تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: ماري كاسات وجون سنغر بين أحضان الجامعة !!

  1. #1

    افتراضي ماري كاسات وجون سنغر بين أحضان الجامعة !!

    لم أَعتدِ الارتباطَ بعملٍ أو الانسياقَ لدعوةٍ عَقِب فراغي من مُحاضراتِ الجامعة، إذ الإرهاقُ والنصبُ يتعاقبان فيَّ إذ ذاك، كحالِ أيِّ طالب يقاسِي وَهَجَ الدراسةِ المتواليةِ الساعات ..
    لكنَّ الشأنَ هذا الأسبوعَ لايتوافق مَعَ ما روَّضت نفسِي عليه، فبعد أن آذنتِ الدقيقةُ العشرينُ بالرَّحيل بعد الساعة الواحدة من ظُهرِ يَومِ السّبتِ المنصرم دعاني أحد زملاء الدراسة لزيارة المكتبة المركزيَّة بجامعتِي جامعةِ الإمامِ محمد بن سعود الإسلاميَّة ..

    لم أرَ أنَّ مثلَ هذه الدعوات تغريني كثيرًا، فلم أُدخلها حيِّزَ التفكير، وعزمت على الانصراف.. غيرَ أن الدعوة هذه المرَّة احتفت بخبرٍ مفادُه أن هناك مايؤنسني (على حَدِّ قَولِ صَاحِبِي) ..
    لم يجعلْ لي مجالًا للسؤال، بل قال مبادرًا: (يوجد معرض للفنون التشكيلية يحوي رسمات لجورج واشنطن، ولينكولن، وبعض النساء!!) .
    لم يكن صاحبي محلَّ اتهام عندي، لكنّ اليقينَ لم يُدَاخِل قلبي والخبرُ ماعَلِمتَ، وحُقَّ لي ذلك..
    عزمتُ على الذهاب، بادرتُ به، أخذتُ أَجُرُّ الخطى، وصلت سريعًا .. فوافَقَ الخُبرُ الخبرَ، ولَيتَهُ كذَّبه، فليس ثبوتُ كذبِ صاحبي بأسوأَ عندي من صدقِه في خبرٍ كهذا ..
    كنت أظنُّ الواردَ على المكتبة سيلاقي بعضَ العناءِ في بلوغِ هذا المعرضِ المشؤومِ عليَّ، حتى لَإِنَّه بالكاد يُبصِرُ المعرضَ إلا من طَرْفٍ خفيٍّ..
    هكذا كنت أظن، و هذا ماكنت أرجوه، ومن حقِّي أن أُقدِّر ذلك وأتلمَّسُه، فسوأَةٌ تنالُ منارًا علميًّا إسلاميًّا كجامعة الإمام = من حقِّها أن تَنَالني أنا الذي جعلتُ من أعظمِ أولويَّاتي حصدَ شهادةٍ مختومٍ عليها شعارُها..

    لكنَّ الواقعَ - مرةً أخرى - لم يأتِ على ما أردتّ، فكانت اللوحاتُ الفنيَّة أوَّلَ ما يلقاه باغي المكتبة وقاصدُها ..
    فلا أدري!!..
    أَمِنَ احتضانِ الجامعة لهذا الأمر أخجل؟!
    أم مِن جعلها ذلك في أعظم أركانها، أعني به المكانَ الذي يضمُّ مصادرَها وتراثَها الإسلاميَّ الأصيل؟!
    أم من جعلها في البهو الرئيسي للمكتبة؟!
    حقًّا إنها (ثلاثُ عوراتٍ) لنا ..

    إنّ الفنونَ التشكيليَّة، والرسوماتِ التي يُطرِّزها ذوو الأناملِ الرشيقة، عبارةٌ عن إسقاطاتٍ اجتماعيَّةٍ لخلفياتٍ ثقافية عاشها أصحابُها، فهي بالتالي معلمٌ حضاريٌّ، ينبغي اعتباره دليلًا أو قل: سبيلًا للوصول إلى مُستكِنَّات أفكارِ الأممِ والشعوبِ ومعتقداتِها، سواءٌ كان ذاك المعلمُ مقبولًا أو مرفوضًا..
    المهمّ: أنه يعكِسُ لك ظلًّا لأحوالِ تلك البقعةِ الإقليميَّةِ التي نبعت منها تلك الفنون ثقافيًّا ومعرفيًّا وعقائديًّا ..
    هذه مقدمةٌ أجدني مضطرًّا للتَّقدِمة بها، لأنَّ كثيرينَ أضحَوا يتعاملون مع الهُوِيَّات وكأنها لُعبُ أطفال!!

    أخذتُ أتجوَّل بين تلك اللوحات، وهي تقارب خمسًا وعشرين لوحةً، استَدْبَرَتْ كلُّ لوحةٍ صاحبتَها، وتجمَّعت كلُّها في مكانٍ ليس بالواسع، لكنّه -كما قدَّمت- في مَحَلِّ العينِ ومَجرى الخُطى ..
    أخذت أتجوَّل، فإذا بعيناي ترقبان ثُلَّةً من رموز القارّة الأمريكيّة..
    جورج واشنطن، أبراهام لينكولن، بنيامين فرانكلين، وغيرهم ..
    وإذا بها تحوي صورةً لأم مهاجرة! معها طفلُها، وقد امتطت قاربًا تَشُقُّ به عبابَ البحرِ - أو ربما النهر - ويقودُ القاربَ رجلٌ، أظنه زوجَها..
    وصورةً لِامرأةٍ تحلَّت بلَبُوسٍ لها فاخِر.. ربما هي الأخرى رمزٌ طَوَته صَفَحَات التَّارِيخ، لكن رأت الجامعةُ أنَّ مِن الأصلحِ إبرازَها مَعَ غيرِها من اللوحات لِيَرَى شادي العلمِ بعضًا من الإبداعات الفنيَّةِ لدوروثي لانغ أو ماري كاسات أو جون سنغر وغيرِهِم!!
    سألتُ رجلَ الأمنِ المكلَّفَ بمراقبةِ المعرَضِ عن مصدرِ هذه اللوحات، فأخبرني أنها تابعةٌ للمُلْحقيَّة الثقافيِّة التابعةِ للسفارة الأمريكية ..
    فانحلَّ بذلك جزءٌ من المشكلة، فليست هذه اللوحاتُ انتقاءاتٍ من رجال دانوا بـ(لاإله إلا الله) إيمانًا وتصديقًا ..
    ويبقى الجزءُ الآخرُ والذي أحب تناولَه فيما تبقى من هذه المقالةِ ..

    إنَّ رسمَ ذواتِ الأرواحِ مسألةٌ خلافيَّة تَعَاوَرَتها الأفهامُ قديمًا، وجمهورُ أهلِ العلمِ على تحريمِها مطلقًا، سواءٌ كان لها ظلٌّ أو لا، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بهذه البلاد المباركة، ولَإِن تجاوزَ البحثُ هذه المسألة، فلن يتجاوز رسمَ امرأةٍ سافرةَ الوجه، حاسرةَ الرأس !! وعرضَها أمام الملإ، هكذا بصفاقةٍ لم أعهدها..
    بينما نعاني وطأةَ الحملةِ التغريبية لمجتمعنا المحافظِ من قِبل شِرذِمَة من الكُتَّاب والمفكِّرين الذين حادوا عن السبيل، إذا بالكَلْمِ يأتينا منَّا، وماأبلغ أثرَ مُصابٍ هذا مصدره.. حقًّا ماأبلغه !!
    ليست القضيةُ هيِّنةً كما يظنُّ بعضهم، فالأمر صادرٌ من أعلى محضنٍ تعليميٍّ شرعيّ، فينبغي أن تُساسَ الأنشطةُ المقامةُ فيه بمراعاة هذا المبدأ، واستذكارِ هذا المُنطَلَق، وتُوقَفَ بالتالي دونَ تخطِّي هذا الحد، وصنائعُ الجامعة بمرأى أعينِ الطلبة، فليُراعَ ذلك . هذه واحدة..

    وثانيةٌ:
    (لو تتبعنا الآثارَ الفنيَّة وتاريخَها في كلِّ أجيالِ النَّاسِ من الهندِ والصينِ والعَرَبِ والتُّركِ والرَّوم، وكلِّ الأممِ القديمة، وسائرِ الأمم الحديثة، لم نُخطئ أثرَ الحياةِ الاجتماعية في الأثَرِ الفَنِّي ... ونعني بالحياةِ الاجتماعيَّةِ كُلَّ ماتقومُ عليه من الدِّينِ وعَقَائِدِه وشَرَائِعِه ...) قاله محمود محمد شاكر
    أَنعَمَ اللهُ تعالى علينا بنعمةٍ لا تُضَارِعها أيُّ نعمة، ألا وهي نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم.. وإيمانُنا بالله وعلمُنا بما له علينا من نِعمٍ سابغةٍ يستوجب منا القيامَ بشكرها، ومن أَجَلِّ مشاهدِ شكرِ هذه النعمة: تعظيمُ شعائرِ هذا الدينِ الذي ندين الله تعالى به، ولايتم ذلك إلا بمجانبة ما تَخِذَته مللُ الكفر من عوائدَ وتقاليدَ وأعمالٍ تخالفُ ماعليه شريعتنا..
    وإقامةُ الرُسُومات اليَدَوِيَّة في مَقَاماتٍ مَشهودَةٍ لرموزٍ كافرةٍ من مجتمعٍ ما = صنعةٌ غربيَّةٌ لها ماضيها العفِنُ الذي تَخَطَّى حِمَى التوحِيدِ وجانبَ منارَاتِه.. وقبيحٌ بنا أن نتسنَّم مراكبَ ليست لنا، بل تخالفُ ماعليه معتقداتُنا، ولكن صدقَ من لاينطق عن الهوى: (لتتبعن سننَ من كان قبلكم، حَذْوَ القُذَّة بالقذة) ..
    وأقبحُ من ذلك أن نَرقُبَ - بِعَينِ الأسى والحزنِ - إقامةَ جامعةٍ شرعِيَّةٍ لهذا الذي بَانَ لَكَ خَطَرُه، ولَاحَ لَكَ شَرَرُه.

    فالواجِبُ على كُلِّ من له مَسْكةٌ من قَرار، أو أَثَارةٌ من عِلْم، أن يَعِيَ عظيمَ الخطرِ المحدِقِ بنا، وأن يسعى جاهدًا في تجنُّبِه ودفعِهِ ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأن يكون صلبًا في دين الله، قائمًا بأمر الله، وقَّافًا عند حدود الله، لايهدأ له بالٌ إذا انتُهكت حُرُمات الله، وأن لاتكون المقايسة بين قيامِه بأوامر الله وحفاظِه على مصالحه حاضرةً قائمةً، بل الطاعة المحضَةُ للهِ ورَسُولِه، ولْيَكُن بعد ذلك ماكان..
    وإنّ الأمانةَ التي حُمِّلَهَا القائمونَ بالمؤسَّسَاتِ الشَّرعِيَّةِ والدَّوَائِرِ الدِّينِيّةِ أمانةٌ عظيمَة، لها من الغُنْمِ مالها، وعليها من الغُرْمِ ماعليها ..
    فأسأل الله تعالى أن يُلِهمنا رشدَنا، ويقيَنا شَرَّ أنفسِنا، واللهُ المستعانُ وعليه التكلان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

    الإثنين 26/5/1431هـ

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    الدولة
    في مكان ما من هذا العالم.
    المشاركات
    372

    افتراضي رد: ماري كاسات وجون سنغر بين أحضان الجامعة !!

    بارك الله فيك على هذه الكتابة , نعم اخي سطر مابه الدفاع عن هذه العقيدة سطر مابه الدفاع عن آخر معاقل التوحيد , سطر مابه تفضح المجرمين الذي يريدون ان تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا أسأل الله أن يكف شر أهل الشر عن المملكة الحبيبة وأن يرد كيد أهل الباطل في نحورهم , لايفوتني أخي هنا ان أذكرك بأنه من الواجب عليك أنت ومن شاهد تلك المنكرات التحرك بطريقة أو باخرى لتقديم شكوى عند الجهات المسؤولة ولعلها تجد آذانا صاغية ولن تعدموا أهل الخير في أرض الخير والله أسأل أن يجيرنا وإياكم من الفتن ماظهر منها ومابطن آمين .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    759

    افتراضي رد: ماري كاسات وجون سنغر بين أحضان الجامعة !!

    بصرف النظر عن مادة الموضوع الا ان لغته الرائقة المنسابة كانسياب شعاع الشمس على الامواج الرقراقة في يوم صائف له عبير الاوراق الخريفية المقبلة على تلامس فضائي مع فصل كوني جديد "حديث عهد بربه"يحث الخطى لمعانقة الماضي ،اخذت لغتكم الجميلة بتلابيب خواطري وساقتها مارة على الحروف الملونة بلون لغتنا التشكيلية الجميلة.جزاكم الله خيرا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    578

    افتراضي رد: ماري كاسات وجون سنغر بين أحضان الجامعة !!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابن الشاطيء الحقيقي مشاهدة المشاركة
    بصرف النظر عن مادة الموضوع الا ان لغته الرائقة المنسابة كانسياب شعاع الشمس على الامواج الرقراقة في يوم صائف له عبير الاوراق الخريفية المقبلة على تلامس فضائي مع فصل كوني جديد "حديث عهد بربه"يحث الخطى لمعانقة الماضي ،اخذت لغتكم الجميلة بتلابيب خواطري وساقتها مارة على الحروف الملونة بلون لغتنا التشكيلية الجميلة.جزاكم الله خيرا
    صدقت لغة الموضوع لغة خاصة أتت من آل الشثري المعروفين بمواقفهم اتجاه قضايا الأمة ..
    فلله در الطالب المجد الذي مافتئ بأن يقول الحق وهو مازال في دهاليز الجامعة .
    إذا أصلحنا أعمالنا التي يحبها الله ونستطيعها ، أصلح الله أحوالنا التي نحبها ولانستطيعها ...!!!

  5. #5

    افتراضي رد: ماري كاسات وجون سنغر بين أحضان الجامعة !!

    ما أثقله !! ما أوزنه!! ما أصعبه!! أعني الحق...
    لا عليكم! له رجال!

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •