العصمة : المنعة ، و العاصم : المانع الحامي ، والمراد بالعصمة هنا حفظ الله لأنبيائه من الذنوب والمعاصي.
فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقا وهذا معنى النبوة .
قال شيخ الإسلام : إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر : هو قول أكثر علماء الإسلام ، وجميع الطوائف ... وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابةوالتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول .
ومما يدل على عصمتهم في تحمل الرسالة ، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم قال تعالى : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ، إن علينا جمعه وقرأنه ، فإذا قرأناه فاتبع قرأنه ).سورة الأعلى :6
ومما يدل على عصمتهم في التبليغ قال تعالى : (وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى ).سورة النجم : 3-4
أما الخطأ الذي بغير قصد فهو في سبيلين :
في أمور الدنيا : فهذا يقع ووقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فيه مثل سائر البشر كأمور الزراعة ، زالنجارة وغيرها .
عن رافع بن خديج قال : " قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينةوهم يُأبِّرون النخل قال : ما تصنعون ؟ قالوا : كنا نصنفه قال : لعلكم لو لم تفعلواكان أحسن فتركوه فنقصت فذكروا ذلك له فقال : إنما أنا بشر مثلكم ، إذا أمرتكم بشيءمن دينكم فخذوه ، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر . رواه مسلم .
نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخطأ في هذا الأمر من أمور الدنيا لأنه كسائر البشر ولكنه لا يخطئ في أمر الدين ( وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى ).سورة النجم : 3-4
وأما الخطأ بأمور الدين من غير قصد:
فالراجح في ذلك من أقوالالعلماء : أنه يقع من النبي مثل هذا ولكن على سبيل فعل خلاف الأولى .
فقدتعْرِض له المسألة وليس عنده في ذلك نص شرعي يستند إليه فيجتهد برأيه كما يجتهدالعالِم من آحاد المسلمين فإن أصاب نال من الأجر كِفْلين وإن أخطأ نال أجراً واحداًوهذا قوله صلى الله عليه وسلم " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذااجتهد فأخطأ فله أجر واحد " . رواه البخاري ومسلم من حديث أبيهريرة .
وقد حدث هذا منه في قصة أسرى بدر. ،فنلاحظ أن هذه الحادثة لم يكن عندرسول الله فيها نص صريح فاجتهد واستشار أصحابه ، فأخطأ في الترجيح .
ومثل هذا في السنّة قليل فيجب أن نعتقد العصمة للرسل والأنبياء وأن نعلم أنهم لايعصون الله تعالى .
العصمة في التحمل وفي التبليع :
اتفقت الأمة على أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة ، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم قال تعالى : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ، إن علينا جمعه وقرأنه ، فإذا قرأناه فاتبع قرأنه ).سورة الأعلى :6
وهم معصومون في التبليغ فالرسل لايكتمون شيئا مما أوحاه الله إليهم قال تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) سورة المائدة :67
ومما يدل على عصمته في التبليغ قال تعالى : (وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى ).سورة النجم : 3-4
أمور لاتنافي العصمة :
الأعراض الجبلية البشرية لا تنافي العصمة :
- الخوف ، قال تعالى : ( فلما رأى أيديهم لاتصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ، قالوا لاتخف ..) سورة هود 70
- الغضب ، قال تعالى : ( ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ) سورة الأعراف 150
- كونه لا يعلم الغيب ، قال تعالى : ( ولو كنت أعلم الغيب لا ستكثرت من الخير وما مسني السوء ) سورة الأعراف : 188
- النسيان في غير أمور التشربغ والبلاغ ، عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لما خلق الله آدم ، مسح ظهره ، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ، ثم عرضهم على آدم ، فقال : أي رب ! من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك فرأى رجلا منهم ، فأعجبه وبيص ما بين عينيه ، فقال : أي رب ! من هذا ؟ فقال : هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك - يقال له : داود - فقال : رب ! كم جعلت عمره ؟ قال : ستين سنة ، قال : أي رب ! زده من عمري أربعين سنة ، فلما قضي عمر آدم ، جاءه ملك الموت ، فقال : أولم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال : أولم تعطها ابنك داود ؟ ! قال : فجحد آدم ، فجحدت ذريته ، ونسي آدم ، فنسيت ذريته ، وخطئ آدم ، فخطئت ذريته ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .