خاطرة: كيف يخلق الله البشر ثم يدخلهم النار؟
تأملت قوله تعالى: ((والتين والزيتون*...)) إلى قوله ((لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم*ثم رددناه أسفل سافلين*إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات...)) الآيات.
فتعجبت كيف يُحسِن الله خلق بني آدم ثم يكبهم في نار جهنم كلهم ثم يستثني من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولم تتضح لي حقيقة ذلك إلا لما قرأت قوله تعالى: ((سبح اسم ربك الأعلى*...)) إلى قوله ((والذي أخرج المرعى*فجعله غثاء أحوى...)) الآيات.
ففهمت أنه سبحانه وتعالى وله المثل الأعلى كأنه يضرب لنا مثلاً بالإنسان عندما يغتَنِي أو يكثُرُ لديه صنفٌ معيّن من تجارة أو زراعة فإنّه قد يصيبه البطر فيرمي مما اكتَنَزَ الشيء الذي لو كان عند غيره لما استطاع أن يفعل بماله ذلك وفعله هذا ربما كان إشارة كبرياء أن عنده من هذا المال الشيء الكثير الذي يستغني به عما يراه الناس كثيراً وهو في نظره قليل.
ولله المثل الأعلى فإنه يخلق المرعى الذي يحسب له ابن آدم ألف حساب لكن الله الخالق الكريم لا يُنقِصُ ذلك من ملكه ولا يضره ولذلك فإنه يحرقه ويجعله رماداً ((غثاءً أحوى)).
وانتبه إلى أن الله خلقه ثم أحرقه وأفسده وإلا فقد كان الله قادراً على أن لايوجده أصلاً وما هذا إلا لأن الله لا يضرُّه صلاح الزرع أو فساده ولا يتعبه خلقه أو حرقه أو إعادة خلقه.
وكذلك ابن آدم الذي هو من أكمل المخلوقات وأنفسها وأعدلها وأحسنها تقويماً ومع ذلك يدخله الله جهنم ولا يبالي بل يجعله يعذّب أبد الآبدين وهو نفسه الذي وُهِبَ أحسن خِلقَة في الدنيا فكونه استمتع بالخَلقة الحسنة ليس دليلا على وجوب أن تكون عاقبته أحسن وذلك كما قاله صاحب الجنتين ((ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلبا))، وحكمة الله للبشر أن نبَّههم إلى أنهم في جهنم إلا من سعى لخلاص نفسه وليس المن على الله ، أو إسعاد الله بأمر يستفيد منه حاشا وكلا؛ بل ينفع ابن آدم نفسه لأن الله جعل له طريقاً يخرج به من حهنَّم وهو الإيمان والعمل الصالح.
والله أعلم وهو المشكور على الفهم شكراً لا ينقطع جلَّ وعلا.