جاء عن علماء الشافعية النهي عن نماذج من الشرك منها:
1. من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة:
كما قال تعالى ((والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ))الزمر(3)قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية:( أي إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صورة الملائكة المقربين في زعمهم فعبدوا تلك الصور تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله تعالى في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمور الدنيا فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين له ، قال قتادة والسدي ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد (( إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) إي ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة ولهذا كانوا جاحدين له كافرين يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ، وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثة وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردها والنهي عنها والدعوة إلى إفراد الله وحدة لا شريك له وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم لم يأذن الله فيه ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه. وأخبر أن الملائكة التي في السموات من الملائكة المقربين وغيرهم كلهم عبيد خاضعون لله لا يشفعون عنده إلا بإذنه لمن ارتضى وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم يشفعون عنده بغير إذنهم فيما أحبه الملوك وأبوه ((فلا تضربوا لله الأمثال )) تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا .
وذكر التفتازاني أن شرك المشركين وقع حين « مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله اتخذوا تمثالاً على صورته وعظموه تشفعاً إلى الله تعالى وتوسلاً»شرح المقاصد (4/ 41).
وهذا ما يؤكده العلماء دائماً أن نوع شرك المشركين السابقين: هو شرك تشفع وتوسل بالصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى. )وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ ([يونس18].
وقال الفخر الرازي الشافعي رحمه الله في تفسيره (17/59) :
((اختلفوا في أنهم قالوا في الأصنام أنهم شفعاؤنا عند الله.....))
فذكر صور منها قوله : ((ورابعها أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صورة أنبيائهم وأكابرهم وزعموا متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور ألأكابر على اعتقادهم أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله )) .
وقال أيضاً في تفسيره (25/254): (( واعلم أن المذاهب المفضية إلى الشرك أربعة......)) فذكر ثلاثة ثم قال ((رابعها قول من قال :أن نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا فقال تعالى في إبطال قوله(( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له )) فلا فائدة لعبادتكم غير الله فإن الله لا يأذن في الشفاعة لمن يعبد غيره فبطلبكم الشفاعة تفوتون على أنفسكم الشفاعة ))
فتأمل :أن من طلب الشفاعة فوت على نفسه الشفاعة التي تكون يوم القيامة لأنها لا تنال إلا بالتوحيد.
قال الإمام البغوي في تفسير هذه الآية
:( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) قال قتادة: وذلك أنهم إذا قيل لهم: من ربكم، ومن خلقكم، ومن خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، فيقال لهم: فما معنى عبادتكم الأوثان؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، أي: قربى، وهو اسم أقيم في مقام المصدر: كأنه قال: إلا ليقربونا إلى الله تقريبًا ويشفعوا لنا عند الله، { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } يوم القيامة { فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من أمر الدين { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } لا يرشد لدينه من كذب فقال: إن الآلهة تشفع وكفى باتخاذ الآلهة دونه كذبًا [وكفرا]تفسير البغوي - (7 / 104)
قال الإمام الطبري رحمه الله ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) يقول تعالى ذكره: والذين اتخذوا من دون الله أولياء يَتَوَلَّوْنَهُ م، ويعبدونهم من دون الله، يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الآلهة إلا لتقربونا إلى الله زُلْفَى، قربة ومنزلة، وتشفعوا لنا عنده في حاجاتنا) تفسير الطبري - (21 / 251)
قال الإمام النسفي رحمه الله
{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } [الزمر : 3]أي آلهة وهو مبتدأ محذوف الخبر تقديره : والذين عبدوا الأصنام يقولون { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر : 3]مصدر أي تقريباً { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } [الزمر : 3]بين المسلمين والمشركين { فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الزمر : 3] قيل : كان المسلمون إذا قالوا لهم من خلق السماوات والأرض؟ قالوا : الله ، فإذا قالوا لهم : فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى).تفسير النسفى - (4 / 41)
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى ((وأن الوثني إذا قال:لا إله إلا الله فإن كان يزعم أن الوثن شريك لله تعالى صار كافرا وإن كان يري أن الله تعالى هو الخالق ويعظم الوثن لزعمه أنه يقربه إلى الله تعالى لم يكن مؤمناً حتى يتبرأ من عبادة الوثن ))(7/303)كتاب الردة من كتاب روضة الطالبين للنووي.
واعلم أن الشفاعة الشرعية لاتكون إلا بعد أذن الله للشافع بالشفاعة ورضاه عن المشفوع له كما قال - عز وجل - : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] .
ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال
- عز وجل - : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } [ الأنبياء : 28 ] وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال - عز وجل - : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [ آل عمران : 85 ] .
فإذا كانت الشفاعة كلها لله ، كما قال تعالى : { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } [ الزمر : 44 ]ولا تكون إلا من بعد إذنه ، ولا يشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه ، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد . إذاً فأطلبها من الله فقل : اللهم لا تحرمني شفاعته ، اللهم شفعه في ، وأمثال هذا .
قال الطبري
:
في قوله عزوجل
( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ) يقول تعالى ذكره: وكم من ملك في السموات لا تغني: كثير من ملائكة الله، لا تنفع شفاعتهم عند الله لمن شفعوا له شيئا، إلا أن يشفعوا له من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة لمن يشاء منهم أن يشفعوا له ويرضى، يقول: ومن بعد أن يرضى لملائكته الذين يشفعون له أن يشفعوا له، فتنفعه حينئذ شفاعتهم، وإنما هذا توبيخ من الله تعالى ذكره لعبدة الأوثان والملأ من قريش وغيرهم الذين كانوا يقولون( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) فقال الله جلّ ذكره لهم: ما تنفع شفاعة ملائكتي الذين هم عندي لمن شفعوا له، إلا من بعد إذني لهم بالشفاعة له ورضاي، فكيف بشفاعة من دونهم، فأعلمهم أن شفاعة ما يعبدون من دونه غير نافعتهم.
قال النسفي
: في قوله عزوجل { وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِى السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ شيئا إِلا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَى } [النجم : 26] يعني أن أمر الشفاعة ضيق فإن الملائكة مع قربتهم وكثرتهم لو شفعوا بأجمعهم لأحد لم تغن شفاعتهم شيئاً قط ، ولا تنفع إلا إذا شفعوا من بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة لمن يشاء الشفاعة له ويرضاه ويراه أهلاً لأن يشفع له فكيف تشفع الأصنام إليه لعبدتهم
2- الدعاء لغير الله :
الدعاء عبادة فلا يجوز صرفه لغير الله وعلى ذلك دلت الأدلة الكثيرة، قال تعالى ((ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك من الظالمين )) ومن ذلك الاستعانة والاستغاثة فالقول فيها واحد فإنها إذا صرفت لغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا الصرف شرك أكبر وأما إذا كانت في أمور يقدر عليها المستعاذ والمستغاث و المستعان فهذا لا بأس به و لا يكون من العبادة في شيء وذلك لكون الاستعانة والاستغاثة والاستعاذة طلب والطلب دعاء كما هو معروف .
تعريف الدعاء: قال الحافظ ابن حجر: « الدّعاء هو غاية التّذلّل والافتقار » [فتح الباري 11/95]. وقال مثله الزبيدي [فتح الباري 1/149 وانظر إتحاف السادة المتقين5/4]
قال الفخر الرازي: « المقصود من الدعاء إظهار الذلة والانكسار » وقال: « وقال الجمهور الأعظم من العقلاء: الدعاء أعظم مقامات العبادة » [لوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات ص91 تحقيق طه عبد الرؤوف سعد ط: دار الكتاب العربي].
وذكر الحليمي: « أن الدعاء من التخشع والتذلل لأن كل من سأل ودعا فقد أظهر الحاجة وباح واعترف بالذلة والفقر والفاقة لمن يدعوه ويسأله » [المنهاج في شعب الإيمان 1/517 ط: دار الفكر 1979].
قال ابن قتيبة في قوله تعالى: )وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين([البقرة23].
« أي ادعوهم ليعاونوكم على سورة مثله، ومعنى الدعاء ههنا الاستغاثة، ومنه دعاء الجاهلية وهو قولهم: يا آل فلان، إنما هو استغاثتهم» (غريب القرآن43).
)وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي([غافر60].قال السدي: أي دعائي (تفسير الطبري 16/51 الجزء 24 ص51). قال الحافظ « وضع عبادتي موضع دعائي» (فتح الباري 11/95)وهذا دليل على أن الدعاء مستلزم للعبادة.
)أليس الله بكاف عبده([الزمر36]. قال الزبيدي « وقبيح بذوي الإيمان أن ينزلوا حاجتهم بغير الله تعالى مع علمهم بوحدانيته وانفراده بربوبيته وهم يسمعون قوله تعالى )أليس الله بكاف عبده((أضاف) : ليعلم العارف أن المستحق لأن يُلجأ إليه ويستعان في جميع الأمور ويعول عليه هو الواجب الوجود المعبود بالحق الذي هو مولى النعم كلها .... ويشغل سره بذكره والاستغناء به عن غيره (إتحاف السادة المتقين 9/498 و5/119).
قال الإمام الذهبي الشافعي رحمه الله أثناء ترجمته لنفيسة بنت الحسن رحمهم الله ((...وللجهلة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف ولا يجوز مما فيه من الشرك ويسجدون لها ويلتمسون منها المغفرة وكان ذلك من دسائس العبيدية))سير أعلام النبلا (10/106)
الشاهد أنه عدَّ من الشرك التماس أو طلب المغفرة من السيدة نفيسة والمغفرة من خصائص الله وحدة لا شريك له.
وقال الشهرستاني الشافعي ((.....القوم لما عكفوا على التوجه إليها ـ الأصنام ـ كان عكوفهم ذلك عباده وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها )) الملل والنحل (2/259)
عدّ رحمه الله طلب الحوائج من الأصنام إثبات لإلهيتها فدل على أن الإله الحق هو الذي يخص بطلب الحوائج .
قلت: ويدل على ذلك قوله تعالى ((أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله .....)) النمل (62 )
وقد نبه ابن الأثير إلى أن الدعاء مشتمل على أمرين عظيمين:
احدهما: انه امتثال أمر الله تعالى حيث قال(( ادعوني أستجيب لكم ))
والثاني
: ما فيه من قطع الأمل عما سوى الله وتخصيصه وحده بسؤال الحاجات راجع النهاية في غريب الحديث(4/305)
قال ابن كثير - رحمه الله- عند تفسير قوله تعالى ))وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه))
((أي عند الحاجة يتضرع ويستغيث بالله وحده لاشريك له إلى أن قال : وفي حال العافية يشرك بالله ويجعل له أندادا "قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار" أي قل لمن هذه حالته وطريقته ومسلكه تمتع بكفرك قليلا وهو تهديد شديد ووعيد أكيد)) الزمرآية(8)
والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك
.لأنه يلزم منه أن الميت يسمع كل نجوى ودعاء ولا يخفى عليه شيء من ذلك: و يلزم منه أنه سميع بصير بالغيب. لا يخفى عليه شيء مما يدعو به الناس. لا تلتبس عليه المسائل يسمع المستغيثين أينما كانوا قريبين أو بعيدين بالآلف كانوا أم بالملايين كأن هؤلاء الأموات يسمعون ما يقال لهم ويطلب منهم من الحاجات المختلفة بلغات متباينة فهم عند المستغيثين بهم يعلمون مختلف لغات الدنيا ويميزون كل لغة عن الأخرى ولو كان الكلام بها في آن واحد وهذا هو الشرك في صفات الله تعالى الذي جهله كثير من الناس فوقعوا بسببه في هذه الضلالة الكبرى.
لقد خفيت أمور على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن كان حيا: قال تعالى عن بعض المنافقين (لا تعلمهم نحن نعلمهم).
وخفي عليه قتل القراء السبعين من الصحابة...الخ
وهذا نبي الله عيسى عليه السلام صرح أنه كان شهيدا على أمته ما كان فيهم. فقال (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم).
فكيف يعتقد هؤلاء أنه يسمع استغاثتهم أينما ووقتما كانوا؟ هذا هو التأليه مع الله.
وقال ابن حجر الهيتمي المكي في "الفتح المبين شرح الأربعين" (ص172): (فمع النظر لذلك لا فائدة لسؤال الخلق مع التعويل عليهم فإن قلوبهم كلها بيد الله سبحانه وتعالى، ويصرفها على حسب إرادته، فوجب أن لا يعتمد في أمر من الأمور إلا عليه سبحانه وتعالى، فإنه المعطي المانع، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، له الخلق وله الأمر... ثم قال: (فبقدر ما يميل القلب إلى مخلوق يبعد عن مولاه لضعف يقينه ووقوعه في هوة الغفلة عن حقائق الأمور التي تيقظ لها أصحاب التوكل واليقين، فأعرضوا عما سواه وأنزلوا جميع حوائجهم بباب كرمه وجوده) اهـ.
قال الإمام النووي رحمه الله:((...وقوله (صلى الله عليه وسلم ):(إذا سالت فاسأل الله)إشارة إلى أن العبد لا ينبغي أن يعلق سره بغير الله بل يتوكل عليه في سائر أموره ، ثم إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه كطلب الهداية والعلم والفهم في القرآن والسنة وشفاء المرض وحصول العافية من بلاء الدنيا وعذاب ألآخرة، سأل ربه ذلك، وإن كانت الحاجة التي يسألها جرت العادة أن الله سبحانه وتعالى يجريها على أيدي خلقة ،كالحاجات المتعلقة بأصحاب الحرف والصنائع وولاة الأمور، سأل الله تعالى أن يعطف عليه قلوبهم فيقول:اللهم أحنن علينا قلوب عبادك وإمائك وما أشبة ذلك.ولا يدعوا الله تعالى باستغنائه عن الخلق لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) سمع علياً يقول : (اللهم أغننا عن خلقك ) فقال: (لا تقل هذا فإن الخلق يحتاج بعضهم إلى بعض ولكن قل (اللهم اغننا عن شرار خلقك ) وأما سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم .)) شرح الأربعين النووية للنووي الحديث(19) .
قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية:( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا فروة بن المغراء الكندي، حدثنا القاسم بن مالك -يعني المزني-عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبيه، عن كَردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجة، وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فآوانا المبيت إلى راعي غنم. فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم، فوثب الراعي فقال: يا عامر الوادي، جارك. فنادى مناد لا نراه، يقول: يا سرحان، أرسله. فأتى الحملَ يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة. وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }
ثم قال: ورُوي عن عبيد بن عمير، ومجاهد، وأبي العالية، والحسن، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النَّخَعي، نحوه.
وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل -وهو ولد الشاة-وكان جنّيا حتى يُرهب الإنسي ويخاف منه، ثم رَدَّه عليه لما استجار به، ليضله ويهينه، ويخرجه عن دينه، والله أعلم. تفسير ابن كثير ـ سورة الجن ـ آية ( 6 )
وقد كان شرك الأولين في الرخاء أما في الشدة فإنهم يخلصون الدعاء لله كماقال تعالى ((فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون )العنكبوت آية65
قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية ((..أخبر تعالى أنهم عند الأضطرار يدعونه وحده لاشريك له فهلا يكون هذا منهم دائما))
وقال الطبري
- رحمه الله- في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) }
يقول تعالى ذكره
: فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر، فخافوا الغرق والهلاك فيه( دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) يقول: أخلصوا لله عند الشدّة التي نزلت بهم التوحيد، وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودية، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم، ولكن بالله الذي خلقهم( فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ) يقول: فلما خلصهم مما كانوا فيه وسلَّمهم، فصاروا إلى البرّ، إذا هم يجعلون مع الله شريكا في عبادتهم، ويدعون الآلهة والأوثان معه أربابا.
حدثنا بشر، قال
: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله:( فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) فالخلق كلهم يقرّون لله أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك). تفسير الطبري - (20 / 60)