السلام عليكم و رحمة الله و بركاته …
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمــالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هدي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
الخِـــلافُ شَـرّأهل السنة يأخذون القواعد من الكتاب والسنة، فتكون قاعدتهم تبعاً للكتاب والسنة، وأهل البدع بخلاف ذلك؛ يقعدون القواعد، ثم ينظرون في الكتاب والسنة *فلذلك تجد لهم من تحريف النصوص وتأويلها، وتنزيلها على غير مراد الله ورسوله، ما يعجب منه المسلم الحق، لأن هذا هو شأن من يعتقد ثم يستدل؛ يقع منه الزلل والتحريف؛ لأن النصوص قد لا تستقيم وقواعده.
وإذا رجعنا إلى الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة؛ وجدناها تدل على أن الخلاف شر:
قال الله تعالى: ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ هود 119/118 وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: « خلق أهل رحمته؛ لئلا يختلفوا ». [أحكام القرآن لأبي بكر العربي 3 /1072] وقال أبو محمد بن حزم : فاستثنى الله تعالى من رحم من جملة المختلفين، وأخرج المرحومين من جملة المختلفين.[الأحكام 5/66].
وقال الشاطبي: «إن الآية اقتضت أن أهل الاختلاف المذكورين؛ مباينون لأهل الرحمة؛ لقوله: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) فإنها اقتضت قسمين: أهل الاختلاف، ومرحومين. فظاهر التقسيم؛ أن أهل الرحمة ليسوا من أهل الاختلاف، وإلا كان قسم الشيء قسيما له، ولم يستقم معنى الاستثناء»ا. هـ
وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول فيها: الذين رحمهم؛ الله لم يختلفوا. (الأحكام 5/66). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (المجموع 4/25) قال الله تعالى: ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ هود 119/118 ، فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون، وأهل الرحمة هم أتباع الأنبياء قولا وفعلا، وهم أهل القرآن والحديث من هذه الأمة، فمن خالفهم في شيء؛ فاته من الرحمة بقدر ذلك ».وقال أيضا: خلق قوما للاختلاف، وقوما للرحمة [المجموع 4/236] اهـ .
وقال ابن أبي العز الحنفي:«فجعل أهل الرحمة مستثنين من الخلاف »[شرح الطحاوية 2 /775]
وقال تعالى:﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران ]105
قال المزني: «فذم الله الاختلاف، وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمه، ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة » [جامع بيان العلم 2/910]..
وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: «كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان» فلم ينزلوا بعد منزلا، إلا انضم بعضهم إلى بعض. (رواه أبو داود 2628).
فانظر كيف نسب النبي -صلى الله عليه وسلم-تفرق الصحابة في المكان من حيث الظاهر، مع ائتلاف بواطنهم كما قال تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ الأنفال 36. إلى الشيطان، وحسبك بفعل أضيف إلى الشيطان؛ فإنه لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء والمنكر.
فكيف إذا كان الخلاف بما هو أعظم من هذا التفرق في المكان فقط؟! كالخلاف في العقائد، والمسائل العلمية والعملية . وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «الخلاف شر»[رواه أبو داود 1960] وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «اقضوا كما كنتم تقضون؛ فإني أكره الاختلاف، حتى يكون الناس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي » [رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة3707].
وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه هذا في بيع أم الولد؛ لأنه كان يرى هو وعمر أنهن لا يبعن، وأنه رجع عن ذلك، فرأى أن يبعن، كما في رواية حماد بن زيد، عن أيوب.[متن الطحاوية مع الشرح 775/2].
وقول علي رضي الله عنه: «أكره الاختلاف»في حكم بيع أم الولد مما تتجاذبه الأدلة تحريما أو تحليلا فكيف بالمسائل التي لم يقم عليها دليل من الكتاب والسنة، وإنما هي من مضلات الهوى، التي صارت الأحزاب تتخذها أصولا، تسير وتسير الأتباع عليها؟! .
قال أبو جعفر الطحاوي: «وترى الجماعة حقا وصوابا، والفرقة زيغا وعذابا » [متن الطحاوية مع الشرح (2/775)].
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلّم قال:«من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل ، والتحدث بنعمة الله عز وجل شكر وتركها كفر ، والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب».[ رواه أحمد وحسنه الألباني].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإن الجماعة رحمة، والفرقة عذاب»[المجموع 3/421].
****___________
هذا الباب منقول من كتاب [ دراسة نقدية لقاعدة المعذرة و التعاون نتعاون فيما اتفقنا عليه؛ ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه] تأليف الشيخ:حمَد بن ابراهيم العثمان .ص 40(راجع الطبعة الأولى العلامة الشيخ صالح الفوزان و قرضها العلامة الشيخ عبد المحسن العبّاد البدر).