للمجتمع حركة سير في التّدين والأفكار والاتجاهات ونحوها ، قد تستقيم وقد تعوج حسب الموجِّهات التي توجه ذلك المجتمع ..
ولذا ؛ فقد يكون المجتمع في فترة من الفترات على تدينٍ ما ، له مواصفاته وخصائصه ، أو هو على اتجاه معين له مواصفاته وخصائصه ، ثم تراه بعد زمن قد تحول عن هذا التدين أو ذاك الاتجاه ، إلى آخر قد يحمد أو يذم ..
ومن هنا ، فإن دوام الحال من المحال ، والرب جل وعلا يقول : ( فمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) ..
ولستُ هنا استعرض تفصيلات ( حركة التحول ) بميادينها المختلفة : تحول الأفراد ، أو تحول المجتمعات ، أو تحول الدول ، أو تحول المناخ والذي هو الآخر لا يستقر على حال ثابتة ، إنما استعرض هنا وصف حالة ( القارئ النهم ) الذي يعيش مع الكتاب مع حالة مجتمعه الذي يعيش فيه ، وذلك أني أكتب هنا عن ( آفات القراء ) .
فإن من آفات القراء التي أحسب أنها موجودة فيهم ، وأعتبرها من الآفات الشائعة ما يحسن أن أسميها بـ :
الانفصال عن حركة المجتمع ..
فحينما ينهمك القارئ في ( الكتاب ) ويبيت يعيش مع أفكاره ، أو مع السِّيَر المكتوبة فيه ، أو مع معالجات المؤلف لبعض القضايا ـ أياً كانت ـ يكون في حالته تلك على حالة بعيدة عن واقع وهموم وتحولات مجتمعه ، ومن ثم ينمو لديه هموم ومشاعر ليست نتيجة ( حياة المجتمع ) ، وإنما كان ذلك نتيجة مطالعة كتاب ، والمجتمع من حواليه يعيش هموماً وتحولاتٍ ( دينية ، أو فكرية ، أو اجتماعية ، أو اقتصادية ) ، وهو لا يعرف عنها إلا من خلال منافذ ضيقة لا تسع إلا بقدر المعرفة المجملة دون أن تجعله يعيش هم المجتمع الحقيقي ، وذلك لأنه لم يقترب من حالة ذلك الفقير الذي كسر الفقر نفسه فلم يعد يشعر إلا بما يرفع عته فاقته ..
وهو لم يجالس ذلك التاجر الذي يدفعه حرصه على المال أن يطرح بين كل فترة وأخرى ما يجلب له الربح المادي بغض النظر عن أثر ذلك على المجتمع ..
وهو لم يأت أجواء الطلاب في مدارسهم ، أو الناس في أسواقهم ومجامعهم ، ولم يلامس ما يهمهم ، فالمجتمع يعيش في وادٍ وقد يكون بلغ التفاعل فيه مع قضية معينة إلى درجة عالية من الاحتقان ، وهو في وادي آخر لا يدري درجة ذلك التفاعل ولا قدر حجمه ، لأن ذلك الأمر لا يعيشه مع المجتمع ، وذلك لأن الجلسة على الكتاب عزلته ( فكراً ، ووقتاً ، وهموماً ) عن أجواء المجتمع بهمومه وآماله ، فلم يعد فاعلاً فيه كما ينبغي ، بل لم يعد يعيش فيه كما يجب !! ..
ولذا ، فلا عجب أن تقرأ لبعض ( القراء ) الذين عرفوا بالنهم في مطالعة الكتب أفكاراً ، أو وصايا وإرشادات هي إلى السفسطة أقرب منها للواقعية ..
تراه حسن البيان ، رائع البلاغة ، ولكنه غير منطقي التوجيه والمعالجة فهو في واد والمجتمع في واد آخر ..
إذاً :
2. فالانفصال عن حركة المجتمع ، آفة من آفات القراء ..