كل يدّعي وصلا بإنفانتي…

بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.

سنة 1983 م قرر برلمان إقليم الأندلس بالإجماع اعتبار بلاس انفانتي بريث Blas Infante Perez ”أب الأمة الأندلسية و رائد النضال للحصول على قانون للحكم الذاتي بالأندلس”. كان الساسة في تلك الفترة في حاجة ل”رمز” يجتمع عبره الأندلسيون على الطبقة السياسية. من هذه الزاوية نجد أن ”الحزب الاشتراكي الأندلسي PSA” قد حقق تقدما على أحزاب الوسط باعتبار بلاس انفانتي أبا للأمة الأندلسية و المصادقة على الرموز التي تبناها بلاس في مجلس رندة سنة 1918م. لقد جمع بلاس انفانتي جميع الصفات المطلوبة التي احتاجها الساسة في رمز يجمع الناس حولهم: فهو شهيد أعدمه اليمين الإسباني باعتباره ممثل التحركات الاستقلالية التي عمل الجنرال فرانكو على وأدها.

لكن لو تركنا هذه الصورة ”الرمزية” و ”الموجّهة” لبلاس انفانتي جانبا, و دققنا النظر في سيرة الرجل فإننا نجد أنفسنا أمام عمل و فكر و حركة اجتماعية, سياسية و ثقافية لم تكن تروق –و لا تروق اليوم أيضا- للساسة. فقد كان رجلا ثوريا في جميع مراحل حياته, عاش و فكّر ضد التيار, و عاف الامتيازات التي تمتعت بها الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها و نبذها. و تبنى, ابن الطبقة البرجوازية الأندلسية, قضية الفلاحين Jornaleros المسحوقين أحفاد المورسكيين الذين تركهم الاحتلال القشتالي الرهيب بدون أرض.
بعد تلقيه تكوينا أكاديميا غاب عنه تاريخ الأندلس الحقيقي, إلا تاريخ الخزعبلات الأسطورية التي رسمها التزييف القشتالي للأحداث, قام بلاس بمراجعة هذا ”التاريخ” مانحا للأندلسيين مفاتيح الحقيقة و معبدا لهم طريق استرجاع الذاكرة التاريخية التي حاول تغييبها 500 سنة من الاحتلال القشتالي البغيض.
لكن أكبر ما يُغيض الساسة, ممثلي المؤسسات الحكومية, رجال السلطة و التعليم هو بلاس انفانتي الذي وُلد نصرانيا و اعتنق الإسلام, مسترجعا دين أجداده الذي أخرج الأندلس من الظلمات إلى النور و من ضيق الجهل إلى سعة العلم و المعرفة.
اليوم 14 أكتوبر, مرّت حوالي 90 سنة على اعتناق بلاس انفانتي الإسلام, و لازال البعض لا يُصدّق و يعتبر ذلك خرافة و مجرد محاولة من جماعة من ”المورو” لإقناعهم بأن ”أب الأمة الأندلسية” هو فرد من نحلتهم. بسبب عدة أفكار مسبقة, يحب هؤلاء بلاس انفانتي نصراني, ملحد أو ماسوني. أما البعض فيرون أنه من غير المقبول سياسيا ربطهم بالإسلام عبر بلاس انفانتي مسلم, مُنزلين بذلك كل أعماله إلى مصاف العالم الثالث الذي لا يطيق أحد النظر إليه فما بلك بالعودة إليه. (1)
هذه هي الجدلية الدائرة اليوم حول بلاس انفانتي رحمه الله, فإذا قسمنا وجهات النظر حوله حسب الجماعات المتواجدة اليوم بالأندلس نجد:

- الدولة الإسبانية القشتالية: لا ترى في بلاس انفانتي إلا رجلا متمردا على سلطتها المركزية, و خائنا للأمة الإسبانية بزيارته للمغرب سنة 1921م و الحرب بين الأسبان و الأمير عبد الكريم قد حمي وطيسها في الريف. لهذا نجد جيش من الصحفيين و الجرائد جرّدوا أقلامهم لمحاربة فكر بلاس و محاصرة كتبه و الوقوف في طريق طبع مخطوطاته و نشرها. كما لجئوا إلى شتمه و قذفه بما هو برئ منه – كما فعل أخيرا أليخو فيدال قدراش Vidal-Quadras Alejo, فيدركو خمنيث لوسانتوس و ثيزار فيدال – و لو كانوا في بلد آخر لحوكموا, لكن الله المستعان. بل يعتبرون فكره أخطر من عمليات منظمة إيتا الباسكية الإرهابية.

- الأندلسيون المتحزبون المنضوون تحت ألوية الشيوعية, الاشتراكية…يرو ه بعين القومية و النضال التحرري, و لا يؤمنون بإسلامه و يعملون على نفي ذلك أو لا يعيرون ذلك اهتماما.

- الأندلسيون الخُلّص الذين اكتشفوا الأندلس كما اكتشفها بلاس انفانتي مرتبطة بالإسلام ارتباط الابن بثدي أمه. هؤلاء دافعوا عن إسلام بلاس انفانتي و نافحوا عنه و دفعوا عنه الأباطيل. كعلي مونزانو Ali Monzano و إنريكي إنييستا Enrique Iniesta.

بلاس انفانتي بالزي المغربي خلال زيارته لمراكش.


هذه باختصار مقدمة أحببت ذكرها قبل البدء في طرح سيرة بطل من أبطال الإسلام في القرن العشرين.

المرجع:
(1)مقال ”Blas Infante y El Islam’’” للكاتب الأندلسي علي مونثانو باكو Ali Manzano Baco.


كتبه أبو تاشفين هشام بن محمد زليم المغربي