قرار عباس.. نهايات نهج ومرحلة.. بقلم د. عدنان بكرية
مدير شبكة فلسطين الـ48 الإعلامية

قرار عباس بعدم ترشيح نفسه للرئاسة الفلسطينية قرار صائب وسليم رغم أنه جاء متأخرا.. إلا انه يجيء ليؤكد وصول مرحلة الرهان والمساومة والتصفيات إلى نهاياتها في ظل تعنت الطرف الإسرائيلي وتخلي الطرف الأمريكي عن أهم ركائز سياستها في المنطقة.. فمحمود عباس والذي استنزف كل السبل وقدم العديد من التنازلات والكثير من الخدمات لم يحظ من الطرف الأمريكي والإسرائيلي إلا بالمزيد من التنكر والتعنت وفي النهاية يضعون حدا لحياته السياسية!
نتمنى أن يكون عباس وصل إلى قناعة تامة بعدم جدوى التفاوض مع طرف لا يريد السلام وبأن طريق أوسلو هي التي أوصلت الشعب الفلسطيني إلى حالة الضياع التي يحياها.. وأن لا تكون خطوته هذه مجرد بالون إعلامي تجريبي للضغط على الولايات المتحدة لتغيير موقفها بشأن الاستيطان والمفاوضات، وكنا نتمنى عليه أن يتوّج خطوته هذه بخطوة أخرى تتلخص بحلّ السلطة الفلسطينية وترك الخيار للشعب.. إلا أنه وكما يبدو فإن "أبو مازن" يريد ترك بوابة الرجعة مفتوحة على مصراعيها لعودته عن القرار!
لقد وصل محمود عباس إلى وضع لا يحسد عليه على المستوى الشخصي والسياسي فهاهم أقرب الحلفاء يتخلّون عنه في أصعب الظروف وبعد فضيحة تقرير غولدستون وتداعياته.. وها هي أمريكا تتراجع عن موقفها بشأن تجميد الاستيطان وتطالبه باستئناف المفاوضات دون قيد أو شرط! أمام هذا كله كان من الطبيعي أن يتخذ عباس قراره هذا ولو مؤقتا حتى يتم امتصاص غضب الشارع الفلسطيني وفي انتظار ردة الفعل الأمريكي.
ردة الفعل الأمريكي جاءت مغايرة لتوقعاته.. إذ سارعت وزيرة الخارجية كلينتون إلى الإعلان عن أنها ستتعامل وتتعاون مع محمود عباس في أي موقع سيكون به مستقبلا! دون أن تبدي أسفها على قراره بترك السلطة! وهذا يعني أن أمريكا قد تخلّت عن حليفها وربما بدأت تفكر بسيناريو آخر وتنصيب أحد رجالاتها المخلصين والأوفياء على رأس السلطة!
التطاول الإسرائيلي الأمريكي لم يكن ليصل إلى هذه الحدود لولا غياب الموقف الفلسطيني والعربي الصلب. وتغييبُ أشكال المناهضة الفلسطينية الشعبية زاد من حدة التمادي الإسرائيلي، وفي هذا السياق نستطيع القول إن عباس "يجني ما زرع" وهو يتحمل المسؤولية عن انهيار المشروع الوطني الفلسطيني وانهيار دوره على رأس السلطة!
كنا قد حذرنا دائما بأن طريق التفريط سيصل إلى نهاياته وسيؤدي إلى نتائج وخيمة وكنا ننتظر أن يصل هذا النهج "نهج التصفية" إلى نهاياته في أقرب وقت.. ليس تشفيا بمحمود عباس بل حفاظا على الثوابت الفلسطينية والمشروع الوطني وحفاظا على تضحيات شعبنا.. وإذا كان عباس فعلا قد وصل إلى قناعة بعدم جدوى التفاوض فعليه مكاشفة الشعب وطرح الخيار البديل الذي تبناه مؤتمر حركة فتح الأخير.. عليه أن يكون جريئا ويقدم على حل السلطة ويترك الشعب ليأخذ زمام المبادرة في التعاطي والتعامل مع المحتل.
إن ما نستغربه حقا موقف الفصائل الفلسطينية الأخرى والمحسوبة على قوى اليسار الفلسطيني "اليسار الانتهازي"! والتي سارعت إلى إعلان ولائها لعباس ونهجه، وتطالبه بالتراجع عن قراره! وهي التي طالما انتقدت طريقه "طريق أوسلو"! ما نستغربه حقا موقف تلك الفصائل التي ما زالت تراهن على التفاوض العبثي.. لو كانت فعلا حريصة على المشروع الوطني لشجعت عباس على خطوته وطالبته بحل السلطة.. لكن وكما يبدو فإن الانتهازية والوصولية قد ضربت عميقا في فكر تلك الفصائل.