    معذرة أبي فهر,
    لم أرَ مشاركتكم إلا بعد وضعي لمشاركتي.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •