تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: قول الصحابي " من السنة كذا " هل له حكم الرفع أم لا ؟ ( رَدٌّ على ابن حزم )

  1. #1

    افتراضي قول الصحابي " من السنة كذا " هل له حكم الرفع أم لا ؟ ( رَدٌّ على ابن حزم )

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
    أَمَّا بَعْدُ ؛


    فهذه خلاصة بحث قديم لي خاص بمسألة : ( قول الصحابي " من السنة كذا " ونحوه , هل له حكم الرفع أم لا ؟ ).
    والذي تبين لي – بعد طول بحث – أنه مرفوع على الصحيح , وهذا قول الجمهور خلافا لأبي بكر الصيرفي من الشافعية و أبي بكر الرازي من الحنفية وأبي محمد ابن حزم من أهل الظاهر و أبي بكر الإسماعيلي وأبي الحسن الكرخي ,,,والله تعالى أعلم .

    وقد استدل الإمام أبو محمد ابن حزم - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - لما ذهب إليه من أن قول الصحابي " من السنة كذا " ونحوه من قبيل الموقوف وليس له حكم الرفع , وأنه إنما يعني أن ذلك هو " السنة عنده على ما أداه إليه اجتهاده " ، استدل بعدة أدلة , أقوى هذه الأدلة – في نظري – ثلاثة تحتاج إلى الرد – فعلا – فأوردت هنا ما يحتاج إلى رد , وأعرضت عما لا يحتاج إلى رد لضعفه من جهة الاستدلال , والله المستعان .

    الدليل الأول :
    قال ابن حزم : " ..... كان ابن عمر يقول: أليس حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه و سلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا وبالمروة، ثم حل من كل شئ حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا.
    قال أبو محمد: ولا خلاف بين أحد من الأمة كلها أن النبي صلى الله عليه وسلم إذ صد عن البيت لم يطف به، ولا بالصفا والمروة، بل أحلَّ حيث كان بالحديبية ولا مزيد ، وهذا الذي ذكره ابن عمر لم يقع قط لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم ).

    الرد على الدليل الأول :

    قال الصنعاني في توضيح الأفكار :
    " وأما استدلال ابن حزم على ما ذهب إليه بما في البخاري ....... فلا يخفى أنه لم يُرِدْ من السنة الفعلَ منه صلى الله عليه وآله وسلم , بل لفظ " سنة نبيكم " , تعم الفعل والقول والتقرير , فكونه صلى الله عليه و سلم لم يفعل ما ذكره ابن عمر , لم يبطل كونه لم يقله أو لم يقرره , والحاصل أن ما أثبته ابن عمر أعم مما نفاه ابن حزم " .

    وقال السخاوي في فتح المغيث :
    " واستدلال ابن حزم الماضي للمنع بقول ابن عمر ممنوع بأنه لا انحصار لمسنده في الفعل حتى يمنع إرادة ابن عمر بالسنة الرفع في من صد عن الحج ممن هو بمكة بقصة الحديبية التي صد فيها عن دخولها بل الدائرة أوسع من القول أو الفعل أو غيرهما ويتأيد بإضافته السنة إليه صلى الله عليه و سلم ".

    وقال الحافظ ابن حجر في النكت :
    «إن أراد بأنه: لم يقع من فعله، فمُسَلَّمٌ، ولا يفيده . وإن أراد : لم يقع من قوله ، فممنوع . وما المانع منه ؟! بل الدائرة أوسع من القول أو الفعل وغيرهما. وبه ينتقض استدلاله، ويستمر ما كان على ما كان ».

    قلت : هذا هو الوجه الأول من توجيه العلماء لهذا الأثر , والأَوْلى أن يقال :

    إن الذي عناه ابن عمر بالسنة هنا هو " عدم اشتراط النبي صلى الله عليه و سلم في الحج " , وهذا ما عليه جماعة من أهل العلم منهم : العيني وابن مفلح وابن عبد البر وغيرهم , وهذا القول أولى بالصواب .
    يتأيد هذا القول برواية النسائي له برقم (3751) بلفظ : " أما حسبكم سنة نبيكم أنه لم يشترط " , وهكذا رواه الدار قطني من هذا الوجه بلفظ " أما حسبكم سنة نبيكم أنه لم يشترط " .

    قال الإمام النسائي : أنبأ إسحاق بن إبراهيم قال ثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول " أما حسبكم سنة نبيكم أنه لم يشترط فإن حبس أحدكم حابس فليأت البيت فليطف به وبين الصفا والمروة ثم ليحلق وليقصر ثم ليحل وعليه الحج من قابل " . برقم (3751) .

    قال العيني في عمدة القاري :
    " وقد أخرج الترمذي فقال حدثنا أحمد بن منيع حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرني معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة نبيكم , ( قلت ) : يريد به عدم الاشتراط كما هو مبين عند النسائي من رواية معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول " أما حسبكم سنة نبيكم أنه لم يشترط " وهكذا رواه الدارقطني من هذا الوجه بلفظ " أما حسبكم سنة نبيكم أنه لم يشترط " . ا.هـ

    وقال ابن مفلح الفروع :
    " ....ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَيَقُولُ : { أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ } ؟ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ . ا.هـ

    وجاء في طرح التثريب
    " ..... { عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَيَقُولُ : أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ؟ } زَادَ النَّسَائِيُّ ( أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ أَوَّلَهُ وَقَالَ : { أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ؛ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومَ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا } . " ا.هـ

    وقال ابن عبد البر في التمهيد :
    عن معمر عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول " أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه لم يشترط فإن حبس أحدكم حابس عن الحج فليأت البيت فليطف به وبين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر ثم قد حل من كل شيء حتى يحج قابلا ويهدي أو يصوم إن لم يجد هديا " . ا.هـ


    الدليل الثاني :
    قال ابن حزم : " ..... حدثنا حمام بن أحمد قال: ثنا عياش بن أصبغ، ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن قال: ثنا محمد بن إسماعيل الصايغ، ثنا عبد الله بن بكر السهمي، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن مطر هو - الوراق، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب، عن عمرو بن العاص قال: لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها عدة الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا. ا.هـ

    الرد على الدليل الثاني :
    ( قلت ) : هذا حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به . وبه علل :
    العلة الأولى : مَطَرُ بْنُ طَهْمَانَ أَبُو رَجَاءٍ الْوَرّاقُ : َقَالَ الْمُنْذِرُ : ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ . وَقَالَ النّسَائِيّ : لَيْسَ بِالْقَوِيّ .
    والثانية : أَنّهُ مِنْ رِوَايَةِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللّه عَنْهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ , " قَالَ الدَّارَقُطْنِي ُّ : قَبِيصَة لَمْ يَسْمَع مِنْ عَمْرو , وَالصَّوَاب . " لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا " مَوْقُوفٌ , يَعْنِي لَمْ يُذْكَر فِيهِ " سُنَّة نَبِيّنَا " .و وكذلك قال ابن عبد البر في الاستذكار .
    والثالثة : اضْطِرَابُ الْحَدِيثِ وَاخْتِلَافُهُ عَنْ عَمْرٍو عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
    أَحَدُهَا : هَذَا .
    وَالثّانِي : عِدّةُ أُمّ الْوَلَدِ عِدّةُ الْحُرّةِ .
    وَالثّالِثُ عِدّتُهَا إذَا تُوُفّيَ عَنْهَا سَيّدُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا أُعْتِقَتْ فَعِدّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَالْأَقَاوِيلُ الثّلَاثَةُ عَنْهُ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيّ .
    قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنْهُ .
    وقَالَ ابْن الْقَيِّم في " تَهْذِيْبُ سُنَنِ أَبِي دَاودَ " : قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : هَذَا حَدِيث مُنْكَرٌ .... آخِر كَلَامه .
    وقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : ضَعَّفَ أَحْمَد وَأَبُو عُبَيْد حَدِيث عَمْرو بْن الْعَاصِ .
    قال ابن عبد البر في الاستذكار : وضعف أحمد بن حنبل وأبو عبيد حديث عمرو بن العاص في ذلك .
    وَقَالَ مُحَمَّد بْن مُوسَى : سَأَلْت أَبَا عَبْد اللَّه عَنْ حَدِيث عَمْرو بْن الْعَاصِ فَقَالَ : لَا يَصِحّ .
    وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ : رَأَيْت أَبَا عَبْد اللَّه يَعْجَب مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن الْعَاصِ هَذَا , ثُمَّ قَالَ : أَيْنَ سُنَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا ؟ وَقَالَ : أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْرًا إِنَّمَا هِيَ عِدَّة الْحُرَّة مِنْ النِّكَاح , وَإِنَّمَا هَذِهِ أَمَة خَرَجَتْ مِنْ الرِّقّ إِلَى الْحُرِّيَّة .
    ( قلت ) : فلا يجوز الاستدلال بحديث هذا حاله والله المستعان .


    الدليل الثالث :
    قال ابن حزم : " ..... عن سليمان بن الأشعث، ثنا عبد الله بن معاذ، أخبرني أبي، ثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: استحيضت امرأة على عهد رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُمِرَتْ أن تعجل العصر وتؤخر الظهر، وتغتسل لهما غسلا، وأن تؤخر المغرب وتعجل العشاء، وتغتسل لهما غسلا، وتغتسل لصلاة الصبح غسلا، فقلت لعبد الرحمن: أعن النبي ؟ قال: لا أحدثك عن النبي بشيء .
    قال علي : فهذا عبد الرحمن يحكي أنها أمرت في عهد النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يستجز أن يقول: ومن يأمر بهذا إلا النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لا سيما في حياته عليه السلام، وإنما أقدم على القطع في هذا ، من قل فهمه ، ورق ورعه ، واشتغل بالقياسات الفاسدة ، عن مراعاة حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وألفاظ القرآن . ا.هـ

    الرد على الدليل الثالث :
    أولا : إليك هذه الأحاديث :
    1- قال الإمام النسائي : أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَقَالَ تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ برقم ( 359 ) وصححه الألباني .
    قلت : من الذي أمر بذلك ؟؟؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .


    2- قال الإمام أبو داود : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ اسْتُحِيضَتْ فَأَتَتِ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِكَ أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ وَتَغْتَسِلَ لِلصُّبْحِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً اسْتُحِيضَتْ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَهَا بِمَعْنَاهُ. برقم ( 295 ) . وهو في صحيح أبي داود .

    قلت : من الذي أمرها بذلك ؟؟؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .


    3- قال الإمام أبو داود : حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ سُهَيْلٍ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى صَالِحٍ - عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِى حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ تُصَلِّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ لِتَجْلِسْ فِى مِرْكَنٍ فَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ الْمَاءِ فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلاً وَاحِدًا وَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلاً وَاحِدًا وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلاً وَاحِدًا وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهَا الْغُسْلُ أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ.برقم (296 ) . وهو في صحيح أبي داود .

    ( قلت ) : ففي هذه الأحاديث نجد أَنَّ الْآمِر بذلك هو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وقد تكرر هذا الأمر كما ترى عدة مرات , ولذلك قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُود في شرحه لحديث الباب ( برقم : 291 ) :

    ( فَأُمِرَتْ ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُول ، وَالظَّاهِر أَنَّ الْآمِر لَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    ( فَقُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَن ) : هَذِهِ مَقُولَة شُعْبَة ، أَيْ قَالَ شُعْبَة لِشَيْخِهِ عَبْد الرَّحْمَن : هَلْ تُحَدِّث هَذَا الْحَدِيث .
    ( فَقَالَ ) : عَبْد الرَّحْمَن .
    ( لَا أُحَدِّثك عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ ) : هَكَذَا فِي أَكْثَر النُّسَخ الْحَاضِرَة ، وَالْمَعْنَى أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن أَنْكَرَ عَلَى شُعْبَة مِنْ سُؤَاله إِيَّاهُ لِمَا عَلِمَ مِنْ عَادَة عَبْد الرَّحْمَن أَنَّهُ لَا يُحَدِّث لِشُعْبَة إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : لَا أُحَدِّثك عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ ، أَيْ لَا أُحَدِّثك إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي بَعْض النُّسَخ : لَا أُحَدِّثك إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ ، وَبِشَيْءٍ مُتَعَلِّق بِأُحَدِّثُكَ ، وَالْمَعْنَى : لَا أُحَدِّثك بِشَيْءٍ إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    وَيَحْتَمِل أَنَّ شُعْبَة يَقُول إِنَّ قَوْلهَا أُمِرَتْ . هَكَذَا فِي رِوَايَتنَا وَلَا أَدْرِي أَنَّ الْآمِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْره ، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن : لَا أُحَدِّثك عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ شَأْنهَا ، إِنَّ الْآمِر لَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْره . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .... ا.هـ

    ( قلت ) : باعتبار كلامه الأول فلا إشكال أَنَّ الْآمِر لَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    أما على الاحتمال الذي ذكره - وهو احتمال في غاية الضعف - أن عَبْد الرَّحْمَن لا يدري إن كان الْآمِر لَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْره ، فإننا قد درينا أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الآمر بذلك في عدة أحاديث أخر , فلا شك أنه هو الآمر هنا أيضا وإن بني الفعل للمجهول .
    ويتأيد ذلك بالروايات المتعددة الوارد فيها التصريح بأن الذي أمر بمثل هذا هو النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    فالآمر بذلك في الجميع هو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    ويتأيد القول بأَنَّ الْآمِر لَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمَا فِي بَعْض النُّسَخ : لَا أُحَدِّثك إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ . أي : لَا أُحَدِّثك بِشَيْءٍ إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وقد وردت بهذا اللفظ في " عون المعبود شرح سنن أبي داود " طبعة المكتبة التوفيقية ( جـ 1 / ص355 / برقم : 291 ) , وكذلك وردت في موسوعة الحديث النبوي الشريف ـ الإصدار الثاني ـ التي أنتجها موقع روح الإسلام , وهكذا قرئت على الشيخ العلامة عبد المحسن العباد في شرحه لسنن أبي داود في الشريط الثلاثين الدقيقة ( 41 ) وما بعدها , فأقرها وذكر أنها في بعض النسخ هكذا وفي بعضها الآخر هكذا .
    ولذلك غضب عَبْد الرَّحْمَن وأَنْكَرَ عَلَى شُعْبَة سُؤَاله إِيَّاهُ لِمَا عَلِمَ مِنْ عَادَة عَبْد الرَّحْمَن أَنَّهُ لَا يُحَدِّث لِشُعْبَة إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    وحديثنا هذا كالحديث الذي رواه الشيخان أن أبا موسى استأذنَ على عمر ثلاثا ، فكأنه وجده مشغولا ، فرجع ، فقال عمرُ : ألم أسمعْ صوتَ عبدِ اللَّه بنِ قيس ؟ ائْذَنُوا له ، فَدُعِي ، فقال له ، ما حملكَ على ما صنعتَ ؟ قال : إنا كنا نُؤمَرُ بهذا ، قال : لَتُقيمَنَّ على هذا بيَّنةَ ، أو لأفْعَلَنَّ ، فخرج ، فانطلق إلى مجلس من الأنصار ، فقالوا : لا يشهدُ على هذا إلا أصغَرُنا ، فقام أبو سعيد ، فقال : كنا نؤمَر بهذا ، فقال عمرُ : خَفِي عليَّ هذا من أمرِ رسولِ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- ، ألْهَاني عنه الصَّفْقُ بالأسواق ». - يعنى الخروج إلى التجارة - زاد مالك في الموطأ ((فقال عمر لأبي موسى أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله )) قال الشراح ((وحينئذ فلا دلالة في طلبه البينة على أنه لا يحتج بخبر الواحد بل أراد سد الباب خوفا من غير أبي موسى أن يختلق كذبا على رسول الله عند الرغبة والرهبة)) وقالوا في هذا الحديث ((إن قول الصحابي (كنا نؤمر بكذا) له حكم الرفع)) .
    قلت : ويؤيد الرفع ما جاء صريحا في بعض الروايات أن أَبا مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، فَلْيَرْجِعْ » " .

    فلا حجة في حديث الباب للإمام ابن حزم - رحمه الله تعالى - والعلم عند الله تعالى .

  2. #2

    افتراضي رد: قول الصحابي " من السنة كذا " هل له حكم الرفع أم لا ؟ ( رَدٌّ على ابن حزم )

    للرفع

  3. #3

    افتراضي رد: قول الصحابي " من السنة كذا " هل له حكم الرفع أم لا ؟ ( رَدٌّ على ابن حزم )

    قد تثري الموضوع بغزارة الأمثلة
    ويزداد بذلك رونقا وفائدة

    جزاك الله خيرا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: قول الصحابي " من السنة كذا " هل له حكم الرفع أم لا ؟ ( رَدٌّ على ابن حزم )


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: قول الصحابي " من السنة كذا " هل له حكم الرفع أم لا ؟ ( رَدٌّ على ابن حزم )

    قول الصحابي: "من السنة كذا" في حكم المرفوع عند أهل العلم.
    (الفوائد العلمية من الدروس البازية 5/ 537)

    https://binbaz.org.sa/old/726

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •