تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: لمحة عن عقيدة الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    300

    Exclamation لمحة عن عقيدة الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى

    عقيدة الإمام أبي حنيفة - 150 هـ -
    هذه طائفة من أقوال الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى ... فيما يعتقده في مسائل أصول الدين ... مع بيان موقفه من علم الكلام :
    أ - أقوال الإمام أبي حنيفة في التوحيد :
    أولا : عقيدته في توحيد الله وبيان التوسل الشرعي وإبطال التوسل البدعي :
    1 - قال أبو حنيفة : ( لا ينبغي لاحد أن يدعو الله إلا به ، والدعاء المأذون فيه ، المأمور به ، ما استفيد من قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) [ الدر المختار من حاشية المختار 6/396-397 ] .
    (2) قال أبو حنيفة : ( يكره أن يقول الداعي : أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام ) [ شرح العقيدة الطحاوية 234، واتحاف السادة المتقين 2/285 ، وشرح الفقه الأكبر للقاري 189 ] .
    (3) وقال أبو حنيفة : ( لا ينبغي لأحد أن يدعوا الله إلا به ، وأكره أن يقول بمعاقد العز من عرشك ، أو بحق خلقك ) . [ التوسل والوسيلة ص82 , وانظر شرح الفقه الأكبرص198]
    ثانيا : قوله في إثبات الصفات والرد على الجهمية :
    (4) وقال : ( لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين ، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف ، وهو قول أهل السنة والجماعة ، وهو يغضب ويرضى ، ولا يقال : غضبه عقوبته ، ورضاه ثوابه ، ونصفه كما وصف نفسه ، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، حي قادر سميع بصير عالم ، يد الله فوق ايديهم ، ليست كايدي خلقه ، ووجهه ليس كوجوه خلقه ) [ الفقه الابسط 56 ] .
    (5) وقال : ( وله يد ووجه ونفس ، كما ذكره الله تعالى في القرآن ، فما ذكره الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس ، فهو له صفات بلا كيف ، ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته ، لأن فيه إبطال الصفة ، وهو قول أهل القدر والاعتزال ) [ الفقه الأكبر 302 ] .
    (6) وقال : ( لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء ، بل يصفه بما وصف به نفسه ، ولا يقول فيه برأيه شيئا تبارك الله وتعالى رب العالمين ) [ شرح الطحاوية 2/427 ، جلاء العينين 368 ] .
    (7) ولما سئل عن النزول الإلهي قال : ( ينزل بلا كيف ) [ عقيدة السلف أصحاب الحديث 42 ، الأسماء والصفات للبيهقي 456 ، شرح الطحاوية 245 ، شرح الفقه الأكبر للقاري 60 ] .
    (8) وقال أبو حنيفة : ( والله تعالى يدعى من أعلى لا من اسفل ، لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء ) [ الفقه الابسط 51 ] .
    (9) وقال : ( وهو يغضب ويرضى ، ولا يقال غضبه عقوبته ورضاه ثوابه ) [ الفقه الأبسط 56 ] .
    (10) وقال : ( ولا يشبه شيئا من الاشياء من خلقه ، ولا يشبهه شيء من خلقه ، لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته ) [ الفقه الأكبر 301 ] .
    (11) وقال : ( وصفاته بخلاف صفات المخلوقين ، يعلم لا كعلمنا ، ويقدر لا كقدرتنا ، ويرى لا كرؤيتنا ، ويسمع لا كسمعنا ، ويتكلم لا ككلامنا ) [ الفقه الأكبر 302 ] . (12) وقال : ( لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين ) [ الفقه الابسط 56 ] .
    (13) وقال : ( من وصف الله بمعنى من معاني البشر ، فقد كفر ) [ العقيدة الطحاوية ] .
    (14) وقال : ( وصفاته الذاتية والفعلية ، أما الذاتية فالحياة والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والإرادة ، وأما الفعلية فالتخليق والترزيق والإنشاء والإبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل ، لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته ) [ الفقه الأكبر 301 ] .
    (15) وقال : ( ولم يزل فاعلا بفعله ، والفعل صفة في الأزل ، والفاعل هو الله تعالى ، والفعل صفة في الأزل ، والمفعول مخلوق ، وفعل الله تعالى غير مخلوق ) [ الفقه الأكبر 301 ] .
    (16) وقال : ( من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر ، وكذا من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض ) [ الفقه الأبسط 46 ، ونقل نحو هذا شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي 48/5 ، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية 139 ، والذهبي في العلو 101 -102 ، وابن قدامة في العلو 116 ، وابن أبي العز في شرح الطحاوية 301 ] .
    (17) وقال للمرأة التي سألته أين إلهك الذي تعبده ؟ ، قال : ( إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض ) ، فقال له رجل : أرأيت قول الله تعالى { وهو معكم } ؟ قال : ( هو كما تكتب للرجل إني معك وأنت غائب عنه ) [ الأسماء والصفات 429 ] .
    (18) وقال كذلك : ( يد الله فو أيديهم ، ليست كأيدي خلقه ) [ الفقه الأبسط 56 ] .
    (19) وقال : ( إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض ) ، فقال له رجل : أرأيت قول الله تعالى [ وهو معكم ] ؟ ، قال : ( هو كما تكتب لرجل إني معك ، وأنت غائب عنه ) [ الأسماء والصفات 2/170 ] .
    (20) وقال : ( قد كان متكلما ولم يكن ، كلم موسى عليه السلام ) [ الفقه الأكبر 302 ] .
    (21) وقال : ( ومتكلما بكلامه ، والكلام صفة في الأزل ) [ الفقه الأكبر 301 ] .
    (22) وقال : ( ويتكلم ، لا ككلامنا ) [ الفقه الأكبر 302 ] .
    (23) وقال : ( وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى ، كما قال الله تعالى { وكلم موسى تكليما } ، وقد كان الله تعالى متكلما ولم يكن كلم موسى عليه السلام ) [ الفقه الأكبر 302 ] .
    (24) وقال : ( والقرآن كلام الله ، في المصاحف مكتوب ، وفي القلوب محفوظ ، وعلى الألسن مقروء ، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم أنزل ) [ الفقه الأكبر 301 ] .
    (25) وقال : ( والقرآن غير مخلوق ) [ الفقه الأكبر 301 ] .
    ب - أقوال الإمام أبي حنيفة في القدر :
    (1) جاء رجل إلى الإمام أبي حنيفة يجادله في القدر ، فقال له : ( أما علمت أن الناظر في القدر كالناظر في عيني الشمس ، كلما إزداد نظرا إزداد تحيرا ) [ قلائد عقود العقيان ق77ب ] .
    (2) يقول الإمام أبو حنيفة : ( وكان الله تعالى عالما في الأزل بالاشياء قبل كونها ) [ الفقه الأكبر 302-303 ] .
    (3) وقال : ( يعلم الله تعالى المعدوم في حالة عدمه معدوما ، ويعلم أنه كيف يكون إذا أوجده ، ويعلم الله تعالى الموجود في حالة وجوده موجودا ، ويعلم كيف يكون فناؤه ) [ الفقه الأكبر 302 - 303 ] .
    (4) يقول الإمام أبو حنيفة : ( وقدره في اللوح المحفوظ ) [ الفقه الأكبر 302 ] .
    (5) وقال : ( ونقر بأن الله تعالى أمر بالقلم أن يكتب ، فقال القلم : ماذا أكتب يا رب ؟ فقال الله تعالى : أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، لقوله تعالى : { وكل شيء فعلوه في الزبر * وكل صغير وكبير مستطر } ) [ الوصية مع شرحها 21 ] .
    (6) وقال الإمام أبو حنيفة : ( ولا يكون شيء في الدنيا ولا في الآخرة إلا بمشيئته ) [ الفقه الأكبر 302 ] .
    (7) ويقول الإمام أبو حنيفة : ( خلق الله الأشياء لا من شيء ) [ الفقه الأكبر 302 ] .
    (8) وقال : ( وكان الله تعالى خالقا قبل ان يخلق ) [ الفقه الأكبر 304 ] .
    (9) وقال : ( نقر بأن العبد مع اعماله وإقراره ومعرفته مخلوق ، فلما كان الفاعل مخلوقا ، فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة ) [ الوصية مع شرحها 14 ] .
    (10) وقال : ( جميع أفعال العباد من الحركة والسكون : كسبهم ، والله تعالى خالقها ، وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره ) [ الفقه الأكبر 303 ] .
    (11) قال الإمام أبو حنيفة : ( وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة ، والله تعالى خلقها ، وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره ، والطاعات كلها كانت واجبة بأمر الله تعالى وبمحبته وبرضاه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره ، والمعاصي كلها بعلمه وقضائه وتقديره ومشيئته ، لا بمحبته ولا برضاه ولا بأمره ) [ الفقه الأكبر 303 ] .
    (12) وقال : ( خلق الله تعالى الخلق سليما من الكفر والإيمان ، ثم خاطبهم وأمرهم ونهاهم ، فكفر من كفر بفعله وإنكاره وجحوده الحق بخذلان الله تعالى إياه ، وآمن من أمن بفعله وإقراره وتصديقه بتوفيق الله تعالى ونصرته له ) [ الفقه الأكبر 302-303 ] … والصواب : خلق الله تعالى الخلق على فطرة الإسلام ، كما سيبينه الإمام أبو حنيفة في قوله الآتي .
    (13) وقال : ( وأخرج ذرية آدم من صلبه على صور الذر ، فجعلهم عقلاء ، فخاطبهم وأمرهم بالإيمان ، ونهاهم عن الكفر ، فأقروا له بالربوبية ، فكان ذلك منهم إيمانا ، فهم يولدون على تلك الفطرة ، ومن كفر بعد ذلك فقد بدل وغير ، ومن آمن وصدق فقد ثبت عليه وداوم ) [ الفقه الأكبر 302 ] .
    (14) وقال : ( وهو الذي قدر الأشياء وقضاها ، ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره ، وكتبه في اللوح المحفوظ ) [ الفقه الأكبر 302 ] .
    (15) وقال : ( لم يجبر أحدا من خلقه على الكفر ولا على الإيمان ، ولكن خلقهم اشخاصا ، والإيمان والكفر فعل العباد ، ويعلم الله تعالى من يكفر في حال كفره ، فإذا آمن بعد ذلك ، فإذا علمه مؤمنا أحبه من غير أن يتغير علمه ) [ الفقه الأكبر 303 ] .
    ج - أقوال الإمام أبي حنيفة في الإيمان :
    (1) قال : ( والإيمان هو الإقرار والتصديق ) [ الفقه الأكبر 304 ] .
    (2) وقال : ( الإيمان إقرار باللسان ، وتصديق بالجنان ، والإقرار وحده لا يكون إيمانا ) [ كتاب الوصية مع شرحها 2] ، ونقله الطحاوي عن ابي حنيفة وصاحبه [ شرح الطحاوية 306 ] .
    (3) وقال أبو حنيفة : ( والإيمان لا يزيد ولا ينقص ) [ الوصية مع شرحها 3 ] .
    قلت : قوله في عدم زيادة الإيمان ونقصانه ، وقوله في مسمى الإيمان ، وأنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان ، وأن العمل خارج عن حقيقة الإيمان … قوله هذا هو الفارق بين عقيدة الإمام أبي حنيفة في الإيمان وبين عقيدة سائر أئمة الإسلام - مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والبخاري وغيرهم - والحق معهم ، وقول أبي حنيفة مجانب للصواب ، وهو مأجور في الحالين ، وقد ذكر ابن عبد البر وابن أبي العز ما يشعر أن أبا حنيفة رجع عن قوله [ التمهيد لابن عبد البر 9/247 ، شرح الطحاوية 395 ] … والله أعلم .
    د - أقوال الإمام أبي حنيفة في الصحابة :
    (1) قال الإمام أبو حنيفة : ( ولا نذكر أحدا من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بخير ) [ الفقه الأكبر 304 ] .
    (2) وقال : ( ولا نتبرأ من أحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا نوالي أحدا دون أحد ) [ الفقه الأبسط 40 ] .
    (3) ويقول : ( مقام أحدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة واحدة ، خير من عمل أحدنا جميع عمره ، وإن طال ) [ مناقب أبي حنيفة للمكي 76 ] .
    (4) وقال : ( ونقر بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين ) [ الوصية مع شرحها 14 ] .
    (5) وقال : ( افضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، ثم نكف عن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بذكر جميل ) [ النور اللامع ق119-ب ] .
    هـ - نهيه عن الكلام والخصومات في الدين :
    (1) قال الإمام أبو حنيفة : ( أصحاب الأهواء بالبصرة كثير ، ودخلتها عشرين مرة ونيفا ، وربما أقمت بها سنة أو أكثر أو أقل ظانا أن علم الكلام أجل العلوم ) [ مناقب أبي حنيفة للكردي 137 ] .
    (2) وقال : ( كنت أنظر في الكلام حتى بلغت مبلغا يشار إلي فيه بالأصابع ، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان ، فجاءتني امرأة فقالت : رجل له امرأة أمة أراد أن يطلقها للسنة كم يطلقها ؟ فلم أدر ما أقول ، فأمرتها أن تسأل حمادا ثم ترجع فتخبرني ، فسألت حمادا ، فقال : يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة ثم يتركها حتى تحيض حيضتين فإذا اغتسلت فقد حلت للأزواج ، فرجعت فأخبرتني ، فقلت : لا حاجة لي في الكلام ، وأخذت نعلي فجلست إلى حماد ) [ تاريخ بغداد 13/333 ] .
    (3) وقال : ( لعن الله عمرو بن عبيد ، فإنه أحدث للناس الطريق إلى الكلام فيما لا ينفعهم في الكلام ) [ ذم الكلام للهروي 28-31 ] .
    (4) وقال حماد بن أبي حنيفة : ( دخل علي أبي رحمه الله يوما وعندي جماعة من أصحاب الكلام ، ونحن نتناظر في باب ، قد علت أصواتنا ، فلما سمعت حسه في الدار خرجت إليه ، فقال لي: يا حماد من عندك ؟ قلت : فلان وفلان وفلان ، سميت من كان عندي ، قال : وفيم انتم ؟ قلت : في باب كذا وكذا ، فقال لي : يا حماد دع الكلام ، قال ولم أعهد أبي صاحب تخليط ولا ممن يأمر بالشيء ثم ينهي عنه ، فقلن له : يا أبت ألست كنت تأمرني به ؟! قال : بلى يا بني وأنا اليوم أنهاك عنه ، قلت : ولم ذاك ؟! فقال : يا بني إن هؤلاء المختلفين في ابواب من الكلام ممن ترى كانوا على قول واحد ودين واحد حتى نزغ الشيطان بينهم فألقى بينهم العداوة والاختلاف فتباينوا … ) [ مناقب أبي حنيفة للمكي 183-184 ] .

    (5) وقال أبو حنيفة لأبي يوسف : ( إياك أن تكلم العامة في أصول الدين من الكلام ، فإنهم قوم يقلدونك فيشتغلون بذلك ) [ مناقب أبي حنيفة للمكي 373 ]
    هذه طائفة من أقواله رحمه الله … وما يعتقده في مسائل أصول الدين ، وموقفه من الكلام والمتكلمين .
    -------------------
    (كتاب / اعتقاد أئمة السلف ) جمع / د محمد بن عبد الرحمن الخميس
    ياسين بن بلقاسم مصدق التونسي المالكي

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    300

    افتراضي رد: لمحة عن عقيدة الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى

    عقيدة الإمام مالك بن أنس - 179 هـ -
    الحمد لله وبعد ...
    قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى : ( إن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ، ويقولون : إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، ويقولون : إن الله يرى في الآخرة ، هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم ، وهذا مذهب الأئمة المتبوعين مثل الإمام مالك بن أنس والليث بن سعيد والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأحمد ) .[منهاج السنة2/106]
    وهذه طائفة من اقوال الإمام العالم الرباني مالك بن أنس رحمه الله تعالى فيما يعتقده في مسائل اصول الدين ...
    أ - قوله في التوحيد :
    (1) أخرج الهروي عن الشافعي قال : سُئل مالك عن الكلام والتوحيد ، فقال مالك : ( محال أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم ، أنه علَّم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد ، والتوحيد ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله )) فما عصم به المال والدم حقيقة التوحيد ) . [ذم الكلام (ق - 210 )].
    (2) وأخرج الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال : ( سألت مالكاً والثوري والأوزاعي والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات فقالوا: أمروها كما جاءت ) . [أخرج هذا الدارقطني في الصفات ص 75 ، والآجري في الشريعة ص 314 ، والبيهقي في الاعتقاد ص 118 ، وابن عبد البر في التمهيد (7/149)] .
    (3) وقال ابن عبد البر : ( سُئل مالك أيُرى الله يوم القيامة ؟ فقال : نعم يقول الله عزّ وجل : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } . وقال لقوم آخرين : { كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون } . [الانتقاء ص 36] .
    وأورد القاضي عياض في ترتيب المدارك (2/42) عن ابن نافع وأشهب قالا : وأحدهم يزيد على الآخر يا أبا عبد الله { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } ينظرون إلى الله ؟ قال : نعم بأعينهم هاتين ؛ فقلت له : فإن قوماً يقولون لا ينظر إلى الله ، إن ناظرة بمعنى منتظرة إلى الثواب قال : كذبوا بل ينظر إلى الله ، أما سمعت قول موسى عليه السلام : { رب أرني أنظر إليك } أفترى موسى سأل ربه محالاً ؟ فقال : { لن تراني } أي في الدنيا لأنها دار فناء ، ولا ينظر ما يبقى بما يفنى ، فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى إلى ما يبقى وقال الله : { كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون } .
    (4) وأخرج أبو نعيم عن جعفر بن عبد الله قال : ( كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال : يا أبا عبد الله ، الرحمن على العرش استوى ، كيف استوى ؟ ، فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته ، فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال : الكيف منه غير معقول ، والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج ) . [الحلية (6/ 326،325)].
    (5) وأخرج أبو نعيم عن يحيى بن الربيع قال : ( كنت عند مالك بن أنس ودخل عليه رجل فقال يا أبا عبد الله ، ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق؟. فقال مالك : زنديق فاقتلوه ، فقال : يا أبا عبد الله ، إنما أحكي كلاماً سمعته . فقال : لم أسمعه من أحد ، إنما سمعته منك ، وعظم هذا القول ) . [الحلية 6/325] .
    (6) وأخرج ابن عبر البر عن عبد الله بن نافع قال : ( كان مالك بن أنس يقول من قال القرآن مخلوق يوجع ضرباً ويحبس حتى يتوب ) . [الانتقاء ص 35] .
    (7) وأخرج أبو داود عن عبد الله بن نافع قال : ( قال مالك : الله في السماء وعلمه في كل مكان ) . [ رواه أبو دواد في مسائل الإمام أحمد ص 263] .
    ب - قوله في القدر :

    (1) أخرج أبو نعيم عن ابن وهب قال : ( سمعت مالكاً يقول لرجل سألتني أمس عن القدر ؟ قال : نعم ، قال : إن الله تعالى يقول : { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } . فلا بد أن يكون ما قاله الله تعالى ) . [الحلية (6/326)] .
    (2) وقال القاضي عياض : ( سُئل الإمام مالك عن القدرية : مَن هم ؟ قال : من قال : ما خلق المعاصي ، وسُئل كذلك عن القدرية ؟ قال : هم الذين يقولون إن الاستطاعة إليهم إن شاءوا أطاعوا وإن شاءوا عصوا ) . [ترتيب المدارك (2/48)] .
    (3) وأخرج ابن أبي عاصم عن سعيد بن عبد الجبار قال : ( سمعت مالك بن أنس يقول : رأيي فيهم أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا - يعني القدرية - ) . [السُنة لابن أبي عاصم (1/ 88،87)] .
    (4) وقال ابن عبد البر : ( قال مالك : ما رأيت أحداً من أهل القدر إلا أهل سخافة وطيش وخفة ) . [الانتقاء ص 34] .
    (5) وأخرج ابن أبي عاصم عن مروان بن محمد الطاطري قال : ( سمعت مالك بن أنس يسأل عن تزويج القدري ؟ فقرأ : { ولعبد مؤمن خيرٌ من مشرك } . . . ) . [الانتقاء ص 34] .
    (6) وقال القاضي عياض : ( قال مالك : لا تجوز شهادة القدري الذي يدعو إلى بدعته ، ولا الخارجي والرافضي ) . [ترتيب المدارك (2/47)] .
    (7) وقال القاضي عياض : ( سُئل مالك عن أهل القدر أنكف عن كلامهم ؟ قال : نعم إذا كان عارفاً بما هو عليه ، وفي رواية أخرى قال : لا يُصلى خلفهم ولا يقبل عنهم الحديث وإن وافيتموهم في ثغر فأخرجوهم منه ) . [ترتيب المدارك (2/47)] .
    ج - قوله في الإيمان :

    (1) أخرج ابن عبد البر عن عبد الرزاق بن همام قال : ( سمعت ابن جريح وسفيان الثوري ومعمر بن راشد وسفيان بن عيينه ومالك بن أنس يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) . [الانتقاء ص 34] .
    (2) وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن نافع قال : ( كان مالك بن أنس يقول : الإيمان قول وعمل ) . [الحلية (327/6)] .
    وأخرج ابن عبد البر عن أشهب بن عبد العزيز قال : ( قال مالك : فقام الناس يصلون نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ، ثم أُمروا بالبيت الحرام فقال الله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } أي صلاتكم إلى بيت المقدس ، قال مالك : وإني لأذكر بهذه قول المرجئة : إن الصلاة ليست من الإيمان ) . [الانتقاء ص 34] .
    د - قوله في الصحابة :

    (1) أخرج أبو نعيم عن عبد الله العنبري قال : ( قال مالك بن أنس : من تَنَقَّصَ أحداً من أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم ، أو كان في قلبه عليهم غل ، فليس له حق في فيء المسلمين ، ثم تلا قوله تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً } . فمن تنقصهم أو كان في قلبه عليهم غل ، فليس له في الفيء حق ) . [الحلية 327/6] .
    (2) وأخرج أبو نعيم عن رجل من ولد الزبير قال : ( كنا عند مالك فذكروا رجلاً يَتّنقَّص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأ مالك هذه الآية : { محمد رسول الله والذين معه أشداء - حتى بلغ - يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار } . فقال مالك : من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أصابته الآية ) . [الحلية (327/6)] .
    (3) وأورد القاضي عياض عن أشهب بن عبد العزيز قال : ( كنا عند مالك إذ وقف عليه رجل من العلويين وكانوا يقبلون على مجلسه فناداه : يا أبا عبد الله فأشرف له مالك ، ولم يكن إذا ناداه أحد يجيبه أكثر من أن يشرف برأسه ، فقال له الطالبي : إني أريد أن أجعلك حجة فيما بيني وبين الله ، إذا قدمت عليه فسألني ، قلت له : مالك قال لي . فقال له : قُل . فقال : من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟. فقال : أبو بكر ، قال العلوي : ثم مَن ؟ قال مالك : ثم عمر . قال العلوي : ثم من ؟ قال : الخليفة المقتول ظلماً ، عثمان . قال العلوي : والله لا أجالسك أبداً . فقال له مالك : فالخيار إليك ) . [ترتيب المدارك (44/2-45)] .
    هـ - نهيه عن الكلام والخصومات في الدين : (1) أخرج ابن عبد البر عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال : ( كان مالك بن أنس يقول : الكلام في الدين أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه ، نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك ، ولا يحب الكلام إلا فيما تحته عمل ، فأما الكلام في دين الله وفي الله عزّ وجل فالسكوت أحَبُّ إليَّ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل ) . [جامع البيان وفضله ص 415 ، ط / دار الكتب الإسلامية] .
    (2) وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن نافع قال : ( سمعت مالكاً يقول : لو أن رجلاً ركب الكبائر كلها بعدَ ألا يشرك بالله ثم تخلّى من هذه الأهواء والبدع - وذكر كلاماً - دخل الجنة ) . (3) وأخرج الهروي عن إسحاق بن عيسى قال : ( قال مالك : من طلب الدين بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب غريب الحديث كذب ) . [ذم الكلام (ق 173-أ) .
    (4) وأخرج الخطيب عن إسحاق بن عيسى قال : ( سمعت مالك بن أنس يعيب الجدال في الدين ويقول : كلما جاءنا رجل أجدل من رجل أرادنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) . [شرف أصحاب الحديث ص 5] .

    (5) وأخرج الهروي عن عبد الرحمن بن مهدي قال : ( دخلت على مالك وعنده رجل يسأله فقال : لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد ، لعن الله عمرو بن عبيد فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام ، ولو كان الكلام علماً لتكلَّم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع ) . [ذم الكلام (ق 173-ب)] .
    (6) وأخرج الهروي عن أشهب بن عبد العزيز قال : ( سمعت مالكاً يقول : إيّاكم والبدع ، قيل يا أبا عبد الله ، وما البدع ؟ قال : أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعِلْمه وقدرته ولا يسكتون عمّا سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ) . [ذم الكلام (ق 173-أ)] .
    (7) وأخرج أبو نعيم عن الشافعي قال : ( كان مالك بن أنس إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال : أما إني على بيّنة من ربي وديني ، وأما أنت فاذهب إلى شاكً فخاصمه ) . [الحيلة (324/6)] .
    (8) روى ابن عبد البر عن محمد بن أحمد بن خويز منداد المصري المالكي قال في كتاب الإجارات من كتابه الخلاف : قال مالك لا تجوز الإجارات في شيء من كتب الأهواء والبدع والتنجيم وذكر كتباً ثم قال : وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم وتفسخ اجارة في ذلك ) . [جامع بيان العلم وفضله ص 416 ، 417 ط / دار الكتب الإسلامية] .
    فهذه لمحات من موقف الإمام مالك وأقواله في التوحيد والصحابة والإيمان وعِلم الكلام وغيره .

    -------------------

    [عن اعتقاد الأئمة الأربعة / لمحمد الخميس ]
    ياسين بن بلقاسم مصدق التونسي المالكي

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    300

    افتراضي رد: لمحة عن عقيدة الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى

    عقيدة الإمام الشافعي - 204 هـ -
    أ - قوله في التوحيد :
    1 - أخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان قال : قال الشافعي : (( من حلف بالله أو باسم من أسمائه فحنث فعليه الكفارة ومن حلف بشيء غير الله مثل أن يقول الرجل : والكعبة وأبي وكذا , وكذا ما كان , فحنث فلا كفارة عليه ومثل ذلك قوله لعمري . . لا كفارة عليه ويمين بغير الله فهي مكروهة منهي عنها من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الله عز وجل نهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت ) . . . ))
    وعلل الشافعي لذلك بأن أسماء الله غير مخلوقة فمن حلف باسم الله فحنث فعليه الكفارة .
    2 - وأورد ابن القيم في اجتماع الجيوش عن الشافعي أنه قال : (( القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء ))
    3 - وأورد الذهبي عن المزني قال : (( قلت )) إن كان أحد يخرج ما في ضميري وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي فصرت إليه وهو في مسجد مصر فلما جثوت بين يديه قلت هجس في ضميري مسألة في التوحيد فعلمت أن أحدا يعلم علمك فما الذي عندك ؟ فغضب ثم قال : (( أتدري أين أنت ؟ )) قلت : نعم . قال : (( هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسؤال عن ذلك ؟ )) قلت : لا قال :(( هل تكلم فيه الصحابة )) قلت : لا . قال : (( تدري كم نجما في السماء ؟ )) . قلت : لا . قال : (( فكوكب منها تعرف جنسه طلوعه أفوله مم خلق ؟ )) . قلت : لا. قال: (( فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه ؟ ))ثم سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها ففرعها على أربعة أوجه فلم أصب في شيء منه فقال : (( تحتاج إليه في اليوم خمس مرات تدع علمه وتتكلف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك فارجع إلى قول الله تعالى : [ وإلاهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السموات والأرض ]فاستدل بالمخلوق على الخالق ولا تتكلف علم مالم يبلغه عقلك ))
    4 - وأخرج ابن عبد البر عن يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت الشافعي يقول : (( إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى أو الشيء غير الشيء فاشهد عليه بالزندقة ))
    5 - وقال الشافعي في كتابه الرسالة : ((الحمد لله . . الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به خلقه ))
    6- وأورد الذهبي في السير عن الشافعي أنه قال : (( نثبت هذه الصفات التي جاء بها القران ووردت بها السنة وننفي التشبيه عنه كما نفى عن نفسه فقال : [ ليس كمثله شيء ]
    7 - وأخرج ابن عبد البر عن الربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل : [كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ] : (( أعلمنا بذلك أن ثم قوما غير محجوبين ينظرون إليه لا يضامون في رؤيته ))
    8 - وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال : حضرت محمد بن إدريس الشافعي جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قوله تعالى : [ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ] . قال الشافعي : (( فلما أن حجبوا هؤلاء في السخط كان هذا دليلا على أنهم يرونه في الرضا )) قال الربيع : قلت يا أبا عبد الله وبه تقول ؟ قال : (( نعم وبه أدين الله )).
    9 - وأخرج ابن عبد البر عن الجارودي قال ذكر عند الشافعي إبراهيم بن إسماعيل بن عليه فقال : (( أنا مخالف له في كل شيء وفي قول لا إله إلا الله لست أقول كما يقول أنا أقول لا إله إلا الله الذي كلم موسى عليه السلام تكليما من وراء حجاب وذاك يقول لا إله إلا الله الذي خلق كلاما أسمعه موسى من وراء حجاب )) .
    10 - وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال الشافعي : ((من قال القرآن مخلوق فهو كافر ))
    11- وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبير قال : قال رجل للشافعي أخبرني عن القرآن خالق هو ؟
    قال الشافعي : (( اللهم لا )) قال : فمخلوق ؟ قال الشافعي : (( اللهم لا )) قال : فغير مخلوق ؟ قال الشافعي : (( اللهم نعم )) .
    قال : فما الدليل على أنه غير مخلوق ؟ فرفع الشافعي رأسه وقال : (( تقر بأن القرآن كلام الله ؟))
    قال : نعم . قال الشافعي : (( سبقت في هذه الكلمة قال الله تعالى ذكره : [ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام ] [ وكلم الله موسى تكليما] قال الشافعي : (( فتقر بأن الله كان وكان كلامه ؟ أو كان الله ولم يكن كلامه ؟)) فقال الرجل : بل كان الله وكان كلامه .
    قال : فتبسم الشافعي وقال : (( يا كوفيون إنكم لتأتوني بعظيم من القول إذا كنتم تقرون بأن الله كان قبل القبل وكان كلامه فمن أين لكم الكلام : ( إن الكلام الله أو سوى الله أو غير الله أو دون الله )
    قال فسكت الرجل وخرج )) .
    12 - وفي جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي من رواية أبي طالب العشاري ما نصه قال وقد سئل عن صفات الله عز وجل وما ينبغي أن يؤمن به فقال : (( لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته لا يسع أحد من خلق الله عز وجل قامت لديه الحجة إن القرآن نزل به وصحيح عنده قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه العدل خلافه فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله عز وجل فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالدراية والفكر ونحو ذلك أخبار الله عز وجل أنه سميع وأن له يدين بقوله عز وجل : [ بل يداه مبسوطتان ] أن له يمينا بقوله عز وجل : [ والسموات مطويات بيمينه ] وأن له وجها بقوله عز وجل : [ كل شيء هالك إلا وجهه ] وقوله : [ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ] وأن له قدما بقوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى يضع الرب عز وجل فيها قدمه ) يعني جهنم لقوله صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله عز وجل ( أنه لقي الله عز وجل وهو يضحك إليه ) وأنه يهبط كل ليلة إلى السماء الدنيا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وأنه ليس بأعور لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذ ذكر الدجال فقال إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وأن المؤمنين يرون ربهم عز وجل يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر وأن له أصبعا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من قلب إلا هو بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل ) وأن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم لا يدرك حقه ذلك بالذكر والدراية ويكفر بجهلها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه وإن كان الوارد بذلك خبرا يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع (( وجبت الدينونة )) على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كم عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن نثبت هذه الصفات وننفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال : [ ليس كمله شيء وهو السميع البصير ] . . )) آخر الاعتقاد
    ب - قوله في القدر :
    1 - أخرج البهقي عن الربيع بن سليمان قال سئل الشافعي عن القدر فقال :
    (( ما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن
    خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتن والمسن
    على ذا مننت وهذا خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن
    فمنهم شقي ومنهم سعيد ومنهم قبيح ومنهم حسن ))
    2 - أورد البيهقي في مناقب الشافعي أن الشافعي قال : (( إن مشيئة العباد هي إلى الله تعالى ولا يشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين فإن الناس لم يخلقوا أعمالهم وهي خلق من خلق الله تعالى أفعال العباد وإن القدر خيره وشره من الله عز وجل وإن عذاب القبر حق ومساءلة أهل القبور حق والبعث حق والحساب حق والجنة والنار حق وغير مما جاءت به السنن )) .
    3 - أخرج اللالكائي عن المزني قال : قال الشافعي : (( تدر من القدري ؟ الذي يقول : إن الله لم يخلق شيئا حتى عمل به ))
    4 - أورد البهقي عن الشافعي أنه قال : (( القدرية الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هم مجوس هذه الأمة ) الذين يقولون إن الله لا يعلم المعاصي حتى تكون )) .
    5 - وأخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان عن الشافعي أنه كان يكره الصلاة خلف القدري
    ج - قوله في الإيمان :
    1- أخرج ابن عبد البر عن الربيع قال : ( سمعت الشافعي يقول : (( الإيمان قول وعمل واعتقاد بالقلب ألا ترى قول الله عز وجل : [ وما كان الله ليضيع إيمانكم ] يعني صلاتكم إلى بيت المقدس فسمى الصلاة إيمانا وهي قول وعمل وعقد ))
    2 - وأخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي يقول : (( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص )) .
    3 - وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبيري قال : قال رجل للشافعي : أي الأعمال عند الله أفضل ؟ قال الشافعي : (( ما لا يقبل عملا إلا به )) قال : وما ذاك ؟ قال : (( الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو أعلى الأعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظا )) قال الرجل : ألا تخبرني عن الإيمان قول وعمل أو قول بلا عمل ؟ قال الشافعي : (( الإيمان عمل لله والقول بعض ذلك العمل )) قال الرجل : صف لي ذلك حتى أفهمه . قال الشافعي : (( إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات فمنها التام المنتهي تمامه والناقص البين نقصانه والراجح الزائد رجحانه )) قال الرجل : وإن الإيمان لا يتم وينقص ويزيد ؟ قال الشافعي : (( نعم )) قال : وما الدليل على ذلك ؟ قال الشافعي : (( إن الله جل ذكره فرض الإيمان على جوارح بني آدم فقسمه فيها وفرقه عليها فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى : فمنها : قلبه الذي يعقل به ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره ومنها : عيناه اللتان ينظر بهما وأذناه اللتان يسمع بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي ألباه من قبله ولسانه الذي ينطق به ورأسه الذي فيه وجهه فرض على القلب غير ما فرض على اللسان وفرض على السمع غير ما فرض على العينين وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه فأما فرض الله على القلب من الإيمان : فالإقرار والمعرفة والعقد والرضى والتسليم بأن الله لا إله إلا هو وحده لاشريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب وهو عمله [ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدره ] وقال : [ ألا بذكر الله تطمئن القلوب ] وقال : [ من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ] وقال : [ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ] فذلك مافرض الله على القلب من إيمان وهو عمله وهو رأس الإيمان وفرض الله على اللسان : القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقر به فقال في ذلك : [ قولوا آمنا بالله ] وقال : [ وقولوا للناس حسنا ] فذلك ما فرض الله على اللسان من القول والتعبير عن القلب وهو عمله والفرض عليه من الإيمان وفرض الله على السمع : أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله وأن يغض عن ما نهى الله عنه فقال في ذلك : [ وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ] ثم استثنى موضع النسيان فقال جل وعز
    [ وإما ينسينك الشيطان ] أي : فقعدت معهم [ فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ] وقال : [ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ] وقال : [ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ] إلى قوله : [ والذين هم للزكاة فاعلون ] وقال : [ وإذا سمعوا اللغوا أعرضوا عنه ] وقال : [ وإذا مروا باللغوا مروا كراما ] فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له وهو عمله وهو من الإيمان
    ((وفرض على العينين )) : ألا ينظر بهما ما حرم الله وأن يغضهما عما نهاه عنه فقال تبارك وتعالى في ذلك : [ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ] الآيتين : أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه .
    وقال : كل شيء من حفظ الفرج في كتاب الله فهو من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر .
    فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر وهو عملها وهو من الإيمان
    ثم أخبر عما فرض على القلب والسمع والبصر في آية واحدة فقال سبحانه وتعالى في ذلك : [ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا ]
    قال : يعني وفرض على الفرج : أن لا يهتكه بما حرم الله عليه : [ والذين هم لفروجهم حافظون ] وقال : [ وما كنتم تسترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ] الآية يعني بالجلود : الفروج والأفخاذ فذلك ما فرض الله على الفروج من حفظهما عما لا يحل له وهو عملها .
    ((وفرض على اليدين )) : ألا يبطش بهما إلى ما حرم الله تعالى وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلوات فقال في ذلك : [ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ] إلى آخر الآية وقال : [ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ] لأن الضرب والحرب وصلة الرحم والصدقة من علاجها.
    (( وفرض على الرجلين )) : ألا يمشي بهما إلى ما حرم الله جل ذكره فقال ذلك : [ ولا تمشي في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض لن تبلغ الجبال طولا ]
    ((وفرض على الوجه )): السجود لله بالليل والنهار ومواقيت الصلاة فقال في ذلك : [ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ] وقال : [ وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ] يعني بالمساجد : ما يسجد عليه ابن آدم في صلاته من الجبهة وغيرها
    قال : فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح وسمى الطهور والصلوات إيمانا في كتابه وذلك حين صرف الله تعالى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم من الصلاة إلى البيت المقدس وأمره بالصلاة إلى الكعبة وكان المسلمون قد صلوا إلى بيت المقدس ستة عشرا شهرا فقالوا يا رسول أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها إلى بيت المقدس ما حالها وحالنا ؟ فأنزل الله تعالى : [ وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم ] فسمى الصلاة إيمانا فمن لقي الله حافظا لصلواته حافظا لجوارحه مؤديا بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليها - لقي الله مستكمل الإيمان من أهل الجنة ومن كان لشيء منها تاركا متعمدا مما أمر الله به - لقي الله ناقص الإيمان )) . قال : وقد عرفت نقصانه وتمامه فمن أين جاءت زيادته ؟
    قال الشافعي : (( قال الله جل ذكره : [ وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ] وقال : [ إنهم فتية آمنوا برهم وزدناهم هدى ]
    قال الشافعي : ولو كان هذا الإيمان كله واحدا لا نقصان فيه ولا زيادة - لم يكن لأحد فيه فضل واستوى الناس وبطل التفضيل ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله (في الجنة ) وبالنقصان من الإيمان دخل المفرطون النار
    قال الشافعي : إن الله جل وعز سابق بين عباده كما سوبق بين الخيل يوم الرهان ثم إنهم على درجاتهم من سبق عليه فجعل كل امرىء على درجة سبقه لا ينقصه فيه حقه ولا يقدم مسبوق على سابق ولا مفضول على فاضل وبذلك فضل أول هذه الأمة على آخرها ولو لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه - للحق آخر هذه الأمة بأولها .
    د - قوله في الصحابة :
    1 - أورد البيهقي عن الشافعي أنه قال : (( أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل وسيق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم فرحمهم الله وهنأهم بما أتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين فهم أدوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاهدوه والوحي ينزل عليه فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاما وخاصا وعزما وإرشادا وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وغقل وأمر استدرك به علم واستنبط به وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم )) .
    2 - وأخرج البيهقي عن ربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي يقول في التفضيل : (( أبوبكر وعمر ثم عثمان وعلي ))
    3- وأخرج البيهقي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : سمعت الشافعي يقول : (( أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي - رضي الله عنهم - ))
    4 - واخرج البيهقي عن يوسف بن يحيى البويطي قال : سألت الشافعي أأصلي خلف الرافضي ؟ قال : (( لا تصل خلف الرافضي ولا القدري ولا المرجىء )) قلت : صفهم لنا . قال : (( من قال : الإيمان قول فهو مرجىء ومن قال إن أبابكر وعمر ليسا بإمامين فهو رافضي ومن جعل المشيئة إلى نفسه فهو قدري ))
    هـ - نهيه عن الكلام والخصومات في الدين :
    1-أخرج الهروي عن الربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي يقول :(( . . . لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر وكان فيها كتب الكلام لم تدخل في الوصية لأنه ليس من العلم ))
    2- وأخرج الهروي عن الحسن الزعفراني قال : سمعت الشافعي يقول : (( ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرة وأنا أستغفر الله من ذلك )) .
    3- و أخرج الهروي عن الربيع بن سليمان قال : قال الشافعي : (( لو أردت أن أضع على كل مخالف كتابا كبيرا لفعلت ولكن ليس الكلام من شأني ولا أحب أن ينسب إلي منه شيء )) .
    4- وأخرج بن بطة عن أبي ثور قال : قال لي الشافعي :(( ما رأيت أحدا ارتدى شيئا من الكلام فأفلح )) .
    5- وأخرج الهروي عنيونس المصري قال : قال الشافعي : (( لأن يبتلي الله المرء بكل مانهى الله عنه خلا الشرك بالله خير من أن يبتليه بالكلام )) .
    فهذه أقوال الإمام الشافعي - رحمه الله - في مسائل أصول الدين وهذا موقفه من علم الكلام .
    -------------------

    نقلا عن كتاب ( اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث ) جمع / د . محمد بن عبد الرحمن الخميس
    ياسين بن بلقاسم مصدق التونسي المالكي

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    300

    افتراضي رد: لمحة عن عقيدة الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى

    أصول السنة
    [عقيدة الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد حنبل - 241 هـ -]
    قال الشيخ الإمام أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمْداني :
    حدثنا الشيخ أبو عبد الله يحيى بن أبي الحسن بن البنا ، قال : أخبرنا والدي أبو علي الحسن بن احمد بن البنا ، قال أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل ، قال : أخبرنا عثمان بن أحمد بن السماك ، قال : حدثنا أبو محمد الحسن بن عبد الوهاب أبو العنبر قراءة عليه من كتابه في شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وتسعين ومائتين ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن سليمان المنقري البصري – بتنيس - قال : حدثني عبدوس بن مالك العطار ، قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل – رضي الله عنه – يقول :
    أصول السنة عندنا :
    التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإقتداء بهم ، وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة ، وترك الخصومات ، والجلوس مع أصحاب الأهواء ، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين .
    والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسنة تفسر القرآن ، وهي دلائل القرآن ، وليس في السنة قياس ، ولا تضرب لها الأمثال ، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء ، إنما هو الاتباع وترك الهوى .

    ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة - لم يقبلها ويؤمن بها - لم يكن من أهلها :
    الإيمان بالقدر خيره وشره ، والتصديق بالأحاديث فيه ، والإيمان بها ، لا يُقال لِـمَ ولا كيف ، إنما هو التصديق والإيمان بها ، ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كُـفِيَ ذلك وأُحكِمَ له ، فعليه الإيمان به والتسليم له ، مثل حديث " الصادق المصدوق " ومثل ما كان مثله في القدر ، ومثل أحاديث الرؤية كلها ، وإن نأت عن الأسماع واستوحش منها المستمع ، وإنما عليه الإيمان بها ، وأن لا يرد منها حرفاً واحدا ً ، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات .
    وأن لا يخاصم أحداً ولا يناظره ، ولا يتعلم الجدال ، فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه ومنهي عنه ، لا يكون صاحبه و إن أصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتى يدع الجدال ويسلم ويؤمن بالآثار .
    والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ، ولا يضعف أن يقول : ليس بمخلوق ، فإن كلام الله ليس ببائن منه ، وليس منه شيء مخلوق ، وإياك ومناظرة من أحدث فيه ، ومن قال باللفظ وغيره ، ومن وقف فيه ، فقال : لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق ، وإنما هو كلام الله فهذا صاحب بدعة مثل من قال : ( هو مخلوق ) ، وإنما هو كلام الله وليس بمخلوق .
    والإيمان بالرؤية يوم القيامة ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه ، فإنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صحيح ، رواه قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ ورواه الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ ورواه علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والكلام فيه بدعة ، ولكن نؤمن كما جاء على ظاهره ، ولا نناظر فيه أحداً .
    والإيمان بالميزان يوم القيامه كما جاء ، يوزن العبد يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة ، وتوزن أعمال العباد كما جاء في الأثر ، والإيمان به ، والتصديق به ، والإعراض عن من ردّ ذلك ، وتركُ مجادلته .
    وأن الله يكلم العباد يوم القيامه ، ليس بينهم وبينه ترجمان ، والتصديق به .
    والإيمان بالحوض ، وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضا يوم القيامة تَـرِدُ عليه أمته ، عرضه مثل طوله ، مسيرة شهر ، آنيته كعدد نجوم السماء على ما صحت به الأخبار من غير وجه .
    والإيمان بعذاب القبر ، وأن هذه الأمة تُـفـتَـن في قبورها ، وتُسأل عن الإيمان والإسلام ، ومن ربه ؟ ومن نبيه ؟
    ويأتيه منكر ونكير ، كيف شاء الله عزوجل ، وكيف أراد ، والايمان به والتصديق به .
    والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقوم يخرجون من النار بعد ما احترقوا وصاروا فحما ، فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء في الأثر ، كيف شاء الله ، و كما شاء ، إنما هو الإيمان به ، والتصديق به .
    والإيمان أن المسيح الدجال خارج ، مكتوب بين عينيه كافر ، والأحاديث التي جاءت فيه ، والإيمان بأن ذلك كائن ، وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لُـدٍّ .
    والإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، كما جاء في الخبر : (( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا )) .
    ومن ترك الصلاة فقد كفر ، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة ، من تركها فهو كافر ، وقد أحل الله قتله .
    وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان ، نُـقـدّم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يختلفوا في ذلك ، ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة : علي بن أبي طالب ، وطلحة ، والزبير ، وعبدالرحمن بن عوف ، وسعد ، كلهم يصلح للخلافة ، وكلهم إمام ، ونذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر : ( كنا نعُـدُّ ورسول الله حي وأصحابه متوافرون : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نسكت ) ... ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر من المهاجرين ، ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر الهجرة والسابقة ، أولاً فأولا ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، القرن الذي بعث فيهم .
    وكل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ، أو رآه فهو من أصحابه ، له من الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته معه ، وسمع منه ، ونظر إليه نظرة ، فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ، ولو لقوا الله بجميع الأعمال ، كان هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا منه ، ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة ، أفضل لصحبتهم من التابعين ، ولو عملوا كل أعمال الخير .
    والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البَـرّ والفاجر ، ومن ولي الخلافة ، واجتمع الناس عليه ، ورضوا به ، ومن عليهم بالسيف حتى صار خليفة ، وسمي أميرالمؤمنين .
    والغزو ماض مع الأمير إلى يوم القيامه البَـرّ والفاجر لا يُـترَك .
    وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماضٍ ، ليس لأحد أن يطعن عليهم ، ولا ينازعهم ، ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة ، من دفعها إليهم أجزأت عنه ، بَـرّاً كان أو فاجراً .
    وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه ، جائزة باقية تامة ركعتين ، من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار ، مخالف للسنة ، ليس له من فضل الجمعة شيء ؛ إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم ، فالسنة : أن يصلي معهم ركعتين ، ويدين بأنها تامة ، لا يكن في صدرك من ذلك شك .
    ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين – وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة ، بأي وجه كان ، بالرضا أو بالغلبة - فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين ، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية .
    ولا يحل قتال السلطان ، ولا الخروج عليه لأحد من الناس ، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق .
    وقتال اللصوص والخوارج جائز ، إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله فله أن يقاتل عن نفسه وماله ، ويدفع عنها بكل ما يقدر ، وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم ، ولا يتبع آثارهم ، ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين ، إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك ، وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً ، فإن مات على يديه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول ، وإن قُـتِـل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله ، رجوت له الشهادة ، كما جاء في الأحاديث وجميع الآثار في هذا إنما أُمِر بقتاله ، ولم يُـؤمَـر بقتله ولا اتباعه ، ولا يجهز عليه إن صُرِع أو كان جريحا ، وإن أخذه أسيرا فليس له أن يقتله ، ولا يقيم عليه الحد ، ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله ، فيحكم فيه .
    ولا نشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار ، نرجو للصالح ونخاف عليه ، ونخاف على المسيء المذنب ، ونرجو له رحمة الله .
    ومن لقى الله بذنب يجب له به النار تائبا غير مُصـرٍّ عليه ، فإن الله يتوب عليه ، ويقبل التوبة عن عباده ، ويعفو عن السيئات ، ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا ، فهو كفارته ، كما جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن لَـقِيـَه مُصِـرّا غير تائب من الذنوب التي استوجب بها العقوبة فأمره إلى الله ، إن شاء عذّبه ، وإن شاء غفر له ، ومن لَـقِـيَـه وهو كافر عذّبه ولم يغفر له .
    والرجم حق على من زنا وقد أُحصن ، إذا اعترف أو قامت عليه بيّنة ، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة الراشدون .
    ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أبغضه بحدث كان منه ، أو ذكر مساوئه ، كان مبتدعا ، حتى يترحم عليهم جميعا ، ويكون قلبه لهم سليما .
    والنفاق هو : الكفر ، أن يكفر بالله ويعبد غيره ، ويُـظهِـر الإسلام في العلانية ، مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من كن فيه فهو منافق )) هذا على التغليظ ، نرويها كما جاءت ، ولا نفسرها .
    وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا ترجعوا بعدي كفارا ضُلالا يضرب بعضكم رقاب بعض )) ، ومثل : (( إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار )) ، ومثل : (( سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر )) ، ومثل : (( من قال لأخيه يا كافر ، فقد باء بها أحدهما )) ، ومثل : (( كُـفـرٌ بالله تَـبَـرؤٌ من نَـسَـبٍ وإن دَقّ )) ، ونحو هذه الأحاديث مما قد صح وحُـفِـظ ، فإنا نُـسَـلم له ، وإن لم نعلم تفسيرها ، ولا نتكلم فيها ، ولا نجادل فيها ، ولا نفسّر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت ، لا نردها إلا بأحق منها .
    والجنة والنار مخلوقتان ، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( دخلتُ الجنة فرأيت قصراً ... )) ، و (( رأيت الكوثر )) ، و (( واطلعت في الجنة ، فرأيت أكثر أهلها... )) كذا ، و (( واطلعت في النار ، فرأيت ... )) كذا وكذا ، فمن زعم أنهما لم تُخلقا ، فهو مكذّب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار.
    ومن مات من أهل القبلة مُـوَحِـداً يُـصلّى عليه ، ويُستغفر له ، ولا يُحجب عنه الاستغفار ، ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو كبيرا ، أَمــرُهُ إلى الله تعالى . آخر الرسالة والحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله وسلم تسليما .
    ياسين بن بلقاسم مصدق التونسي المالكي

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    300

    افتراضي رد: لمحة عن عقيدة الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى

    أصُوُلُ السُنَّة
    للإمام أبي بكر عبد الله بنْ الزبير الحميدي (ت 219 هـ )
    حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي قال :
    1ـ السنة عندنا : أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن ذلك كله قضاء من الله ـ عزوجل ـ
    2ـ وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا ينفع قول إلا بعمل ولا عمل وقول إلا بنية ، ولا قول وعمل ونية إلا بسنة .
    3ـ والترحم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم ، فإن الله ـ عزوجل ـ قال ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) [الحشر 10] فلم نؤمر إلا باستغفار لهم ، فمن سبهم أو تنقصهم أو أحداً منهم فليس على السنة ، وليس له في الفئ حق ، أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس أنه قال : " قسم الله ـ تعالى ـ الفئ فقال : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ) ـ ثم قال ـ : (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا ) الآية [الحشر 8ـ10 ) فمن لم يقل هذا لهم فليس ممن جعل له الفئ ".
    4ـ والقرآن : كلام الله ، سمعت سفيان [ بن عيينة ] يقول :" القرآن كلام الله ، ومن قال مخلوق فهو مبتدع ، لم نسمع أحدا يقول هذا " .
    ـ وسمعت سفيان يقول : الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص " .
    فقال له اخوه إبراهيم بن عيينة :" يا أبا محمد ، لا تقل ينقص ". فغضب وقال :" اسكت يا صبي ، بلى حتى لا يبقى منه شئ " .
    5ـ والإقرار بالرؤية بعد الموت .
    6ـ وما نطق به القرآن والحديث مثل : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ) [ المائدة 64] ومثل ( والسموات مطويات بيمينه ) [الزمر :67] وما أشبه هذا في القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسره ، ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول ( الرحمن على العرش استوى ) [طه :5] ومن زعم غير هذا فهو معطل جهمي .
    7ـ وأن لا نقول كما قالت الخوراج :" من أصاب كبيرة فقد كفر " . ولا تكفير بشئ من الذنوب ، إنما الكفر في ترك الخمس التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ".
    *ـ فأما ثلاث منها فلا يناظر تاركه : من لم يتشهد ، ولم يصل ، ولم يصم لأنه لايؤخر من هذا شئ عن وقته ، ولا يجزئ من قضاه بعد تفريطه فيه عامداً عن وقته .
    · فأما الزكاة فمتى ما أداها أجزأت عنه وكان آثماً في الحبس .
    · ـ وأما الحج فمن وجب عليه ، ووجد السبيل إليه وجب عليه ولا يجب عليه في عامه ذلك حتى لا يكون له منه بد متى أداه كان مؤدياً ولم يكن آثماً في تأخيره إذا أداه كما كان آثماً في الزكاة ، لأن الزكاة حق لمسلمين مساكين حبسه عليهم فكان آثما حتى وصل إليهم وأما الحج فكان فيما بينه وبين ربه إذا أداه فقد أدى ، وإن هو مات وهو واجد مستطيع ولم يحج سأل الرجعة إلى الدنيا أن يحج ويجب على أهله أن يحجوا عنه ، ونرجو أن يكون ذلك مؤدياً عنه كما لو كان عليه دين فقضي عنه بعد موته .
    [ تمت الرسالة والحمدلله رب العالمين ]

    ----------------
    ترجمة المؤلف :
    - اسمه ونسبه : هو عبدالله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله بن أسامة ، أبو بكر القرشي الأسدي الحميدي المكي (219هـ ) شيخ الحرم وصاحب " المسند " .
    شيوخه : حدث عن فضيل بن عياض وسفيان بن عيينة - فأكثر عنه وجود - ووكيع ، والشافعي ، وغيرهم .
    تلاميذه : حدث عنه البخاري في أول حديث في صحيحه ، والذهلي وأبو زرعة وأبوحاتم الرازيّان ، وأبوبكر محمد بن إدريس المكي - ورقة - وخلق سواهم .
    - ثناء العلماء عليه : قال الإمام أحمد بن حنبل " الحميدي عندنا إمام " .وقال أبو حاتم : " أثبت الناس في ابن عيينة الحميدي وهو رئيس أصحاب ابن عيينة وهو ثقة إمام " .وقال يعقوب الفسوي "حدثنا الحميدي وما لقيت أنصح للإسلام وأهله منه وقال الحاكم : " كان البخاري إذا وجد الحديث عند الحميدي لا يعدوه إلى غيره " .ووصفه أبو محمد حرب الكرماني ، واللالكائي ، وابن تيمية وغيرهم بالإمامة في السنة .
    ياسين بن بلقاسم مصدق التونسي المالكي

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    300

    افتراضي رد: لمحة عن عقيدة الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى

    عقيدة السلف أصحاب الحديث
    أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني الشافعي (توفي سنة 449هـ)
    ( 1 )
    الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم على بينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجها إلى بيت الله الحرام وزيارة مسجد نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم فصولا في أصول الدين التي استمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين وعلماء المسلمين والسلف الصالحين، وهدوا ودعوا الناس إليها في كل حين، ونهوا عما يضادها وينافيها جملة المؤمنين المصدقين المتقين، ووالوا في اتباعها وعادوا فيها، وبدّعوا وكفّروا من اعتقد غيرها، وأحرزوا لأنفسهم ولمن دعوهم إليها بركتها وخيرها، وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها، واستمساكهم بها، وإرشاد العباد إليها، وحملهم إياهم عليها، فاستخرت الله تعالى وأثبت في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار، رجاء أن ينتفع به أولو الألباب والأبصار، والله سبحانه يحقق الظن، ويجزل علينا المن بالتوفيق والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وفضله.
    قلت وبالله التوفيق.
    [عقيدة أصحاب الحديث]
    أصحاب الحديث - حفظ الله أحياءهم ورحم أمواتهم - يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلت العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبته لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه، فيقولون:
    إنه خلق آدم بيده، كما نص سبحانه عليه في قوله- عز من قائل: (يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيدي) ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين، أو القوتين، تحريف المعتزلة الجهمية، أهلكهم الله، ولا يكيفونهما - بكيف أو شبهها - بأيدي المخلوقين، تشبيه المشبهة- خذلهم الله - وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف، ومنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم، حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واتبعوا قول الله عز وجل: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) . وكما ورد القرآن بذكر اليدين بقوله : ( لما خلقت بيدي ) وقوله : ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) ووردت الأخبار الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر اليد كخبر محاجة موسى وآدم وقوله له : ( خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته ) ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا أجعل صالح ذرية من خلقته بيدي كمن قلت له : كن فكان ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خلق الله الفردوس بيده )
    [قولهم في الصفات]
    وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت به الأخبار الصحاح - من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام ، والرضى والسخط والحب والبغض والفرح والضحك وغيرها - من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر مستنكر ، ويجرون على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا. وما يذكر إلا أولو الألباب).
    [القرآن كلام الله غير مخلوق]
    ويشهد أهل الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله وكتابه، ووحيه وتنزيله غير مخلوق، ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم، والقرآن الذي هو كلام الله ووحيه هو الذي ينزل به جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا عربيا لقوم يعلمون، بشيراً ونذيراً، كما قال عز وجل : (وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين) وهو الذي بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته، كما أمر به في قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) فكان الذي بلغهم بأمر الله تعالى كلامه عز وجل، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: أتمنعوني أن أبلغ كلام ربي " وهو الذي تحفظه الصدور، وتتلوه الألسنة ويكتب في المصاحف، كيفما تصرف بقراءة قارئ ولفظ لافظ، وحفظ حافظ، وحيث تلي، وفي أي موضع قرىء وكتب في مصاحف أهل الإسلام، وألواح صبيانهم وغيرها كله كلام الله جل جلاله، غير مخلوق فمن زعم أنه مخلوق فهو كافر بالله العظيم .
    سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول سمعت أبا الوليد حسان بن محمد يقول سمعت الإمام أبا بكر محمد بن إسحق بن خزيمة يقول القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن قال: "إن القران مخلوق" فهو كافر بالله العظيم، لا تقبل شهادته، ولا يعاد إن مرض ولا يصلى عليه إن مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه .
    فأما اللفظ بالقرآن فإن الشيخ أبا بكر الإسماعيلي الجرجاني ذكر في رسالته التي صنفها لأهل جيلان : من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق- يريد به القرآن - فقد قال بخلق القرآن .
    وذكر ابن مهدي الطبري في كتابه الاعتقاد الذي صنفه لأهل هذه البلاد أن مذهب أهل السنة والجماعة القول بأن القرآن كلام الله سبحانه، ووحيه وتنزيله، وأمره ونهيه غير مخلوق، ومن قال: مخلوق فهو كافر بالله العظيم، وأن القرآن في صدورنا محفوظ، وبألسنتنا مقروء، وفي مصاحفنا مكتوب وهو الكلام الذي تكلم الله عز وجل به، ومن قال: إن القرآن بلفظي مخلوق، أو لفظي به مخلوق فهو جاهل ضال كافر بالله العظيم. وإنما ذكرت هذا الفصل بعينه من كتاب ابن مهدي لاستحساني ذلك منه، فإنه اتبع السلف أصحاب الحديث فيما ذكره مع تبحره في علم الكلام، وتصانيفه الكبيرة فيه وتقدمه وتبرزه عند أهله.
    أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قرأت بخط أبى عمرو المستملي سمعت أبا عثمان سعيد بن إشكاب يقول: سألت إسحاق بن إبراهيم عن اللفظ بالقرآن فقال: "لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق ".
    وذكر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في كتابه (الاعتقاد) الذي صنفه في هذه المسألة، وقال: " أما القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي، ولا تابعي إلا عمن في قوله الغناء والشفاء، وفي إتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله مقام الأئمة الأولى أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله، فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: " اللفظية جهمية "، قال عز وجل (فأجره حتى يسمع كلام الله) ممن يسمع؟ قال ثم : سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه رضي الله عنه أنه كان يقول: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي: ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع".
    قال محمد بن جرير: "ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله إذ لم يكن لنا فيه إمام نأتم به سواه، وفيه الكفاية والمقنع، وهو الإمام المتبع رحمة الله عليه ورضوانه ". هذه ألفاظ محمد بن جرير التي نقلتها نفسها إلى ما ها هنا من كتاب الاعتقاد الذي صنفه.
    قلت: وهو- أعني محمد بن جرير- قد نفى عن نفسه بهذا الفصل الذي ذكره في كتابه كل ما نسب إليه، وقذف به من عدول عن سبيل السنة، أو ميل إلى شيء من البدعة، والذي حكاه عن أحمد رضي الله عنه وأرضاه أن اللفظية جهمية فصحيح عنه، وإنما قال ذلك لأن جهما وأصحابه صرحوا بخلق القرآن، والذين قالوا باللفظ تدرجوا به إلى القول بخلق القرآن، وخافوا أهل السنة في ذلك الزمان من التصريح بخلق القرآن، فذكروا هذا اللفظ وأرادوا به أن القرآن بلفظنا مخلوق، فلذلك سماهم أحمد رحمه الله جهمية. وحكي عنه أيضا أنه قال: " اللفظية شر من الجهمية".
    وأما ما حكاه محمد بن جرير عن أحمد رحمه الله أن من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، فإنما أراد أن السلف من أهل السنة لم يتكلموا في باب اللفظ ولم يحوجهم الحال إليه، وإنما حدث الكلام في اللفظ من أهل التعمق وذوي الحمق الذين أتوا بالمحدثات، وعتوا عما نهو ا عنه من الضلالات وذميم المقالات، وخاضوا فيما لم يخض فيه السلف من علماء الإسلام، فقال الإمام أحمد : هذا القول في نفسه بدعة، ومن حق المتسنن أن يدعه، ولا يتفوه به ولا بمثله من البدع المبتدعة، ويقتصر على ما قاله السلف من الأئمة المتبعة أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولا يزيد عليه إلا تكفير من يقول بخلقه.
    أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجراحي بمرو، حدثنا يحيى بن ساسُويه عن أبيه عبد الكريم السكري قال: قال وهب بن زمعة: أخبرني علي الباشاني قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: " من كفر بحرف من القرآن فقد كفر بالقرآن، ومن قال: لا أؤمن بهذه اللام فقد كفر".
    [استواء الله على عرشه]
    ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون أن الله سبحانه وتعالى فوق سبع سمواته على عرشه مستوكما نطق به كتابه في قوله عز وجل في سورة الأعراف : (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) ، وقوله في سورة يونس : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) وقوله في سورة الرعد: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها، ثم استوى على العرش) وقوله في سورة الفرقان (ثم استوى على العرش الرحمن، فاسأل به خبيرا) وقوله في سورة السجدة (ثم استوى على العرش) وقوله في سورة طه: (الرحمن على العرش استوى)
    [ وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لهامان : ( ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب , أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا )وإنما قال ذلك لأنه سمع موسى عليه السلام يذكر أن ربه في السماء , ألا ترى إلى قوله : ( إني لأظنه كاذبا ) يعني في قوله إن في السماء إلها , وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه , وعرشه فوق سماواته ]
    يثبتون من ذلك ما أثبته الله تعالى، ويؤمنون به ويصدقون الرب جل جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على عرشه ، ويمرونه على ظاهره ويكلون علمه إلى الله، ويقولون: (آمنا به، كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولو الألباب) كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ذلك، ورضيه منهم، فأثنى عليهم به.
    أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكى حدثني محمد بن داود بن سليمان الزاهد أخبرني علي بن محمد بن عبيد أبو الحسن الحافظ - من أصله العتيق - ثنا أبو يحيى بن كيسبة الوراق حدثنا محمد بن الأشرس الوراق أبو كنانة حدثنا أبو المغيرة الحنفي حدثنا قرة بن خالد عن الحسن عن أبيه عن أم سلمة في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) قالت: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر.
    وحدثنا أبو الحسن بن أبي اسحاق المزكى بن المزكى حدثنا أحمد بن الخضر أبو الحسن الشافعي حدثنا شاذان حدثنا ابن مخلد بن يزيد القُهُستاني حدثنا جعفر بن ميمون قال سثل مالك بن أنس عن قوله: (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا ضالا ) وأمر به أن يخرج من مجلسه .
    أخبرنا أبو محمد المخلدي العدل حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد الاسفراييني حدثنا أبو الحسين علي بن الحسن حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا مهدي بن جعفر بن ميمون الرملي عن جعفر بن عبد الله قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس فسأله عن قوله : (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى قال: فما رأيته وجد من شيء كوجده من مقالته، وعلاه الرحضاء، وأطرق القوم، فجعلوا ينظرون الأمر به فيه، ثم سُري عن مالك فقال: الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعه، وإني لأخاف أن تكون ضالا، ثم أمر به فأخرج".
    وأخبرنيه به جدي أبو حامد أحمد بن إسماعيل عن جد والدي الشهيد، وهو أبو عبد الله محمد بن عدي بن حمدُوية الصابوني حدثنا محمد بن أحمد بن أبي عون النسوى حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا مهدي بن جعفر الرملي حدثنا جعفر بن عبد الله قال: جاء رجل لمالك بن أنس فقال: يا أبا عبد الله (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ قال فما رأينا مالكأ وجد من شيء كوجده من مقالته، وذكر بنحوه.
    وسئل أبو علي الحسين بن الفضل البجلي عن الاستواء، وقيل له كيف استوى على عرشه، فقال: إنا لا نعرف من أنباء الغيب إلا مقدار ما كشف لنا، وقد أعلمنا جل ذكره أنه استوى على عرشه، ولم يخبرنا كيف استوى.
    أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن داود الزاهد، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السامي، حدثني عبد الله ابن أحمد بن شبويه المروزي، سمعت علي بن الحسن بن شقيق يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: " نعرف ربنا فوق سبع سموات على العرش استوى بائنا من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية إنه ها هنا " وأشار إلى الأرض.
    وسمعت الحاكم أبا عبد الله في كتابه (التاريخ) الذي جمعه لأهل نيسابور، وفي كتابه (معرفة الحديث) اللذين جمعهما ولم يسبق إلى مثلهما يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانىء يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: من لم يقل بأن الله عز وجل على عرشه قد استوى ، فوق سبع سمواته، فهو كافر بربه، حلال الدم، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وألقي على بعض المزابل حتى لا يتأذى المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته، وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين، إذ المسلم لا يرث الكافر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " [ وأما إمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه احتج في كتاب المبسوط في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة , وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بها بخبر معاوية بن الحكم , وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء لكفارة , وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إعتاقه إياها فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لها : من أنا ؟ فأشارت إليه وإلى السماء يعني أنك رسول الله الذي في السماء فقال صلى الله عليه وسلم : أعتقها فإنها مؤمنة . فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية . وإنما احتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة بهذا الخبر ، لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه ، وفوق سبع سماواته على عرشه ، كما معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة ، سلفهم وخلفهم ، إذ كان رحمه الله لا يروي خبرا صحيحا ثم لا يقول به . وقد أخبرنا الحاكم أبو عبد الله رحمه الله قال أنبأنا الإمام أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه قال حدثنا إبراهيم بن محمود قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي رحمه يقول : إذا رأيتموني أقول قولا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب . قال الحاكم رحمه الله سمعت أبا الوليد غير مرة يقول : حدثت عن الزعفراني أن الشافعي رحمه الله روى يوما حديثا فقال السائل : يا أبا عبد الله تقول به ؟ قال : تراني في بيعة أوكنيسة ! ترى علي زي الكفار ! هو ذا تراني في مسجد المسلمين علي زي المسلمين مستقبل قبلتهم أروي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا أقول به !! .
    قال أبو عثمان والفرق بين أهل السنة وأهل البدعة أنهم إذا سمعوا خبرا في الصفات ردوه أصلا ، ولم يقبلوه أو . . . - كلمة غير واضحة - للظاهر ثم تأولوه بتأويل يقصدون به رفع الخبر من أصله وإبطال . . . -كلمة غير واضحة - . . . . . . . . . . . . . . . . - بياض مقدار سطر - عقولهم وآرائهم فيه ويعلمون حقا يقينا أن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى ما قاله إذ هو كان أعرف بالرب جل جلاله من غيره ، ولم يقل فيه إلا حقا وصدقا ووحيا ، قال الله عز وجل : ( وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) . قال الزهري إمام الأئمة وغيره من علماء الأمة رضي الله عنه : على الله البيان وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم .وروى يونس بن عبد الصمد بن معقل عن أن الجعد بن درهم قدم على وهب بن منبه يسأله عن صفات الله تعالى فقال ويلك يا جعد ، بعض المسألة ، إني لأظنك من الهالكين ، يا جعد لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يدا وعينا ووجها لما قلنا ذلك ، فاتق الله . ثم لم يلبث جعد أن قتل وصلب وخطب خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى بالبصرة ، فقال في آخر خطبته : انصرفوا إلى منازلكم ، وضحوا بارك الله لكم في ضحاياكم فإني مضح اليوم بالجعد بن درهم فإنه يقول : لم يتخذ الله إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما . سبحانه وتعالى عما يقول الجعد علوا كبيرا - ونزل عن المنبر فبحه بيده وأمر بصلبه .
    [عقيدتهم بنزول الرب سبحانه ومجيئه]
    ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، من غير تشبيه له بنزول المخلوقين، ولا تمثيل ولا تكييف بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتهون فيه إليه، ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله . وكذلك يثبتون ما أنزله الله عز اسمه في كتابه، من ذكر المجيء والإتيان المذكورين في قوله عز وجل: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) وقوله عز اسمه: (وجاء ربك والملك صفأ صفا). وقرأت في رسالة الشيخ أبي بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله عز وجل: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) وقال: (وجاء ربك والملك صفا صفا) ونؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف، فلو شاء سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل، فانتهينا إلى ما أحكمه، وكففنا عن الذي يتشابه إذ كنا قد أمرنا به في قوله عز وجل: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب)
    أخبرنا أبو بكر بن زكريا الشيباني سمعت : أبا حامد بن الشرقي يقول: سمعت حمدان السلمي وأبا داود الخفاف يقولان: سمعنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا. كيف ينزل؟ قال، قلت: أعز الله الأمير، لا يقال لأمر الرب كيف؟ إنما ينزل بلا كيف.
    حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل، حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي، حدثني جدي أبو بكر بن محمد بن أحمد بن محبوب، حدثنا أحمد بن حمويه حدثنا أبو عبد الرحمن العتكي، حدثنا محمد بن سلام قال : سألت عبد الله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبد الله: يا ضعيف في كل ليلة، فقال له رجل يا أبا عبد الله! كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبد الله: ينزل كيف يشاء " وفي رواية أخرى لهذه الحكاية أن عبد الله ابن المبارك قال للرجل: " إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخضع له ".
    سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول: سمعت أحمد بن سعيد بن إبراهيم أبا عبد الله الرباطي يقول: حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ذات يوم وحضر إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه، فسئل عن حديث النزول: أصحيح هو؟ قال: "نعم " فقال له بعض قواد عبد الله يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة؟ قال: " نعم " قال: " كيف ينزل؟ " فقال له إسحاق: " أثبته فوق حتى أصف لك النزول، فقال الرجل: " أثبته فوق " فقال: إسحاق: قال الله عز وجل: (وجاء ربك والملك صفا صفا) فقال الأمير عبد الله: " يا أبا يعقوب هذا يوم القيامة " فقال إسحاق: أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟
    وخبر نزول الرب كل ليلة إلى السماء الدنيا خبر متفق على صحته مخرج في الصحيحين، من طريق مالك بن أنس عن الزهري عن الأغر وأبي سلمة عن أبي هريرة. أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك ( ح ) . وحدثنا أبو بكر بن زكريا حدثنا أبو حاتم مكي بن عبدان، حدثنا محمد بن يحيى قال: وفيما قرأت على ابن نافع وحدثني مطرف عن مالك رحمه الله ( ح ) ، وحدثنا أبو بكر بن زكريا، أنبأنا أبو القاسم عبيد الله بن إبراهيم ابن باكويه، حدثنا يحيى بن محمد حدثنا يحيي بن يحيى، قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب الزهري، عن أبى عبد الله الأغر وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: (من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له ".
    ولهذا الحديث طرق إلى أبي هريرة، رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ( ح ). ورواه يزيد بن هارون وغيره من الأئمة عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبي هريرة، ومالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة، ومالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وعبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبى هريرة، وعبد الأعلى بن أبى المساور وبشير بن سليمان عن أبي حازم عن أبى هريرة. ورواه نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، وموسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت، وعبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله، وعبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب، وشريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود ومحمد ابن كعب بن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء وأبو الزبير عن جابر وسعيد بن جبير عن ابن عباس وعن أم المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهم.
    وهذه الطرق كلها مخرجة بأسانيدها في كتابنا الكبير المعروف بالانتصار، وفي رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل فيعطى؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ حتى ينفجر الصبح " وفي رواية سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة زيادة في آخره وهي " ثم يبسط يديه فيقول: من يقرض غير معدوم ولا ظلوم ". وفي رواية أبي حازم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير فينادي هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ فلا يبقى شيء فيه الروح إلا علم به، إلا الثقلان الجن والإنس " قال: وذلك حين تصيح الديكة وتنهق الحمير وتنبح الكلاب.[ وفي رواية موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت زيادات حسنة وهي التي أخبرنا بها أبو يعلى حمزة بن عبد الله المهلبي قال : أنبأنا عبد الله بن محمد الرازي قال : أنبأنا أبو عثمان محمد بن عثمان بن أبي سويد قال حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن المبارك - قال حدثنا فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له ألا ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له ألا مقتر عليه رزقه فيدعوني فأرزقه ألا مظلوم يذكرني فأنصره ألا عان يدعوني فأفكه قال : فيكون كذلك إلى أن يطلع الصبح ويعلو على كرسيه . وفي رواية أبي الزبير عن جابر من طريق مرزوق أبي بكر الذي خرجه محمد بن إسحاق بن خزيمة - مختصرة . ومن طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر الذي خرجه الحسن بن سفيان في مسنده ومن طريق هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن عشية عرفة ينزل الله فيه إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ويقول : انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة . وروى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن رفاعة الجهني حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مضى ثلث الليل أو شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي غيري من يستغفرني فأغفر له؟ من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني أعطيه؟ حتى ينفجر الصبح".
    أخبرنا أبو محمد المخلدي أنبأنا أبو العباس السراج، حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحق عن أبي مسلم الأغر قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أشهد عليهما أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول هبط إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مذنب؟ هل من مستغفر؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى تطلع الشمس".
    أخبرنا أبو محمد المخلدي أنبانا أبو العباس الثقفي حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة بن سوار عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي مسلم الأغر قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل هبط إلى هذه السماء، ثم أمر بأبواب السماء ففتحت فقال: هل من ساثل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من مضطر أكشف عنه ضره؟ هل من مستغيث أغيثه؟ فلا يزال ذلك مكانه حتى يطلع الفجر في كل ليلة من الدنيا".
    أخبرنا أبو محمد المخلدي حدثنا أبو العباس يعني الثقفي، حدثنا مجاهد بن موسى والفضل بن سهل قالا: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأغر أنه شهد على أبى هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا كان ثلث الليل نزل تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فقال: ألا هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى سؤله؟ ألا هل من تائب يتاب عليه؟ ".
    حدثنا الأستاذ أبو منصور بن حمشاد، حدثنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ببغداد حدثنا أبو منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ينزل الله تعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول: أنا الملك أنا الملك ثلاثا. من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فاغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر ".
    سمعت الأستاذ أبا منصور على إثر هذا الحديث الذي أملاه علينا يقول سئل أبو حنيفة عنه فقال: "ينزل بلا كيف " وقال بعضهم: "ينزل نزولا يليق بالربوبية بلا كيف، من غير أن يكون نزوله مثل نزول الخلق، بالتخلي والتملي، لأنه جل جلاله منزه أن تكون صفاته مثل صفات الخلق، كما كان منزها أن تكون ذاته مثل ذوات المخلوقين، فمجيئه وإتيانه ونزوله على حسب ما يليق بصفاته، من غير تشبيه وكيف.
    وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد الذي صنفه وسمعت من حافده أبي طاهر رحمه الله تعالى.
    باب ذكر أخبار ثابتة السند رواها علماء الحجاز والعراق في نزول الرب إلى السماء الدنيا كل ليلة من غير صفة كيفية النزول مع إثبات النزول
    فنشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر النزول من غير أن نصف الكيفية، لأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى السماء - الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله عز وجل ولّى نبيه صلى الله عليه وسلم بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم، فنحن مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول، غير متكلفين للنزول بصفة الكيفية، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النزول. اهـ.
    أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو محمد الصيدلاني، حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أحمد بن صالح المصري، حدثنا بن وهب، أنبأنا مخرمة بن بكير عن أبيه رحمه الله ( ح ) وأخبرنا الحاكم حدثنا محمد بن يعقوب الأصم واللفظ له، حدثنا إبراهيم بن منقذ ، حدثنا ابن وهب عن مخرمة ابن بكير عن أبيه قال: سمعت محمد بن المنكدر يزعم أنه سمع أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسم تقول "نعم اليوم ، يوم ينزل الله تعالى فيه إلى السماء الدنيا قالوا وأي يوم؟ قالت يوم عرفة".
    وروت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل الله تعالى في النصف من شعبان إلى السماء الدنيا ليلا إلى آخر النهار من الغد، فيعتق من النار بعدد شعر معزكلب، ويكتب الحاج وينزل أرزاق السنة، ولا يترك أحدا إلا غفر له إلا مشركا أو قاطع رحم أو عاقا أو مشاحنا ".
    أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة، حدثنا جدي الإمام حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا إسماعيل بن علية عن هشام الدستوائي (ح) قال الإمام وحدثنا الزعفراني عبد الله بن بكر السهمي، حدثنا هشام الدستوائي (ح) وحدثنا الزعفراني حدثنا يزيد يعني ابن هارون الدستوائي (ح) وحدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون بالإسكندرية، حدثنا الوليد عن الأوزاعي جميعا عن يحيى بن أبي كثير، عن عطاء بن يسار، حدثني رفاعة بن عرابة الجهني (ح) قال الإمام، وحدثنا أبو هاشم بن زياد بن أيوب حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن الأوزاعي، حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار حدثني رفاعة بن عرابة الجهني قال: صدرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فجعلوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يأذن لهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال شق الشجرة الذي يلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض إليكم من الآخر، فلا ترى من القوم إلا باكيا قال يقول أبو بكر الصديق إن الذي يستأذنك بعدها لسفيه، فقام النبى صلى الله عليه وسلم، فحمد الله واثنى عليه وكان إذا حلف قال: والذي نفسي بيده أشهد عند الله ما منكم من أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ثم يسدد إلا سلك به في الجنة، ولقد وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب، وإني لأرجو أن لا تدخلوها حتى تتبوؤا ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكنكم في الجنة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إذا مضى شطر الليل أو قال: ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا، ثم يقول: لا أسأل عن عبادي غيري، من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوفي فأجيبه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الصبح " هذا لفظ حديث الوليد.
    قال شيخ الاسلام: قلت: فلما صح خبر النزول عن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر به أهل السنة، وقبلوا الخبر، وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعتقدوا تشبيها له بنزول خلقه، ولم يبحثوا عن كيفيته ، إذ لاسبيل إليها بحال ، وعلموا وتحققوا واعتقدوا أن صفات الله سبحانه لا تشبه صفات الخلق، كما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق تعالى الله عما يقول المشبهة والمعطلة علوا كبيرا، ولعنهم لعنا كثيرا.
    وقرأت لأبى عبد الله ابن أبي حفص البخاري، وكان شيخ بخارى في عصره بلا مدافعة، وأبو حفص هذا كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني، قال أبو عبد الله:- أعني ابن أبى حفص هذا- سمعت عبد الله بن عثمان وهو عبدان شيخ مرو يقول: سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: قال حماد بن أبي حنيفة: قلنا لهؤلاء: أرأيتم قول الله عز وجل (وجاء ربك والملك صفا صفا) وقوله عز وجل : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) فهل يجيء ربنا كما قال ؟؟ وهل يجيء الملك صفا صفا ؟ قالوا : أما الملائكة فيجيئون صفا صفا ، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك ولا ندري كيف جيئته . فقلنا لهم إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته ، ولكن نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه . قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفا صفا، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذاك، ولا ندري كيفية مجيئه، فقلنا لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيتم من أنكر أن الملك يجيء صفا صفا ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب. قلنا: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب.
    قال أبو عبد الله بن أبي حفص البخاري أيضأ في كتابه: ذكر إبراهيم بن الأشعث قال سمعت الفضيل بن عياض يقول: إذا قال لك الجهمي: أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه. فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.
    [رؤية المؤمنين لله في الآخرة]
    وروى يزيد بن هارون في مجلسه حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله في الرؤية، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر " فقال له رجل في مجلسه: يا أبا خالد: ما معنى هذا الحديث؟ فغضب وحَرد، وقال: ما أشبهك بصبيغ، وأحوجك إلى مثل ما فعل به! ويلك! ومن يدري كيف هذا؟ ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث، أو يتكلم فيه بشيء من تلقاء نفسه إلا من سفه نفسه؟ واستخف بدينه؟ إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوه، ولا تبتدعوا فيه، فإنكم إن اتبعتموه ولم تماروا فيه سلمتم، وإن لم تفعلوا هلكتم.
    وقصة صبيغ الذي قال يزيد بن هارون للسائل: ما أشبهك بصبيغ وأحوجك إلى مثل ما فعل به: هي ما رواه يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، أن صبيغا التميمي أتى أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين! أخبرني عن (الذاريات ذروا) قال: هي الرياح، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن (الحاملات وقرا) قال: هي السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن (المقسمات أمرا) قال: الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن (الجاريات يسرا) قال: هي السفن، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته. قال: ثم أمر به فضرب مئة سوط، ثم جعله في بيت حتى إذا برأ دعا به، ثم ضربه مئة سوط أخرى، ثم حمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى الأشعري: (أن حرم عليه مجالسة الناس) فم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى الأشعري، فحلف بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجده شيئا، فكتب إلى عمر يخبره ، فكتب إليه : ما إخاله إلا قد صدق، خل بينه وبين مجالسة الناس.
    وروى حماد بن زيد عن قطن بن كعب: سمعت رجلا من بني عجل يقال له: فلان- خالد بن زرعة - يحدث عن أبيه قال: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب، يجيء إلى الحلق فكلما جلس إلى قوم لا يعرفونه ناداهم أهل الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين.
    وروى حماد بن زيد أيضا عن يزيد بن أبي حازم عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني تميم يقال له صبيغ قدم المدينة، فكانت عنده كتب فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر، فبعث إليه، وقد أعد له عراجين النخل، فلما دخل عليه جلس، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ. قال: وانا عبد الله عمر، ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب ما كنت أجد في رأسي.
    أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى السلمي أخبرنا محمد بن محمود الفقيه المروزي ، ثنا محمد بن عمير الرازي ثنا أبو زكريا يحيى بن أيوب العلاف التجيبي بمصر، حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا أشهب بن عبد العزيز سمعت مالك بن أنس يقول: إياكم والبدع! قيل: يا أبا عبد الله. وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته، وكلامه وعلمه وقدرته لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون.
    أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عمر الزاهد الخفاف، أنبأنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الفقيه حدثنا الربيع بن سليمان سمعت الشافعي رحمه الله يقول: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من يلقاه بشيء من الأهواء.
    اخبرني أبو طاهر محمد بن الفضل حدثنا أبو عمر والحيري حدثنا أبو الأزهر حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن جعفر بن برقان- قال: سأل رجل عمر بن عبد العزيز عن شيء من الأهواء، فقال: الزم دين الصبي في الكتاب، والأعرابي واله عما سوى ذلك.
    أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن يزيد سمعت أبا يحيى البزاز يقول: سمعت العباس بن حمزة يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه.
    أخبرنا أبو الحسين الخفاف حدئنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا الهيثم بن خارجة سمعت الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي وسفيان ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث في الصفات والرؤية فقالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف.
    قال الإمام الزهري إمام الأئمة في عصره، وعين علماء الأمة في وقته: على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.
    وعن بعض السلف: قدم الإسلام لا يثبت إلا على قنطرة التسليم.
    أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة حدثنا جدي الإمام أحمد بن نصر، حدثنا أبو يعقوب الحنيني ، حدثنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن هذا الدين بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء.
    قيل: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: الذين يحيون سنتي من بعدي ويعلمونها عباد الله ".
    أخبرنا عبد الله الحافظ سمعت أبا الحسن الكارزي يقول: سمعت علي بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله.
    وروي عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود فقال: "يا أيها الناس! من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم. قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل ما أسألكم عليه من أجر، وما أنا من المتكلفين)0أخبرن ا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس المعقلي، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، حدثني أبي وعبد الرحمن الضبي، عن القاسم بن عروة عن محمد بن كعب القرظي قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فجعلت أنظر إليه نظراً شديدا، فقال: إنك لتنظر إلي نظرا ما كنت تنظره إلي وأنا بالمدينة، فقلت: لتعجبي فقال: ومما تتعجب؟ قال: قلت: لما حال من لونك، ونحل من جسمك ونفي من شعرك؟ قال: كيف ولو رأيتني بعد ثلاثة في قبري، وقد سالت حدقتاي على وجنتي، وسال منخراي. في فمي صديداً ؟ كنت لي أشد نكرة، حدثني حديثا كنت حدثتنيه عن عبد الله بن عباس قال: قلت: حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لكل شيء شرفا ، وأشرف المجالس ما استقبل به القبلة، لا تصلوا خلف نائم ولا محدث، واقتلوا الحية والعقرب، وإن كنتم في صلاتكم، ولا تستروا الجدر بالثياب، ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار، ألا أنبئكم بشراركم؟ قالو ا: بلى يا رسول الله. قال: الذي يجلد عبده، ويمنع رفده، وينزل وحده، أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي يبغض الناس، ويبغضونه. أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي لا يقيل عثرة، ولا يقبل معذرة، ولا يغفر ذنبا. أولا أنبئكم بشر من ذلكم؟ الذي لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره، من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله. إن عيسى عليه السلام قام في قومه فقال: يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال، فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها، فتظلموهم، ولا تظلموا، ولا تكافئوا ظالما ، فيبطل فضلكم عند ربكم. الأمر ثلاثة : أمر بين رشده فاتبعوه، وأمر بين غيه، فاجتنبوه، وأمر اختلفتم فيه فكله لله عز وجل ".
    ياسين بن بلقاسم مصدق التونسي المالكي

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    300

    افتراضي رد: لمحة عن عقيدة الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى

    عقيدة السلف أصحاب الحديث
    أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني الشافعي (توفي سنة 449هـ)
    ( 2 )
    [البعث بعد الموت والشفاعة]
    ويؤمن أهل الدين والسنة بالبعث بعد الموت يوم القيامة، وبكل ما أخبر الله سبحانه من أهو ال ذلك اليوم الحق، و اختلاف أحوال العباد فيه والخلق فيما يرونه ويلقونه هنالك، في ذلك اليوم الهائل من أخذ الكتب بالأيمان والشمائل، والإجابة عن المسائل، إلى سائر الزلازل والبلابل الموعودة في ذلك اليوم العظيم، والمقام الهائل من الصراط والميزان، ونشر الصحف التي فيها مثاقيل الذر من الخير والشر، وغيرها، ويؤمن أهل الدين والسنة بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمذنبي أهل التوحيد، ومرتكبي الكبائر، كما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا أبو سعيد بن حمدون، أنبأنا أبو حامد بن الشرقي، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، حدثنا عبد الرزاق، أنبانا معمر عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ". وأنبأنا أبو علي زاهر بن أحمد أنبأنا محمد بن المسيب الأغياني، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي، عن زياد بن خيثمة عن نعمان بن قراد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، لأنها أعم وأكفى. أترونها للمؤمنين المتقين؟ لا، ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين". أخبرنا أبو محمد المخلدي، أنبأنا أبو العباس السراج حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو، (ح). وأخبرنا أبو طاهر بن خزيمة أنبأنا جدي الإمام محمد بن إسحق بن خزيمة، حدثنا علي بن حجر بن إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: " لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه".
    [الحوض والكوثر]
    ويؤمنون بالحوض والكوثر، وإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب، ومحاسبة فريق منهم حسابا يسيرا، وإدخالهم الجنة بغير سوء يمسهم وعذاب يلحقهم، وإدخال فريق من مذنبيهم النار ثم إعتاقهم و إخراجهم منها، وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم إلى الجنة ، ولا يخلدون في النار، فأما الكفار فإنهم يخلدون فيها ولا يخرجون منها أبدا، ولا يترك الله فيها من عصاة أهل الإيمان أحدأ.
    [رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة]
    ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم، وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر" والتشبيه وقع للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي ، والأخبار الواردة في الرؤية مخرجة في كتاب (الانتصار) بطرقها.
    [الإيمان بالجنة والنار وأنهما مخلوقتان]
    ويشهد أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان لا يفنيان أبدا، وأن أهل الجنة لا يخرجون منها أبدا، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خلقوا لها، لا يخرجون منها أبدا، وأن المنادي ينادي يومئذ " يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت " على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص]
    ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، قال محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الإيمان في معنى الزيادة والنقصان، فقال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب حدثنا حماد بن سلمة حدثنا أبوجعفر الخطمي عن أبيه عن جده عن عمير بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص فقيل: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله فحمدناه سبحانه فتلك زيادته، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا فذلك نقصانه.
    أخبرنا أبو الحسن بن أبي إسحق المزكى ، حدثنا أبي حدثنا أبو عمرو الحيري، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن إدريس المكي، وأحمد بن شداد الترمذي، قالوا: حدثنا الحميدي حدثنا يحيى بن سُليم: سألت عشرة من الفقهاء عن الإيمان فقالوا: قول وعمل.
    وسألت هشام بن حسان فقال: قول وعمل. وسألت ابن جريج فقال: قول وعمل. وسألت سفيان الثوري فقال: قول وعمل. وسألت المثنى بن الصباح فقال قول وعمل وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فقال : قول وعمل وسألت محمد بن مسلم الطاثفي فقال: قول وعمل ، وسألت فضيل بن عياض فقال: قول وعمل. وسألت نافع بن عمر الجمحي فقال: قول وعمل. وسألت سفيان بن عيينة فقال: قول وعمل.
    وأخبرنا أبو عمرو الحيري، حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن إدريس وسمعت الحميدي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد تقول: ينقص؟ فقال: اسكت يا صبي بلى ينقص حتى لايبقى منه شيء.
    وقال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي ومالكا وسعيد بن عبد العزيز ينكرون على من يقول: إقرار بلا عمل. ويقولون لا إيمان إلا بعمل، قلت فمن كانت طاعاته وحسناته أكثر فإنه أكمل إيمانا، ممن كان قليل الطاعة كثير المعصية والغفلة والإضاعة .
    وسمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن باكويه الحلاب يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحق بن خزيمة يقول: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول: قال لي عبد الله بن طاهر: يا أحمد إنكم تبغضون هؤلاء القوم جهلأ، وأنا أبغضهم عن معرفة. إن أول أمرهم أنهم لا يرون للسلطان طاعة . الثاني: أنه ليس للإيمان عندهم قدر، والله لا أستجيز أن أقول: إيماني كإيمان يحيى بن يحيى، ولا كإيمان أحمد بن حنبل، وهم يقولون: إيماننا كإيمان جبريل وميكائيل.
    وسمعت الحاكم يقول سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانيء يقول: سمعت أبا بكر محمد بن شعيب يقول: سمعت إسحق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قدم ابن المبارك الري فقام إليه رجل من العباد، الظن به أنه يذهب مذهب الخوارج، فقال له: يا أبا عبد الرحمن ما تقول فيمن يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال لا أخرجه من الإيمان، فقال: يا أبا عبد الرحمن على كبر السن صرت مرجئا؟ فقال: لا تقبلني المرجئة. المرجئة تقول: حسناتنا مقبولة، وسيئاتنا مغفورة، ولو علمت أني قبلت مني حسنة لشهدت أني في الجنة، ثم ذكر عن شوذب عن سلمة بن كهيل، عن هزيل بن شرحبيل قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح.
    سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني يقول: سمعت يحيى بن منصور القاضي يقول: سمعت محمد بن إسحق بن خزيمة يقول: سمعت الحسين بن حرب أخا أحمد بن حرب الزاهد يقول: أشهد أن دين أحمد بن حرب الذي يدين الله به أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
    [لا يكفر أحد من المسلمين بكل ذنب]
    ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن أذنب ذنوبا كثيرة صغائر وكبائر فإنه لا يكفر بها، وإن خرج من الدنيا غير تائب منها، ومات على التوحيد والإخلاص، فإن أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه، وأدخله الجنة يوم القيامة سالما غانما، غير مبتلى بالنار ولا معاقب على ما ارتكبه واكتسبه، ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار، وإن شاء عاقبه وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها، بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار.
    وكان شيخنا سهل بن محمد رحمه الله يقول: المؤمن المذنب وإن عذب بالنار فإنه لا يلقى فيها إلقاء الكفار، ولا يبقى فيها بقاء الكفار، ولا يشقى فيها شقاء الكفار. ومعنى ذلك أن الكافر يسحب على وجهه إلى النار، ويلقى فيها منكوسأ في السلاسل والأغلال والأنكال الثقال، والمؤمن المذنب إذا ابتلى بالنار فإنه يدخل النار كما يدخل المجرم في الدنيا السجن على الرجل من غير إلقاء وتنكيس. ومعنى قوله "لا يلقى في النار إلقاء الكفار " أن الكافر يحرق بدنه كله، كلما نضج جلده بدل جلدا غيره، ليذوق العذاب كما بينه الله في كتابه في قو له تعالى (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارآ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودأ غيرها ليذوقوا العذاب) وأما المؤمنون فلا تلفح وجو ههم النار، ولا تحرق أعضاء السجود منهم، إذ حرم الله على النار أعضاء سجوده. ومعنى قوله: "لا يبقى في النار بقاء الكفار " أن الكافر يخلد فيها ولا يخرج منها أبدا، ولا يخلد الله من مذنبي المؤمنين في النار أحدا. ومعنى قوله: " لا يشقى بالنار شقاء الكفار " أن الكفار يؤيسون فيها من رحمة الله، ولا يرجون راحة بحال، وأما المؤمنون فلا ينقطع طمعهم من رحمة الله في كل حال، وعاقبة المؤمنين كلهم الجنة، لأنهم خلقوا لها وخلقت لهم فضلا من الله ومنة.
    [حكم تارك الصلاة عمدا]
    واختلف أهل الحديث في ترك المسلم صلاة الفرض متعمدا، فكفره بذلك أحمد بن حنبل وجماعة من علماء السلف، وأخرجوه به من الإسلام، للخبر الصحيح: " بين العبد والشرك ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر" وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف رحمة الله عليهم أجمعين إلى أنه لا يكفر ما دام معتقدأ لوجوبها، وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتد عن الإسلام، وتأولوا الخبر من ترك الصلاة جاحدا لها كما أخبر سبحانه عن يوسف عليه السلام أنه قال: (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون) ولم يك تلبس بكفر ففارقه، ولكن تركه جاحدا له.
    [خلق أفعال العباد]
    ومن قول أهل السنة والجماعة في أكساب العباد أنها مخلوقة لله ثعالى، لا يمترون فيه، ولا يَعُدُّون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول وينفيه، ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء لدينه ويضل من يشاء عنه ، لا حجة لمن أضله الله عليه، ولا عذر له لديه، قال الله عز وجل (قل: فلله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين) وقال: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، ولكن حق القول مني) الآية وقال: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرأ من الجن والإنس) الآية. سبحانه وتعالى خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فريقين، فريقا للنعيم فضلا، وفريقأ للجحيم عدلا، وجعل منهم غويا ورشيدا، وشقيا وسعيدا، وقريبأ من رحمته، وبعيدا، ( لا يُسئَل عما يفعل وهم يُسألون ).
    أخبرنا أبو محمد المخلدي أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا يوسف بن موسى أنبأنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك بأربع كلمات، رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يدركه ماسبق له في الكتاب فيعمل بعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ".[ وأخبرنا أبو محمد المخلدي قال أنبأنا أبو العباس السراج : قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي - هو ابن راهويه - قال : أنبأنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل النار ، فإذا كان عند موته تحول فعمل بعمل أهل النار فمات فدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل الجنة ، فإذا كان قبل موته عمل بعمل أهل الجنة فمات فدخل الجنة ].
    [الخير والشر]
    ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشر والنفع والضر بقضاء الله وقدره، لا مرد لهما، ولا محيص ولا محيد عنهما، ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله له. لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروه بما لم يقضه الله لم يقدروا. على ما ورد به خبر عبد الله بن عباس عن الني صلى الله عليه وآله وسلم. وقال الله عز وجل: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله) 0
    ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم بأن الخير والشر من الله، وبقضائه - أنه لا يضاف إلى الله تعالى ما يتوهم منه نقص على الإنفراد فيقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان - وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه - وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح " تباركت وتعاليت، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك " ومعناه والله أعلم والشر ليس مما يضاف إليك إفرادا وقصدا، حتى يقال لك في المناداة : يا خالق الشر و يا مقدر الشر، وإن كان هو الخالق والمقدر لها جميعا ، لذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه، فقال: فيما أخبر الله عنه في قوله: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون ي البحر، فأردت أن أعيبها) ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال: (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما، ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك) ولذلك قال مخبرا عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: (وإذا مرضت فهو يشفين) فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه.
    ومن مذهب أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل مريد لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، ولم يؤمن أحد إلا بمشيئته، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء أن لا يعصى ما خلق إبليس فكفر الكافرين وإيمان المؤمنين بقضائه سبحانه وتعالى وقدره، وإرادته ومشيئته، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة، ويسخط الكفر والمعصية، قال الله عز وجل: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم، ولا يرضى لعباده الكفر، وإن تشكروا يرضه لكم).
    [عواقب العباد مبهمة]
    ويعتقد ويشهد أصحاب الحديث أن عواقب العباد مبهمة، لا يدري أحد بما يختم له، ولا يحكمون لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، ولا يحكمون على أحد بعينه أنه من أهل النار، لأن ذلك مغيب عنهم، لا يعرفون على ما يموت عليه الإنسان بم ولذلك يقولون: إنا مؤمنون إن شاء الله. [ أي من المؤمنين الذين يختم لهم بخير إن شاء الله ] ويشهدون لمن مات على الإسلام أن عاقبته الجنة فإن الذين سبق القضاء عليهم من الله أنهم يعذبون بالنار مدة لذنوبهم التي اكتسبوها، ولم يتوبوا منها، فإنهم يردون أخيرا إلى الجنة ولا يبقى أحد في النار من المسلمين. فضلأ من الله ومنه، ومن مات والعياذ بالله على الكفر فمرده إلى النار لا ينجو منها، ولا يكون لمقامه فيها منتهى.
    [المبشرون بالجنة]
    فأما الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة، فإن أصحاب الحديث يشهدون لهم بذلك، تصديقا منهم للرسول صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ووعده لهم، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يشهد لهم بها إلا بعد أن عرف ذلك، والله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على ما شاء من غيبه، وبيان ذلك في قوله عز وجل: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من أرتضى من رسول) وقد بشر صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه بالجنة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح، وكذلك قال لثابت بن قيس بن شماس: "أنت من أهل الجنة ". قال أنس بن مالك: فلقد كان يمشي بين أظهرنا ونحن نقول: إنه من أهل الجنة.
    [أفضل الصحابة]
    ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وأنهم الخلفاء الراشدون الذين ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلافتهم بقوله فيما رواه سعيد بن جمهان عن سفينة "الخلافة بعدي ثلاثون سنة " وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى الملك العضوض على ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ويثبت أصحاب الحديث خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، باختيار الصحابة واتفاقهم عليه، وقولهم قاطبة: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فرضيناه لدنيانا [ يعني أنه استخلفه في إقامة الصلوات المفروضات بالناس أيام مرضه - وهي الدين - فرضيناه خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم علينا في أمور دنيانا ] وقولهم: قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك! وأرادوا أنه صلى الله عليه وسلم قدمك في الصلاة بنا أيام مرضه، فصلينا وراءك بأمره، فمن ذا الذي يؤخرك بعد تقديمه إياك؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في شأن أبي بكر في حال حياته بما يبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده، فلذلك اتفقوا عليه واجتمعوا، فانتفعوا بمكانه والله، وارتفعوا به وارتفقوا حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف لما عُبدا الله. ولما قيل له: مه يا أبا هريرة! قام بحجة صحة قوله، فصدقوه فيه وأقروا به.
    ثم خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه إياه، واتفاق الصحابة عليه بعده، وإنجاز الله سبحانه - بمكانه في إعلاء الإسلام، وإعظام شأنه - وعده.
    ثم خلافة عثمان رضي الله عنه بإجماع أهل الشورى، وإجماع الأصحاب كافة، ورضاهم به حتى جعل الأمر إليه. ثم خلافة علي رضي الله عنه ببيعة الصحابة إياه، عرفه ورآه كل منهم رضي الله عنهم أحق الخلق، وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه، فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدين الذين نصر الله بهم الدين، وقهر وقسر بمكانهم الملحدين، وقوى بمكانهم الإسلام، ورفع في أيامهم للحق الأعلام، ونور بضيائهم ونورهم وبهائهم الظلام، وحقق بخلافتهم وعده السابق في قوله عز وجل: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) وفي قوله: (أشداء على الكفار) فمن أحبهم وتولاهم، ودعا لهم، ورعى حقهم، وعرف فضلهم فاز في الفائزين، ومن أبغضهم وسبهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم الروافض والخوارج ـ لعنهم الله ـ فقد هلك في الهالكين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فمن سبهم فعليه لعنة الله " وقال: "من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن سبهم فعليه لعنة الله".
    [الصلاة خلف البر والفاجر]
    ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين، وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم برا كان أو فاجرا. ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جَوَرة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف. ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل.
    [الكف عما شجر بين الصحابة]
    ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيبا لهم ونقصا فيهم. ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم. وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه رضي الله عنهن، والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين.
    [لاندخل الجنة بالعمل]
    ويعتقدون ويشهدون أن أحدا لا تجب له الجنة وإن كان عمله حسنا، وطريقه مرتضى إلا أن يتفضل الله عليه، فيوجبها له بمنه وفضله، إذ عمل الخير الذي عمله لم يتيسر له إلا بتيسير الله عز اسمه، فلو لم ييسره له لم يهده له لم يهتد له أبدا. قال الله عز وجل: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا، ولكن الله يزكي من يشاء) وفي آيات سواها.
    [لكل مخلوق أجل]
    ويعتقدون ويشهدون أن الله عز وجل أجل لكل مخلوق أجلا، وأن نفسا لن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا، وإذا انقضى أجل المرء فليس إلا الموت، وليس له منه فوت، قال الله عز وجل: (ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون) وقال: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا).
    ويشهدون أن من مات أو قتل فقد انقضى أجله، قال الله عز وجل: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) [ وقال : ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) ] .
    [وسوسة الشياطين]
    ويعتقدون أن الله سبحانه خلق الشياطين يوسوسون للآدميين، ويقصدون استزلالهم ويترصدون لهم، قال الله عز وجل: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون). وإن الله يسلطهم على من يشاء، ويعصم من كيدهم ومكرهم من يشاء، قال الله عز وجل: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا). وقال: (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون).
    [السحر والسحرة]
    ويشهدون أن في الدنيا سحرا وسحرة، إلا أنهم لا يضرون أحدا إلا بإذن الله عز وجل ، قال الله عز وجل: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) ومن سحر منهم واستعمل السحر، واعتقد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله تعالى فقد كفر. وإذا وصف ما يكفر به استتيب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وإذا وصف ما ليس بكفر، أو تكلم بما لا يفهم نهى عنه فإن عاد عزر. وإن قال: السحر ليس بحرام، وأنا أعتقد إباحته وجب قتله، لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه.
    [من آداب أصحاب الحديث]
    ويحرم أصحاب الحديث المسكر من الأشربة المتخذة من العنب أو الزبيب أو التمر أو العسل أو الذرة أو غير ذلك مما يسكر، يحرمون قليله وكثيره، وينجسونه ويوجبون به الحد. ويرون المسارعة إلى أداء الصلوات وإقامتها في أوائل الأوقات أفضل من تأخيرها إلى آخر الأوقات. ويوجبون قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام[1]. ويأمرون بإتمام الركوع والسجود حتما واجبا، ويعدون إتمام الركوع والسجود بالطمأنينة فيهما، والارتفاع من الركوع والانتصاب منه والطمأنينية فيه، وكذلك الارتفاع من السجود، والجلوس بين السجدتين مطمئنين فيه من أركان الصلاة التي لا تصح إلا بها. -10
    ويتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، وبصلة الأرحام وإفشاء السلام وإطعام الطعام، والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام، والاهتمام بأمور المسلمين، والتعفف في المأكل والمشرب والملبس والمنكح والسعي في الخيرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبدار إلى فعل الخيرات أجمع.[واتقاء سؤ عاقبة الطمع ويتواصون بالحق والصبر] ، ويتحابون في الدين ويتباغضون فيه، ويتقون الجدال في الله، والخصومات فيه، ويجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهو اء والجهالات ، [ويقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الذين هم كالنجوم بأيهم اقتدوا اهتدوا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم ]. ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين. ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت، وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت . وفيه أنزل الله عز وجل قوله: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره)
    [علامات أهل البدع]
    وعلامات البدع على أهلها ظاهرة بادية، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، واحتقارهم لهم وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة، اعتقادا منهم في أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أنها بمعزل عن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية من الخير، العاطلة ، وحججهم بل شبههم الداحضة الباطلة. أولئك الذين لعنهم الله، فأصمهم وأعمى أبصارهم. ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء.
    سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سمعت جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي يقول: سمعت أحمد بن سنان القطان يقول: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، فإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه.
    وسمعت الحاكم يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت محمد بن إسماعيل الترمذي يقول كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند إمام الدين أبي عبد الله
    أحمد بن حنبل، فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء. فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ئوبه ويقول: زنديق زنديق، حتى دخل البيت.
    وسمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى يقول: سمعت أبا نصر بن سلام الفقيه يقول: ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناده.
    وسمعت الحاكم يقول: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحق بن أيوب الفقيه وهو يناظر رجلا فقال الشيخ أبو بكر: حدثنا فلان، فقال له الرجل: دعنا من حدثنا! إلى متى حدثنا؟ فقال الشيخ له: قم يا كافر فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبدا، ثم التفت إلينا وقال: ما قلت لأحد قط لا تدخل داري إلا هذا.
    وسمعت الأستاذ أبا منصور محمد بن عبد الله بن حماد العالم الزاهد يقول: سمعت أبا القاسم جعفر بن أحمد المقري الرازي يقول: قرىء علي عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي وأنا أسمع: سمعت أبي يقول: عني به الإمام في بلده أباه أبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي يقول: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر حشويه، يريدون بذلك إبطال الآثار، وعلامة القدرية تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة الجهمية تسميهم أهل السنة مشبهة، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة، قلت: ( وكل ذلك عصبية، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث ) ، قلت : أنا رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة سلكوا معهم مسلك المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم اقتسموا القول فيه، فسماه بعضهم ساحرا وبعضهم كاهنا، وبعضهم شاعرا، وبعضهم مجنونا، وبعضهم مفتونا، وبعضهم مفتريا مختلقا كذابا، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تلك المعائب بعيدا بريئا، ولم يكن إلا رسولا مصطفى نبيا، قال الله عز وجل: (أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلأ). كذلك المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القول في حملة أخباره، ونقلة آثاره ورواة أحاديثه المقتدين بسنته، فسماهم بعضهم حشوية، وبعضهم مشبهة، وبعضهم نابتة، وبعضهم ناصبة، وبعضهم جبرية، وأصحاب الحديث عصامة من هذه المعايب برية زكية نقية، وليسوا إلا أهل السنة المضية والسيرة المرضية والسبل السوية والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله جل جلاله لا تباع كتابه ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في أخباره التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منها، وأعانهم على التمسك بسيرته والاهتداء بملازمة سنته، وشرح صدورهم لمحبته، ومحبة أئمة شريعته، وعلماء أمته، ومن أحب قوما فهو معهم يوم القيامة بحكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب".
    [علامات أهل السنة]
    وإحدى علامات أهل السنة حبهم لأئمة السنة، وعلمائها وأنصارها وأو ليائها، وبغضهم لأئمة البدع، الذين يدعون إلى النار، ويدلون أصحابهم على دار البوار، وقد زين الله سبحانه قلوب أهل السنة ونورها بحب علماء السنة فضلا منه جل جلاله ومنة .
    أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أسكنه الله وإيانا الجنة، حدثنا محمد بن إبراهيم بن الفضل المزكى، حدثنا أحمد بن سلمة، قرأ علينا أبو رجاء قتيبة بن سعيد كتاب الإيمان له، فكان في آخره: فإذا رأيت الرجل يحب سفيان الثوري، ومالك بن أنس والأوزاعي، وشعبة وابن المبارك، وأبا الأحوص وشريكا ووكيعا ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن ابن مهدي فاعلم أنه صاحب سنة، قال أحمد بن سلمة رحمه الله: فألحقت بخطي تحته: ويحيى بن بحبى وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، فلما انتهى إلى هذا الموضع نظر الينا أهل نيسابور، وقال: هؤلاء القوم يتعصبون ليحيى بن يحيى، فقلنا له: يا أبا رجاء ما يحيى بن يحيى؟ قال رجل صالح إمام المسلمين، وإسحق بن إبراهيم إمام، وأحمد بن حنبل أكبر من سميتهم كلهم، وأنا ألحقت بهؤلاء الذين ذكر قتيبة رحمه الله، أن من أحبهم فهو صاحب سنة من أئمة أهل الحديث الذين بهم يقتدون، وبهديهم يهتدون، ومن جملتهم ومتبعيهم وشيعتهم أنفسهم يعدون، وفي اتباعهم آثارهم يجدون جماعة آخرين، منهم محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ، وسعيد بن جبير والزهري، والشعي والتيمي ومن بعدهم، كالليث بن سعد والأوزاعي والثوري وسفيان بن عيينة الهلالي، وحماد بن سلمة وحماد بن زيد، ويونس بن عبيد، وأيوب وابن عون ونظرائهم. ومن بعدهم مثل يزيد بن هارون، وعبد الرزاق وجرير بن عبد الحميد، ومن بعدهم محمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن اسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري، وأبي داود السجستاني وأبي زرعة الرازي، وأبي حاتم وابنه ومحمد بن مسلم بن واره، ومحمد بن أسلم الطوسي، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة الذى كان يدعى إمام الأئمة، والمقري كان إمام الأئمة في عصره ووقته، وأبي يعقوب إسحق بن إسماعيل البستي، وجدي من قبل أبوي أبي سعيد يحيى بن منصور الزاهد الهروي، وعدي بن حمدويه الصابوني، وولديه سيفي السنة أبي عبدالله الصابوني وأبي عبد الرحمن الصابوني، وغيرهم من أئمة السنة الذين كانوامتمسكين بها، ناصرين لها داعين إليها دالين عليها، وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء كانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم بعضا، بل أجمعوا عليها كلها، واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم وإخزائهم وابعادهم واقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم، قال الأستاذ الإمام رحمه الله: وأنا بفضل الله عز وجل متبع لآثارهم مستضيء بأنوارهم، ناصح لإخواني وأصحابي أن لا يزيغوا عن منارهم، ولايتبعوا غير أقوالهم، و لا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع التي اشتهرت فما بين المسلمين، وظهرت وانتشرت، ولو جرت واحد منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه، وبدعوه ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه، ولا يغرن إخواني حفظهم الله كثرة أهل البدع، ووفور عددهم فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: " إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل " والعلم هو السنة، والجهل هو البدعة، ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل بها واستقام عليها، ودعا إليها كان أجره أوفر وأكثر من أجر من جرى على هذه الجملة في أوائل الإسلام والملة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: " له أجر خمسين فقيل: خمسين منهم؟ قال: بل منكم".وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك لمن يعمل بسنته عند فساد أمته.
    وجدت في كتاب الشيخ الإمام جدي أبي عبد الله محمد بن عدي بن حمدويه الصابوني رحمه الله: أخبرنا أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي، أن العباس بن صبيح حدثهم، حدثنا عبد الجبار بن مظاهر حدثني معمر بن راشد، سمعت ابن شهاب الزهري يقول: تعليم سنة أفضل من عبادة مئتي سنة. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني، أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي، سمعت محمد بن حاتم المظفري يقول سمعت عمرو بن محمد يقول : كان أبو معاوية الضرير يحدث هارون الرشيد فحدثه بحديث أبي هريرة "احتج آدم وموسى"، فقال عيسى بن جعفر: كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما؟ قال فوثب به هارون وقال: يحدثك عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارضه بكيف؟ قال: فما زال يقول حتى سكن عنه.
    هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق. وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد رحمه الله مع من اعترض على الخبر الصحيح، الذي سمعه بكيف؟ على طريق الإنكار، والاسبتعاد له، ولم يتلقه بالقبول كما يجب أن يتلقى جميع ما يرد من الرسول صلى الله عليه وسلم. جعلنا الله سبحانه من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويتمسكون في دنياهم مدة محياهم بالكتاب والسنة، وجنبنا الأهواء المضلة والآراء المضمحلة، والأسواء المذلة، فضلا منه ومنة. آخره ، الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
    --------------------------------------------------------------------------------
    [1] . في قراءة الفاتحة خلف الإمام خلاف بين أهل الحديث. -
    ياسين بن بلقاسم مصدق التونسي المالكي

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    300

    افتراضي رد: لمحة عن عقيدة الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى

    العقيدة القيروانية
    [ لأبي محمد القيرواني - الملقب بمالك الصغير - ت 386 هـ ]
    قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني رضي الله عنه وأرضاه :
    باب ما تنطق به الألسنة و تعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات :
    من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره ، ولا شبيه له ، ولا نظير له ، ولا ولد له ، ولا والد له ، ولا صاحبة له ، ولا شريك له ، ليس لأوليته ابتداء ، ولا لآخريته انقضاء ، ولا يبلغ كُنْه صفته الواصفون ، ولا يحيط بأمره المتفكرون ، يعتبر المتفكرون بآياته ، ولا يتفكرون في ماهية ذاته ، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ، ولا يؤوده حفظهما ، وهوالعلي العظيم ، العالم الخبير ، المدبر القدير ، السميع البصير ، العلي الكبير .
    وأنه فوق عرشه المجيد بذاته ، وهو في كل مكان بعلمه.
    خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه ، وهوأقرب إليه من حبل الوريد ، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين .
    على العرش استوى ، وعلى الملك احتوى، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى ، لم يزل بجميع صفاته وأسمائه تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثةً ، كلَّم موسى بكلامه الذي هوصفة ذاته ، لا خلقٌ من خلقه ، وتجلى للجبل فصار دكا من جلاله .
    وأن القرآن كلام الله ، ليس بمخلوق فيبيد ، ولا صفةً لمخلوق فينفد .
    والإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، كل ذلك قد قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده ، ومصدرها عن قضائه ن علم كل شيء قبل كونه ، فجرى على قدره ، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به {
    ألا يعلم من خلق وهواللطيف الخبير } ، يضل من يشاء فيخذله بعدله ، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله ، فكلٌ ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه ، وقدره من شقي أوسعيد ، تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد ، أويكون لأحد عنه غنى ، أو يكون خالقٌ لشيءٍ إلا هو رب العباد ، ورب أعمالهم ، والمقدر لحركاتهم وآجالهم.
    الباعثُ الرسلَ إليهم لإقامة الحجة عليهم ، ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم ، فجعله آخر المرسلين ، بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وانزل عليه كتابه الحكيم ، وشرح بدينه القويم ، وهدى به الصراطَ المستقيم.
    وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من يموت ، كما بدأهم يعودون.
    وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات ، وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات ، وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر ، وجعل من لم يتب من الكبائر صائرا على مشيئته ، {
    إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ، ومن عاقبه الله بناره أخرجه منها بإيمانه ، فأدخله به جنته ،{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } ، ويخرج منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من شفع له من أهل الكبائر من أمته .
    وأن الله سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه ، وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم ، وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه ، وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته ، وكتبه ، ورسله ، وجعلهم محجوبين عن رؤيته .
    وأن الله تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة والملك صفا صَفا لعرض الأمم وحسابها وعقوبتها وثوابها ، وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد ،{ فمن ثقلت موازينه فأولائك هم المفلحون } ، ويؤتون صحائفهم بأعمالهم ، فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ، ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولائك يُصلون سعيرا .
    وأن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم ، فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم ، وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم .
    والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ترده أمته ، لا يظمأ من شرب منه ، ويذاذ عنه من بدل وغير.
    وأن الإيمان قول باللسان ، وإخلاص بالقلب ، وعمل بالجوارح ، يزيد بزيادة الأعمال ، وينقص بنقصانها، فيكون فيها النقص وبها الزيادة ، ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل ، ولا قول ولا عمل إلا بنية ، ولا قول ولا عمل ونية إلا بموافقة السنة ، وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة .
    وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون ، وأرواح أهل الشقاوة معذبة إلى يوم الدين.
    وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويُسألون ، {
    يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة }.
    وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم ، ولا يسقط شيء من ذلك عن علم ربهم ، وان ملك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه.
    وأن خير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم , وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين ، وأن لا يُذكر أحد من صحابة الرسول
    صلى الله عليه وسلم
    إلا بأحسن ذكر ، والإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب .
    والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم.
    واتباعُ السلف الصالح ، واقتفاءُ آثارهم ، والاستغفارُ لهم ،وترك المراء والجدال في الدين ، وترك كل ما أحدثه المحدثون .
    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم تسليما كثيرا
    ياسين بن بلقاسم مصدق التونسي المالكي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •