المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الياقوتي
سؤالي هو هل التفيض هومذهب السلف كما يدعيه البعض وهل هو في حقيقته تعطيل أم انه ليس كذلك وكيف نرد على من يقول أنه أسلم للعبد ان يفوض كل الصفات والمعاني التي لاتفهم بالعقل حسب زعمه افيدوني مأجورين
هذه بدعة قديمة حديثة.. لازال أصحابها يطبلون لها..
ويستدلون لها بمتشابه من القول ويدعون المحكم الواضح..
قال ابن تيمية:
"فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد
فإن قيل أنتم تعلمون أن كثيرا من السلف رأوا أن الوقف عند قوله { وما يعلم تأويله إلا الله } سورة آل عمران 6 بل كثير من الناس يقول هذا هو قول السلف ونقلوا هذا القول عن أبي بن كعب وابن مسعود وعائشة وابن عباس وعروة بن الزبير وغير واحد من السلف والخلف وإن كان القول الآخر وهو أن السلف يعلمون تأويله منقولا عن ابن عباس أيضا وهو قول مجاهد ومحمد بن جعفر وابن إسحاق وابن قتيبة وغيرهم وما ذكرتموه قدح في أولئك السلف وأتباعهم
قيل ليس الأمر كذلك فإن أولئك السلف الذين قالوا لا يعلم تأويله إلا الله كانوا يتكلمون بلغتهم المعروفة بينهم ولم يكن لفظ التأويل عندهم يراد به معنى التأويل الإصطلاحي الخاص وهو صرف اللفظ عن المعنى المدلول عليه المفهوم منه إلى معنى يخالف ذلك فإن تسمية هذا المعنى وحده تأويلا إنما هو اصطلاح طائفة من المتأخرين من الفقهاء والمتكلمين وغيرهم ليس هو عرف السلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم لا سيما ومن يقول إن لفظ التأويل هذا معناه يقول إنه يحمل اللفظ على المعنى المرجوح لدليل يقترن به وهؤلاء يقولون هذا المعنى المرجوح لا يعلمه أحد من الخلق والمعنى الراجح لم يرده الله
وإنما كان لفظ التأويل في عرف السلف يراد به ما أراده الله بلفظ التأويل في مثل قوله تعالى { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق } سورة الأعراف 53 وقال تعالى { ذلك خير وأحسن تأويلا } سورة النساء 59 وقال يوسف { يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } سورة يوسف وقال يعقوب له { ويعلمك من تأويل الأحاديث } سورة يوسف 6 { وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله } سورة يوسف 45 وقال يوسف { لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما } سورة يوسف 37
فتأويل الكلام الطلبي الأمر والنهى هو نفس فعل المأمور به وترك المنهى عنه كما قال سفيان بن عيينة السنة تأويل الأمر والنهى وقالت
عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك الله اغفر لي يتأول القرآن وقيل لعروة بن الزبير فما بال عائشة كانت تصلي في السفر أربعا قال تأولت كما تأول عثمان ونظائره متعددة
وأما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فهو نفس الحقيقة التي أخبر عنها وذلك في حق الله هو كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره ولهذا قال مالك وربيعة وغيرهما الإستواء معلوم والكيف مجهول وكذلك قال ابن الماجشون وأحمد بن حنبل وغيرهما من السلف يقولون إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه وإن علمنا تفسيره ومعناه
ولهذا رد أحمد بن حنبل على الجهمية والزنادقة فيما طعنوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله فرد على من حمله على غير ما أريد به وفسر هو جميع الآيات المتشابهة وبين المراد بها
وكذلك الصحابة والتابعون فسروا جميع القرآن وكانوا يقولون إن العلماء يعلمون تفسيره وما أريد به وإن لم يعلموا كيفية ما أخبر الله به عن نفسه وكذلك
لا يعلمون كيفية الغيب فإن ما أعده الله لأوليائه من النعيم لا عين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر على قلب بشر فذاك الذي أخبر به لا يعلمه إلا الله فمن قال من السلف إن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله بهذا المعنى فهذا حق
وأما من قال إن التأويل الذي هو تفسيره وبيان المراد به لا يعلمه إلا الله فهذا ينازعه فيه عامة الصحابة والتابعين الذين فسروا القرآن كله وقالوا إنهم يعلمون معناه
كما قال مجاهد عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقفه عند كل آية وأسأله عنها وقال ابن مسعود ما في كتاب الله آية إلا وأنا أعلم فيم أنزلت وقال الحسن البصري ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم ما أراد بها
ولهذا كانوا يجعلون القرآن يحيط بكل ما يطلب من علم الدين كما قال مسروق ما نسأل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن علمنا قصر عنه
وقال الشعبي ما ابتدع قوم بدعة إلا في كتاب الله بيانها وأمثال ذلك من الآثار الكثيرة المذكورة بالأسانيد الثابتة مما ليس هذا موضع بسطه.."
[درء التعارض 1/205]