جيجل : مدينة جزائرية ساحلية
الجبل : بصفة عامة مغاقل الإرهاب
الكازمات : مخابيء الجماعات المسلحة في الجبال
المحشوشات : بنادق الصيد يستعملها هؤلاء بعد إجراء تعديلات عليها
صالح أوقروت : فكاهي جزائري
الفلل: جمع فيلا : مصطلح دخيل
عبد الحميد بن باديس : من رجال الإصلاح في الجزائر ومؤسس جمعية العلماء الجزائريين المسلمين
جثته مرمية على قارعة الألم ..
ككل صباح يتجشأ ليل جيجل آدميين انتحروا أو نحروا أو عن غبن المجهول تحرروا ...
وقيّد –إذا ً- ضد المجهول أو الجبل أو الجبن ميتتهم ..
هنا الحب وأشياء أخر...
والكازمات وخطى الدينصورات
والمحشوشات ..والقنابل ,,وهو وهي ..وقصة :
تمدد يا باديس في الساحة فجرا واركع للحشود انتهى المشهد ,,
وهذاهو فطورنا الحنظل كل صباح ..
نغافله نتحاشاه لكنه يسبق بخداع تأوهات أمعاءنا يتخمها ...
بيد اننا بعنادنا المألوف نعاود الفطور عملا بنصيحة أحدهم: وإذا متّ نموت شبعان..
والموت شبعا ووقوفا تراث نتناقله نحن الجزائريين.. ننافس فيه الأشاوس والهمم المنتصبة ..
إلا أننا لا ندفن واقفين ...ففي بطن الحافرة متسع للجميع ..وتبدأ العدالة تحت الثرى بالدود الذي لا يحابي الساسة ولا السوقة ..
***
ولد باديس وفي فمه سكين صدئ ..إن نجا من نصله فلن ينجو من صدئه ..
ليس وحده باديس في عروبتي المتعبة من يذبح لسانه رويدا رويدا ..
وليس وحده من لا يطعم ضد التيتانوس ..تأهبا لتطبيق الحد ذات قصاص
انتمائي ..
سيفقد صولجانه.... وعندنا كل قصاص بقدر..
سيعيش ليندد باحتشام خلف أسوار الصراخ وبنجوى عن آذان الكائنات التي لا تنقرض ..
***
تعلم رفع عينيه للسماء فأدرك أن فيها خبرا وراح يفتش في الوحل عن العبر ..
الخبر 1- هناك في السماء متسع للجميع فالكل يتلألأ ..والمكان رحب
العبرة 1- لمَ لا نعيش جميعا متلألئين فالكرة تكفينا ..وتأوينا؟؟؟
وحين رفع بصره في سماء بيتهم القصديري ليلتها عاد إليه البصر خاسئا حسيرا ,,,وأدرك كم هو مظلم خافت النور الذي تحويه جوانحنا لأنه لا ينير إلا عتمتنا تغزلا في الخيال... ومتى التحمت بطون أرجلنا بالطين استيقظنا من خداع الجوانح ...وبين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون قسمة ضيزى وأيتام حول موائد اللئام ...
تجولت عيونه في الغربة أو الغرفة الضيقة الموشاة رطوبة والمنحنية خجلا من الفلل المتناطحة ..
ضحك باديس وهو يردد :
دان مسف فويق الأرض هيدبه يكاد يدفعه من قام بالراح
وتمثل البيت رافعا يديه ملتقطا قطرات المطر المتسللة في عتمة الفقر
إلى بيتهم ...
هذه هي مقبرتنا ...قال باديس ..
نحن بحق من نقبر مرتين ونكفن اثنتين ...
وليتهم غسلونا من أدران بؤسنا مرة قبل الفراق لا غير ...
أتذكرلأتنكر..صفق لي الجميع يوم تخرّجت ..كم كنت أبلها لأني ظننت أني
أثني عطفي للفقر بشهادة وتفوق ...
لكن طرفة نبهني أني سادر احسب غيي رشدا ...
متى تعلمت أدركت ومتى أدركت تساميت ومتى تساميت تطلعت
ورأيت موائد الأكابر واللئام وويحك إن رأوك مطلا متطفلا وفيك بقايا لسان ..
ستحاكم بجناية العرفان
فعلى العلماء صارت تحكم الأكابر ...
وعلى الأساد تحكم الكلاب ...
***
غفا باديس..وتحسر تزوجت عفيفة وزفت ذات إيثار إلى غيره ..
وهو من رد إليها خاتمها المنزوع من عقله المثبت في وجدانه وسرحها سراحا أليما ...هو يملك الحب وتعوزه أشياء أخرى ...والحب وحده لا يصنع أعشاشا ..
كان صوت رضيعها الأول يصل كل آذانه فالبيت المجاور على مرمى ألم من بيتهم ..
وحدثته نفسه : كان يمكن ان يكون ...أستغفر الله ,,
ولملم صرة ذكرياته ليلقيها في الأرصفة المجاورة فعلى علمه هي لا تحسن الوشاية ...
..ما عادت الغرفة تتسع للرطوبة والدموع والأمطار ..والزفرات ..
لحظات تسارعت بين رمي الصرة وآذان الفجر وعتمة الشارع المبلول ..ونحيب تيوتا الدرك ليجد نفسه وجها لوجه مع أصحاب البدل الخضراء ..
- لماذا أنا هنا ...
- لتؤمنا في صلاة الفجر ..
- أصحاب الدار أولى بالإمامة ..
- بلع فمك بركاك ما تتفيهم ( أغلق فمك وكفاك تحذلقا)
- مهنتك يا باديس ؟؟
- مهندس دولة في البترول والمحروقات برتبة زوالي (بطال)
- وما على وجهك ؟؟
- حبات عرق ..أجس بها خوفي
أحس بلكمة قوية تسدد إلى ظهره فانحنى وبالغ في الإنحناء
حتى يظن أنه يهم بزرع القنبلة ..ثم عالج قامته واقفا ..
- لحيتك ...
ابتسم قائلا :
- لست أملك حق حلقها ..فما تمنحني إياه الدولة مكرمة من منح لا يسد حتى الرمق ..
- وصلاتك في المسجد وحضورك ...تلك التجمعات المشبوهة ؟؟؟
الدركي كان يسأل بالعربي وباديس يجيب ويتذكر للجهاز العسكري الوطني خصلته المحمودة فهو فقط من يقول نعم للتعريب في الجزائر.. والوزارة الوحيدة التي تنطق كالأرض بالعربي هي وزارة الدفاع الوطني ..وما خفي
كان أفظع ..ولعل الأصولية في الجزائر تعانق الجيش فقط عند عتبات عميمور إمام المعربين في الجزائر .
- ما تهمتي أرجوك ؟؟
- إنضمامك إلى مجموعة تدعو للشغب وتحرض الشباب على الجهاد ..
- أنا ...أنا جرو الدولة المدلل ..كيف أدعو إلى الشغب ..
يا وبالك راكم غالطين ؟؟(ربما أنتم مخطئون )
- انطلق وما نزيدوش نشوفوك ....
إنه يقول لك إنها المرة الأخيرة يا باديس ..تحسس لسانك وساعد السكين الصدئ على بتره أوفكر في زرع آخر لتعيش تحت ظلال الدينصورات ...جرب أن لا تكون أنت ,,علك تعثر على باديس المغسل ولو مرة قبل الفراق ...
- رآني الاكابر...يا ويلي..وستبدأ محاكمتي ..بتهمة جدي باديس
شعب الجزائر مسلم *** وإلى العروبة ينتسب
الخبر 2- تعبد الله وتطيل لحيتك وتحضر مجالس الذكر ..
العبرة 2- أنت مشروع إرهابي ...
باديس على موعد مع أكابر الوطن ..ما لم يبتر لسانه ويعقل افكاره
ويمتنع عن تناول شيشة السياسة في مقهى خالي شعبان ..
بيوت القصدير ..بساطة وانتماء والتحام بالأرض ,,أين المشكل ؟؟
بطالتك وأنت الأول على دفعتك ..إبتلاء ..والله مع الصابرين ..
لحيتك ..باديس أنت تسيء بها لوجه المدينة السياحي ..
دعك من تقليد الأمير عبد القادر ..فأزمة شفرات الحلاقة أنذاك حديث ذو شجون ....أغفلته محبرة التاريخ ..
ما دخلك باديس في 26 مليار وفي ,,الخير كثير جات في مبلغ كهذا يستجم به أبناء ولاة أمرنا ..لاتنظر إلى من هو فوقك في أمور دنياك .. تذكر خطب الإمام ..
- إذا نظرت يا سيدى إلى من هم فوقي في أمور ديني و تأسيت بهم سيقولون إرهابي ..وإذا نظرت إلى من هم دوني في أمور دنياي فساكون أيضا إرهابي ...أرهب العوز بشظايا أحداقي واحاربه
ومتى ناصبته العداء كنت عدو الدولة ..
- إذن حاول أن تعيش بلا بصر...يا باديس
2-
الحراقة : الذين يسافرون إلى أوروبابحثا عن حياة أفضل بدون وثائق متخذين البحر وسيلة ..
وهي حاليا مشكلة كبيرة في دول المغرب العربي
الفلاقة : اسم كانت تطلقه فرنسا على المجاهدين
رقان : مدينة صحراوية معروفة وضعت فيها معتقلات لمن تسميهم الدولة الأصوليين ..زمن رئاسة بوضياف رحمه الله
جثته مرمية على قارعة الأسى ...
باديس ..صام عن شيشة شعبان ..وشذب لسانه ذات خوف متعقل ..
فأزيز التيوتات الخضراء ومنظر الكلاشينكوف وحرارة رقان ..حشرجات في صدره ..
يكفي أنه فقد الأمل ..وفقد الحب ..وفقد الأمان .. لا يريد أن يفقد الإحساس بالوطن أما وأرضا ونبضا ..
.ويكره ان ترى خدوجة يوما متأبطة صورته المشبوهة تلوح بها في شريط الأخبار ..
باكية تقول :وهذا مفقود يا وطن ....
الفجر موعده الأبدي مع الله ....ومع اللعبة التي لا يفهمها لكنه وجد نفسه لاعب وسط فيها ..
ويا باديس يا بن أمه إن القوم قد استضعفوك ..ومهما خفضت جناح الذل
وصعرت خدك ظلوا يشتهون الشرب ، نخب انتحار عقلك ...
الفجر بؤم بقايا أحلامه ...ومتى كف عن الحلم تواطأ مع الظلام ..
وهولا يقايض بالنور ..مهما كان خافتا ...
بقدر خفوت نور الفجر وهدوء أرصفته كان خفوت صوت أحذيتهم خلف تلك البناية المهدمة ..
شعر أن ذراعه تسرق منه ثم يسرق منه باقي جسده ..
وهو الذي لا يريد أن يؤم أحدا في الصلاة فجرا..ولا يريد أن ينحني مجددا ..
إنه في حضرة آخرين بدلهم خضراء زرقاء فاقع بالحمرة لونها ..لا تسر الناظرين ..
- من أنتم ؟؟
- إخوتك في الله ..
- ومن حق الأخوة أن لا تروعوا قلبي ..
عرفهم وتقاطر العرق من عنقه هذه المرة، ليجس من جديد خوفه ..
- نريدك معنا ...تؤدي فرض الله وتطبق حكمه ..وشرعته ضد الطغمة الحاكمة ..
ما ضره لو كان اقترض مبلغ شفرة حلاقة ..ووضع ملمعا على شعره
وصلى فجره في بيته ...
ألم يقل لك صديقك محمود يوما :
إذا كانت الفتنة فالزم دارك ..
وزادتك خدوجة : واحلق لحيتك ..
الذبح عندهم هواية ,,,وعنقك لا يسنفذ إلا دقائق ,,وسينتهي المشهد ..
ويوضع على تابوتك علم بطولك ..ويكفيك فخرا أن يضم اسمك لشهداء المأساة الوطنية وستنسى ..وتلقى ذكراك في رفوف خرساء ,,,
عرج على ذكاءه ليبحث عن مساحة خبث تنجيه ..
- ولكنكم بحاجة إلى دعم هنا ,,وانا اعول أمي السقيمة كيف أتركها ؟؟
قاطعه واحد منهم ..
- هذا ما نريده دعما، وعيونا نغرسها وسط الناس ..
تفرقوا وافرنقعوا وقنابل كلامهم تتفجر تترى في سكوته ...
باديس كالأبله يفتش عن عقله بين الشظايا ويمسح آثار الدم عن دمعه ..وآثار المشهد عن عنقه ..
***
الوطن ينزع خاتم حضورك من خارطته ويسرحك سراحا آمنا ..
يشبهك الوطن ...وتشبه في ذهولك عفيفة ..فالحب بينك وبينه ..لكن أشياء أخر تحتاجها ليكون لك عش فيه..
يودعك الوطن بانقلاباته وفتنه سرا ..يربت على كتفي مأساتك ...
ارحل يابني..لا تجعل النسور تولم ..ولا تجعل الدينصورات تدق عظمك ..
لك في قلبي عيد ...أحسبه بأمر فيه تجديد ..ارحل ..
ومتى رن الفجر من جديد ..استدعيت إخلاصك ..
***
الشاطئ هاديء والوقت أيضا فجر ...
وجوه فيها بقايا حلم ...وصور غبن .... وقسوة جيرة ..
عادته النظر للسماء لكنه اليوم يراها في الموج ...فما حاجته لرفع رأسه
وهل غير الخبر والعبر من رماه في هذا ( القارب ) بحثا عن مشتلة لآماله,وزاوية لجسده المغضوب عليه ونسمة لعقل يُعقل في أوطان ..
تساس بالأشطان ..
بعدد عتبات تعبه وغبنه تساقطت دموعه :
دمعة لك أمي ...مسافر وبي جوع لرضاك وصفحك ..
دمعة لك عفيفة : مسافر وبي جوع..لعفة امرأة مثلك تمنحني الحب القدسي و...ترفع معي عيونها لنعرف الخبر معا ..ونستنبط العبر معا ..
دمعة لك وطني :مسافر وبي جوع للحرية البيضاء ...وبي جوع لفجر وديع وصبح فصيح ..لا يرطن ولا يلثغ .
لكن البحر كان أكثر المتواطئين ...
يسمع أهاجيز الحراقة ,,,فيصفق لها ومتى صفق أورقص ..تناثرت الإحلام فيه وتحولت إلى جيف ..
كنتَ معهم يا صديقي يوم قالوا :
ياكلنا الحوت ولا ياكلنا الدود ..
ياكلنا البحر ولا يذبحنا الغدر
نموتوا حراقة ولا نموتوا كي الفلاقة
فاستجاب السلطان ...
بزهو رقص المتوسط لأهازيجكم وردكم برقص مخلص إلى أحضان وطنكم ..
ودمعة بأخرى ..
وتمدد يا باديس في الشاطئ فجرا ..اركع لحشود المتفرجين المذهولين
انتهى المشهد ..,,ولن تتكلم الأرصفة..
الخبر 3 : باديس انتحر جائعا
العبرة 3 :سكوت ..مشهد آخر يصور