قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء : 14/242 – 245 : فما ينبغي لك يا فقيه أن تبادر إلى تكفير المسلم إلا ببرهان قطعي ، كما لا يسوغ لك أن تعتقد العرفان والولاية فيمن قد تبرهن زَغَلُه ، وانهتك باطنه وزندقته ، فلا هذا ولا هذا ، بل العدل أنَّ من رآه المسلمون صالحاً محسناً فهو كذلك ، لأنهم شهداء الله في أرضه ، إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة ، وأنَّ من رآه المسلمون فاجراً أو منافقاً أو مبطلاً فهو كذلك ، وأنَّ من كان طائفة من الأمة تضلله ، وطائفة من الأمة تثني عليه وتبجله ، وطائفة ثالثة تقف فيه وتتورع من الحط عليه ، فهو ممن ينبغي أن يُعرَض عنه ، وأن يفوض أمره إلى الله ، وأن يُستَغفر له في الجملة لأنَّ إسلامه أصليٌّ بيقين ، وضلاله مشكوك فيه ، فبهذا تستريح ويصفو قلبك من الغل للمؤمنين .
ثم اعلم أن أهل القبلة كلهم ، مؤمنهم وفاسقهم ، وسنيهم ومبتدعهم _ سوى الصحابة _ لم يجمعوا على مسلم بأنه سعيدٌ ناجٍ ، ولم يجمعوا على مسلم بأنه شقيٌّ هالك ، فهذا الصديق فرد الأمة قد علمت تفرقهم فيه ، وكذلك عمر ، وكذلك عثمان ، وكذلك علي ، وكذلك ابن الزبير ، وكذلك الحجاج وكذلك ، المأمون وكذلك ، بشر المريسي ، وكذلك أحمد بن حنبل ، والشافعي ، والبخاري ، والنسائي ، وهلم جراً من الأعيان في الخير والشر إلى يومك هذا ، فما من إمام كامل في الخير إلا وثم أناس من جهلة المسلمين ومبتدعيهم يذمونه ويحطون عليه ، وما من رأس في البدعة والتَّجهُّم والرَّفض إلا وله أناس ينتصرون له ، ويذبون عنه ، ويدينون بقوله بهوى وجهل ، وإنما العبرة بقول جمهور الأمة الخالين من الهوى والجهل ، المتصفين بالورع والعلم .