أخي الفاضل يزيد,
1- لا أنكر ما أثبت الله تعالى لنفسه من الوجه والعين...., وأثبت كل ما أثبته عز وجل لنفسه.
2- وهي ( اليد مثلاً ) عندي يد حقاً بلازم (ليس كمثله شيء).
3- ولها ( اليد ) كذلك معنى نفهمه قطعاً, فالله تعالى لا يعرض نفسه كجسم وأعضاء, فيقول هذه أجزائي أوأجزاء ذاتي: عندي عين وعندي يد وعندي ساق وعندي أنامل.., ولا يحدثنا بشيء عن نفسه بشكل مبهم أولا معنى له, تعالى الله.
هذا ما أؤمن به.
---------------
قلت أخي الكريم يزيد:
تأويل اليد بالصنائع البيضاء والقوة والقدرة مجاز، ولا يصار إلى المجاز إلا إذا تعذر المعنى الحقيقي للفظ
ثم أوضحت بشأن تعذر المعنى:
يقرره المنطق والعقل، والقياس على كلام العرب؛
وقد ذكرت في مداخلتك الأولى:
{وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ }الذاريات47
فلا بد من التأويل؛ لأن لازمه أن لله أيدي كثيرة، فقد جاءت بصيغة الجمع (أيد)
يبدو أن هناك خلاف في معنى أيدٍ كما ذكر الأخ الفاضل عبد الكريم.. طيب,
بفرض أنَّ أيدٍ مما أثبته الله تعالى لنفسه, وأنّ هذا المقصود بها فعلا , فالمنطق والعقل لا يمنعان من أن يكون لله الأحد الذي ليس كمثله شيء أيدٍ, ولا يمنع أن يكون له عز وجل أعين ( فإنك بأعيننا )! ليس بمستحيل !
الإشكال في الذائقة الجمالية يقع عندما نصوّر الله تعالى وذاته وما أثبت لنفسه على شكل بشر بأعضاء مادية لها مقاييس محددة.. عندئذ وبما أننا نرى وجود إعاقة في بشر كلتا يديه يمين, أو بأعين عدة, أو بعين واحدة, أو ساق واحدة.. فسنسقط تصورنا على الله تعالى قياساً وتماثلاً, فنرى أنه ينافي الجمال والكمال.. إلخ
أما عندما لا نمثل ولا نصوِّر وفق مقياس بشري تركيبي, ونعي معنى ( ليس كمثله شيء ) وأنه جل وعلا بخلاف أي تصور نتصوره, فلن يكون هناك إشكال, إذ سنفهم المعنى المراد من سياق الآية أو الحديث النبوي بحسب لسان العرب, ونثبت ما أثبت الله تعالى لنفسه.
نحتاج عقلنا لنفقه المعنى المراد من الكلمات, وليس لتصور تركيب ونسق جمالي حسي معين بتفاصيل حسية معينة لله تعالى.
الله عز وجل ليس خاضعاً لمنطقنا وتصورنا البشري, ولا لتصورات جمالية دقيقة نتذوقها ضمن تفاصيل وتراكيب وجزئيات جمالية حسية بشرية.. محددة.
فإن ذكر الله تعالى بكلماته أو بما أجرى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام, إن ذكر وجود ساقٍ -ضمن سياقها-, فهل يحق لنا أن نتألّى على الله تعالى فنقول بل له ساقين, لأنّ المعايير الجمالية البشرية تقتضي وجود ساقين لا ساق واحدة! فماذا نختلف عندئذ عن المنكرين.
لا أرى ذلك لازما من كلامي، و ليس المقياس نسبيا؛ لأنك يجب أن تفترض أجمل الجمال، وأكمل الكمال ولا نسبية في هذا، إلا عند أصحاب العقول المريضة
والأذواق الفاسدة، التي تستحلي طعم الخمر والخنـزير ورائحة السجائر
فهذي يجمع أصحاب الذوق السليم على أنها أشياء خبيثة
فأما السكير فيستمتع
وأما المدمن فيتمتع
وأما صاحب الذوق والفطرة السليمين فيستقبح ويستقذر
لا تراه لازماً من كلامك, صحيح بالنسبة لك, ولكني أرى غير ما ترى.
فما تقوله فهو على المستوى البشري ( بين البشر ) نعم صحيح, وبالمناسبة.. لولا أنّ الله تعالى حدد لنا قيم ومعايير الجمال والخير والطيبات بمقابل القباحة والشر والخبائث, لأصبحت هذه الأمور نسبية بين البشر, كما هو الحال عند الفلاسفة والملحدين, والحمد لله رب العالمين.
إنما..
لا يصح أخي أن تجعل الإنسان هو النموذج الذي تقيس به جمال وكمال الله تعالى !
سواء جمال البشر الحسي ( اتساق الأعضاء كماً ونوعاً ) أو جمال البشر المعنوي ( الرحمة, العدل, الخير..). لا يجب أن نقيس شبراً بشبر وعدداً بعدد وشكلاً بشكل فنماثل.. ولكن نستدل ونتعرّف, وشتان.
وما تقوله أنت هو بالضبط ما تقوله المعتزلة -وإن بشكل آخر يتعلق بقيم الجمال المعنوية- في تنـزيههم لله تعالى عن أفعال الظلم والشر التي تصدر عن الإنسان ولا يليق أن تُنسب لله تعالى. وهم أخطأوا وشطوا وإن كانت نواياهم طيبة. خطأهم أنهم قاسوا وماثلوا فعل الله تعالى على فعل البشر -كما هو بمقدماته وشكله ونتائجه-, وما عرفوا أن يتجاوزوا النموذج البشري.
لا أريد أن أشعب الموضوع, ولكن أردت لفت نظرك إلى النسبية في قيم الجمال الحسية أو المعنوية, عندما تسقطها على الله سبحانه وتعالى جاعلاً البشر هو نموذجك القياسي, وإلى أنك عندئذ ستضطر أن تعذر فرقا أخرى أخذت بذات "نظريتك الجمالية القياسية" .
يجب أن لا نتعلق بالجزئيات المجردة ( يد, وجه, ساق, عين.. إلخ ) ونتوقف عندها! لنغوص فيها ونخضعها -قياساً- وفق نموذج بشري ومقاييس بشرية جمالية ( كمية ونوعية ), ولكن لننظر إليها ضمن سياقها التي وردت فيه, نفهم المراد بما ينكشف لنا من السياق نفسه واللسان العربي, وإلا سنجد أنفسنا مضطرين للتمثيل والتشبيه والتجسيم! ولا بد أن تكون ( ليس كمثله شيء ) حاضرة أثناء النظر والخروج بفهم.
حتى لا يساء فهمي -مرة أخرى- بأي شكل:
نعم لله جل علا يد ووجه وأثبت كل ما أثبت الله تعالى لنفسه, ولا أحب أن أجزّئ الله تعالى بهذا الشكل ( لأن هذا خلاف آيات الله تعالى وخلاف الهدي النبوي ), ولكن أحب أن أنظر فيما أثبت الله لنفسه ضمن سياقه فأثبته وأفهمه.
أتمنى أن نعود للعلم الذي علّمه رسول الله عليه الصلاة والسلام لصحابته رضوان الله عليهم, للهدي النبوي.. ونتوقف هناك, بدون زيادة.. وبدون فلسفة.
------------------
الأخ الفاضل أسامة
السؤال: هل ترى أن ما عليه الأشاعرة اجتهاد أم بدعة؟ الإجابة بـ : نعم أو لا.
الأشاعرة عندهم خلل في أمور كثيرة, وبالعموم ابتدعوا ما لم يكن من هدي النبوة.
أما بالنسبة لسؤالك ضمن هذا السياق, فجوابي:
إن هم قالوا ننكر أن لله تعالى يد, وقالوا بعدها ما قالوا فنعم أظنهم ابتدعوا, لا أقول ابتدعوا بناء على علماء السلف رحمهم الله تعالى.. لا. ولكن أقول ابتدعوا وفق فهمي لمعنى بدعة في الهدي النبوي.. أي بناء على كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام, حيث أنه جل وعلا لو أراد أن يقول قدرة وعون وعناية.. إلخ لقال تبارك اسمه العليم الحكيم, ولكنه قال ( ضمن سياق الآيات الكريمة ) يد, وقال عين, وقال أعيننا, وقال وجه. وحيث أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ( ضمن سياقات) أنامل, وقال ساق, ولو أراد أن يقول معنى طمأنينة أو معنى قيومية أو أي معنى آخر لقال.
وتعالى الله أن يقول ما ليس له لازمة, أو يلغو كالبشر.. وحاشا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يفعل.
بالتالي, إن من يقول منهم -بالحرف والكلمة.. وبالقطع-: أنكر أنّ لله تعالى يد, أو أنّ لله تعالى وجه, وأن الله تعالى إنما أراد أن يقول عناية وقدرة أو يقول ذات! فأظن -والله أعلم- أنّ من يقول هذا فقد افترى على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما من يقول منهم, يد الله تعالى هي يد القدرة ويد العناية, بدون أن يُنكر ولكنه خاف أن يُفهَم من إثباته لليد على وجه الحقيقة بشكل مجرّد التجسيم, فلا.. لا أراه ابتدع, ولكن اجتهد وأعطى تأويلا, فلماذا تبدّعه ؟.
أخيراً..
إن كنا مبدّعين ولا بد, فالأولى أن نقيس على ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وصحابته رضوان الله عليهم ( هذا معيارنا ), ونرى كيف كان سائر كلامهم في الأمر, وعلى ماذا توقف علمهم في المسألة.. بل هل كان عندهم أصلاً مبحثاً اسمه (الصفات) جعلوا لله تعالى فيه الأجزاء والأقسام وأقاموا لأجله المناظرات والنزاعات والخصومات, وافترقوا فيه فرقاً وفرق.. وعندئذ.. سنرى أنّ المبتدعة كثر, والله أعلم.
-------------------
ربما الخلط سببه سوء فهم بين الفريقين, وسوء فهم ذاتي لكل من الفريقين, والله أعلم !
أرى بأنّ الأشاعرة -أو غيرهم- ( ما لم يقعوا في الإنكار والقطع كما قال الشيخ حبنكة ) مجرد أنهم أثبتوا معنى لليد - العون والقدرة مثلاً-, وقالوا اليد هي يد كذا.. فهم أثبتوا أنّ لله تعالى يد حقاً -على وجه الحقيقة كما يقال-, وإن لم يعوا هذا.. لماذا؟
لأنّ عون الله تعالى وقدرته حقائق ( معانٍ حَيـّة حقيقية ) لها أثر حسي حقيقي ملموس في الكون ككل وفي حياتنا, وليست كالمعاني المجازية البشرية.
ولا أظن -أو هكذا أرجو- أنّ أينا يظن أن لله تعالى يد من مادة نورانية مثلاً ( بمقابل حسية ) لها مثل ما لليد الحسية البشرية من خمسة أصابع بأظافرها وبفقراتها وجلدها وعظمها, ووجوباً متصلة بساعدٍ باتساق معين مع الذراع ككل, ووجوباً وحتى تتم معايير الجمال والكمال فلا بد أن تكون متصلة بكتف, ووجوباً إذن لا بد أن يكون الكتف متصلاً برقبة.. وإذا وصلنا للوجه والجبهة والرأس ( ضمن نظرية الوجوب الجمالية ).. فمعايير الجمال تحتم وجود شعر.. إلخ, وطبق هذه النظرية نزولاً من أعلى الرأس نحو القدمين!.
ثم سنجد أنفسنا أمام نموذج بشري حسي ( ربما أنثوي )! لأنه بحسب معايير الجمال.. أكثر جمالاً.
أظن الأشاعرة أساؤوا فهم معنى "حقيقية" أو على "وجه الحقيقة", فأرادوا أن ينزّهوا الله تعالى عن التجسيم فزلّ منهم من زلّ عندما أنكر,فالمناظرات والجدل ساهم في زيادة الهوة, حيث بدأ كل فريق يصدر "تصريحات" تلزمه بلوازم لا تصح عند مخالفه, بل لو تأمل لوجد أنها لا تصح عنده!.
نسأل الله تعالى السلامة والعافية.