التنصير : هو بذل الجهود و الخطط غير العسكرية من أجل ادخال المسلم و غير المسلم إلى النصرانية التي من مبادئها : الدعوة إل الدين و نشره مثلما جاء في إنجيل متة ، يوحنا ، يوقا . عن سيدنا عيسى « كما أرسلني أبي أنا رسولكم اذهبوا فعلموا الأمم قاطبة و عمدوهم باسم الأب و الإبن و روح القدس و سأكون معكم مدى الدهر » يعد التنصير في البلاد الإسلامية نتيجة و استمرارا للحروب الصليبية 1095 - 1 ، التي فشلت رغم ضراوتها و كان أول من فكر في الغزو الفكري لويس التاسع ( 1215 – 1270 م ) الفرنسي بعدما انهزم و أسر في المنصورة فترة من الوقت حتى افتداه قومه و فك أسره فقال : « إذأ أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح فقد هزمت أمامكم في معركة السلاح ، و لكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم » . و أشار على البابا أنوست الرابع بإنشاء جمعية تبشيرية أولى و ذلك في 1253 م ، لاقت دعوة لويس التاسع استحسانا من قبل رجال الدين المسيح و على رأسهم روجر بيكون 1214 -1292 م فأعلن نصا ، إن الحروب المقدسة عديمة الجدوى للاستيلاء على الشرق و إن أفضل وسيلة لنشر المسيحية هي التبشير السلمي و الموعظةالحسنة . فبعثت البابوية العديد من المبشرين الجادين بدءا بالقديس فرنسيس الذي وصل إلى مصر في 1229 م و استأذن من السلطان الكامل 1180 م 1238 لتقديم محاسن المسيحية في معسكر المسلمين فوافق بكياسة و كان ( أن أحدهم لم يستجب للدعوة ) . و ريمولي الذي دخل إلى الجزائر و عقد ندوة ببجاية سنة 1307 م ناقش فيها فقهاء المسلمين باللغة العربية و على الرغم من ذكائه الخارق إلا أنه لم ينجح ، استمر التبشير نشيطا ليوافق الاستعمار الأوربي الحديث لتسهيل التحكم السياسي في المستعمرات ، و ظهرت مؤسسات تبشيرية صرفت عليها الأموال الباهضة منها : • جمعية لندن التبشيرية التي أنشأت في 1795 م بزعامة السيد كاي . • و في القرن 19 م ظهرت جمعية التبشير في أرض التوراة العثمانية التي يقصد بها البلاد العربية التي كانت تحت حكم الخلافة العثمانية . • و جمعية الآباء البيض أسسها رابيجري . • و جمعية مبشري سيدة إفريقيا . • كما ظهرت مراكز تبشيرية منها المركز البروتيستانتي في الدولة العثمانية 1846 م. بلغ التبشير أوج قوته في القرن 19 م و 20 م ركزت مؤسسته على العالم الإسلامي و ذلك لصد و قهر العدو الأول للمسيحية و هو الإسلام . و في هذا يقول لويس براون في كتابه ( الإسلام و الإرساليات ) نص : ( الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام و في قدرته على التوسع و الإخضاع و في حيويته أنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي » تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض المتعصبين لم يهدفوا إلى نقل المسلم إلى النصرانية بل فقط إخراجه من الإسلام و لهذا يذكر الأب زويمر « إن رسالة مبشري ليست هي نقل المسلم إلى المسيحية فهذا تكريم له و هو غير نطيق بها و إنما ينبغي أن تقتصر تلك الرسالة على إخراج المسلم من دينه و تركه بلا عقيدة يلوذ بها و يصبح كتائه في البيداء يهلكه الجوع أو تفتك به الوحوش الضارية » الأساليب المتبعة من طرف المبشرين : 1- تحريف فهم القرآن : يقول جون داكلي : يجب أن نستخدم كتابهم القرآن و هو أمضى سلاح في الإسلام ضد الإسلام نفسه لنقضي عليه تماما ، يجب أن نوري هؤلاء أن الصحيح في القرآن ليس جديدا و أن الجديد ليس صحيحا » و يستخدم المبشرون تكريم القرآن للمسيح و أمه لإدخال المفاهيم المسيحية في عقول المسلمين فإذا اصطدم المسلم من تعبير مسيحي ، مثل قولهم ( ابن الله فإن المبشر يتناول ذلك التعبر تأويلا روحيا ) فالمبشرون كما يقول تشارز واطسون « يجب أن يكونوا أبرياء و لكن هذا لا يمنعهم أن يكونوا حكماء كالحيات » . 2- المنظمات و المؤسسات التنصيرية : و هي موجودة في كل العالم الإسلامي ، ففي بيروت الغربية وحدها يوجد 09 منظمات و هي : - مركز ريتا – رأس بيروت –كلية اللاهوت للشرق الأدنى –حياة لبنان – مركز الإتحاد –المركز اللوثري – بيت الرعية – المركز الوردي – المركز الجامعي المسيحي – الكنيسة الجامعية المعمدنية . 3- بناء أكبر عدد من الكنائس و الاهتمام بمظهرها : يحرص المبشرون على بناء الكنائس على أن تكون نعم كنائس الإرساليات و مدارسها و أنديتها شاهقة غريبة المظهر حتى تؤثر في عقول الزائرين و في عواطفهم و في حياتهم ، فإن ذلك يقرب غير النصاري إلى النصرانية و في بعض الأحيان يتم بناء الكنائس في الأماكن التي لا يعيش فيها أي مسيحي و يتم استيراد المسيحي إليها من الخارج عند إقامة القداس الديني و هم يشترون الأرض بأسعار مرتفعة . و يذكر هنا أن فرنسا اختارت أحسن المساجد لتحويلها إلى كنائس ، كما وضع دوروفيقو بمسجد كتشاوة الذي حول إلى كنيسة القديس فليب ، و اختار القسيس بولان يوم 24 ديسمبر 1832 م بمناسبة عيد ميلاد المسيح لتمسيح المسجد . 4-الاعتماد على الأطباء و المستشفيات : - قال هاربر في مؤتمر القاهرة التبشيري 1906 م « يجب الإكثار من الإرساليات الطبية لأن رجالها دائما يحتكون بالجمهور و يكون لهم تأثير على المسلمين أكثر من المبشرين الآخرين » و يجب على طبيب إرساليات التبشير ألا ينسى و لو للحظة واحدة أنه مبشر قبل كل شيء ثم هو طبيب بعد ذلك . - يقول المبشر الطبيب بول هارستون : إن المبشر لا يرض عن انشاء مستشفى لقد وجدنا نحن في بلاد العرب لنجعل من رجالها و نسائها نصارى » « إن النساء المبشرات اللاتي يتعاطين الطب يلاقين مزيد الحفاوة لأن المسلمين لا يهتمون بأعمال النساء المبشرا و لا يضمرون لهن سوءا » - قال الطبيب أراهاس الذي كان في طرابلس الشام « أنه قد مر عليه 32 عاما و هو في مهنته فلم يفشل إلا مرتين فقط . و في أول سنة مجيئه بلغ عدد زبائنه 175 و في آخر السنة كان عددهم 2500 . أما طرق التبشير ففي مستشفيات المدن « يذكر الإنجيل للمرض بأسلوب بسيط لا يدعو إلى التطرف في المناقشة ، في الأرياف يعلنون عن وصول الطبيب قبل أن يصل فيأتي الناس من كل صوب يحملون مصارعهم و ينتظر الجميع قدوم الطبيب ، ففي بعض هذه الأثناء يقوم المبشرون و في جميع الأحوال ( فإنهم لا يعالجون المرضى إلا بعد أن يحملوه على الاعتراف بأن الذي يشفيه هو المسيح أو قيل أن يركع المرضى و يسألوا المسيح أن يشفيهم ) و تذهب الطبيبات المبشرات إلى المدن و القرى للاتصال بالنساء مباشرة و استخدام نفوذ المرأة في الوصول إلى أهدافهم . ذكر مدير إدارة الشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية لدولة الكويت عبد الله العقيل في مؤتمر الطب الإسلامي الأول 1401 م ( من الأمور المسلمة التي يدركها كل شخص أن التبشير استفاد من الطب كوسيلة من أنجع الوسائل في كسب المؤمنين بالدين الذي يبشر به و يدعوا الناس إليه من هنا يتوجب علينا أن نتناول بعض جوانب التبشير في مجالات الخدمات الطبية . - ففي سنة 1813 م بدأت الإرساليات التبشيرية عملها وسط مسلمي الصين و انتشرت انتشارا واسعا و خاصة من خلال الأطباء و الممرضين . - و في عام 1889 م أسست الإرساليات التبشيرية العربية التابعة لكنيسة الإصلاح الأمريكية فروعا لها في البصرة و الكويت و البحرين و الشيخ عثمان في العراق و عدن و الموصل و بغداد و كلها تحتوي على مستشفيات تبشيرية بلغ عدد المرتدين 20 ألف مسلم . إن المبشرين يبدون اهتماما خاصا بطب الأمراض النسوية و الولادة ضمن تركيزهم على التأثير على المرأة باعتبارها عضوا أساسيا في التحول الاجتماعي لذلك فالمهمة كبيرة و لا بد من استخدام الطب في نشر الإسلام في كل مكان و تأمين الأطباء المسلمين في المناطق التي ينشط فيها التبشير لوقف هذا التيار قبل فوات الأوان . 5- التعليم و إنشاء المدارس الحديثة : - قال بنروز رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت 1948 -1954 م لقد برهن التعليم على أنه أكمل الوسائل التي استطاع المبشرون أن يلجأوا إليها في سعيهم لتنصير سوريا و لبنان . - قال المبشر هنري جاسب : إن التعليم في مدارس الإرساليات المسيحية إنما هو واسطة إلى غاية فقط ، هذه الغاية هي قيادة الناس إلى المسيح و تعليمهم حتى يصبحوا أفراد مسيحيين و شعوبا مسيحيين . - و قالت المبشرة آنا مليغان : عن هدف المدارس و مهمتها في بلاد العرب و المسلمين ، إن المدارس أقوى قوة لجعل الناشئين تحت تأثيرالتعليم المسيحي و هذا التأثير يستمر حتى يشمل أولئك الذين يصبحون يوما قادة . - يقول المبشر جوتاكلي : يجب أن نشجع انشاء المدارس و أن نشجع على الأخص التعليم الغربي ، إن كثيرا من المسلمين قد زعزع اعتقاداتهم حينما تعلموا اللغة الإنجليزية ، إن الكتب المدرسية الغربية تجعل الاعتقاد لكتاب شرقي مقدس أمرا صعبا جدا . - يقول ريموز : ما دام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية لا بد أن ننشأ لهم المدارس العلمانية و نسهل إلتحاقهم بها ، هذه المدارس التي تساعدنا على القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب » استغلال المبعوثين إلى الغرب و بذلك يعودون إلى بلادهم وقت تغيرت أفكارهم و قيمهم و نظرتهم إلى الدين و الحياة . - يقول لود بريمر : ( إن الشباب يتقلدون علومهم في إنجلترا و أوربا ، يفقدون صلتهم الثقافية و الروحية بوطنهم و لا يستطيعون الانتماء في نفس الوقت إلى البلد الذي منحهم ثقافة فيتأرجحون في الوسط ممزقين . - و يقول مستشرق آخر : يجب أن نتذكر جيدا أن الطالب الذي يعود يعمل كمبشر بين شعبه من المحتمل أن يكون أفضل بكثير من أي أجنبي آخر . الاعتماد على الإعلام : لقد ركز المبشرون على الصحافة و اهتموا بأعمال لطبع و النشر و قد اعترفوا بأنهم « استغلوا الصحافة المصرية للتعبير عن الآراء المسيحية أكثر مما استطاعوا في أي بلد آخر » . لقد ظهرت مقالات تبشيرية في العديد من الصحف المصرية ثم تمكنوا من انشاء صحف يومية و أسبوعية خاصة بهم ، فهنالك بشائر السلام و صحيفة الشرق الأوسط و الغرب ، كما اعتمدوا مدينتين كبيرتين بنشر كتبهم و صحفهم و هما القاهرة و بيروت . أما القاهرة فاتخذها البروتيستانت ( البروتيستانت معناها يعارض ) مركزا لتوزيع المنشورات في القطر المصري و جميع العالم الإسلامي ، كما أنهم أقاموا المطبعة الأمريكية في بيروت التي أصبحت أهم الوسائل للتبشير في الشرق كله ،أما اليسوعيون ( رهبانية أسسها القديس أغناطيوس ديوللا 1540 م ) تقوم على أساس الوعظ و الارشاد دخلت إلى بيروت 1875 م . فقد ركزوا جميع جهودهم في المطبعة الكاثوليكية في بيروت 1871 م يقول جاب في كتابه وجهة الإسلام « يجب ألا نحصر الأمر في الاعتماد على التعليم في المدارس الابتدائية و الثانوية بل يجب أن يكون الاهتمام الأكبر منصرف إلى خلق رأي عام و السبيل إلى ذلك هو الاعتماد على الصحافة ». مقاومة الأزهر و إضعاف تأثيره : يقول المبشر الأمريكي : فيل مانج « يجب إنشاء مدرسة جامعية نصرانية تقوم الكنيسة بنفقتها و تكون مشتركة بين كل الكنائس المسيحية في الدنيا على اختلاف مذاهبها لتتمكن من مزاحمة الأزهر بسهولة ، إن في إمكان مباشرة هذا العمل في دائرة صغيرة و هي أن تختص أولا بتعليم المسلمين المتنصرين و تربيتهم ليتمكن هؤلاء من القيام بخدمة جليلة في تنصير المسلمين الآخرين ، ربما كانت العزة الإلهية قد دعتنا إلى اختيار مصر مركز عمل لنا لنسرع بإنشاء هذا المعهد المسيحي لتنصير الممالك الإسلامية الأخرى » . جارنديز الكاتب العام للطلبة المسيحيين : « إن من سداد الرأي منع جامعة الأزهر أن تنشر الطلبة المتخرجين فيها في جنوب إفريقيا اتباعا لقرار مؤتمر التبشير العام لأن الإسلام ينمو بلا انقطاع في إفريقيا » . استغلال حالات الفقر و الحاجة : لقد أدرك المبشرون أن الفقراء أكثر استجابة للتبشير من الأغنياء فنشطوا في أوساطهم و استغلوا مآسيهم لكسب أكبر عدد ممكن منهم ، فيذكر أن الكاردينال لافيجري انتهز ما أصاب الجزائر من قحط و انتشار الكوليرا و الجراد ثم السيول العارمة التي جرفت التربة و أهلكت الماشية و كانت الحصيلة أن مات 60 ألف من المتضررين و قام بفتح الملاجئ للأيتام و بيوت للمتضررين ليبشر فيها ، و يذكر أن في السنغال كانت البعثات التبشيرية تقدم مساعدات عينية من الأرز في كل شهر للأسر المسلمة على أن يكون لها الحق في اختيار طفل من أطفالها تربيه على حسابها ، و كانت تبرم عقد مع الأسرة ينص على أن الأسرة مجبرة على رد ثمن المساعدات و على دفع نفقات ابنها و نفقات تعليمه إذا هي خالفت شروط العقد بطلب استيراد ابنها مثلا ، تختار البعثة التبشرية من أطفال تلك الأسرة صبيا دون الخامسة من العمر ثم ترسله إلى المدرسة و ينقطع الصبي عن أهله و ينشأ تنشأة مسيحية و يرسل إلى فرنسا لإتمام تعليمه العالي ثم يعود إلى السنغال ليستخدم في أغراض توافق فرنسا . التركيز على المرأة : أدرك المبشرون خطورة المرأة المسلمة في الأسرة بما أن الأثر الذي تحدثه الأم في أطفالها ذكورا و إناثا حتى سن العاشرة من عمرهم بالغ الأهمية ، و بما أن النساء هم العنصر المحافظ في الدفاع عن العقيدة فإننا نعتقد أن الهيئات التبشيرية يجب أن تؤكد جانب العمل بين النساء المسلمات على أنه وسيلة مهمة في التعجيل بتنصير البلاد الإسلامية ، أما أهم أساليب التبشير بين النساء هي إنشاء بيوت للنساء المطلقات و الأرامل الصغار يتعلمن صنعة لكي يعشن منها بعد مغادرة البيت و في هذه المدة تقعن تحت تأثير الإنجيل و يختار منهن الأنسب لكي تقوم بتبشير نساء قومها . إذاعة الدعوات المشبوهة : منها الدعوة إلى القومية و التفرقة بين القوميات التي تنتمي إلى وطن واحد و الدعوة إلى الشيوعية ( تحقير كل ما هو مرتبط بالعرب ) و إثارة الفتن الداخلية و الغزو الاجتماعي و ذلك بإدخال العادات و التقاليد و التعامل الغربي بين المسلمين و نشر المفاهيم التنصيرية عن طريق حرية المرأة و الموضة و المواهب الفنية و نشر نظريات سيادة الحضارة الغربية لالإنقاص من شأن الحضارة الإسلامية ، و إلصاق الإرهاب بالمسلمين و اشعاره بالتخاذل و النقص و العقد . و في هذا يخاطب زويمر المبشرين في المؤتمر التبشيري الذي عقد في القدس 1935 م « إنكم أعددتم نشئا في بلاد المسلمين لا يعرف الصلة بالله و لا يريد أن يعرفها و أخرجتم المسلم من الإسلام و لم تدخلوه في المسيحية و بالتالي جاء النشءالإسلامي طبقا لما أراده الاستعمار المسيحي . ( لا يهتم إلى بالعظائم ، و يحب الراحة و الكسل تماما ، و لا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات فإذا تعلم فالشهوات و إذا جمع مالا فالشهوات و إن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود في كل شيء ، إن مهمتكم تمت على أكمل الوجوه و انتهيتم إلى خير النتائج و باركتكم المسيحية و رضي عنكم الاستعمار فاستمروا في أداء رسالتكم فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الرب » . لقد اعتمد الاستعمار الاوربي الحديث اعتمادا كاملا على التبشير الذي كان يسبقه ليهيء الطريق نحو الاستغلال « فهم جواسيس يجمعون المعلومات لدولهم و تحميهم ملابسهم الكهنوتية ». إذا كان مفهوم التبشير هو نشر النصرانية و القضاء على كل الديانات الأخرى و إنقاذ الشعوب البدائية من تأخرها بإدخالها في الحضارة المسيحية فقد أصبح المبشرون لا يرون تناقضا بين الاستعمار و التبشير ما دام الاحتلال سيحقق حسب رأيهم الهدف . يقول النائب الفرنس فرناند أنجيران « إن المبشر يعمل على ازدهار الفكرة الاستعمارية للبلاد التي ينصرها و ذلك برفع المعنويات الروحية و الأخلاقية للأهالي ، إن النشاط التبشيري و الإستعماري شيئان متلازمان » . و يقول الأمريكي جاك موندلسون « لقد تمت محاولة نشيطة لاستعمال المبشرين لا لمصلحة مسيحية و إنما لخدمة الإستعمار و العبودية » . و يذكر الحاكم العام الفرنسي لانوسين بالهند الصينية « إن المبشرين الفرنسيين مهدوا و فتحوا أبواب القارة الآسياوية للنفوذ الفرنسي فلقد سبق وجود المبشرين بها الإحتلال الفرنسي بمائة سنة و بمساعدتهم و نشاطهم استطاعت فرنسا أن تتحكم في هذه المنطقة من العالم » و من هذا تلخص أهداف التبشير الحقيقية : • الجوسسة : جمع المعلومات الدقيقة حول البلدان و الشعوب قال نابليون في جلسة مجلس الدولة 22 /05 / 1804 م إن في نيتي إنشاء مؤسسة إرساليات أجنبية فهؤلاء الرجال المتدينون سيكونون عونا كبيرا لنا في آسيا و إفريقيا و أمريكا و سأرسلهم لجمع المعلومات عن الأقطار ، إن ملابسهم تحميهم و تخفي أية نوايا اقتصادية أو سياسية ». • -تسهيل تحكم المستعمر في الدول المستعمرة : يقول مندنسون «لقد كانوا يعلمون البسطاء حب دولتهم الاستعمارية لا حب الرب و قد خدعوهم حينما طلبوا منهم أن يغلقوا أعينهم للتعبد و الصلاة ، فلما فتحوها وجدوا الإنجيل في أيديهم أما أراضيهم فقد أغتصبت » و قال كابرال في مؤتمر لندن للطلبة الإفريقيين عام 1960 م « إن المدارس الكاثوليكية في البرتغال لا تدرس حب الله لكن حب البرتغال . • نشر العنصرية : لقد اعتبر المبشرون التفرقة العنصرية و التحامل الجنسي بأنها حقيقة طبقا للكتاب المقدس « لو كان الرب قد أراد المساواة بين الأجناس لقال ذلك ». • كتب وزير الحرب الفرنسي إلى حاكم المرتنيك : « يجب علي المبشرين أن يلاحظوا مدى خطورة الوعظ في أثناء شرحهم لقواعد الإنجيل الحكيمة بالمساواة التي تتعارض مع مبدأ الإستعمار المحكم » . • يقول ستيفنس نيل في القرن 19 م ، خضع المبشرون العقد الإستعمارية التي تقول بأن الرجل الغربي فقط هو الإنسان بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، لقد كان عاقلا و طيبا ، على أنه يجوز للأجناس الأخرى غير الأوربية أن تشارك في هذه الحكمة و الطيبة بالقدر الذي تصطبغ به من نظم الحياة الغربية » ثم يستدرك و يقول : « لكن الرجل الغربي هو القائد و سوف يبقى هكذا لزمن طويل » . إخماد الروح الإفريقية و إذلال الأفارقة : من المحزن حقا أن تكون قصص الكتاب المقدس مصدر إلهام المبشرين للتفرقة العنصرية و لاستبعاد الأفارقة و تكون سندا قويا يحتجون به ، فتدعي الأناجيل في سفر التكوين رقم 25 / 27 أن نوحا قال : « ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته ، و قال مبارك الرب إله سام و ليكن كنعان عبدا لهم » . لقد وظف المبشرون هذا الأمر في تبرير سيطرتهم على السود . يقول جاك مندسون : « إن أكثر أجنحة المسيحية كشفا أو قابلية للإلتئام هو التفرقة العنصرية و الوحشية باسم المسيحية ، إن المستعمرين و المبشرين كأنما هم يعيدون تمثيل الدور الوارد في الإنجيل عن الشعب المختار و أرض الميعاد ، حيث فرض الرب على الرجل الأسود أن يصقل الخشب و يجلب المياه خدمة للرجل الأبيض . الوصول إلى الربح و الغنى : يعتبر التبشير تجارة تدر على القائمين بها من مؤسسات و أفراد أرباحا طائلة ، لقد ارتبطت حركة التبشير بالأعمال التجارية و المالية منذ نشأتها ، و لذلك نجد شركة الهند الشرقية البولندية التي تأسست في 1602 م ، قد أقامت مدرسة لللاهوتية في لندن ، و قامت بتدريب 12 قسيس ما بين 1622 – 1633 م لخدمة الممتلكات الهولندية في أندونيسيا و سيلان ، و كان كل مبشر من هؤلاء يتقاضى عمولة نقدية لكل شخص يعمد ، علما أن الهولنديين أعلنوا في نهاية القرن 19 م عن تنصر 100 ألف فيجاوا و 40 ألف فئة ألينيون ( سريلانكا ) لقد ذكر لويس دالميدا من الحركة الشعبية لتحرير أنغولا : « كثيرا ما تكون الحالة بدلا من أن يحضر الأطفال الإفريقيين دراستهم ، يؤخذون للعمل في الضيعات و المزارع دون أن يعرفوا أي شيء عن القراءة و الكتابة » . أما بعثة الجيزويت : فقد سيطرت على أحسن الأراضي و استثمرتها و بنت فيها كنائس فخمة ، و يذكر المؤرخ كيلي : « أن الكنيسة أصبحت تمتلك الجزء الأكبر من الأراضي المزروعة ، كان على الأهالي أن يعملوا بها عددا مفروضا من الساعات كل أسبوع ، و كان النظام صارما و المعاملة خشنة ، أما في الهند فقد عملت بعثة بازل السويسرية بأعمال التجارة البحتة ، فكان لها مصانع بلاط و مصانع النسيج في كل الهند ، لقد قال المسيح في الإنجيل « لا تقدرون أن تخدموا الله و المال إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله » إنجيل متة . لقد وصل التبشير إلى قمة نجاحه في القرنين 19 و20 م حينما اشتد التنافس الإستعماري الأوربي ، و تذكر الإحصائيات أنه في سنة 1810 م بلغ عدد المبشرين الأوربيين الذين كانوا ينشطون في آسيا و أمريكا 300 مبشر ليصبح في سنة 1900 م 6100 مبشر كاثوليكي و 16000 مبشر بروتيستانتي و تسهيلا لأعمالهم عملوا على ترجمة الإنجيل إلى 350 لغة . يذكر جاك مديسون على لسان مجموعة من الأفارقة : « إن ما تدعيه المسيحية من معاملة الناس بالحسنى لا معنى له لأن المسيحية نفسها قد ثبت عمليا أنها دين مشاغل ، فكل ملة تهاجم الأخرى ، إن المبشرين مذنبون بأكبر خداع حماسي لجذب الناس للعمل الإرسالي ، إنهم وكلاء لسوء التمثيل الخارجي ، إنهم كانوا ذئابا في جلود نعاج ، إن المسيحية كانت جزء من خداع إفريقيا . « قسما لن أسمح لإبني أن يعاني من العقلية الدينية التي خالطت تفكيري و نظري طوال هذه المدة ، و إنني حينها أنظر ورائي إلى الماضي و ماضي عائلتي أعتقد أن النتيجة الأساسية لتدريبي المسيحية هي أنا صرنا ساذجين لدرجة مذهلة » . التبشير و الإستشراق : الإستشراق : هو مصطلح حضاري يطلق على كل فروع العلم التي تهتم بدراسة الشعوب الشرقية من جميع جوانبها ، و إن كان في الغالب يختص بالدراسات العربية الإسلامية في شتى الجوانب و العصور . بدأ الإستشراق مع بداية ظهور الإسلام في الأوساط الدينية لأهل الذمة ، و انطلق من الكنائس و الأديرة من منطلق البغض و التعصب و الحقد و الإطاحة بالإسلام و رسوله ، انطلق الإستشراق من الشرق نفسه على يد يوحنا الدمشقي ( 82- 127 هـ ) ( 700 – 755 ) الذي كان من كبارها رجال الكنيسة في الشام و الذي يعد أول من شكك في الإسلام و أول من هز صورة الرسول – صلى الله عليه و سلم - بترويج قصص ملفقة عنه من بينها زواج الرسول – صلى الله عليه و سلم – من السيدة زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد بن حارثة حيث أشاع أن ذلك الزواج كان وراءه قصة عشق بين النبي – صلى الله عليه و سلم – و بين زينب . انتشر الإستشراق بعد كل هذا في كل أوربا و تبنته الكنيسة الكاثوليكية و الملوك و الأمراء فأغدقوا عليه الأموال الطائلة ، فقام بدوره في اذكائه الحقد الدفيق الذي كانت الحروب الصليبية تنفيسا له . و لما اختارت أوربا التبشير حربا كان المستشرق الراهب المبشر الأول ، يجرب كل السبل ليصبح عند ظهور الإستعمار جاسوسا يخدم الأهداف الإستعمارية لبلاده و لأوربا كاملة ، و بذلك يعتبر الإستشراق الابن غير الشرعي للتبشير ، و التبشير و الإستشراق وجهان لعملة واحدة يتفقان في الهدف و يختلفان في الأسلوب ، فأسلوب الإستشراق البحث العلمي و أسلوب التبشير المعاطفة المباشرة بغسل العقول ثم التنصير . وصل التبشير و الإستشراق أوج قوتهما في القرنين 19 – 20 م حيث أصبح عيونا للاستعمار الأوربي فأنشأت لهما مؤسسات للتعاون و التخطيط و التنسيق . نشر الإستشراق سمومه في كل الجوانب الثقافية و الإسلامية دون استثناء هادفين لتشكيك المسلمين في دينهم و تراثهم و صد الشعوب الأخرى عن الإسلام ، فشوهوا الرسول و شككوا في قدرة اللغة العربية على مسايرة التطور العلمي ، و تآمروا عليها حتى يجهل الإسلام و القرآن و التراث الإسلامي من صور تشويه صور الرسول عليه الصلاة و السلام نذكر : • يقول جوستاف لوبوند في حضارة العرب : « كان من مقاصد محمد أن يقيم دينا و لا يشمئز منه قومه و قد وفق في ذلك » • يقول سيديو في تاريخ العرب العام : « و مصدر هذه المعجزة هو رجل واحد هو محمد فقد تلهم المبادئ اليهودية و النصرانية فأقام دينا بعيدا عن الخوارق ». • و ينفي المستشرق مونعمري وات فكرة الوحي تماما في كتابه محمد في مكة حيث يقول : « إن محمدا كان يذهب إلى غار حراء لا ليتعبد كما هو معروف و لكن للإصطياف معللا ذلك بأن أغنياء مكة كانوا يذهبون إلى الطائف هربا من حرها ، أما هو فلم يكن في وسعه مجاراتهم بفقره و لذلك كان يذهب إلى غار حراء . • و تشويها أكثر لهذا الدين وصفوا محمدا – صلى الله عليه و سلم – بأبشع الصور فقد وصفه المستشرق الفرنسي ديربليو بأنه دجال ، بينما وصفه لامنس بأنه لص نياق . • بينما وصفه ديورانت : « و كان إذا غضب أو تهيج انتفخت عروق وجهه بدرجة يرتاع لها من حوله ، و قد يكون ارتجافه ناتج عن نوبات صرع ، فقد كان يصحبه في بعض الأحيان ، وصفه بأنه يشبه صلصلة الجرس و تلك الحال كثيرا ما تحدث مع هذه النوبات و كان قلقا عصبي المزاج يرى أحيانا كاسف البال ( كأنه حزين ) ثم ينقلب فجأة مرحا كثير الحديث ، و كان محاربا صارما لا يرحم عدوا و قاضيا عادلا في وسعه أن يقسو و أن يغدر و يصفه في جهة أخرى بالمجنون ، فيقول و خيل إليه ذات ليلة أنه انتقل من نومه إلى بيت المقدس » . • و يصفه جوستاف لوبون حضارة العرب الاتهام نفسه قائلا : « حقا إن من أعاجيب التاريخ أن يلبي نداء ذلك المتهوس ( مجنون ) الشهير شعب جامع جديد قوي و يجب أن نعتبر محمدا من المتهوسين من الناحية العلمية كما هو واضح و محمد يعد في هوسه ما يحفزه على اقتحام كل عائق » . • و يزعم المستشرق مارجيلوت ( هولندي ) أن محمدا لم يعرف والده إذ أن عبد الله اسم يضاف إلى مجهول النسب . المؤامرة على اللغة العربية : لقد تنبه التبشير و الإستشراق إلى مدى أهمية اللغة العربية في الحفاظ على الإسلام و وحدة المسلمين ، فتآمروا عليها راغبين في إجهال القرآن و التراث الإسلامي و تمزيق وحدة العرب و المسلمين . بدأت المؤامرة الفعلية على اللغة العربية في سنة 1882 م بعد الإحتلال البريطاني على يد اللورد دوفرين الذي رفع تقريرا دعا فيه إلى معارضة اللغة الفصحى و تشجيع اللهجة العامية و اعتبارها أساس بناء منهج الثقافة و التعليم و التربية في مصر ، إذ قال : « إن أمل التقدم ضعيف في مصر طالما أن العامة تتكلم اللغة العربية الفصحى لغة القرآن كما هي في الوقت الحاضر » . ثم نادى المبشر وليام ويلي كوكس الذي كان يعمل مهندسا في الحملة الاستعمارية على مصر في خطاب له سنة 1883 م إلى نشر اللغة العامية و التأليف بها ، و أطلق على خطابه عنوان خطير ، لماذا لا توجد قوة الاختراع عند المصريين ؟ و كانت الإجابة بالطبع : إن السر في ذلك هو اللغة الفصحى ، و إن سبيل إيجاد قوة الاختراع هو اتخاذ العامية بديلا » . ناصر مؤامرة استعمال اللهجات الكثير من المستشرقين و نادوا بذلك منهم سيتا ( بلجيكي ) سنة 1902 م و يالمور 1910 م ، وليام كامبل جاردينر 1917 م ، و فيما بعد لويس ماسينيون و كارل بركلمان ، كما ساند الفكرة العديد من المستشرقين العرب على رأسهم سلامة موسى الذي أصدر كتابا في ذلك البلاغة العصرية و اللغة العربية . في سنة 1973 م انعقد مؤتمر برمانة عرضت فيه بحوث و اقتراحات و ملاحظات لاستعمال اللغة العامية رسميا حضره الكثير من المبشرين و المستشرقين و الرهبان مع عدد قليل من العرب و بعض اللبنانيين و كاد أن ينجح هذا المؤتمر لو لم ترتفع صيحات الدكتور عمر فاروق و الكشف عنه و إذاعته مما جعل الأزهر يواجه المؤامرة و يصدر تحذيرا خطيرا بتوقيع رئيسه عبد الحليم محمود « إن هذا المشروع واضح الهدف في هدم معالم اللغة العربية و تبعا لذلك البعد منها و بأهلها عن القرآن الكريم ثم ما ينتج عن ذلك مساس بالإسلام و أصوله كما هي مصونة في كتاب الله و سنة رسوله الكريم ، ذلك إلى إيجاد الهوة الواسعة بينهما تؤول إليه اللغة العربية لا قدر الله و ما احتوته من تراث في صورتها السليمة عبر 14 قرنا » . لما فشلت خطة العامية جاءت دعوة كتابة اللغة العربية الفصحى بالحروف اللاتينية ، و قدمت مشاريع كثيرة في ذلك كان أخطرها مشروع عبد العزيز فهمي باشا الذي قوبل بالسخط من الأزهر و حماة اللغة العربية و إن كان أتباع التغريب مثل : لطفي سيد و طه حسين قد عجزوا على أن يعلنوا رأيا صريحا بل أن سعيد عقل أصدر كتابا بالحرف اللاتيني سماه ( يــارا ) و طبع سنة 1961 م . لقد نجحت هذه المؤامرة في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك حيث أصبحت الحروف تكتب باللاتينية منذ سنة 1923 م بل و أجريت تصفية للتركية من الكلمات العربية و أخرجوا منها 13650 كلمة عربية ، كما نجحت الخطة في القارة الهندية على يد غاندي الذي قال : « إن من الخير لسكان الهند ألا يلجؤوا إلى اللغة الأوردية لأنها تكتب بأحرف القرآن و هو كتاب المسلمين وحدهم و علينا أن نختار اللغة المحفوظة عند الأمهات فقط و هي اللغة السنسكريتية » و نجحت أيضا في قبائل الهوستا الإفريقية المنتشرة ما بين الصحراء شمالا و الكاميرون و الطوغو و داهومي ، و نيجيريا جنوبا و عددهم يزيد على 24 مليون أكثريتهم الساحقة من المسلمين حيث أصبحوا يكتبون لغتهم الهوسا التي يتكلمونها بحروف لاتينية . حاول المستشرقون أيضا في محاربتهم اللغة العربية إيجاد خطة أخرى و هي اللغة الوسطى أو ما يسمى بلغة الصحافة ما بين الفصحى و العامية كمرحلة أولى لتنزل إلى العامية فيما بعد ( أحيانا تسمى بلغة المسرح ) ( اللغة العربية ) ، و قد لاقت هذه الخطة استحسانا عند عدد من المغتربين مثل توفيق الحكيم و أمين الخولي ، و حاول أصحاب هذا الاتجاه صرف الناس عن الاهتمام بالأدب العربي القديم الجاهلي و الإسلامي و الاهتمام بالأدب الحديث فقط و ذلك لأن القديم صعب و لا يلائم حياتنا و لا يتصل بها . هذا و نظرا لأنه لا يوجد في اللاتينية ما يعبر عن بعض الأصوات العربية مثل ح ، خ ، ص ، ط ، ع ، غ ، الضاد . اقترح بعض المستشرقين البحث عن بعض الحروف المبتكرة ، الرأي الذي سانده بعض المتغربين اللبنانيين الذين نادوا بإاخاذ الحروف الفينيفية القديمة ، ظهرت أيضا محاولة أخرى للقضاء على اللغة العربية تحت اسم تهذيب أو تسهيل أو إصلاح أو تجديد ، و هي كما يقول الباحث محمد محمد حسين « أسماء لبقة مرنة تخفي وراءها هدفا خطيرا و هو التحلل أو الابتعاد من القوانين و الأصول التي صانت اللغة خلال 15 قرنا أو يزيد » . تتلخص دعاوي هؤلاء في خلو الكتابة العربية مما يسمى حروف الحركة أو Les voyelles أو قواعد النحو قائلين كما يلي : وليام سبيتا : « كل الناس يقرؤون ليفهموا و العربي يفهم ليقرأ » لقد اقترح بعضهم لحل هذه المشكلة الوهمية التعبير عن الحركات فتحة و ضمة و كسرة و ألف و واو و ياء بإثبات التنوين و رسمه في الكتابة نونا و برسم الشدة حرفا مكررا فيكتيون محمد ( موحامامادون – ضما ) و ( موحامادان – نصبا ) و ( موحامامادين – جرا ) . يقول الدكتور العناني « إن تغيير قواعد اللغة العربية صرفا و نحوا بالوضع فقط أو بالوضع و الإزالة معناه إحداث لغة جديدة بقواعد جديدة و هذه اللغة العربية الجديدة . إن صح إتصالها بالعربية الحالية المدونة إتصال اللهجة بالأم فإنها تبعد عنها شيئا فشيئا حتى تختفي معالم الصلات بينها أو تكاد ، و عندئذ تكون اللغة العربية من اللغات الميتة » . و يقول في وجهة أخرى : « إن قواعد اللغة العربية وضعت طبقا لنصوص القرآن الكريم و الحديث و المسموع عند العرب ». و هناك دعوة أخرى لاستعمال اللهجة المصرية التي نادى بها غالي شكري و آخرون بديلا عن الفصحى لأنها لغة الجماهير الشعبية تتفوق على الفصحى بقدرتها على متابعة دقائق الحياة المعاصرة و استيعاب القضايا الكبرى مقابل انعزال الفصحى عن اللغة الشعبية المنطوقة ، و عجزها المتعلق بفقرها و محدودية مفرداتها إزاء غنى المنتجات و المبتكرات المادية و المكتشفات و المستجدات ، فكلما ظهر اختراع جديد هرعت اللغة المصرية المحكية إلى إيجاد مرادف قد يستعمل في كل العالم العربي في حين تبقى قواميس الفصحى مقفلة عن ذلك ، و قد يكون ذلك للأبد . ما كانت اللغة العربية ستحارب لو لم تكن لغة القرآن الذي يريده المبشرون و المستشرقون عبارة عن طلاسم لا تفهم إلا باستعمال القواميس و لقلة قليلة من المتخصصين مثلما هو الحال مع اللاتينية عندهم ، و بالإحاطة بالقرآن و التراث الإسلامي و اللغة العربية ستتبلبل الألسن و تتفرق الأمة و يسهل التبشير . المستشرقون المبشرون : • ريمون لي :1235 – 1315 . لقد بدأ الاستشراق رسميا في أوربا على يد المبشر ريمون لي و هو راهب إسباني وصفه أرنست عالم آثار فرنسي 1823 -1892 « إن حلم جميع حياته كان هدم الإسلام » و ألف عنه صموائيل زويمر كتابا أول منصرين المسلمين و ذكر فيه « إلى يومنا هذا كل مستشرقي أوربا و كتاباتهم مدينةلريمون لي لأن الفضل للمتقدم ، لقد أحب زويمر ريمون لي كثيرا فسمى ابنه ريمون لي إعجابا و تخليدا لذكراه . لقد أقنع ريمون لي ملك مايورقا بإنشاء كلية الثالوث المقدس فأنشأها في سنة 1276 ، و أخذ يعد مجموعة من المبشرين حثهم على تعلم اللغة العربية للنجاح في مهمتهم ، و بفضل جهوده أنشأ مجمع فيينا 1311 م معاهد لتدريس اللغة الشرقية في أوربا و خاصة اللغة العربية . لقد أبحر إلى تونس و الجزائر مبشرا و عرف هناك بالصوف النصراني و كان يطوف بين المسلمين فقيرا واعظا جادل فقهاء بجاية 1307 م لكنه فشل و طرد، ألف كتابا في الجدل ، طعن فيه الإسلام . • سنوك هرجر نيه 1857 – 1936 م مستشرق هولندي تمثل حياته بكل وضوح العلاقة بين الإستشراق و التنصير و الاستعمار يسمى بالبطل المكافح ،ولد من أب قسيس درس اللاهوت و الإسلام و اللغة العربية ، تخرج في 1880 م ، كانت رسالته عن الحج إلى مكة ، درس اللغة العربية في جامعة ليدن ، ثم تظاهر بالإسلام و سافر إلى مكة و استقر بها حوالي ستة أشهر منتحلا اسم عبد الغفار و ألف في رحلته كتاب أمثال أهل مكة ثم انتقل إلى أندونيسيا حيث خدع أحد الأمراء و تزوج ابنته و له منها أولاد ( عاش معها حوالي 20 سنة ) تجسس لهولندا في أندونيسيا و لما ثار إقليم آدجي ضد السيطرة الهولندية قدم سنوك لدولته أسرار الثورة و الثائرين و أوصاها بإتخاذ سياسة العنف مع كل الرجال و بإفناء علمائهم لأنهم هم أسباب الثورة فبعثت لهم الجنرال فان هوتس الذي منح لقب سيف سنوك الضارب الذي أباد أكثر من 100 ألف . لقد قام سنوك بتنصير مسلمي أندونيسيا ، كما دعى إلى سياسة الترابط الثقافي بين هولندا و أندونيسيا . • صموئيل زويمر : 1867 -1952 م مبشر و مستشرق أمريكي متقن للغة العربية و عالم محترف في الإسلاميات حصل على درجة جامعية في الآداب عام 1887 م و على درجة في اللاهوت عام 1890 م و رسم قسيسا في العام نفسه ، أسس مجلة العالم الإسلامي التنصيرية وظل يرأس تحريرها لمدة 36 سنة ، نشر فيها العديد من مقالاته التخريبية و أرسل الإرساليات الأمريكية العربية التي كان مقرها في البحرين ، و اليت أنشأت بدورها العديد من المدارس و الكنائس و المستشفيات في البصرة و الكويت و قطر و الإمارات ، و ظل منصرا في الجزيرة العربية لمدة 23 سنة هادفا للوصول إلى قلبها ناشرا فكرة التحالف بين المنصرين و اليهود لاسترجاعهم حقوقهم التاريخية « إن المنصرين الأمريكيين الذين توجهوا إلى الجزيرة العربية يعتبرون أنفسهم أبناء إسرائيل و حلفاء اليهود » كما ظل 16 سنة مدير لمركز الدراسات الإسلامية و المطبوعات في القاهرة و يعود له الفضل في ابتكار عقد مؤتمر القاهرة في 1906 م الذي تمثل بداية عهد جديد لإرساليات التنصير بين المسلمين . افتتح المؤتمر يوم 04 أفريل في منزل عرابي باشا في باب ن و بلغ عدد مندوبي إرساليات التبشير 62 بين الرجال و النساء و كان عدد مندوبي إرساليات التبشير الأمريكية وحدها 21 مندوبا ، جمع القس الأمريكي فلامنتش موضوعاته تحت عنوان ( وسائل التبشير بالنصرانية بين المسلمين ) و كتب عليه بعد نشرة خاصة ( بمعنى عدد الكتب لا يتحصل عليها أي شخص كان ) لتتداول بين فئة خاصة من رجال التبشير ثم صنف زويمر كتابا آخر سماه ( العالم الإسلامي ) في سنة 1922 م ، دعى زويمر إلى عقد مؤتمر تبشيري آخر في القدس الذي جمع فيه خلاصة أعمال المبشرين في العالم الإسلامي ، ألف العديد من الكتب مــــــــــــــ ـــن أشهرها: • أرض الفوضى سنة 1902 م . • رحلات و أرض الحمل سنة 1912 م • المسيح في كتابه . • الأحياء للغزالي . • حياة الغزالي 1921 م . • الطفولة في العالم الإسلامي سنة 1910 م . • محمد أو المسيح 1915 م • مسلم يبحث عن الله 1920 م. • الآذان للصلاة 1928 م • من تأثير الخرافات الشعبية بين المسلمين على الإسلام ، الكتاب الذي أوصى مؤتمر الكولورادو التنصيري 1978 م بإتخاذه أحد المراجع الأساسية للمنصرين ، كما أوصى بإنشاء مراكز للأبحاث التبشيرية يحمل اسم زويمر الذي أنشأ فعلا بكاليفورنيا . إتحــاد قــوى التبشيــــــر : لقد كانت بعثات التبشير الكاثوليكية تمارس أعمالها خلال تخطيط مركزي و قيادة صارمة تتمثل في الكنيسة الرومانية ، أما العمل التبشيري البروتيستانتي فقد قام به أفراد متحمسون ، ثم عدد من الجماعات الصغيرة التي بدأت تنظم نفسها في هيئات تبشيرية تنطلق في إرساليات لتعمل خارج أوطانها الأوربية و ألأمريكية داخل إطار الطائفة المسيحية التي تنتمي إليها . و لما كانت الإرساليات تختلف في طوائفها و أوطانها لحد الحروب انعكس ذلك على العمل التبشيري و عرف تراجعا أو على الأقل عدم التقدم ، مما جعل الإرساليات التبشيرية توحد جهودها من أجل تحقيق هدفها النهائي و هو جعل العالم كله مسيحي . لقد مرت عمليات تحقيق وحدة العمل التبشيري بــــــــــــثـ ـلاث مراحــــل هي : • عقد مؤتمرات التبشير. • إنشاء مجالس التبشير . • دمج إتحاد الكنائس بإتحاد مجالس التبشير . 1-عقد مؤتمرات التبشير : كانت المؤتمرات تهدف إلى تقييم ما تحقق و التخطيط للتبشير المستقبلي بدقة ، و تخصص عددها لا يحصى بعضها كبير و بعضها صغير لا نكاد نسمع عنها شيئا ، نذكر منها : • في آسيا ( الهند ) كانت بداية المؤتمرات في كلكوتا . • في عام 1855 م مؤتمر نظمه البروتيستانت حضره 55 مبشرا من 06 إرساليات . • ثم مؤتمر بنجالور عام 1879 م حضره 118 مبشرا نوقش فيه و لأول مرة إمكانية تأسيس كنيسة المسيح في الهند . ( بحر الظلمات : هو المحيط الأطلسي ). البرازيل : نسبة إلى بني برزال الذين وصلوا إلى هناك . • مؤتمر مدراس 1900 م حضره 160 مبشر أختيروا بعناية من 26 إرسالية . • اليابان : عقد أول مؤتمر تبشيري سنة 1872 م حضره مبشرا ، ثم عقد المؤتمر العام للمبشرين البروتيستات عام 1883 م بأزاكا ، عقد نفس المؤتمر في المرة الثانية 1900 م بطوكيو حضره 450 مبشرا من 42 إرسالية . • الصين : عقد مؤتمر المبشرين في شنغهاي عام 1877 م حضره 126 مبشرا من 120 إرسالية مع عضو صيني دون أن يكون له حق التصويت ، ثم مؤتمر 1890 م ، ثم كان المؤتمر الثالث و الكبير في عام 1907 و حضره أكثر من 100 مبشر من 62 إرسالية و كان هناك 09 أعضاء صينيين ليس لهم حق التصويت . • إفريقيا : عقد في دولة إتحاد جنوب إفريقيا 03 مؤتمرات عام 1906 م و 1909 م . • أمريكا : عقد مؤتمر في المكسيك و مؤتمرات أخرى عام 1888 م و 1897 م و في كليفادو 1987 م . • أوربا : مؤتمر لندن 1888 م و مؤتمر جامعة إكسوفورد 1986 م و مؤتمر أدربانغ كان يضم 1200 مندوب بينهم 502 من الإنجليز و 505 أمريكي • الدول العربية : مؤتمر القاهرة 1906 م و بيروت 1911 م القدس 1928 م و1935 م. 2-إنشاء مجالس التبشير : لقد بدأت الفكرة في مخيلة من وصف بأنه أعظم مخطط تبشيري ألماني و هو « جوستاف فارنك» الذي قدم عام 1888 م باحثا ، قرأ في مؤتمر لندن التبشيري ، دعا فيه إلى تكوين مجالس التبشير و في 1910 م عقد مؤتمر أدربانغ التبشيري الذي تمخض عن تشكيل اللجنة الدائمة للمؤتمر الذي اعتبرت بدايته عهدا جديدا للعمل التبشيري و تحقيقا مبدئيا لتحقيق فكرة جوستاف ، لها فروع كثيرة تعمل في الإحصاء و نشر المطبوعات و التربية و التعليم و حل المشاكل الموجودة بين المبشرين بينهم و بين الحكومات ، و دراسة مشاكل وعراقيل التبشير بين المسلمين . لقد أوقفت الحرب العالمية الأولى أعمال المؤتمرات حتى عام 1921 م ، حيث تكون فعليا المجلس التبشيري الدولي الذي تولى رئاسته « جون مون » و تمخض عن تشكيل المجلس المسيحي الوطني في كل من اليابان و الصين ، كوريا ، الهند و المجالس المسيحية في شرقي إفريقيا و الذي اعتبر المجلس الأنجح فيها و نتيجة لنشاط هذه المجالس ، انعقد المجلس المسيحي لشرق آسيا عام 1957 م في سوماطرا ، ثم مؤتمر كوالالمبوري في ماليزيا عام 1959 م ، و المؤتمر المسيحي لكل إفريقيا سنة 1958 م في نيجيريا و كينيا 1963 م . 3-إتحاد الكنائس مع مجالس التبشير : شهد عام 1937 م عقد مؤتمرين في أكسفورد و أدربانغ ، قدمت فيهما اقتراحات لتشكيل مجلس عالمي للكنائس ، و قبلت من حيث المبدأ ، ثم أرسلت للمجلس التبشيري الدولي . لقد شهدت الفترة ما بين ( 1946 م – 1961 م ) تعاونا بين الهيأتين ( الكنائس و الإرساليات ) . في عام 1946 م ولدت لجنة الكنائس للشؤون الدولية ، و تبعها تشكيل لجنة الإتصال في نيودلهي سنة 1961 م ، اتحد المجلسان ( مجلس الكنائس و التبشيري الدولي ) في جهاز ضخم هو مجلس الكنائس العالمي ، و لأول مرة في التاريخ تعلن الكنائس الأرثودكسية و الكاثوليكية و الأنطكاتية و البروتيستانية أنها كنائس مسؤولة عن تبشير العالم بالإنجيل ، و هنا يقول ستيفن « إن أولئك الذين يعيشون ليروا مطلع القرن ال 21 قد ينطوون وراءهم ليسجلوا بكل شكل أن عام 1961 م جدد البداية لقرن عظيم آخر في تاريخ الكنيسة ». حملة نابليون على مصر : تعد حملة نابليون 1798 م- 1801 م حملة تبشيرية تنصيرية و إن كانت لا زالت توصف بحسن نية أو سوء نية على أنها حملة تحضيرية أخرجت مصر من الظلمات إلى النور . لم بادر نابليون إلى تنفيذ مشروعه إلا بعد الإطلاع على الكتب و التقارير التي وصفت أحوال مصر و تأثر بالأفكار الواردة في كتب قولنس في مجلدين عام 1787 م الذي ركز فيه على مصر أكثر ، رافضا التحدث عن الجغرافيا و الطبيعة ، مركزا على دراسة السكان من الناحية الدينية و العرقية و الإجتماعية ، ذلك لأنها المدخل الرئيسي لفهم البلاد من الناحية السياسية ، و كتاب نظرات في الحرب الواهنة للأتراك الذي أسطر في 1788 م . أبرز فيه أهمية الشرق الأدنى بوصفه مكانا يحتمل أن تتحقق فيه الطموحات الاستعمارية الفرنسية ، من بين أقوال قولمني « يا له من موضوع يستحق التأمل العميق ، حينما نرى الحالة الهمجية التي يعيش فيها القبط و جهلهم المطلق الذي يرتاعون فيه ، و هم الجنس الذي جمع بين العبقرية العميقة لقدماء المصريين ، ممتزجة بالروح المشعة بالثقافة الإغريقية » يقول نابليون « إن قولمني رأى أن ثمة ثلاثة حواجز في وجه السيطرة الفرنسية في الشرق و أن أية قوة فرنسية لا بد أن تحارب لذلك ثلاثة حروب ، الأولى ضد إنجلترا و الثانية ضد الباب العالي العثماني و الثالثة و هي أكثرها صعوبة ضد المسلمين ». استغل نابليون الإسلام للتأثير على المسلمين ، فادعى أنه مسلم و وزع منشورا بالعربية في الإسكندرية في 03 /07 / 1798 م « إنني أعبد الله سبحانه و تعالى ، و أحترم نبيه و القرآن العظيم ، أيها المشايخ و القضاة و الأئمة و أعيان البلد ، قولوا لأمتكم أن الفرنسيين هم أيضا مسلمون مخلصون » . استقر بالقاهرة و بوصفه مسلم محب للإسلام ، أصبح يرأس مجلس العلماء ، و أصبح يستخدم منهم في وضع قوانين دنيوية بدلا من الشريعة الإسلامية و استعمل المطبعة التي جاء بها في نشر عدد من المنشورات لإبطال الشريعة بالتدرج « إن الإيمان بالقضاء و القدر يستلزم الاستسلام الكامل للفرنسيين و عدم مقاومتهم لأن تغلبهم على مصر و الاستيلاء عليها كان قدرا من الله » . تمثلت خطط التنصير فيما يلي : • تنحية الشريعة الإسلامية ، و وضع القوانين الوضعية ، كشفه الشيخ الشرقاوي و قال له : « لو كنت مسلما حقا كما تدعي لطبقت الشريعة الإسلامية في بلدك فرنسا ، لماذا تضع القوانين الوضعية و تلغي الشريعة الإسلامية ؟ ». • ضرب الأزهر بالقنابل من القلعة و اتخذه اسطبلا للخيل لاقتلاع المصريين عنوة من الإسلام لأنه كان يؤمن أن الأزهر معقل الإسلام . • أثار النعرة الفرعونية لتمزيق الشعب المصري ثم لإخراج مصر من العالم العربي المسلم ، و يقول أحد الأثريين « إننا في كل بلد إسلامي دخلناه نبشنا في الأرض لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام و لسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى عقائد ما قبل الإسلام لكن يكفينا التذبذب و ولائه بين الإسلام و بين تلك الحضارات » . لقد نجحت هذه الدعوة بحيث أصبح الكثير من المثقفين المصريين فيما بعد يفتخرون في أنهم مصريين و ليسوا عربا ، منهم حافظ إبراهيم ( أنا مصري بنان من بنا هرم الدهر الذي أعيى الفنا ». • تعاون مع اليهود و دعاهم للإتحاد و العودة إلى وطنهم فلسطين ليستوطنوه ، حمل معه مجموعة كبيرة من النساء الفرنسيات الشابات التي يطلق عليهن بغايا الحملة الساقطات التي أصبحن يسرن في شوارع القاهرة متخلعات ، يثرن الفتنة و ينشرن الفساد ، أحضر معه نحو 175 عالما في كل التخصصات و أسس بهم المجمع العلمي المصري ، و شجعهم على أن يجعلوا مصر مفهومة و مفتوحة للعالم الفرنسي ، فألفوا كتابا ضخما ، أطلقوا عليه « وصف مصر» طبع في 23 مجلد ، تبلغ مساحة الجهة الواحدة 02 متر مربع ، و شجع الإستشراق . ساهمت حملة نابلون في إرسال البعثات العلمية من مصر إلى فرنسا و اشتغال المبعوثين في التنصير ، رافع الطهطاوي 1801 – 1873 م بعث إماما للصلاة عاد مغريا إزدرى أهله عند عودته و وسمهم بالفلاحين ، لا يستحقون شرف استقباله ، ألف كتابا تحدث فيه عن باريس ( تخليص الإبريزي تخليص باريس ) و دعا إلى تحرير المرأة على الطريقة الفرنسية ، و السفور و الاختلاط ، و أزال عن الرقص المختلط و سمة العار و الدنس فقال : « إنه حركات رياضية موقعة على أنغام الموسيقى ، فلا ينبغي النظر إليه على أنه مذموم ». سياسة دارلوب التعليمية في مصر : بدأ النفوذ البريطاني واضحا في مصر في عهد إسماعيل باشا الذي حكم ما بين ( 1863 – 1879 م ) الذي ساهم بدوره في تغريب البلد و من أقواله : « أريد أن أجعل مصر قطعة من أوربا » و انتهى الأمر بالاحتلال سنة 1882 م ، الذي بدأت معه حملة تنصيرية جديدة ، اتسمت بالهدوء و البطء حتى لا ينتبه إليها الناس . حين دخل الإنجليز مصر ، انعقد مجلس العموم البريطاني ، و قام جلاديستون ، رئيس الوزراء مشيرا إلى المصحف « طالما كان هذا الكتاب في أيدي المصريين ، فلن يقر لنا قرار في تلك البلاد ». اختارت بريطانيا اللورد « كرومر » حاكما على مصر فخول لنفسه مهمة محاربة الإسلام و نشر المسيحية ، و مع أنه قضى على ما تبقى من النفوذ الفرنسي في البلد ، إلا أنه شجع المؤسسات التبشيرية الفرنسية ، و يذكر عنه قوله : « إن مهمة الرجل الأبيض الذي وضعته العناية الإلهية على رأس هذه البلاد ( مصر ) هو تثبيت دعائم الحضارة المسيحية إلى أقصى حد ممكن ، بحيث تصبح هي أساس العلاقات بين الناس ، و إن كان من الواجب منعا من إثارة الشكوك ألا يعمل على تنصير المسلمين ، و أن يرعى من منصبه الرسمي المظاهر الزائفة للدين الإسلامي ، كالاحتفالات الدينية و ما شابه به ذلك » . كان أسلوبه الهادئ محل شكوى المبشرين الذين كتبوا للحكومة البريطانية بدعوى أنه يضيق عليهم عملهم ، فأرسلت الحكومة البريطانية الشكوى إليه ليرد عليها ، فجمع المبشرين ، و قال لهم « هل تتصورون أنني يمكن أن أضيق عليكم ؟ و لكنكم تختطفون الأطفال من الشوارع و تختطفون الرجال لتنصيرهم ، تستنزفون المسلمون فيزدادون تمسكا بدينهم ، و لكني اتفقت مع شاب تخرج قريبا من كلية اللاهوت بلندن ، ليضع سياسة تعليمية ستحقق جميع أهدافكم » كان هذا الشاب هو القسيس دارلوب الذي جعله وزير التعليم و أنشأ مدارس دنيوية علمانية ، تضمن الحياة الرغدة و المكانة الاجتماعية الراقية لخريجيها ، ضرب بها الأزهر و غرب بها المجتمع المصري ، أما سياسة هذه المدارس فهي : • يتخرج الدارس من المدارس الدنيوية بعد 04 سنوات ، يعينون فورا في الدواوين الحكومية براتب يبلغ 04 جنيهات . • في حين يتخرج طالب الأزهر الذي قد يقضي 20 سنة في دراسته عاطلا أو يجد عملا في إقامة الشعائر في المسجد و يتقاضى 120 قرشا ، فلم يعد يدخل الأزهر إلا الفقراء . • ضرب اللغة العربية باحتقار أساتذتها الذي جعل دارلوب راتبه دون رواتب الأساتذة ، و أحيانا دون راتب الفراش . في حين ينال الأساتذة 12 جنيها . و ينال مدرس العربية 04 جنيهات ، ثم لم يعد له مقام في المدرسة ، فلا يشترك في إبداء الرأي في شؤونه ، فأصبح موقف ازدراء و استخفاف داخل و خارج المدرسة ، و أصبحت اللغة العربية موضع نفور و انحطاط ، و التراث المكتوب بها متأخرا ، بل أن الميقف لا يكون إلا المتقن للغة الإنجليزية . • وضع درس الدين ضمن المواد الإضافية كالأشغال اليدوية و الألعاب الرياضية ، يدرسه أسن مدرس للغة العربية ، بحجة إراحته من تعب التصحيح ، و يكون دوامها في نهاية اليوم الدراسي بعد أن يتعب التلاميذ ، حتى يقترن درس الدين الذي يدرسه ذلك العجوز الفاني بالضجر و الضيق. • يدرس التاريخ الإسلامي مهملين فيه مواقع الافتخار و التشكيك في أهداف الإسلام ، فالفتوحات الإسلامية هي حرب تعتمد القتل و تهدف إلى توسيع الرقعة لتوفير الغذاء ، و التشويه و التركيز على التاريخ السياسي و الابتعاد عن التاريخ العلمي و الحضاري ، و التركيز على الانحرافات و التفسير المادي و القومي للتاريخ ، مع التركيز على تاريخ أوربا ، تاريخ العلم و الحضارة و الديمقراطية . • أنشأ مدرسة المعلمين العليا التي بقى فيها الطالب 04 سنوات يتلقى فيها العلوم المختلفة من أساتذة إنجليز ، يتعاملون معهم بعقدة التفوق ، حتى يزرعوا فيهم الإحساس بالضآلة الدنيوية للرجل الأبيض ، يكون فيه التعليم علمانيا ، يعتمد الأساتذة على الصراحة و المباشرة أكثر مما كان عليه الحال في المدارس الثانوية ، فمن بين ما يناقش و يرسم أن الدين الإسلامي هو سبب التخلف ، لقد تقدمت أوربا بعدما تخلت عن الدين .