قبل ما يزيد عن الشهرين استقبلت الأمة الإسلامية السنة الهجرية وهي ذكرى غنيّة عن كل تعريف ..
الهجرة التي غيرت مجرى التاريخ , ومكّنت للإسلام أن يتربّع على عرش الدّيانات , وسمحت بأن تعلو راية لا إله إلا الله محمّد رسول الله وبفضل الإسلام وليس بفضل ديانة أخرى أو شيئ آخرنحن نعيش اليوم عيشة كريمة ونتمتع بحرّياتنا في جميع شؤوننا , لولا تنغيصُ بعض المتحكّمين علينا في أمور عصوا الله تعالى فيها , ويريدوننا أن أن نُطيعهم , وما علموا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى ..
فكيف يا ترى احتفل المسلمون بهذه الذكرى الكريمة ؟؟
ودعونا قبل ذلك أن نُسلّط الضوء على احتفالات المسيحيين بعيدهم السنوي , بغض النظر عن عمّا خالفوا فيه الشريعة الإسلامية من إباحتهم ما حرّم الله وتحريمهم ما أحلّ
إن المسيحيين يجتمعون في ساحات كبيرة ويُشعلون الشموع ويُضيئون بمصابيح مختلفة ومتلوّنة طبقات الظلام و إيحاءا منهم بأن المسيح أضاء بميلاده الدّنيا , ومن لم يكن منهم ضمن تلك الجموع المحتشدة , فهو في بيته يحتفل مع أسرته لكن .. كلهم يتفقون أن المسيح هو الم راد باحتفالهم هذا وليس سواه .. وما أقول هذا الكلام حبّا في المسيحية أو في أهلها ..
ولكن لكي أبيّن أنهم لا يُقدمون على شيئ مهما صغُر شأنه إلا و عقيدتهم هي أول مبدئ ينطلقون منه , فاقامو عرسهم إحتفالا بالمسيح .. والمسيح فقط .. وليس شخصا آخر فهم يُقدسونه وييُعظمونه ويُعطونه ما يستأهلُ من حق ومن قدر .
فهل المسلمون انطلقوا في احتفالهم بالهجرة من منطلق العقيدة ؟؟ وهل عبدوا الله وحده و كان شغلهم الشاغل سير ة المصطفى صلى الله عليه و سلم و دراستها ..... ؟؟ لنرى ذلك ..
بكل خجل وبكل أسف نقول : إن احتفال المسلمين باعيادهم الدينية وبذكرى الهجرة خصوصا , شيئ يندى له جبين الحرّ خجلا .. فلقد مرّوا على ذكرى الهجرة مرور الكرام , فمرّت عليهم كما تمر سائر الأيام ما عدا بعض الإشارات البسيطة حول الذكرى وبعض التحرّكات التي لا تُعدّ ذات شأن إذا قارنّاها مع شأن الهجرة الرّفيع و أهميتها .. مع بعض الخطب والدروس وذكر قصّة الهجرة دون عبر أو تأمّل !
وأنا أستمع بعد يوم الهجرة بيومين إلى المذياع , نفذت في مسامعي اصوات ُ مذيعين و مذيعات وأناس من العامة يُهاتفونهم و يَتحاورون عن كيفية احتفالهم بالذكرى , فاستمعوا إلى من يدّعون الإسلام :
يذكر الواحد منهم أن احتفاله تمّ بزيارته لقبر وليّ صالح - وما أظنّه إلا قبرُ رجل عاديّ إن لم يكن قبر دابّة أو ما شابه - وانه جلسَ بمحاذات القبر وراح يرسل توسُّلاته جاعلا من في الضّريح وسيطا بينه و بين الله تعالى !!!! وصار يهتف باسم الميّت لا باسم الله ليكون سببا في غفران الله له , وفي زوال همومه و غمومه و أسقامه وأشجانه , وفي نزول الرّحمات المتتاليات عليه بسبب ذاك الميّت !! وهيهات لو أنهم اكتفوا بذلك .. بل إن امرأةً قالت بكل جهل و صفاقة وجه : انها ما إن جلست إزّاء القبر حتّى شرعت في رمي المجوهرات و المال الوفير وهي تتفوّه بكلام كلّه شرك بالله و العياذ بالله و بل إن مثيلاتها يذبحن الشّياه و الدّجاج و ما إلى ذلك تقرّبا لله بها كما يزعمون ...
وإني من مكاني هذا أقول لهم : خسئتم ,و أخزاكم الله جميعا , فوالله ما زدتم من الله إلا بعدا .. هم يتمنّون بعد دعَواتهم و توسّلاتهم لجُثةٍ لعلها صارت ترابا لا تملك نفعا و لا ضرّا إن لم تكن محتاجة هي نفسها إلى من يدعو لها كي تنال رحمة الله و رضاه ! وبعد رمي الأموال الطّائلة و الذهب و الفضّة , وبعد ذبح القرابين يستيقنون بأنهم أناسٌ غفر الله لهم من ذنبهم ما تقدم وما تأخر , و أنهم حازوا على رضا الله تعالى وأنه سيجزيهم الفردوس الأعلى لأ نهم لم يتخذوا من دونه أندادا ..
وأقسمُ بالله العظيم أن عملهم هذا هو الشرك عينُه .
اوليس هذا ما نهى عنه الله و رسوله ؟؟؟؟ أو ليس من أجل هذا بعث الله النبيين و المرسلين ؟؟؟؟ أليست هذه هي الوثنية نفسُها وهي أمامنا نراها و لا نُحرك ساكنا ؟؟؟؟ أوليس لهذا السّبب دمّر الله الأمم الخالية ؟؟؟؟ .
هاهم يتكلمون عنها بكل جرأة في ربوع يُظللها الإسلام بظله , وبين أظهر المسلمين , ولا أحد قال لهم : كلمة الحق " لا " !!!!
ولقد حيّرني أمران ....
أولهما :
أن الإذاعة المسموعة وصل بها و بطاقمها كلّ هذا الإنحطاط و الجهل , وكنت أحسب من قبل أن أستمع إلى هذه القاذورات أنّ الإذاعة مصدر تثقيف و تعليم و تربيةٍ للأمّة الزائغة عن الحق التّائهة في ظلمات الجهل و الحاملة لجراثيم سوء الأخلاق المنتشرة بينها بسرعة انتشار أسراب الجراد الجائعة على المزرعة المليئة بالحَبّ ...
فهاهي اليوم تجعل من هذه النعمة سببا في نشر الجهل و الضلالات وإيذاع الفتن و المحرّمات , ومعاونة الجاهلين أمثالهم على الشّرك بالله رب العالمين ..
لكن ...كيف يكون ذلك ؟ ولقد دخلت هناك يو ما , فلم أر شيئا فيها يوحي بالإسلام أو على الأقل بالتّعفّف و الحشمة و الأخلاق , رأيتُ مذيعات أو صحفيّات غارقات في تبرّج سافر و عراءٍ صارخ , يُفتن الشيطانُ منه ...!! ومع ذلك يبدأون برنامجهم الصّباحي بآيات قرآ نية للتلفيق و التّدليس ... و الحقيقة أنه لا مكان هناك للإسلام و لا لركن من أركانه ..
و ما نشرات الثامنة التي تُقدّمها الإذاعة البصرية ونشرات الأحوال الجوّية , بأيسر من الإذاعة المسموعة , نساء ليس فيهنّ ادنى علامات الحياء يتكلّمن بالسّاعات الطّوال وهنّ كاسيات عاريات يَريْنَ أنّهنّ صحافيات و أنّ العراء أمام الملايين و أمام حتّى أزواجهم وبناتهم وأبنائهم و هم ينظرون إليهن .. يرينَ ان ذلك من شروط مهنة الصحافة , ومثل هذه المناظر في رأيي هي عنوان الدّولة العلمانية التي تجعل الإسلام فُضلة كفُضلة الأكل التي تُجمعُ لكي تُرمى في القمامة ...
ثانيهما :
وهو المهم كيف أن الفقهاء و العلماء و القائمون مقامهم والدّعاة والخطباء والواضعون أنفسهم مواضع التبليغ و الدّعوة يستمعون إلى مثل هذه التّفاهات بل و لعلهم ينظرونها بأمّ أعيُنهم و يسكتون , والساكت عن الحق شيطانٌ أخرس , وكيف لا يتحرّكون لمحاربة هذا الشرك وهم يدّعون محاربة البدع , و يُعنّفون ويتشدّدون على حالق اللّحية , ومُسدلِ السّروال تحت كعبيه حتّى يَظنّ المسكينُ أنّه كافرٌ بهذا الزّيّ وبتلك الصّفة !!
أم أن علماء السوء من طُلاب المال و الدنيا لا يهمهم هتك ُ عرض الإسلام و تمز ّقه بأيدي المُتحكّمين الذين وضعوهم لكي يَخدعوا الناس من العامّة بهم وهم في الحقيقة يعملون على أن لا تقوم للإسلام قا ئمة أبدا , و يترصّدون متى تُتاحُ لهم الفرصة فيضربونه الضّربة التي تقصِمُ ظهره ..
وأين من يدّعون أنهم مصلحون اجتماعيون وقد جعلوا من أنفسهم قُوّادا على هذه الأمّة المريضة , وهم يننفثون سمومهم في من يَجدونه يُصغي إليهم و يقبل أفكارهم الشائنة و مراوغاتهم الماكرة , ولسنا نعلم منهم من دافع على الإسلام و لو في كلمة واحدة , بل ما سمعنا منهم إلا الطعن في الإسلام والتخطيط بكتاباتهم للقضاء عليه ...
فمنهم من قال مرّة - في مآذن المساجد - : " ما هذه المآ ذن التي لم تنطلق "
ومنهنّ من قالت - في المُصلّين - : " إن تمريغ الرّجل لوجهه في الأرض خمس مرّات في اليوم هو ذلّ " وما إلى ذلك من أقوال و إساءات يظنون أن الله لن يُجازيهم عليها ..
ولا أريد ان ألوّث هذه الصفحة الطّاهرة بترّهاتهم الطّفولية , كما أنني لا أريدُ أن أردّ عليهم هنا ..لكننا نقول لهم : ( يُريدُونَ أن يُطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى اللهُ إلا أن يُتمّ نورَهُ و لو كره الكافرون ) نعم ..
ولو كره الكافرون المنافقون المدّ عون الإسلا م , ولولا الإسلام الذي يطعنون فيه , ما عاشوا اليوم إلا خدما تحت أيدي المستعمرين يُدلّون رجالهم و يستحيون نساءهم ..
فبمثل هذا و ذاك أصبحت هذه الوثنية تسعى بين أظهُرنا اليوم وهي تتمتّع بكامل حرّيّاتها وحقوقها !! ومن أعطاها تلك الحرية و ذلك الحق ؟ المسلمون أنفسهم !!!!
قال تعالى :( و لئِن سألتَهُم من خلق السّمواتِ و الأرض ليقولنّ الله ) فهم يعلمون أن الله هو الخالق المُدبّر لكنهم يتوسّطون بينهم و بينه بصنم صنعته أيديهم ..فلمّا سُئلوا : مادمتم تعرفون أن الله هو الخالق فلماذا تعبدون صنما ؟؟ !! قالوا : ( ما نعبُدُهم إلا ليُقرّبونا إلى الله زلفى ..)
فهذه إذن وثنية , والأخرى أيضا وثنية إلا أنّ الأولى يجعلون الوسيط قبرًا لا أدري ما المدفون فيه ! والتي تحدّث القرآن بشأنها يجعلون الوسيط َ صنما ..
ولم تبدأ محاربة الوثنية في عهد النبي صلى الله عليه و سلم بل بدأت محاربتها في عهد الرسول نوح عليه السلام .. وكلما أتى جيل يعتنقها أباده الله و دمّره وأحلّ محله جيلا آخر , حتّى رأيناها اليوم تُحمى من طرف هؤلاء المُتحكّمين المدّعين الإسلام , بل هم راضون عنها كل الرّضى , بل هم يأمَنون عذاب المنتقم الجبار , و يَظنون أنهم معجزي الله وأنهم في أمان منه , حتى يأتي اليوم الذي يُبيدهم فيه كما أباد الأمم الخالية ..
ثم هي تُحمى من طرف العامّة إلا من رحم الله تعالى , وإلا فكيف يُذاع موضوع يصِفُ فيه أصحابُه كيف أشركوا بالله و كيف يُشركون اليوم به ويسمعُه أكثر من 38 مليون مؤمن ولا نسمعُ أحدهم قال : اتقوا الله !!