رفع صوت الإسلام والمنزلة ما بعد الأخيرة

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فـ(الْمُؤَذِّنُون أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه مسلم)، (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا) (متفق عليه)، أحاديث نبوية تقر بها أعين المؤذنين، ويغبطهم عليها غيرهم من المؤمنين ممن لم تتح لهم الفرصة أن يكونوا ممن يرفعون صوت الحق: "الله أكبر.. الله أكبر"، وممن ينادون الناس للقاء ربهم ومولاهم.

وقد جعل الله في ترديد الأذان عقب المؤذن تسلية لمن فاته هذا الفضل، ومِن ثمَّ فكل المؤمنين يسعدون بصوت الأذان مؤذنين أو مرددين، ثم ساعين إلى الصلاة؛ والتي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في شأنها: (يَا بِلاَلُ أَقِمِ الصَّلاَةَ أَرِحْنَا بِهَا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

قد تبدو هذه القضية من المسلمات إلا أن هاهنا قصة لرجل رضي لنفسه بالمرتبة ما بعد الأخيرة في هذا الباب، ثم لم يقنع بذلك حتى فضح نفسه على رؤوس الأشهاد، وفي قناة فضائية جعلت طمس الهوية الإسلامية للأمة هدفها الرئيسي، ولها في ذلك وسائل شتى؛ منها: نشرة الأخبار العامية، ومنها لأفلام الأجنبية الغير محذوف منها شيء، ومنها برنامج الصحفي: "إبراهيم عيسى".

وفي إحدى حلقات هذا البرنامج والتي أراد لها البعض مزيدًا من الانتشار فوضعها على موقع شهير على الإنترنت صب صاحبنا نار غضبه على ما أسماه بـ"ميكروفونات المساجد" -يقصد بها بالطبع الأبواق الخارجية "الهورنات" وليس الميكروفون الذي تقتصر وظيفته في أنظمة تكبير الصوت على التقاط صوت المتحدث-، وأبدى استياءه الشديد من رفع الأذان بواسطتها على اعتبار أن الأذان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم كان بدون "ميكروفون"، واستغرب من استثناء من أسماهم بـ"الوهابيين" والأصوليين لمكبرات الصوت من قائمة البدع الطويلة التي تشمل كل وافد من عند الغرب على حد علمه أو فهمه!

وقد تخطى صاحبنا في هذا البرنامج دور المذيع إلى دور الممثل الكوميدي الذي يمثل نصًا من تأليفه وإخراجه، ثم يتولى هو أيضًا نيابة عن المشاهدين الضحك الهستيري على "كوميدياه"!

وقد جاءت المناقشة الموضوعية لصاحبنا في غاية الضحالة، وإن كان قد دعمها بعدة حكايات حاول فيها استنساخ "وحيد حامد"، وهذه الحكايات إن كانت كاذبة فحسبها ذلك، وإن كانت صادقة كانت فيها إدانة له لو كان يدري؛ فلنبدأ بحكاياته مع الأذان:

- أما الحكاية الأولى: فهو بطلها حيث كان يسكن في عمارة في شارع عرضه ستة أمتار، أسفلها مسجد مؤذنه هو بواب العمارة المجاورة، ومكبر الصوت الخاص به مُركب في شرفته فطلب من بواب عمارته أن يتوسط لدى المؤذن في نقل المكبر إلى مكان آخر فاستجاب الرجلان مشكوران، ولكنه صعق حينما علم أنهم نقلوه إلى شرفة الأستاذ "بطرس" المقابلة مما جعله يتطوع بالتدليل على مشترٍ لشقة الأستاذ "بطرس"!

وإلى هذا الحد سكت "شهريار" عن الكلام، ولم يذكر لنا: هل تحمل الأستاذ بطرس صوت الأذان أم لا؟

وإذا كان لم يحتمله فماذا صنع؟

هل قدم شكوى إلى جمعيات حقوق الإنسان؟

هل كتب شكوى في إحدى صحف "ساويرس"؟ أم أوعز إلى "إبراهيم عيسى" ليقدم هذا البرنامج في فضائية "ساويرس"؟!

سوف نستخدم قواعد المنطق وأصول الفقه في أن عدم النقل في مثل هذه الحالات يدل على العدم؛ مما يعني أن الأستاذ "بطرس" مع أنه غير مخاطب بالأذان قد تحمله، ولم يضق به ذرعًا، بينما ضاق به "مقدم برامج فضائية ساويرس" ذرعًا!!

في الواقع كان من الممكن أن نناقش الحكاية لنسأل مثلاً: كيف تسلل المكبر إلى شرفة الأستاذ "إبراهيم" هل اشتراها وهي على هذا الحال أم أنهم دخلوا شقته بلا إذن؛ ليضعوا المكبر رغمًا عنه؟! من باقي الحكاية تقول إنهم بوابون مغلوبون على أمرهم.

إلى آخر هذه الأسئلة البريئة، ولكن لنترك القصة كما هي ونتساءل من جهة أخرى حول دور صاحبنا وعلاقته بالمسجد الموجود أسفل مسكنه، ولما احتاج إلى واسطة لكي يكلم المؤذن!

وهل كل سكان العقار والعقارات المجاورة على شاكلة "الكاتب المذيع" علاقتهم بالمسجد تقتصر على سماع صوته دون أن يدخلوه؟!

لو كانت الإجابة: بنعم فلم إذن يلوم على "البواب" الخشن الصوت على حد تعبيره أنه تصدى لفرض الكفاية عليهم فرفع فيهم صوت الإسلام؟!

وحتى لو كان هذا البواب أو بواب آخر غيره، أو عم فلان الذي على المعاش على حد تعبير "الكاتب المتحرر" هم من يقومون بالإمامة والخطابة، فما ذنبهم وقد تولى من يظنون أنفسهم مثقفين: أيتركون المساجد شاغرة أم يغلقونها بالضبة والمفتاح، ويعيروا مكبراتها للمسارح المجاورة أم يتصدقوا بها على ساويرس وشيعته؟!

لقد سخر الكاتب من البسطاء الذين تأخذهم حميتهم الدينية فيؤذنون في شارع يسكنه "إبراهيم عيسى" وكأنهم هم يؤذنون في "مالطة"، بل إن مالطة "التي كان يضرب بها المثل" يرفع فيها الأذان بلا نكير، وأما القاهرة فابتليت بـ"ساويرس" وقنواته، و"موظفي قنواته" فحسبنا الله ونعم الوكيل.

وإذا افترضنا أن سكان الشارع يذهبون للمسجد فلا نظن أنهم كانوا حينئذ سيعدمون مؤذنـًا حسن الصوت بوابًا كان أو صاحب وظيفة مرموقة.

لو صحت القصة يا هذا وكنت ممن يخاف الله كما تزعم، فالقضية في عنقكم يا من تركتم المسجد خاليًا، بل ولم تريدوا أن يذكركم أحد أن في شارعكم بيت لله يُنادى عليكم منه في كل يوم خمس مرات.

وأما في اختيار البوابين أكرمهما الله -إن صحت القصة- لشرفة الأستاذ بطرس -على الرغم من أن استضافة المسلمين لأصوت أذانهم أولى بكثير- فأمر قد تكون فرضته ظروف القدرة الفنية المحدودة لهما؛ لا سيما و"الكاتب" يبدو أنه بدا عليه العجلة في قراره فوجدوا أن أقرب الحلول هو نقله إلى الشرفة المقابلة.

ولكن من عجائب التدبير أن تكون الشرفة المقابلة هي شرفة الأستاذ "بطرس"! وأعجب من ذلك أن يسكت الأستاذ بطرس خجلاً أو مجاملة، وهو ما افتقده "صاحب البرنامج"!!

هذا احتمال وثمة احتمال آخر وهو: أن هذا البواب وإن فاته حظه من التعليم فربما لم يفته حنكة أبناء البلد فأراد أن يوجه رسالة ضمنية للأستاذ الذي كل علاقته بالمسجد هو تضرره من صوت أذانه أن ترتيبه بين أبناء شارعه في الصلاحية لرفع صوت الإسلام هو بعد الأستاذ بطرس آخر من يوجَّه لهم الأذان، ولكن الأستاذ لم يفهم رسالة البواب جيدًا! أو فهمها وعرف أن هذه منزلته بالفعل فرضي بها حتى جاءته "فرصة" العمل في فضائية ساويرس فانتقل من محاربة صوت الأذان في شارعه إلى محاربة صوت الإسلام في مصر بأسرها، ورغم أن البواب ليس لديه الفرصة لكي يرد عليه ردًا يناسب جرمه إلا أنه أبى إلا أن يحمل لنا بنفسه رد هذا البواب الحكيم عليه ليعلم أن هذا هو رد الشعب المصري المسلم "طالما كان يتشدق بالديمقراطية والحرية حتى وإن كان المتضرر يلجأ بالفعل إلى أمريكا"!

لقد حاول الأستاذ أن يقنع نفسه "أو يقنع المشاهدين" بأن الصوت الذي تبرم منه ليس "صوت الإسلام"، وإنما هو صوت "عم فلان البواب" أو عم فلان الذي على المعاش؛ ألا فليقل لنا أين وكيف نسمع صوت الإسلام وكل متكلم يتكلم بصوت نفسه من جهة الصوت المسموع وبصوت أفكاره أو أفكار الكيان الذي ينتمي إليه من جهة الكلام الذي يردده؛ فمثلاً: نحن حينما استمعنا إلى صوت صاحب هذا البرنامج استمعنا من جهة إلى صوت إبراهيم عيسى "وهو بالمناسبة صوت أجش خشن لا أظنه يختلف كثيرًا عن صوت البواب الذي يزعم أنه أزعجه"، ومن جهة استمعنا إلى صوت "قناة ساويرس"، ونوعية الفكر الذي تقدمه للناس؟!

والأمر في الأذان أعلى وأوضح فأنت تسمع الأذان فتعرف أن هذا نداء للمسلمين للصلاة وليس لصاحب الصوت فيه إلا رفع الصوت به.

إن الأذان هو صوت الإسلام؛ لأنه شعيرة من شعائره يرفعها أي ابن من أبنائه، فالمسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، واختيار الأندى صوتـًا مطلوب، ولكن صاحبنا لا يريد لصوت الأذان أن يعلو لا بصوت خشن، ولا ندي؛ لأنه يزعج "ساويرس" تمامًا كما يزعجه رؤية المحجبات في الطريق!!

- ولنترك الآن الأستاذ فرحًا مسرورًا بالمرتبة ما بعد الأخيرة في رفع صوت الإسلام لنأخذ حكاية أخرى من حكاياته، ولكن بطلها هذه المرة صديقه "والمرء على دين خليله"، و"الطيور على إشكالها تقع"، أزمة هذا الصديق أنه على حد تعبير صاحبه كان "فلاتي"! ثم تاب وتزوج، ولكنه كلما همَّ بجماع زوجته أتاه صوت الأذان فظن أن المؤذن يظن أنه ما زال على زناه، وأنه لم يدر أن التي معه زوجته فخرج إليهم في الشرفة؛ ليقسم لهم أن التي معه زوجته!!

ولا ندري من أين أتى "الأستاذ" بهذا الصديق "الفلتة الفلاتي... " الذي لا يعرف مواقيت الصلاة، وأنها غير مرتبطة بزنى زان أو عربدة سكير، والذي لم يكتشف أن هناك في ديار المسلمين، ومنها مصر أذان منذ أربعة عشر قرنـًا من الزمان، والذي لم يسأل نفسه إذ ظن ما ظن: لماذا لم يكونوا يؤذنون له حال زانه حتى يظن أنهم يؤذنون له في زواجه؟!

ثم ما هذا الصديق الذي يتحرى وقت الصلاة بالضبط لقضاء شهوته؟!

إن وجود مثل هذا الصديق على فرض وجوده يدل على أن هناك قصورًا كبيرًا في رفع الأذان، وأن هناك من أبناء المسلمين من لا يعرف مواقيت الصلاة فلو كان صاحبنا من الأمة لبكى حال صديقه الذي لا تدري تبكي "فلتانه" أم تبكي "جهله الفاضح"؟! أم تبكى صديقه الذي رضيه صديقـًا فلاتيًا جاهلاً بمواقيت الصلاة؟! ثم جاء يطالب بمزيد من تجهيل أبناء الأمة!

أما ثالث حكاياته: فجاءت في صورة افتراض لما يمكن أن يكون عليه الحوار لو أن أحدًا طلب من المؤذنين ألا يؤذنوا في مكبرات الصوت فراح يقتبس بعض أقوال الكفار التي قالوها عن آلهتهم فينسبها إلى المتطرفين مدعيًا أنهم سيقولون: "من هذا الذي يذكر ميكرفوناتنا بسوء" إلى آخر هذا التهكم، مع أن تجربته الشخصية تقول: إن المكبر الذي ضاق به ذرعًا نقل فور اعتراضه إلى شرفة الأستاذ "بطرس"! هذه حكايات "الأستاذ" فماذا عن حججه؟!

لقد تذرع صاحبنا بثلاث حجج:

الأولى: تسجيلات صوتية لبعض العلماء فيها فتاوى بقصر استخدام مكبر الصوت على الأذان فقط، ثم علق على ذلك قائلاً: "أبشر شيوخنا الأجلاء أن كلامهم لا يعمل به"، وفي هذه النقول تدليس ظاهر حيث إن المشايخ الأجلاء الذين نقل فتاواهم أفتوا باستخدام مكبرات الصوت في الأذان، وطالبوا بعدم إزعاج السكان بما وراء ذلك؛ لأن منهم المريض وذا الحاجة، والحلقة من أولها إلى آخرها والبواب الخشن الصوت، والصاحب "الفلاتي" يطالب فيها الأستاذ بمنع استخدام مكبرات الصوت في الأذان.

يؤيد هذا الحجة الأخرى: التي ساقها من أن الأذان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بدون مكبر، وهكذا أذن بلال -رضي الله عنه-.

وقريب منها حجته الثالثة؛ والتي ساقها في صورة اعتراض على الإسلاميين والمتطرفين والوهابيين الذين يصرون على الأذان في المكبر فأورد عليهم سؤالاً: لماذا لم يقولوا ببدعية مكبرات الصوت كما يقولون ببدعية أمور كثيرة لا سيما وأنه قادم من عند الغرب؟!

والإجابة على هذين الاعتراضين يسيرة -بحمد الله- نجملها له إجمالاً على أن التفصيل موجود -بحمد الله- في مظانه؛ فنقول:

إن أمور الدين دائرة بين السنة وهو ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبين البدعة وهي كل ما عدا ذلك، وأما أمور الدنيا فدائرة بين حرام حرمه الله بنهي خاص عنه، أو باندراجه تحت عموم نهي عام، وما عدا ذلك فمباح مستحدثـًا كان أم غير مستحدث؛ فإذا ثبت أن أمرًا ما مباح إذا استعمل في أمور الدنيا فيأتي دور قاعدة: "أن الوسائل لها أحكام المقاصد"؛ ليطبق على استعمال هذا الأمر في خدمة الدين أو في وسائل العبادات.

فيترتب على هذا ما يلي:

1- الأصل في مكبرات الصوت الإباحة.

2- استعمال مكبرات الصوت في إيصال رفع الأذان هو من أجَلّ ما يستعمل فيه هذه النعمة.

3- استعمال مكبرات الصوت في رفع أصوات الموسيقى والرقص، وما شابها من المعاصي المنكرة "كنا نتمنى أن يقص لنا إبراهيم عيسى قصته مع فرح أحد جيرانه وليكن صديقه الفلاتي؟ وهل استعملت فيه مكبرات الصوت؟ وهل استعملت فيه أبواق السيارات؟ وهل جاءته الجرأة مرة أن يمنع شيئا من ذلك"؟؟!!

4- أما الميكروفونات التي تستعمل في استوديوهات القنوات المشبوهة التي تريد أن تطمس هوية الأمة فهي أسوأ أنواع الميكروفونات وأشدها خطرًا، وأولاها بالتحريم!

وأما كون أن هذه مأخوذة عن الكفار فالأستاذ لم يفرق بين الأفكار والمخترعات المادية فظن أن على الإسلاميين الذين يعتبرون كل شيء غزو فكري تنصيري أن يعطوا الميكروفونات نفس حكمها، وفي الواقع أن الأمر يختلف فالاختراعات تنفك عن مخترعها وعن مصنعها، ويبقى حكمها وفقـًا للاستعمال كما بينا، وقد حفر النبي -صلى الله عليه وسلم- الخندق، وهي وسيلة فارسية.

وحتى الأفكار والنتاج الفكري فلا بأس بالاقتباس منه شريطة أن يتم تنقيحه تمامًا ليُصفى من شوائب النجس الاعتقادي لدى أصحابه؛ سواء من الناسبين إلى الله الصاحبة والولد أو من الملحدين الذين لا يؤمنون بوجود الله.

وقد ورثت أمة الإسلام علوم الدنيا يوم ورثتها وهي علوم بدائية خطؤها أكثر من صوابها فاستوت على سوقها على أيدي العلماء التجريبيين المسلمين حتى جاء الغرب فانتحل هذه العلوم، وهذا أمر لا يتسع له المقام هنا.

وأما ما أومأ إليه صاحب البرنامج بأن الميكروفونات شغلت أصحابها عن منافسة الغرب فهو أول من يعلم أن أئمة المساجد ليسوا هم المسؤلون عن التعليم والإعلام، والبحث العلمي، ومع هذا فقد قاموا بما يسعهم من ذلك، وبغض النظر عن مسجد شارعه الذي تركه أهل الشارع للبوابين -على حد زعمه-؛ فمساجد الصحوة تكاد تسمى بمساجد الجامعيين مع أن البسطاء يجدون فيها أيضًا ما يتعلمونه وما يقدمونه لخدمة الدين؛ ولو بالدعاء الصادق لأبنائهم وإخوانهم الذين يؤذنون ويؤمون الناس في الصلاة بأصوات ندية -بحمد الله-، ويقومون بتعليمهم الدين، وتحصينهم من الأفكار الوافدة.

ومن ثمَّ عَرفت المساجد عن طريق هؤلاء "استخدام التكنولوجيا ولو سنحت الفرصة لكانوا من مطوريها"، وحبذا لو كلف الأستاذ خاطره وجاء ليصلي قيام رمضان في مسجد "القائد إبراهيم" في الإسكندرية؛ ليرى كيف يصل الصوت الندي للقارئ ومكبرات الصوت "الإيطالية"، و"اليابانية"، أو "الكورية" على أقل تقدير تمتد كلما امتد المصلون، ويتم ضبطها بأيدي شباب متطوع هاوٍ أتقن ضبط هذه الماكينات؛ لتنقل القرآن للناس.

وأزيده من الشعر أبياتـًا -"وأرجو ألا أكون بذلك أعطيه لحلقاته أفكارًا"-: أخشى يا هذا أنك إن تجولت في المساجد فوجدت معظمها مكيف الهواء؛ لتذلل للناس سبل أداء عبادتهم أن تكتشف أن مكيفات المساجد دون غيرها من المكيفات التي في الدنيا هي المسئولة عن ثقب الأوزون!!

وأما كون أن الأذان كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا مكبر، فهل كان المكبر على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فتركه؟! لو كان كذلك لكان بدعة بلا خلاف، وأما إذ استحدث بعده فالكلام فيه هو ما قدمناه.

ولزيادة توضيح هذا الأمر نقول: إن الأذان عبادة غرضها الإعلام، ومن ثمَّ فلابد وأن تكون من مكلف، وفي ذات الوقت لا بد من الحرص على أن يبلغ الإعلام فيها مداه؛ ولهذا حرص المسلمون على أن يكون الأذان مسموعًا على أوسع نطاق من خلال اختيار المؤذن الذي يجمع بين حسن الصوت وقوته، ومن خلال الأذان من على أسطح البيوت العالية كما كان بلال -رضي الله عنه- يؤذن من على أعلى سطح بيت في المدينة، والذي استبدله المسلمون لما تطورت فنون العمارة عندهم ببناء المآذن العالية.

وهو أمر لا يفي بالغرض مع تطور العمران وارتفاع الأبنية، ووقوفها حائلاً أمام انتشار الصوت، لا سيما وأن أعلى بنائين في القاهرة مرفوع عليهما صليب "ساويرس"(1)! الذي بثَّ من إحدى قنواته "صوت إبراهيم عيسى"، ومع ذلك فلم ولن ير في رفع شعار ديني صريح على رأس مبنى مدني أي استفزاز لمشاعر الأغلبية المسلمة بينما نسب فيما افترض من إجابات من الممكن أن تسمعها من المتطرفين في تعليل أذانهم في "الميكروفون"، أنهم سيقولون: "أمال حنغيظ الأقباط إزاي"! -لاحظ استخدامه لكلمة الأقباط التي تعني سكان مصر، وهي التسمية التي يحرص إعلام ساويرس على نشرها من باب أنهم أصحاب البلد الأصليين-.

ومن هنا تعرف أن إبراهيم عيسى كان نائبًا عن ساويرس في التعبير عن حالة الغيظ التي أتى بها على لسان محاور افتراضي، ولو أنصف لافتتح برنامجه بالكلمة الإعلامية الشهيرة: "جاءنا نحن العاملين بقناة الملياردير القبطي المصري نجيب ساويرس أن أذان الغزاة العرب يزعج سيادته تمامًا، كما يزعجه ويرعبه منظر المحجبات في الشارع، ويشعر بالغربة في وطنه حين يَراهُن، ونحن العاملين بالقناة بدورنا -وإن كنا مسلمين- فإننا نؤيد سيادته تمامًا فيما قال، وننزعج لانزعاجه أيما انزعاج... "!!

إذن فإبراهيم عيسى جاء بعد الأستاذ بطرس؛ لأنه لا بد وأن يكون في خانة واحدة مع ساويرس، ولكن لماذا لم يكن الأستاذ بطرس هو الآخر مع ساويرس من باب الولاء الديني؟!

فلعله أن يكون من هؤلاء النصارى الذين لديهم عقل يدركون به أن لعبة ساويرس لعبة نارية سيكون لاعبوها هم أول المحترقين بها، أو ممن ما زال لديهم تذكر للتاريخ الماضي حيث كانت الكنيسة الغربية تذيقهم من العذاب ألوانـًا حتى أشرقت مصر بالفتح الإسلامي؛ فدخت الجمهرة الكبيرة من أهل مصر في دين الله أفواجًا، ومن بقي منهم على دينه قيل له: "لا إكراه في الدين"، وهي كلمة لم تعرفها الكنيستان: الشرقية والغربية في حربهما اللاهوتية، والتي دفع أبناؤهما ثمنـًا فادحًا من دمائهم لقضية يعترف الطرفان فيهما أنه ليس مع أي منهما أثارة من وحي ولا علم، وإنما هي مسألة رأى فيها رجلان رأيين مختلفين فاتبع كل رجل شيعته، وجَرَت أنهار الدم التي لم يوقفها في مصر إلا الفتح الإسلامي.

وفي نهاية مناقشته للقضية لم يَفت الكاتب الكبير أن يقوم بحركة من إياهم؛ فأخرج ميكروفون صغير يعمل بالبطارية؛ ليهتف فيه بسقوط الميكروفونات!

وهو مشهد يلخص الكثير والكثير من صفات وتاريخ رجل رأس ماله حنجرته وقلمه: هتف بهما للاشتراكية، ومجد بهما الليبرالية! وأطلق بهما الشائعات السياسية، وطعن في الحكومة والمعارضة معًا، ثم ظهرت عليه أعراض تشيع فجائية، منها: نشر جريدته لطعون في الصحابة -رضي الله عنهم-، وتبني موقف الشيعة منهم، بل بلغ به الحد إلى تبني مواقف إيران الحساسية، وكانت هذه المؤهلات كافية لتلقطته قناة ساويرس، ويكون من نتاجها هذا البرنامج!

ولكن نبشركم جميعًا: سيعلو صوت الإسلام، ولن يقتصر على الأذان، بل سيعم كل مظاهر الحياة: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــ

(1)نشرت عدة مواقع إخبارية منها: "موقع المصريون" بتاريخ 15-10-2008 الخبرالتالي:"يعتزم عدد من المحامين التقدم ببلاغ للنائب العام المستشار عبد المجيدمحمود ضد رجل الأعمال "نجيب ساويرس" رئيس مجلس إدارة شركة "أوراسكوم"؛ لوضعه صليبينكبيرين أعلى برجيه المجاورين لفندق "كونراد" بالقاهرة، وهو ما اعتبروه ملمحًا منملامح الشحن الطائفي الذي تشهده مصر حاليًا.

وقال المحامون: عبد الله خليل، ورجب جلال،وسمير إبراهيم: إن الصليبين وضعا منذ فترة قريبة على سطحي البرجين اللذين يعدانالأكبر في مصر، ويحتلان موقعًا بارزًا على كورنيش النيل، مبدين استنكارهم لهذا الأمر،خاصة وأنه جاء في وقت تشهد فيه مصر حالة من الشحن الطائفي بين المسلمين والأقباط.

وعبروا عن رفضهم لاستخدام الشعارات الدينية فوق أسطح المنازل أو في واجهتها؛ لأنهإذا قام كل مالك عمارة أو منزل سواء مسلم أو مسيحي بوضع شعارات دينية أعلى عمارتهأو على بلكونة منزله "فلنقل جميعًا على مصر السلام".

وتساءلوا: عما إذا كان "ساويرس"قام بتحويل البرجين إلى كنيسة، حتى يقوم بوضع الصليبين أعلاهما؟! وأبدوا دهشتهملذلك؛ إذ كيف يدعي العلمانية، وهو يضع صلبانـًا بهذه الضخامة فوق برجيه؟! مثيرين شكوكًاحول دوافعه من تصرفه هذا. وقد لوحظ بالفعل وجود الصليبين أعلى البرجين بالوقوف أعلىمبنى نقابة الصحفيين والأماكن المرتفعة القريبة، حيث يمكن رؤيتهما بوضوح.
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف