الحمدُ لله ، و الصلاةُ و السلام على رسولِ الله .. و بعدُ :
اطلعتُ قديماً على كتابِ ( صحوة الرجل المريض ) لصاحبهِ موفق بني المرجة - حفظهُ الله - ، و عند قراءة الكتاب أوقفني أحد الأصدقاء على نصٍ مهمّ في مقدمة الكتابِ ..
يقولُ فيه – حفظهُ الله - : ( و لقد يأخذ البعض علينا عدم التزامنا المُطلق بفكرةِ الحياد التاريخي الأصمّ ، و لعل من أبرز حوافز رفضنا لتلكَ الفكرة ، التي يدعونا للالتزام بها كبارُ أستاذة التاريخ ، في جامعات أوربا و أمريكا ، هوَ ما نشهده في مؤلفات عددٍ كبير منهم من تجنٍ حينما يتصدون لطرقِ الموضوعات و الأبحاث المتصلة بالإسلام و المسلمين ، و بدافعٍ خفيٍ من تكوينهم الثقافي ، الذي لم يتحرر بعدُ من الكثير من الرواسب الصليبية ، و لهذا نرى أنَّ التزام الحياد إلى حد ضياع الشخصيّة الفكرية للباحث أمرٌ في منتهى الخطورة ) [صحوة الرجل المريض / 32] .
و عن قريبٍ اطلعتُ على كلامٍ للفيلسوفٍ القسيس البولندي / إ . م . بوشنسكي ، أكدَ هذه المسألة بوضوحٍ أكبر ..
إذْ يقول : ( و يظنّ العموم [أي الناس و المفكرون بالطبع] أنَّ مؤرخَ المذاهب ينبغي أن يبقى محايداً بإزاءِ المفكرين الذين يعرِضُ لأفكارهم ، هذا القول ليسَ صحيحاً إلا جزئياً ، فهو صحيح بقدر ما يفترض أن اختيار المذاهب و تفسيرها يتطلب أكبر قدر من الموضوعيّة ، و نحنُ نجتهد في مراعاة هذا الاعتبار ، و لكنه غير صحيح إذا كان يقصد أنهُ ينبغي النظر إلى النظم الفلسفيّة و كأنها تحتوي – كل منها – على قدرٍ متساوٍ من الحق ) [الفلسفة المعاصرة في أوربا / 14]
المعنى :
- أنكَ في نطاقِ عرض الأفكار ، و الفلسفات يجب عليك حتماً أن تعرضها بموضوعيّة ، كما يراها صاحبُها .
- أما بالنسبة إلى الموقف المُسبق ، فليسَ ينافي الموضوعيّة التحزب على فكرةٍ سابقة .
- و هذا مصدر نفيس ، من فيلسوفٍ غربيّ ، يؤكد أنّه ليس من العقلانيّة في شيء اعتبارُ الأفكار على مستوى واحد من الحق ، و ذاك ما ينعاهُ علينا العقلانيون العرب ، رفضاً للدينِ الإسلامي الأصيل !
- و في ظنّي أنّ الكلام السابق يُعتبر نظرية إسلاميّة بامتياز ( قولي صحيح يحتملُ الخطأ ، و قولكَ خاطئ يحتمل الصحة ) ، أي أنهما – أي القولان – ليسا على مستوى واحد من الحقيقة ، فأعلى و أدنى !
- من أكثر النظريات وضوحاً في المنهجِ الإسلامي ، و الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل ، هي نظرية ( التفسير الإسلامي للتاريخ ) ، و التي توضح ، طريقة الرؤية الإسلامية لمجال من مجالات المعرفة .. ( فأنصحُ بكُتبهما ) .
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم ..