ذكر ابن كثير في كتابه قصص الأنبياء عند ذكر بناء إبراهيم عليه السلام البيت العتيق ما نصه: (( ثم بعد ذلك بنتها قريش , فقصرت بها عن قواعد إبراهيم من جهة الشمال مما يلي الشام على ما هي عليه اليوم . وفي الصحيحين من حديث مالك , عن ابن شهاب, عن سالم, أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عن ابن عمر, عن عائشة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( ألم تر أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم) ؟ فقلت: يا رسول الله, ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال: (لولا حدثان قومك بالكفر لفعلته). وفي رواية : ( لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية, أو قال بكفر, لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله, ولجعلت بابها بالأرض, ولأدخلت فيها الحجر)
وقد بناها ابن الزبير – رحمه الله- في أيامه على ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب ما أخبرته به خالته عائشة, أم المؤمنين عنه, فلما قتله الحجاج سنة ثلاث وسبعين كتب إلى عبد الملك بن مروان الخليفة إذ ذاك, فاعتقدوا أن ابن الزبير إنما صنع ذلك من تلقاء نفسه فأمر بردها إلى ما كانت عليه, فنقضوا الحائط الشامي وأخرجوا منها الحجر , ثم سدوا الحائط وردموا الأحجار في جوف الكعبة, فارتفع بابها الشرقي وسدوا الغربي بالكلية , كما هو مشاهد إلى اليوم 0 ثم لما بلغهم أن ابن الزبير إنما فعل هذا لما أخبرته عائشة أم المؤمنين ندموا على ما فعلوا وتأسفوا أن لو كانوا تركوه وما تولى من ذلك. ثم لما كان في زمن المهدي ابن المنصور استشار الإمام مالك بن أنس في ردها على الصفة التي بناها ابن الزبير, فقال له: إني أخشي أن يتخذها الملوك لعبة , يعني كلما جاء ملك بناها على الصفة التي يريد, فاستقر الأمر على ما هي عليه اليوم . )) انتهى كلام ابن كثير رحمه الله
وليس المطلوب هنا هو إيراد اكبر قدر من النصوص وتكرار ما ذكره ابن كثير رحمه الله في تفسيره أو غيره من العلماء رحمهم الله مادام أن الأصل في ما ذكر ثابت فإذا علم هذا
يتبين لنا ما يلي:
أولا: الأصل أن الكعبة المشرفة يجب أن تكون على قواعد إبراهيم عليه السلام.
ثانيا:عند زوال المانع من بناءها على ما ذكر فعلى المسلمين أن لا يتأخروا عن ذلك.
ثالثا: فعل ابن الزبير يثبت أن المانع قد زال في زمنه وما بعد.
رابعا: فعل الحجاج مبني على سوء الظن بابن الزبير ولو علم بان ابن الزبير إنما أعاد بناءها على ما أخبرته به خالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما أعادها إلى البناء السابق ولذا ثبت ندمه على ما فعل.
خامسا: فتوى الإمام مالك رحمه الله اجتهادية إذا كان لها مسوق في ذلك الزمان فلا مسوق لها اليوم خاصة وقد انتشر الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
سادسا: التوسعة في الحرم المكي شملت في هذا الزمان أمورا قد تصل إلى إبطال بعض المناسك كالسعي في الأدوار العلوية كما أفتى به بعض العلماء ومع ذلك ما حدثت أي فتنة في ذلك لا من العامة ولا الخاصة فيه دليل على أن المحذور من إعادت بناءها قد انتفى كيف ونحن نرى من المسلمين فئام يطوفون داخل الحجر فيقعوا في محظور آخر.
سابعا: استتباب الأمن لولاة الأمر في المملكة واتفاق كلمة الراعي والرعية بعلمائهم وعامتهم أفضل من أي وقت مضى لا يترك أي عذر أمامهم في التأخر عن هذا الواجب العظيم الذي فرطت فيه قريش لأول الأمر لعدم توفر النفقة الحلال ونحن اليوم نستطيع بناءها ولو ذهبا وأساء بعد ذلك بنو أمية عن جهل فلم يتركوها على بناء ابن الزبير ولئن كان ابن الزبير رحمه الله له أعداء من المسلمين في ذلك الوقت ولم يستتب له الأمر إلا في مناطق محدودة فان كلمة المسلمين اليوم اقرب إلى الاجتماع على البناء الصحيح الذي أسسه إبراهيم عليه السلام وتلك مكرمة عظيمة لا ينالها إلا من وفقه الله إلى ذلك.
فهل آن الأوان لإعادت بناء الكعبة أو على الأقل لإدخال الحجر مع بقاء الكعبة على ما هي عليه؟؟