الذب عن شيخ الإسلام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر القرطبي رحمه الله (368-463هـ)
قال الحافظ الذهبي : ( ابن عبد البر الإمام العلامة ، حافظ المغرب ، شيخ الإسلام أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي القرطبي المالكي صاحب التصانيف الفائقة ) ([1]) .
هذا أقل ما يقال عن هذا العالم الجليل ، فهو حافظ المغرب والأندلس في زمانه شيخ الإسلام صاحب التصانيف الفائقة ، وقد مدحه كثير من العلماء وأثنوا عليه ، وقد عدَّ الإمام ابن حزم مصنفاته من فضائل الأندلس حيث قال :
( ومنها كتاب " التمهيد " لصاحبنا أبي عمر يوسف بن عبد البر، وهو الآن بعد في الحياة لم يبلغ سن الشيخوخة ، وهو كتاب لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلاً فكيف أحسن منه ، ومنها كتاب " الاستذكار " وهو اختصار التمهيد المذكور ، ولصاحبنا أبي عمر بن عبد البر المذكور كتبٌ لا مثيل لها : منها كتابه المسمى بالكافي في الفقه على مذهب مالك وأصحابه خمسة عشر كتاباً اقتصر فيه على ما بالمفتي الحاجة إليه وبوبه وقربه فصار مغنياً عن التصنيفات الطوال في معناه ، ومنها كتابه في الصحابة ليس لأحد من المتقدمين مثله على كثرة ما صنفوا في ذلك ، ومنها كتاب " الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو ابن العلاء ، والحجة لكل واحد منهما " ، ومنها كتاب " بهجة المجالس وأنس المجالس ، مما يجري في المذاكرات من غرر الأبيات ونوادر الحكايات " ، ومنها كتاب " جامع بيان العلم وفضله ، وما ينبغي في روايته" ) ([2]) .
ومع علو صيت كتابي التمهيد والاستذكار وعلو شانهما ، إلا أنه لم تصلنا ولا نسخة مكتملة واحدة من هذين الكتابين بسبب النكبات المتتالية على أهل الإسلام .
فإن قلت : فكيف يحصل ما حصل لمثل هذا الكتاب ؟
أقول بحول الله تعالى : لقد حصل ما هو أشنع لكتاب أجل من هذا ، وهو تفسير الإمام بقي بن مخلد ومسنده وهما أعظم تأليف في الإسلام .
قال الإمام ابن حزم في معرض ذكره فضائل الأندلس : ( كتاب أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد فهو الكتاب الذي أقطع قطعاً لا أستثني فيه أنه لم يؤلف في الإسلام تفسير مثله ، ولا تفسير محمد بن جرير الطبري ولا غيره . ومنها في الحديث مصنفه الكبير الذي رتبه على أسماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فروى فيه عن ألف وثلاثمائة صاحب ونيف ، ثم رتب حديث كل صاحب على أسماء الفقه وأبواب الأحكام ، فهو مصنف ومسند ، وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله ، مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله في الحديث وجودة شيوخه ، فإنه روى عن مائتي رجل وأربعة وثمانين رجلاً ليس فيهم عشرة ضعفاء ، وسائرهم أعلام مشاهير . ومنها مصنفه في فضل الصحابة والتابعين ومن دونهم الذي أربى فيه على مصنف أبي بكر ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق بن همام ومصنف سعيد بن منصور وغيرها وانتظم علماً عظيماً لم يقع في شيء من هذه ، فصارت تآليف هذا الإمام العلي قواعد للإسلام ، لا نظير لها ، وكان متخيراً لا يقلد أحداً ، وكان ذا خاصة من أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه ) ([3]) .
وهذين الكتابين بل وكل كتب شيخ الإسلام بقي بن مخلد يعدان الآن من الكتب الضائعة المفقودة . فلا عجب إذا ما حصل لكتاب التمهيد والاستذكار للإمام ابن عبد البر القرطبي . ولقد كنا ذكرنا ضمن مقدمات هذا الجزء نبذة يسيرة من النكبات التي توالت على كتب علماء الإسلام . فكانت مكتبة واحدة تحتوي على 1200 نسخة من تاريخ الإمام الطبري وحده ، والآن لا توجد ولا مكتبة واحدة في العالم تحتوي على نسخة كاملة من كتاب التمهيد والاستذكار بل وتفسير الإمام بقي ومسنده في حكم الضائع ، فلله الأمر من قبل ومن بعد .
لِمِثْلِ هَذَا يَذُوبُ القَلْبُ مِنْ كَمَدٍ إِنْ كَانَ فِي القَلْبِ إِسْلاَمٌ وَإِيمَانُ
فلما كان الأمر كذلك سهل على أعداء الدين دسّ ما يريدونه في مصنف هو في حكم النادر ، بل لا عجب لو استحدثوا نسخة جديدة يدسون فيها سمومهم ومن ثم يزفونها إلى الحمقى من جهلة الناس تحت بشرى أنهم وجدوا مخطوطة جديدة لكتاب ندرت نسخه .
ما يهمنا في هذا المقام كتاب التمهيد الذي جرى عليه التحريف والدس في غير ما موضع منه سنذكره بأدلته قريباً إن شاء الله تعالى . فأول نسخة طبعت من التمهيد هي الطبعة المغربية التي طبعت سنة 1387هـ الموافق 1967م تواظب في العمل عليها عدة محققين ، وهذه هي النسخة الوحيدة المحققة لكتاب التمهيد ، ولم نجد طبعة حجرية قديمة لهذا الكتاب .
جاء في مقدمة الجزء الأول من هذه الطبعة : ( وقد مضى على تأليفه ما يقرب من ألف عام ، ورغم كثرة المتحدثين عنه والمقتبسين منه في كتب الفقه ، لا سيما فقهاء المالكية ، فإنه لا تكاد توجد منه نسخة كاملة في أية مكتبة حسبما نعلم ، وإنما هي أجزاء متفرقة هنا وهناك .
وعندما صح العزم على إخراج الكتاب طبقاً لتعليمات جلالة الملك (زعموا) أيده الله (زعموا) ، استوردت الوزارة مصوراً على أشرطة لتسعة أجزاء من نسخة موجودة بمكتبة إستانبول بتركيا ينقصها جزءان ، وهي نسخة مكتوبة بخط مغربي واضح ) . التمهيد ، ج1 ، ص (د) .
قلت بحول الله تعالى : فإن أهل المغرب والأندلس منذ معركة العقاب إلى يومنا هذا تتوالى عليهم النكبات تلو النكبات في دينهم ودنياهم . ألا ترى أن محققوا كتاب التمهيد لم يجدوا ولا نسخة كاملة في مكتباتهم وإنما هي نسخ قليلة جداً متناثرة هنا وهناك ، حتى أنهم اضطروا لاستيراد نسخة مكتوبة بخط مغربي من القسطنطينية ؟!
ويكمل محقق الكتاب حول تفاصيل النسخة التي استوردوها من تركيا وهي تسعة أجزاء ، علماً أنه لا توجد تسعة أجزاء مجتمعة في أي مكتبة معروفة في العالم ، فيقول :
( 1) فالأول منها يبتدئ بالمقدمة التي أولها بعد البسملة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : قال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ رضي الله عنه : الحمد لله الأول والآخر الخ .
( 2) والثاني يبتدئ بالحديث السابع لجعفر بن محمد بن علي ابن حسين ) .
( 3) وجزء آخر يبتدئ بالحديث السابع لأبي النضر سالم مولى عمر ابن عبيد الله ) .
( 4) وجزء آخر يبتدئ بالحديث الخامس والعشرين لعبد الله بن دينار ) .
( 5) وآخر يبتدئ بالحديث الرابع لعبد الله بن يزيد ) .
( 6) وآخر يبتدئ بالحديث الثالث لمحمد ابن شهاب الزهري ) .
( 7) وآخر يبتدئ بالحديث الثاني لمحمد بن المنكدر عن أميمة ) .
( 8) وآخر يبتدئ بالحديث الخامس والأربعين لنافع عن ابن عمر ) .
( 9) وأما الأخير فيبتدئ بالحديث الثاني والعشرين ليحيى بن سعيد الأنصاري وينتهي بقوله رحمه الله قد أتينا على ما قصدنا والحمد لله ) .
وقد اتخدنا هاته النسخة أساساً لإخراج الكتاب وإعداده للطبع ، رغم أنها غير كاملة ، اعتماداً على ظن قوي في أن ما بها من نقص يوجد في الأجزاء المتفرقة الموجودة بالمكتبة العامة بالرباط والمكتبة الملكية العامرة ) . التمهيد ، ج1 ، ص (د+هـ)
قلت بحول الله تعالى : أما هذه النسخة التركية فليست كلها بنفس الخط ونفس نوع الورق ، ولا يوجد اسم الكاتب ولا تاريخ النسخ إلا في آخر جزء منها ، فتأمل .
ويكمل محقق الكتاب حول نسخ التمهيد الأخرى ، فيقول :
( وقد بحثنا في المكتبتين ([4]) فوجدنا بهما الأجزاء التالية .
الأول : يجمل رقم (جـ i3) ويبتدئ بالمقدمة تليها ترجمة الإمام مالك وينتهي بالحديث الرابع لحميد بن قيس الأعرج المكي .
وثان يحمل رقم (جـ i3) أيضاً ويبتدئ بالحديث السادس والثلاثين لزيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب.
وثالث يحمل رقم (ق 59) ويبتدئ بالحديث الثالث والستين لمحمد ابن شهاب الزهري .
ورابع يحمل رقم (ق i44) ويبتدئ بأحاديث محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري .
وخامس يحمل رقم (ق i6) ويبتدئ بالحديث الثامن والعشرين ليحيى ابن سعيد الأنصاري وينتهي بآخر البلاغات فهو الأخير .
وسادس يحمل رقم (ق i4) يبتدئ بحديث يونس بن حماس وهو الآخر أيضاً .
ويوجد بالخزانة الملكية العامرة سفر ضخم مسجل تحت عدد (927) يبتدئ بالحديث السادس للعلاء بن عبد الرحمن وينتهي بالحديث الثاني والخمسين من أحاديث هشام بن عروة .
وعند فحص هاته الأجزاء وترتيبها وجد أنها تكاد تكون نسخة فيها بتر بين الأول والثاني ، وفيما قبل الأخير .
ولدينا شريط هام يبتدئ من الأول مصور من إحدى مكتبات العراق أهداه للوزارة صديقنا الأستاذ السيد (زعموا) عبد الهادي التازي السفير السابق بالعراق جزاه الله خيراً (زعموا).
كما توجد بخزانة جامعة القرويين العامرة بفاس مجموعة أوراق من التمهيد غير مرتبة يمكن الاستفادة منها عند الحاجة ) . التمهيد ، ج1 ، ص (هـ+و).
أقول بحول الله تعالى : أما قوله أن خزانة القرويين توجد فيها مجموعة أوراق غير مرتبة ، فغير صحيح .
- فالجزء الأول من التمهيد من تحبيس السلطان أبي الربيع سنة 1217هـ موجود في خزانة القرويين في مدينة فاس بالمغرب تحت رقم 774 ، يبدأ من بداية الكتاب وينتهي بحديث خامس لحميد بن قيس المكي ، ولكن لا توجد الأجزاء الأخرى في يومنا هذا رغم قرب العهد ، لكن من العجيب أن الناسخ وهو فضيل بن الفاطمي ذكر في نهاية الكتاب أنه نسخه في 3 جمادى الثانية سنة 1313هـ ([5]) مع أن الكتاب مذكور أنه من تحبيس السلطان أبي الربيع سنة 1217هـ ! ([6])
- وتوجد في نفس المكتبة نسخة عتيقة هي الجزء السابع من التمهيد بخط أندلسي كتب سنة خمس وخمسمائة أي بعد وفاة المؤلف باثنين وأربعين سنة ، موجودة في الخزانة تحت رقم 991 ، ميكروفيلم رقم 470 ، يبدأ من حديث أول لابن شهاب عن عروة وينتهي بحديث ثان لابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، مكتوبة بخط الحسن بن يوسف الأزدي ، وهي نسخة مهمة لقرب عهد المؤلف ولوجود سماع على أحد الأشياخ في آخره . ولكن لا توجد الأجزاء الأخرى لتلك النسخة ([7]) .
- ويوجد الجزء السادس من التمهيد في نفس المكتبة تحت رقم 177 ، أوله حديث سابع وأربعين لنافع عن ابن عمر ، وينتهي بالحديث السادس والعشرون عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح ، وهي نسخة لا يلتفت إليها كثيراً لأن الناسخ قال في آخرها : ( تم الجزء الموفي ثلاثين وهو سادس جزء بحمد الله وعونه ، وكتبه محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبيدا المغاري المالكي لطف الله به في الدارين وختم له بخير ، وقد اشتريت نسخة ناقصة لهذا الجزء وللجزء الأول وقد كملتهما وكتبتهما رجاء ثواب الله سبحانه فكملت والحمد لله على ذلك وحسبنا الله ونعم الوكيل ) ولم يذكر تاريخ النسخ ([8]) .
وتوجد في خزانة ابن يوسف بمراكش في المغرب نسختين من التمهيد ، وهما :
- الجزء الرابع من التمهيد مسجلة تحت رقم 460/1 ، أوله حديث سادس لابن شهاب عن عبيد الله ، وآخره حديث رابع لأبي الزبير .
- الجزء الثامن والأخير من التمهيد مسجلة تحت رقم 460/2 ، انتسخ في 20 جمادى الأولى عام 607هـ ، وهي من تحبيس أبي الحسن المريني عام 752هـ .
أقول بحول الله تعالى : ولا أدري كيف لم يلتفت إلى هذه النسخ محققوا الكتاب .
وتوجد في مكتبة حاجي سليم آغا بإستانبول في تركيا نسخة من التمهيد تحت رقم كمانكش 53 ، يبدأ من قوله : (حديث ثامن وثلاثون لزيد بن أسلم) وينتهي بقوله : (تم السفر الثالث من كتاب التمهيد بحمد الله وعونه يتلوه إن شاء الله حديث ثالث لابن شهاب عن حمبد يستمر من وجوه ، والله المعين من رحمته ) وهو بخط مغربي وعدد أوراقه 178 ورقة ، لكن للأسف لا يوجد عليه اسم ناسخه ولا تاريخ النسخ ، ولكن في بداية المخطوط عليه تملك بنص : (من كتب الفقراء أبو البركات محمد ابن الكيال الشافعي سنة 889 هـ) ، وكذلك مكتوب في بدايته أن السيد الحاج عبد القادر المعروف بأمير خولجة كمانكش الأسكداري أوقفه من ملكه الخاص . وتوجد نسخ أخرى متفرقة في ربوع الأرض لم يتيسر لنا معرفة تفاصيلها .
ولقد من الله عز وجل على عباده بالعثور على سفرين نفيسين من كتاب التمهيد ، بخط الحسن بن علي بن الحسن بن حمزة الشريف الحسيني ، وهو أخو العلامة شمس الدين جمال المحدثين أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن ابن حمزة الشريف الحسيني . والسفرين موجودين في مكتبة مِلَّتْ بإستانبول في تركيا تحت رقم فيض الله أفندي 295 ، وفيض الله أفندي 468 . وفيض الله أفندي هو المفتي بالسلطنة العثمانية . وإليك تفاصيل كل مخطوطة .
نسخة رقم (1) من التمهيد : نسخة مكتبة مِلَّتْ بإستانبول تحت رقم فيض الله أفندي 295 .
تقع هذه النسخة في 274 ورقة ، وكل ورقة فيها 23 سطراً ، مكتوبة بخط نسخي واضح جداً ، وتبدأ من حديث ثالث لعبد الله بن دينار عن ابن عمر وتنتهي بحديث سادس لعبد الرحمن بن القاسم .
في بداية النسخة أي في ورقة رقم 1أ ، وفي نهايتها أي في ورقة رقم 274ب يوجد ختم ونصه :
(وقف شيخ الإسلام فيض الله أفندي غفر الله له ولوالديه بشرط أن لا يخرج من المدرسة التي أنشأها بالقسطنطينية سنة 1113هـ) .
وكذلك مكتوب في ورقة رقم 1أ : ( من كتب الفقير السيد فيض الله المفتي في السلطنة العلية العثمانية عفى عنه سنة 1113) .
رقم السفر غير مذكور لكنه يبدوا أنه السفر السادس بالنظر إلى أن هذه النسخة مكتوبة في ثمانية أسفار كما سيأتي بيانه ، وأظن سبب عدم ذكر رقم السفر في هذا الجزء مع أنه مذكور في الجزء الآخر أنه في هذه النسخة قد تم تجديد ورقة الغلاف بسبب تلف أو ما شابه ، وهذا التجديد يغلب الظن عليه أنه إنما كان في زمن فيض الله أفندي لأنه مكتوب عليه أنه من كتبه ، وظاهر على الورقة قدمها .
وأما اسم الناسخ فمذكور في النسخة الأخرى التي هي بنفس خط وبنفس ورق وبنفس حجم هذا السفر مما لا يعطي أدنى شك في أن ناسخ الجزئين رجل واحد وهو ابن حمزة الشريف الحسيني رحمه الله . وهذه النسخة مذكور فيها تاريخ النسخ حيث ورد في ورقة رقم 274ب ما نصه : ( ووافق الفراغ من نسخه صبيحة نهار الثلاثاء منتصف شهر شوال سبع وثلاثين وسبعمائة ) . وبعد هذا النص فإن باقي الورقة ملصق عليها ورقة جديدة بهدف الترميم ، فلعله بعد أن ذكر تاريخ النسخ ذكر اسم الناسخ ولكن لم يظهر لنا ، ولعله أرجئ ذكر اسم الناسخ للسفر الأخير والذي سيأتي بيان تفاصيله ، والله تعالى أعلم وأحكم .
نسخة رقم (2) من التمهيد : نسخة مكتبة مِلَّتْ بإستانبول تحت رقم فيض الله أفندي 468 .
هذا هو السفر الثامن والأخير من التمهيد كما هو مذكور في ورقة رقم 1أ ، وكذلك مكتوب في ظهر الكتاب ( الثامن من التمهيد شرح الموطأ ) ، وتقع هذه النسخة في 245 ورقة ، وكل ورقة فيها 23 سطراً ، مكتوبة بخط نسخي واضح جداً ، وتبدأ من حديث موف خمسين لهشام بن عروة حتى آخر التمهيد .
في بداية النسخة أي في ورقة رقم 1أ ، وفي نهايتها أي في ورقة رقم 245ب يوجد ثلاثة أختام :
- ختم دائري صغير بلون بني غامق وهو نفس الحبر المكتوب به نص المخطوط ، ونص هذا الختم غير واضح وغير مقروء ، ويبدوا أنه ختم الخزانة التي كتبت هذه النسخة بأمرها كما سيأتي بيانه .
- ختم كبير بلون أسود داكن ونصه : ( وقف شيخ الإسلام فيض الله أفندي غفر الله له ولوالديه بشرط أن لا يخرج من المدرسة التي أنشأها بالقسطنطينية سنة 1113هـ) .
- ختم أزرق وهو ختم حديث فيه شعار الدولة التركية الحديثة .
وجاء في ورقة رقم 243ب ما نصه : ( هذا آخر كتاب التمهيد نقل من نسخة دار الحديث الأشرفية بدمشق من أصل أربعة وعشرين سفراً فكتبته في ثماني أسفار هذا آخرها والحمد لله رب العالمين وصلوته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ) .
وفي ورقة رقم 245ب جاء ما نصه : ( في الأصل المستنسخ منها النسخة التي نسخت منها هذه النسخة نسخت من مسودة المؤلف أبي عمر بن عبد البر بخط يده أنشد ابن عبد البر عند فراغ قراءة هذا الكتاب عليه
سمير فؤادي مذ ثلاثين حجة وصيقل ذهني والمفرج عن همي
بسطت لكم فيه كلام نبيكم بما في معانيه من الفقه والعلم
وفيه من الآداب ما يهتدى به إلى البر والتقوى وينهى عن الظلم
ووافق الفراغ من نسخه عشية الإثنين ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من شهر جمادى الآخرة من شهور سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بمدينة دمشق المحروسة بسفح جبل قاسيون على يد أفقر عباد الله إلى الله الراجي عفو ربه الحسن بن علي بن الحسن بن حمزة الشريف الحسيني برسم الخزانة العالية المولوية المالكية المحذومية العزية عز الدين حمزة بن شيخ السلامية غفر الله له ولوالديه ونفعه بما علم ولجميع المسلمين يا رب العالمين .
يا خالق الخلق طوراً بعد أطواري وغـافر الذنب من سر وإجهاري
اغفر لـمالكه أيضا ونـاظره والمستعير لـه إن رد والـقـاري ) اهـ .
وتأتي أهمية هذين السفرين لأسباب :
- أنهما منسوختان من نسخة دار الحديث الأشرفية بدمشق ، ونسخة دار الحديث الأشرفية هي نسخة منسوخة من مسودة المؤلف كما سبق وبينا ، ويدل على أن نسخة دار الحديث الأشرفية منقولة فعلاً من نسخة المؤلف أنها في أربعة وعشرين سفراً وقد نقلها الناسخ في ثمانية أسفار .
- أن أخو الناسخ عالم مشهور ، ودفن في سفح جبل قاسيون حيث كتبت هذه النسخة من مخطوطة التمهيد ، ومشهور أنه كتب بخطه كثيراً خصوصاً فيما يتعلق بعلم الحديث ، والعجيب أنه ذُكِرَ أن خطه كان معروفاً حلواً وأنه كان سريع الكتابة فلا عجب أن يكون أخوه حلو الخط أيضاً مما هو واضح من نسخة التمهيد ، وكذلك كان أخوه مهتماً بالحديث فلا عجب أن يكتب أخوه كتاب التمهيد .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني (773-852هـ) : ( وله تعليق على الميزان بين فيه كثيراً من الأوهام ، واستدرك عليه عدة أسماء وقفت على قدر يسير منه قد احترقت أطرافه لما دخلت دمشق سنة ست وثلاثين وقرأت بخط شيخنا العراقي أنه شرع في شرح سنن النسائي ، وقرأت بخطه ذيلاً على طبقات الحفاظ للذهبي ، وخطه معروف حلو ، وكان سريع الكتابة ) ([9]) .
قال ابن قاضي شهبة الدمشقي (779-851هـ) : ( وقال ابن كثير : جمع أشياء مهمة في الحديث ، وكتب أسماء رجال مسند الإمام أحمد ، واختصر كتاباً في أسماء الرجال مفيداً ، وولي مشيخة الحديث التي وقفها في داره بهاء الدين القاسم بن عساكر داخل باب توما . وقال ابن رافع : جمع مختصراً من تهذيب الكمال لشيخنا المزي ، وزاد فيه رجال مسند أحمد ، وكتب بخطه كثيراً . وقال العراقي : إنه شرع في شرح سنن النسائي . انتهى . ومن مؤلفاته اختصار الأطراف للمزي ، وكتاب رياض الزاهدين في مناقب الخلفاء الراشدين ، وكتاب التذكرة في رجال العشرة ، اختصر التهذيب وحذف منه من ليس في التنبيه ، وأضاف إليهم من في الموطأ ، ومسند أبي حنيفة ومسند أحمد ، وكتاب الإلمام في آداب دخول الحمام ، وكتاب العرف الذكي في النسب الزكي . وقال فيه: إنه كتب بخطه ما لا يحصره العد . وكتب ذيلاً على العبر من سنة إحدى وأربعين إلى آخر سنة اثنتين وستين . وله تعليق على الميزان ، بين فيه عدة أوهام ، واستدرك عليه عدة أسماء ، وكتب ذيلاً على طبقات الحفاظ للذهبي . توفي في شعبان سنة خمس وستين وسبعمائة ، ودفن بقاسيون ) ([10]) .
وقد ذكره ابن ناصر الدين الدمشقي فيمن مدحوا شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال : ( ومنهم السيد الشريف الإمام العالم العفيف الحافظ الناقد ذو التصانيف شمس الدين جمال المحدثين أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن ابن حمزة بن أبي المحاسن محمد ابن ناصر بن علي بن الحسين بن إسماعيل بن الحسين بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني الدمشقي الشافعي ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة في شعبان ، وسمع من خلق منهم أحمد بن علي الجزري وأبو الفتح الميدومي وزينب ابنة الكمال وغيرهم من الأعيان وخرج لنفسه معجماً يشتمل على خلق كثير وكان إماماً حافظاً مؤرخاً له قدر كبير ومن مصنفاته الفاخرة كتاب الذرية الطاهرة سماه العرف الذكي في النسب الزكي ، وكتاب الاكتفا في الضعفا وكتاب أسامي رجال الأئمة الستة ومسند أحمد بن حنبل ، وكتاب التاريخ وغير ذلك من مختصر ومطول ومنه كتاب الإلمام في آداب دخول الحمام وكان حسن الخلق رضي النفس من الثقات الأثبات وجدت بخطه في غير ما موضع من مؤلفاته سمي فيها ابن تيمية شيخ الإسلام ، توفي رحمه الله في شهر رمضان سنة خمس وستين وسبعمائة ) ([11]) .
فإن قلت : فما حلَّ بنسخة التمهيد التي هي بدار الحديث الأشرفية بدمشق ؟
قلت بحول الله تعالى : دار الحديث الأشرفية كانت من مراكز العلم المهمة جداً وقد ترأس مشيختها ثلة من العلماء المشهورين من أمثال ابن الصلاح صاحب المقدمة الشهيرة في الحديث ، والإمام النووي والحافظ ابن كثير وغيرهم . وهي الدار التي عناها ابن السبكي بقوله :
وفي دار الحديث لطيف معنى أصلي في جوانبها وآوي
عساني أن أمسّ بحُرِّ وجهي مكانا داسه قدم النواوي
لكن هذه الدار تعرضت لنكبتين ، الأولى عندما احترقت على يد التتار عندما اجتاحوا دمشق عام 699هـ فخربوا معالم كثيرة من بينها دار الحديث الأشرفية ، ونهبوا كثيراً من الرباط الناصري والضيائية وخزانة ابن البزوري وصار الجند يبيعونها بأبخس الأثمان . لكن ابن حمزة الشريف الحسيني نقل نسخته من نسخة دار الحديث الأشرفية عام 738 هـ ، مما يعني أن نسخة دار الحديث الأشرفية من التمهيد نجت بفضل الله عز وجل من هذه النكبة . إلا أنه وقع حريق آخر عام 1330 هـ الموافق 1912م في زمن الشيخ بدر الدين الحسيني حيث احترقت مكتبة دار الحديث الأشرفية وأكثر مخطوطاتها ، ودمر هذا الحريق أربعة شوارع من شوارع مدينة دمشق مع ما فيها من المدارس ، فيغلب الظن أنها احترقت وقتذاك ، فلله الأمر من قبل ومن بعد ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
قلت بحول الله تعالى : وينبغي هنا التعليق على ما ورد في مقدمة التمهيد المحققة الجزء الأول : ( أما تصحيح الأخطاء التي نعثر عليها في المخطوطات فذاك ما كان محط العناية الكاملة ، ومبعث المصاعب الجمة ، فليس بين أيدينا مراجع عدا نسختين قد تتفقان في وجود تحريف أو تصحيف أو نقص ، وليس ثمة من كتب على التمهيد شرحاً أو تعليقاً ، فهو لا يزال سراً من أسرار المخطوطات النادرة الوجود ، وكثيراً ما قضينا من جراء ذلك الأيام والأسابيع في البحث عن مصادر لتحقيق جملة أو إصلاح خطأ ، وعندما يضيق بنا مجال البحث نعتمد في الأخير على الفهم ، ونتحرى جهد المستطاع ، مستلهمين توفيق الله وهديه سبحانه . " التمهيد ، ج1 ، ص (ز) .
قلت بحول الله تعالى : بل يوجد اختصار التمهيد للإمام ابن فرح القرطبي صاحب التفسير ، ومخطوطته موجودة في مكتبة خزانة القرويين بفاس في المغرب ، وكذلك فإنه يوجد كتاب أكبر من التمهيد اسمه الممهد الكبير الجامع لمعاني السنن والآثار والأخبار وما تضمنه موطأ مالك من الفقه والآثار وذكر الرواة البررة الأخيار ألفه عمر بن علي بن يوسف العثماني من علماء القرن الثامن الهجري ، وأظنه اعتمد على نفس طريقة ابن عبد البر في التمهيد ولكن أضاف فيه وزاد ، وبلغت أسفار الكتاب واحداً وخمسين سفراً صنفه العثماني في خمس سنين وسبعة أشهر موجود ثلاثة أجزاء من هذه الأسفار في مكتبة خزانة ابن يوسف بمراكش في المغرب ، والكتاب لا يعرفه الكثير ولعله يعد من الكتب الضائعة في يومنا .
أما عن كتاب التقريب لكتاب التمهيد للإمام ابن فرح القرطبي الأنصاري صاحب التفسير ، فنسخته المخطوطة الوحيدة في العالم على ما نعلم موجودة فقط في مكتبة خزانة القرويين بفاس في المغرب ، وإليك تفاصيل النسخ .
نسخة رقم (1) من التقريب لكتاب التمهيد للقرطبي .
موجودة في مكتبة خزانة القرويين تحت رقم 992 ، وميكروفيلم رقم 471 ، وهما جزءان ضخمان بخط أندلسي واضح في كاغد متلاش مبتور ، والجزء الأول أصابه تلاش في الجملة وبه إصلاح قديم ، وهو من تحبيس السلطان أحمد المنصور بتاريخ شعبان عام 1011 كما في وثيقة الوقف بظهر أول ورقة منه . ولا يوجد اسم ناسخ ولا تاريخ نسخ ، والنسخة أشرفت على الاضمحلال والأمر لله وحده .
قال المؤلف : ( الحمد لله رب العالمين ونشهد أن لا إله إلا الله الحق المبين ، وصلى الله على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فلما كان كتاب التمهيد للإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر من أجل ما صنف في علم الحديث في القديم والحديث على كتاب الموطأ رأيت أن أختصره وأزيل ما فيه من التطويل والتكرار وكثرة الأسانيد والأخبار ليقل حجمه ويسهل حفظه وأذكر ما ذكره من كلام في إسناد وفقه وغريب وخلاف غير مخل بشيء من ذلك إن شاء الله وسميته بكتاب التقريب لكتاب التمهيد على ما في الموطأ من المعاني والأسانيد ) اهـ . ([12])
نسخة رقم (2) من التقريب لكتاب التمهيد للقرطبي .
موجودة في مكتبة خزانة القرويين تحت رقم 807 ، وميكروفيلم رقم 407 ، قد أتمها ناسخها يوم الخميس التاسع لجمادى الأولى من سنة اثنين وثمانين وستمائة بالقاهرة ، وهي من تحبيس السلطان أبي العباس أحمد المنصور على خزانة القرويين في شعبان سنة 1011هـ . ([13])
وقد ذكر في فهرس خزانة القرويين أن هذا الكتاب قد طبع في مصر سنة 1302 هـ ، ولم نعثر عليه ، فلله الأمر من قبل ومن بعد . ([14])