تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة

  1. #1

    Lightbulb خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة

    خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة
    خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة
    أبو يونس العباسي
    الحمد لله الذي جعل الانتماء لدينه شرفا , ومعاداة مناوئيه للتوحيد شرطا , وتحمل الأذى في سبيله علامة على صدق الإيمان والتقوى , والكفر بالعلمانية واجبا وفرضا , ونشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , أفلح من باع النفس والمال له بيعا , والصلاة السلام على سيدنا محمد طيب النسب أصلا وفصلا , الذي ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله هتكا , أما بعد ...
    سبب المقال
    دعونا بادئ ذي بدء نتساءل هذه الأسئلة الهامة ... أليس مصدر عزتنا وسؤددنا موجود بين أظهرنا؟!!! قال الله تعالى:" لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) "(الأنبياء) .
    أليس ما يعصمنا من الضلال والضياع حاضر بيننا , أخرج مالك في موطئه من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي", ألسنا مرضى والمعاصي مرضنا ونعرف الدواء وهو في منهج ربنا , فلماذا نقصر في التداوي , قال الله تعالى:" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)"(الأعراف)
    إن هذه الأسئلة تلح علي وبشدة وهي تدفعني أن أقول لنفسي وإياكم:خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    كيف نأخذ الكتاب بقوة
    وقيل في تفسير قوله تعالى:
    { وإذ أخذنا ميثاقكم ، ورفعنا فوقكم الطور : خذوا ما آتيناكم بقوة ، واذكروا ما فيه لعلكم تتقون . ثم توليتم من بعد ذلك ، فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين }
    فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع
    وتفصيل هذا الميثاق وارد في سور أخرى ، وبعضه ورد في هذه السورة فيما بعد . والمهم هنا هو استحضار المشهد ، والتناسق النفسي والتعبيري بين قوة رفع الصخرة فوق رؤوسهم وقوة أخذ العهد ، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة . وأن يعزموا فيه عزيمة , فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع ، ولا يقبل أنصاف الحلول ولا الهزل ولا الرخاوة , إنه عهد الله مع المؤمنين . . وهو جد وحق ، فلا سبيل فيه لغير الجد والحق . . وله تكاليف شاقة ، نعم! ولكن هذه هي طبيعته ... إنه أمر عظيم ... أعظم من كل ما في هذا الوجود ... فلا بد أن تقبل عليه النفس إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفه ، المتجمع الهم والعزيمة المصمم على هذه التكاليف ...
    إذا أقبلت على طريق الله فقل وداعا للراحة والدعة
    ولا بد أن يدرك صاحب هذا الأمر أنه إنما يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نودي للتكليف : « مضى عهد النوم يا خديجة » . وكما قال له ربه : { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } وكما قال لبني إسرائيل :{ خذوا ما آتيناكم بقوة } . { واذكروا ما فيه لعلكم تتقون } . .
    طريق الله جد وحماسة ومعها بصيرة وكياسة
    ولا بد مع أخذ العهد بقوة وجد واستجماع نفس وتصميم . . لا بد مع هذا من تذكر ما فيه ، واستشعار حقيقته ، والتكيف بهذه الحقيقة ، كي لا يكون الأمر كله مجرد حماسة وحمية وقوة , فعهد الله منهج حياة ، منهج يستقر في القلب تصوراً وشعوراً ، ويستقر في الحياة وضعاً ونظاماً ، ويستقر في السلوك أدباً وخلقاً ، وينتهي إلى التقوى والحساسية برقابة الله وخشية المصير ,ولكن هيهات! لقد أدركت إسرائيل نحيزتها ، وغلبت عليها جبلتها :{ ثم توليتم من بعد ذلك }أ.هـ , فهل ستتولى عن الله ومنهجه كما تولى بنو إسرائيل ؟ إن فعلت فأنت وحدك الخاسر...
    وفي تفسير قول الله تعالى لموسى – عليه السلام -:
    { فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } . .
    والأمر الإلهي الجليل لموسى - عليه السلام - أن يأخذ الألواح بقوة وعزم ، وأن يأمر قومه أن يأخذوا بما فيها من التكاليف الشاقة بوصفه الأحسن لهم والأصلح لحالهم . . هذا الأمر على هذا النحو فضلاً على أنه يشي بضرورة هذا الأسلوب في أخذ هذه الطبيعة الإسرائيلية ، التي أفسدها الذل وطول الأمد ، بالعزم والجد ، لتحمل تكاليف الرسالة والخلافة ، فإنه - كذلك - يوحي بالمنهج الواجب في أخذ كل أمة لكل عقيدة تأتيها . .
    إن العقيدة أمر هائل عند الله - سبحانه - وأمر هائل في حساب هذا الكون ، وقدر الله الذي يصرفه ، وأمر هائل في تاريخ « الإنسان » وحياته في هذه الأرض وفي الدار الآخرة كذلك . . والمنهج الذي تشرعه العقيدة في وحدانية الله - سبحانه - وعبودية البشر لربوبيته وحده ، منهج يغير أسلوب الحياة البشرية بجملتها ، ويقيم هذه الحياة على أسلوب آخر غير الذي تجري عليه في الجاهلية ، حيث تقوم ربوبية غير ربوبية الله سبحانه ، ذات منهج للحياة كلها غير منهج الله الذي ينبثق من تلك العقيدة . .
    طريق الله أمر ليس بالهين فلا بد أن يؤخذ بقوة وبعلوٍ للهمة
    وأمر له هذه الخطورة عند الله ، وفي حساب الكون ، وفي طبيعة الحياة وفي تاريخ « الإنسان » . . يجب أن يؤخذ بقوة ، وأن تكون له جديته في النفس ، وصراحته وحسمه . ولا ينبغي أن يؤخذ في رخاوة ، ولا في تميع ، ولا في ترخص ، ذلك أنه أمر هائل في ذاته ، فضلاً على أن تكاليفه باهظة لا يصبر عليها من طبيعته الرخاوة والتميع والترخص ، أو من يأخذ الأمر بمثل هذه المشاعر . .
    وليس معنى هذا - بطبيعة الحال - هو التشدد والتعنت والتعقيد والتقبض! فهذا ليس من طبيعة دين الله . . ولكن معناه الجد والهمة والحسم والصراحة . . وهي صفات أخرى ومشاعر أخرى غير مشاعر التشدد والتعنت والتعقيد والتقبض!
    هل نستحق خطابا قاسيا كهذا الذي خوطب به بنو إسرائيل؟
    ولقد كانت طبيعة بني إسرائيل - بصفة خاصة - بعدما أفسدها طول الذل والعبودية في مصر , تحتاج إلى هذا التوجيه . لذلك نلحظ أن كل الأوامر لبني إسرائيل كانت مصحوبة بمثل هذا التشديد وهذا التوكيد ، تربية لهذه الطبيعة الرخوة الملتوية المنحرفة الخاوية ، على الاستقامة والجد والوضوح والصراحة , ومثل طبيعة بني إسرائيل كل طبيعة تعرضت لمثل ما تعرضوا له من طول العبودية والذل ، والخضوع للإرهاب والتعبد للطواغيت ، فبدت عليها أعراض الالتواء والاحتيال ، والأخذ بالأسهل تجنباً للمشقة . . كما هو الملحوظ في واقع كثير من الجماعات البشرية التي نطالعها في زماننا هذا ، والتي تهرب من العقيدة لتهرب من تكاليفها ، وتسير مع القطيع؛ لأن السير مع القطيع لا يكلفها شيئاً!
    لن تنال ما تريد وأنت غافل وإلى الدنيا مطمئن ومائل
    إنبعضنا يريد أن يلتزم بالدين وفي نفس الوقت يريد شقة واسعة ومحمولا وسيارةمكيفة ، وعروسا عينها زرقاء وشعرها أصفر وطويلة وعريضة ومطيعة وطالبة علم، وعشرة أولاد صبيان ، وبنتا تدلله ، وخدامه وما علم أو نسي أن الدنيا دار بلاء وعناء قال الله تعالى:"لقد خلقنا الانسان في كبد" البلد , وهي كذلك دار اختبار , قال الله تعالى:"الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" الملك
    المسلم في هذه الدنيا في شغل ...فمتى الفراغ؟
    المؤمن في هذه الدنيا في شغل , فإذا تساءل أحدكم ومتى الفراغ؟
    فنقول:الفراغ في الجنة ... فحينما تدخل الجنة افعل ما شئت ..
    الدنيادار عمل ، فلا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل ، فلست في فسحة من أمرك ولذلكقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"اخرجه مسلم (2956)... الدنيا سجن له ظروفه .. السجن له ملابسه وأكله وشربه ,وله أحكامه ومواعيده ، وله ضوابطه ... الدنيا سجن فلا تحاول في السجن أنتعيش في الجنة .
    السجنله مواعيده ... مواعيد الفسح ... هناك مواعيد للصلاة , لا يصح النوم فيها , ولاالشغل أثنائها .. هذا هو سجن الدنيا .. ولا بد عليك أن تقطعها هكذا ... لكن الذييريد أن يعيشها على أنها الجنة , فيأكل على مزاجه ويشرب على مزاجه ويمشي علىمزاجه وينام على مزاجه ويفعل ما يريد وما يشتهي سيضل الطريق لا محالة .
    عش في الدنيا كما يريد الله لا كما تريد أنت
    لابدأن تعيش الدنيا كما يريد الله لا كما تريدها أنت .. فأنت الآن في سجنالتكاليف الشرعية ... وإن كنت مكتفا بهذه التكاليف النبيلة ، فهناك أناسغيرك مكتفون أيضا بالعادات والتقاليد لكن ليس لهم أجر ولك أنت الأجر الجزيل من الرب الجليل ... فلو كنتتمرض فالكفار يمرضون ولو كنت تتعب فالمنافقون يتعبون ... إذا كنت تؤذى فيسبيل الله فهناك من يؤذى من أجل مناهج باطلة بل وكفرية , قال الله تعالى:" إن تكونواتألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون )) النساء .
    بمواصلة العمل يتواصل لك من الله الأجر بلا خلل
    أنتترجو بالذي تعمله أجرا هم لا يرجونه , وهذا هو عزاؤك .. أن الله تعالىسيعطيك .. فضع نفسك في سجن التكاليف الشرعية ليكون الخروج على باب الجنة بإذن الله تعالى.
    من يوم أن نودي صلى الله عليه وسلمب " يأ يها المدثر * قم فأنذر " ولم يرقد أو يركد بعدها لحظةبلكان لسان حاله - صلى الله عليه وسلم -:"ذهب زمان النوميا خديجة".
    ولذلكلم يقل الله للمؤمنين بعد غزوة أحد : كفاكم ما حدث واقعدوا في بيوتكم ..لا.. بل قال سبحانه وتعالى : - "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)"(النساء) قال لهم:اثبتوا على مطاردتهم وظلواخلفهم وإياكم أن تتركوهم .. نعم : شغل مستمر وعمل متواصل وجهد غير منقطع .
    خذ الكتاب بقوة وإن أوذيت فالرسول أوذي وما تنازل
    ومعذلك تجد بعض الناس يريد أن يتناول كل الشهوات , وان يعيش دوما في عافية .. يا أخي إن النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - أوذي وطرد وشتم بل وتفل في وجههالشريف , لقد اضطهد أعز وأطهر مخلوق على ظهر الأرض ..- صلى الله عليه وسلم-شتموه ووضعوا التراب على رأسه .. خنقوه بثوبه ورموا الحجر عليه ... وحفرله حفرة في غزوة أحد ليقع فيها .. فوقع وجحشت ساقاه .. ودخلت حلقات المغفرفي وجنتيه .. شقوا رأسه وأدموا وجهه وضربوا كتفه .. ورموه بالسهام .. وفيالطائف رموه بالحجارة حتى جرح كل جسده - فداه أبي وأمي ونفسي - صلى اللهعليه وسلم – ووقع أيضا من على الفرس فجحش جنبه الشريف .. مرض بالحمى حتى لم يطقحماه أحد .. عاش غريبا .. مطاردا من كفار يريدون قتله .. فداه أبي وأميونفسي رسول الله.
    الراحة في الجنة بإذن الله تعالى
    إن المتفقه في سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم – لا يجد لحظة استراح فيهافأيامه كلها جهاد وتعب ومشقة .. وإن العين لتذرف رأفة ورحمة به .. مشىكثيرا وجرى كثيرا .. جاع شهورا .. وكان يأكل الدقل ( أردأ التمر ) وربمالا يجده .. سهر السنين الطويلة ... ونام على الحصير في كد ونصب ليقيم الحقويبلغ دعوة ربه .بأبيهو وأمي ونفسي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أرسل بالمدثر فقام صابرامحتسبا فلم يهدأ حتى جاءه نصر الله ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .
    هكذا عاشها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    هكذا عاشها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتريد أنت أن تعيشها نظيفةحلوة ! تريد أن تعيشها ممتعا معافي ! ... تريد أن تعيشها في راحة وأمان ! لا يا أخي .. هذة دنيا .. الأصل فيها المشاكل والأحزان وإلا لما كان هناكاشتياق للآخرة .. فيا أخي ... هيا للعمل والتعب والجد والاجتهاد , ولا تلبسثياب الفراغ أثناء العمل .
    لا تشغل نفسك بالدنيا وإن جاءتك ففي سبيل الله أنفقها
    الدنياشغل .. شغل للآخرة فالزم الشغل حتى تمر هذه الدار بسلام .
    الزم الشغل ... ولا تحزن على شيء فاتك منالدنيا ولا تفكر فيها , فان جاءتك أو ارتمت بين يديك ، فسخرها في خدمة ما أنت فيهمن عمل الآخرة , وإلا فاطرحها جانبا وامض في طريقك إلى الله .
    إن الذي يسير على هذا النهج هو رجل الآخرة , الذي يريد الوصول فلا يخلع ثيابالعمل حتى يلقى الله , أما الذي يريد أن يلبس ثياب الفراغ أثناء العمل,فينشغل قلبه بالزوجة والمال والأولاد , فهو رجل الدنيا ... يعيش لها ولذا لن يصلإلى الله مطلقا حتى يخلع ثياب الفراغ ويلبس دائما ثياب العمل للآخرة. قال الله تعالى:"قلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)"(التوبة)
    فوظف أخي في الله كل أركان حياتك في العمل للآخرة , وواصل الشغل ليل نهار , فأنت في مقام مستعبد , ولا يصح للأجير أن يلبس ثياب الراحة في زمانالاستئجار , وكل زمان المتقي صوم نهار, فواصل السير ولا تنقطع.
    من أين يستمد المسلم قوته؟
    فالإسلام قد أمر بإعداد القوة وتحصيل العدة , قال الله تعالى:" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ {الأنفال: 60}, وأما عن المصادر التي يستمد المسلم منها القوة فنعرض بعضا منها في النقاط التالية:
    1. الإيمان والعمل الصالح.قال سبحانه: "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ {النور:55} .
    2. موالاة الله ورسوله والمؤمنين.قال تعالى:" وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ" {المائدة:56} .
    3. الصبر على كيد الأعداء وأذاهم ومقابلة ذلك بعزيمة صلبة وإيمان قوي، قال تعالى: وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {آل عمران:120}.
    4. الاتحاد وعدم التفرق، قال تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ {الأنفال:46}.
    5. اعتبار الغاية من النصر إقامة دين الله في الأرض، ونشر الخير فيها، وصرف الشر عنها، قال سبحانه:" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" {الحج:41}.
    6.الاستغفار وذكر الله , قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)"(الأنفال) , وقال أيضا:" وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)" .
    7.تأدية الفرائض والمحافظة على النوافل:أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ."
    فالمنهجية في استعمال القوة تشمل -إذاً- الإعداد العلمي الشرعي، والتربية الإيمانية، كما تشمل العلم بالطب والاقتصاد والمجال الصناعي
    والعسكري، وغير ذلك مما يحقق قوة واستقلالية للمسلمين عن أعدائهم , وجماع الخير كله هو في العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه بفهم سلف هذه الأمة.
    حمل الأمانة والمسئولية تجاه قضايا الإسلام
    التساهل في حمل الأمانة
    فإنه من بين مخلوقات الله التي لا تحصى في كونه الفسيح يقف الإنسان- ذلك المخلوق العظيم- متفردًا متميزًا، بكل ما حباه الله تعالى من قدرات وملكات، ليكون متأهلا لحمل الأمانة الكبرى التي ارتضى حملها بعدما أشفقت السماوات والأرض من حملها ومن تبعاتها، أمانة المسئولية عن فعله ودوره، والخلافة عن الله تعالى في أرضه (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) (الأحزاب: 72).
    هل كل من حمل الأمانة ظلوم جهول؟
    وليس الوصف بالظلم والجهالة مرتبطًا بمجرد الرضا بحمل الأمانة ، بل بالغفلة عن مقتضاها، والتفريط الغالب من الإنسان في تبعاتها ، وهذا التفريط يفضي إلى الإفساد والشر، في ذات الوقت الذي يؤهله نجاحه في حمل الأمانة إلى ترقية الذات وإسعاد العالم، ومن رحمة الله به أنه ما طالبه بتحقيق الخلافة والوصول إلى الغاية إلا وآتاه وسيلة النجاح في ذلك، وأرشده إلى طريقة الفلاح فيه، وهو الاستمساك بمنهج الله وشريعته، والأخذ القوى به (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 38-39)، ومن رحمة الله تعالى له أن أرسل إليه رسله تترى، يحملون دين الحق وشرائع الهدى، ليقوِّموا مسيرة الإنسان، ويضعوا أقدامه على الطريق الصحيح.
    التمازج بين المسؤلية الفردية والمسؤلية الجماعية
    ثم جاءت رسالة الإسلام الخالدة خاتمة رسالات السماء لتكون جماع الخير كله، وكلمة الله الأخيرة إلى العالم، ليتحاكم الناس إليها في الدنيا، ويحاسبوا بمقتضاها في الآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طـه: 124-126)، (وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا* خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً) (طـه: 99-101).
    ومع أن المسئولية عن إقامة الدين الحق ونصرته وتحقيق مراده وغاياته هي مسئولية جماعية تسأل عنها الأمة كلها (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: من الآية13) (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) (الجاثـية: من الآية28) إلا أن المسئولية العظمى أمام الله تعالى يوم القيامة تبقى في الأساس مسئولية كل فرد على حدة، وهل المسئولية الجماعية في حقيقتها إلا محصلة تلك المسئوليات الفردية؟ وهل نجاح الجماعة إلا نتيجة نجاحات الأفراد المكونين لها؟ (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا* مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 13-15) (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (مريم: 93-95).وهكذا تتمازج في الإسلام المسئوليتان الجماعية والفردية، ولا تلغي إحداهما الأخرى أو تقلص منها، فدور الجماعة لا يلغي دور الفرد، ولا نجاح للفرد إلا في مناخ جماعي ييسر أداءه، ويبارك جهده، وينمي ثمرته..
    مسئولية الأمة وأبنائها
    لقد أراد الله تعالى للأمة التي تحمل رسالته العظمى ودينه الخاتم، وتقوم بالدعوة إليه، والحركة من أجله، والجهاد في سبيله، أن تكون أمة شاهدة على العالمين، رائدة للبشرية، تسير في طليعة الدنيا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة: 143)، وهذا هو الوضع اللائق بأمة نصبت نفسها لتحمل دين الله الحق، وتقوم بتبعاته الثقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:77-78)
    أفضلية أمة الإسلام مرهونة بأداء مهمتها ووظيفتها
    ولا ينبغى أن يظن ظان أن في الأمر محاباة لهذه الأمة، أو استعلاء لها بغير الحق، تعالى الله عن ذلك، فليست أمة الإسلام أمة عنصرية تمجد عنصرًا بعينه من عناصر البشر، أو جنسًا خاصًا من أجناسه، بل هي أمة عقيدة تضم كل من أوى إليها، وآمن برسالتها، بغض النظر عن جنسه ولونه، كما أن أفضليتها مرهونة بأدائها لمهمتها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (آل عمران: 110) فإن تقاعست عنها خسرت تلك المكانة العلية، وحوسبت عن تقصيرها أشد حساب، ثم استبدل بها غيرها ممن يستطيعون حمل الرسالة بحق (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38)، (إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة:39) نعوذ بالله من ذلك المصير.
    دين الأمة كلها لا دين النخبة وحدها
    إن مقتضى ذلك التوازن بين المسئولية الجماعية والفردية، وذلك التفضيل للأمة المرهون بأداء رسالتها، وذلك الاستبدال القائم خطره حين التقاعس والقعود، أن نفهم أن مهمة حمل الرسالة والجهاد في سبيلها هي مهمة الأمة كلها , التي ينبغي على مجموعها وأفرادها النهوض بها، وليست مهمة أفراد منها أو نخبة أو صفوة من أبنائها، وليست أيضًا مهمة جماعة من جماعاتها أو حزب أو فريق بعينه دون غيره، ونحن بذلك لا نلغي دور النخبة والصفوة من الأمة، أو نقلل منه، فلابد لكل أمة من جماعة تقود، وترتاد الطريق، وتعطي المثل والقدوة، ومثل ذلك في حال أمتنا أكثر فرضًا وأشد إلزامًا، كما لا نلغي دور بعض الأفراد من الأبطال والزعماء الحقيقيين الذين ينبهون الأمة إلى مواطن الخطر، أو مواضع الإنجاز، هؤلاء الملهمون الذين يصرخون حين تلتبس على الأمة السبل: "ها هنا الطريق".. لسنا نقلل من هذا الدور ولا ذاك , إنما ننبه إلى أن نجاح ذلك الدور مرهون بتفهم الأمة له، ومؤازرتها ونصرتها ودعمها لمن يقومون به، وفهمها أن دور أولئك الرواد ليس بديلاً لدورها، وليس مبررًا؛ لأن تنفض يدها من المسئولية الملقاة على عاتقها، والمحاسبة أمام ربها عنها، ظنًا أن فصيلاً من أبنائها كفوها مؤنة ذلك العبء الثقيل.

  2. #2

    افتراضي رد: خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة

    الفقه المعوج عند الناس لفرض العين وفرض الكفاية
    إن بعض الناس يسيئون فهم قضية فروض الكفاية وفروض العين، ويضعون أمر نصرة الإسلام والدفاع عنه والجهاد في سبيله في خانة فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، ويحسبون أن قيام البعض بذلك الفرض يعني الانصراف عنه أو خذلانه، وربما تعويقه والعمل على نقيضه، وذلك خطر ذميم، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف:4)، (وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71)، (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (النحل: 92)، كما أن الفهم الصحيح لفرض الكفاية يقضي بأنه "إذا قامت به جماعة سقط عن الباقين"، والله يعلم- والناس أجمعون يعلمون- أنه لم "يقم" بناء الإسلام الكامل بعد ما انتقصه منه أعداؤه.. وأن المتصدرين لنصرة الإسلام والعمل له غير قادرين وحدهم على القيام الحق بذلك الفرض في تلك الظروف العالمية المعادية للإسلام، والمتربصة بأهله.. وكيف يُظن بهم القدرة على ذلك وكثير من المسلمين يرتضي لنفسه مقام الغفلة من دينه، والجهل به، أو العداء له ممن ينتسبون إليه؟؟
    قم ودع عنك الرقادا
    قم ودع عنك الرقاد ***** إنه الإسلام عاد
    في سبيل الله سرنا ***** وأعلنا الجهاد
    نحن بالرشاش عدنا ***** نملك اليوم القياد
    ومشينا صحوة الجيل ***** جموعاً وفراد
    ما عرفنا العيش إلا ***** عنفوانا وجلاداً
    هب جمع المؤمنين ***** للشباب الصادقين
    في ليالي الكرب ساروا ***** خلف قرآن مبين
    لم يبالوا بالرزايا ***** بين أنياب السنين
    بشر الناس بصبح ***** مشرق بالبينات
    وبه الفتح تجلى ***** في بطون الظلمات
    وبصف وحدته ***** بالهدى أيدي الأباة
    يا ليالي الظالمين ***** يا هوان العابثين
    يا ضياعاً في السنين ***** قد أتى الوعد المبين
    قد أتيناكم برشاش ***** وقرآن مبين
    خذوا الكتاب بقوة بالمسارعة في طاعة وعبادة المولى
    فيا أيها الغافل ... إلى متى تؤخر فعل الصالحات ؟!
    أما علمت أن العجلة لا تحمد إلا في عمل الآخرة؟!
    قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"التؤدة في كل شئ خير إلا في
    عمل الآخرة"[رواه ابو داود والحاكم والبيهقي/ صحيح الترغيب
    للألباني:3356]
    ولتعلم أخي المسلم أن المسارعة إلى الخيرات تبدأ معك من أصغر
    عمل من أعمال البر والطاعات حتى أكبر عمل منها..
    فلا تستحقرن عملاً من أعمال الخير , فإنه وإن كان عندك صغيرا فإنه
    عند الله عظيم..
    قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق وان تفرغ من دلوك في إناء اخيك"
    [رواه احمد والترمذي/صحيح الترغيب:2684]
    أخي المسلم ... لقد دعاك الله إلى جنة عرضها السموات والأرض , ولم
    يطلب منك ثمناً لها إلا المسارعة إلى طاعته ... فماذا عملت لتكون من
    أهل جناته ونعيمه المقيم؟! قال الله تعالى{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم
    وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}
    فبادر وسارع قبل حلول الآفات وإظهار الندم والحسرات! يوم لا ينفع ندم ولا حسرات
    قال النبي - صلى الله عليه وسلم -(بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)[رواه مسلم]
    فيا معرضاً عن الصالحات! ويا كسولا عن الطاعات ! بأي شئ لهوت ؟! أم أي خير أدركت؟! أأخذت من الموت أماناً ؟!
    فاعمل ليوم الرحيل .. وسارع إلى الذخر الباقي , فإنك لسعيد إن شغلك عمل الآخرة عن عمل الدنيا.
    عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قلت يا رسول الله أوصني؟ قال: (اعبد الله كأنك تراه وأعدد نفسك في الموتى واذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة السر بالسر والعلانية بالعلانية)[رواه الطبراني/ صحيح الترغيب:3342]
    أخي حاسب نفسك كم أضعت من عمرك في غير الطاعات؟! وكم من ساعات عمرك لم تستثمرها في عمل الصالحات؟!
    فكم من أناس ذهبت أعمارهم سدى .. وانقضت أيامهم من غير فائدة! غرهم طول الأمل ! وأسكرتهم الدنيا بشهواتها!
    قال النبي صلى الله عليه وسلم( اغتنم خمس قبل خمس :شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك)[رواه الحاكم/ صحيح الترغيب: 3355]
    فهل أنت من المغتنمين لأيام العمر؟! أم أنك من المضيعين المفرطين؟!
    إن كل يوم يمضي من عمرك حجة عليك .. وشاهد عليك غداً! وشتان ما بين من عمّر أيامه بالطاعات.. ومن عمرها بالسيئات! ومن العجب أن تنقضي السنين بعد السنين .. وترى البعض منصرفاً عن الطاعات.. مقبلاً على المعاصي!وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم( من عمر من أمتي سبعين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر)[رواه الحاكم/ صحيح الترغيب:3360]
    وعكس هذا الغافل .. رجل أفنى عمره في الطاعات .. وبادر إلى الخيرات.. والتمس ما عند الله من رفيع الدرجات .. وفي هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ألا أنبئكم بخيركم ؟!) قالوا: نعم , قال
    (خياركم أطوالكم أعماراً وأحسنكم أعمالاً)[رواه احمد وابن حبان والبيهقي/ صحيح الترغيب:3361]
    أخي المسلم ... إن العاقل من وعظ بغيره , فها هو الموت يخطف الأرواح من حولك.. وسيأتي يومك!
    فهل اعتبرت بذلك؟! فتذكر يوم أن تبلغ الروح الحلقوم! ماذا أعددت لتلك اللحظات؟!
    فإياك أن تكون ممن قال الله عنهم:{حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون* لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون}
    فاعمل لذلك اليوم الذي لا تنفعك فيه إلا الطاعات .. فإن الناجي يومها من بادر إلى الطاعات قبل الممات.. وأفلت من تلك الكربات
    أخي المسلم ... إن أول ما يجب عليك أن تبادر به التوبة ,
    فإياك وتسويفها , فبادر بالرجوع إلى ربك تعالى وادخل في طاعته .. واهجر مساخطه قال تعالى: {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}0
    دعوة من السماء للصادقين الأوفياء أن يأخذوا الكتاب بقوة
    عند تفسير قوله تعالى"يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)":
    قم لتحمل اللواء وتتحمل الّأواء في سبيل رب الأرض والسماء
    إنها دعوة السماء ، وصوت الكبير المتعال . . قم . . قم للأمر العظيم الذي ينتظرك ، والعبء الثقيل المهيأ لك , قم للجهد والنصب والكد والتعب , قم فقد مضى وقت النوم والراحة . . قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد . . وإنها لكلمة عظيمة رهيبة تنتزعه - صلى الله عليه وسلم - من دفء الفراش ، في البيت الهادئ والحضن الدافئ . لتدفع به في الخضم ، بين الزعازع والأنواء ، وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواء .
    الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاًولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً
    إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً ، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً . فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير . . فماله والنوم؟ وماله والراحة؟ وماله والفراش الدافئ ، والعيش الهادئ؟ والمتاع المريح؟! ولقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر وقدّره ، فقال لخديجة رضي الله عنها وهي تدعوه أن يطمئن وينام : « مضى عهد النوم يا خديجة » ! أجل... مضى عهد النوم وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق!
    { يا أيها المزمل . قم الليل إلا قليلاً . نصفه أو انقص منه قليلاً . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً } . .
    إنه الإعداء للمهمة الكبرى بوسائل الإعداد الإلهية المضمونة . . قيام الليل . أكثره أكثر من نصف الليل ودون ثلثيه . وأقله ثلث الليل . . قيامه للصلاة وترتيل القرآن . وهو مد الصوت به وتجويده . بلا تغن ولا تطر ولا تخلع في التنغيم .
    من يأخذ هذا السيف بحقه؟
    في غزوة أحد جرد الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيفا باترا من غمده ونادى اصحابه :من يأخذ هذا السيف بحقه ؟
    فقام إليه رجال ليأخذوه - منهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وعمر بن الخطاب - , حتى قام إليه أبو دجانه ( سماك بن خرشة ) فقال : وما حقه يا رسول الله ؟ قال: أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني .
    قال أنا آخذه بحقه يا رسول الله فأعطاه إياه .
    وكان أبو دجانه رجلا شجاعا يختال عند الحرب وكانت له عصابة حمراء
    إذا اعتصب بها علم الناس انه سيقاتل حتى الموت , فلما أخذ السيف عصب رأسه بتلك العصابة , وجعل يتبختر بين الصفين وحينئذ قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - :إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الوقت , فقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس , وجعل لا يلقى مشركا إلا قتله وأخذ يهد صفوف المشركين هدّا ,فقال :الزبير بن العوام وجدت في نفسي حين سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السيف فمنعنيه وأعطاه أبو دجانة وقلت: أي في نفسي أنا ابن صفية عمته ومن قريش , وقد قمت إليه فسألته السيف قبله فأعطاه إياه وتركني والله لأنظرن ما يصنع ؟فاتبعته فاخرج عصابة حمراء فعصب رأسه فقالت الانصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت , فخرج وهو يقول :
    أنا الذي عاهدني خليلي ....... ونحن بالسفح لدى النخيل
    ان لا اقوم الدهر في الكيول ......اضرب بسيف الله والرسول
    فجعل يقتل كل مشرك يقابله وإذا بفارس من المشركين يتوسط الجيش
    فأراد أبو دجانه قتله فإذا هي امرأة فقال أكرمت سيف رسول الله أن اضرب به امرأة وكانت تلك المرأة هند بنت عتبه (أهـ).
    فمن يأخذ لواء الدين بحقه فيعيش وقد حكم فيه الإسلام أو يقتل قتلة الأحرار الكرام , فالمسلم يأخذها ضربة في عز ولا يرضى الذل أبدا؟!!!.
    أنواع القوى التي نحتاجها
    قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم - : ((المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله منَ المؤمِن الضعيف، وفي كلٍّ خير)) رواه مسلم.
    أحكام خاطئة في تحديد مفهوم القوة والضعف
    ينطلِقكثيرٌ منَ الناس في مفهومِ القوة والضعفِ من منظورٍ مادّي واعتباراتٍ أرضيّة، فهذا يقدِّر القوةَ والضعف بحسَب إقبالِ الدنيا وإدبارها، وآخرُ يقدِّر القوّةَ بممارسةِ الجبَروت والقهرِ والبغيِ والطغيان، وثالث يظنّ القوةَ لمن كان له جاهٌ أو حَظوة من سلطان ، ورابعٌ يركَن في قوّته إلى ماله أو ولدِه أو مَنصبِه، وخامِسٌ يستمدّ قوّتَه من إجادةِ فنون المكرِوالكيد والخِداع والقدرةِ على التلوّن حسَب المواقف والأحوال.
    المفهوم الشامل للقوة في الإسلام
    والقوّة ليست ذلك ، ولكنَّها قوّة العقيدةِ والخلُق، القوّةُ في العبادةِ والسّلوكِوالجِسم والعِلم والصّناعة والتّجارة. تلك القوّةُ التي تتَّجه بجهدالإنسانِ إلى الخير وتقودُه إلى الرَّحمة، وتجعَل منه أداةً يحِقّ اللهبها الحقَّ ويبطِل الباطِل.
    العقيدة أهم عناصر القوة
    ومِن أهمِّ عناصر القوةِ قوّةُ العقيدة ورسوخُ الإيمان، فصاحِبُ العقيدة القويّة يؤمن بالله، يتوكَّل عليه، يعتقد أنّه معه حيث كان، تراه تاليًا للقرآنِ ذاكرًا لله تعالى , ومِن أسرارقوّةِ العقيدة أنّه لا يستطيعُ إنسانٌ كائنًا من كان أن يمنعَك من رِزق كتبه الله لك، ولا أن يعطيَكَ رِزقًا لم يَكتُبه الله إليك، بهذا ينقطِع حبلُ اللجوءِ إلى أغنياءِ الأرض وأقويَائِها، ويتَّصِل العبد بحبلِ اللهالمتينِ، فهو المعطِي المانع والرَّزّاق ذو القوّة المتين ، يقول رسول اللهلابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما: ((يا غلام، إني أعلِّمُك كلمات: احفظِ اللهَيحفظْك، احفَظِ الله تجِدْه تجاهَكَ، إذا سألتَ فاسْألِ اللهَ، وإذااستعنتَ فاستعِن بالله، واعلم أنّ الأمةَ لو اجتمَعت على أن ينفعوك بشيءٍلم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لميضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ وجفَتِ الصحف(رواه الترمذي). ولِقوّةِ العقيدةِ قال رسول الله لعمرَ بنِ الخطاب رضي اللهعنه: ((والذي نفسي بِيَده، ما لقِيَك الشيطان سالِكًا فجًّا قطُّ إلاّسلَك فجًّا غيرَ فجِّك)) رواه البخاري. وهذه فضيلة عظيمةٌ لعمرَ رضي الله عنه تقتضِي أنّ الشيطانَ لا سبيلَ له عليه لقوّةِ إيمانه، لا أنّ ذلك يقتضي وجودَ العِصمة.
    وبقوّة العقيدةِ والإيمان جعلَ الله لرسوله من الضعفِ قوّةً، والقِلّة كثرةً، ومنَ الفقر غِنى ، لقد كان فَردًا فصارأمّةً، وكان أمّيًّا فعلَّم الملايين ، وكان قليلَ المال فصار بالله أغنى الأغنياءِ، قال الله تعالى:" أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَضَالاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى" [الضحى:6ـ8].
    قوة الصبر والجلد
    المؤمِنُ القوِيّ يتماسَك أمامَ المصائبِ ويثبُت بين يدَيِ البلاء راضيًا بقضاء الله وقدَره، وقد صوَّر هذا رسولُنا بقوله: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنَّأمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاّ للمؤمن؛ إن أصابته سرّاءُ شكَر فكانخيرًا له، وإن أصابَته ضرّاء صبرَ فكان خيرًا له)) رواه مسلم.
    قوة العبادة
    والقوّةُفي العبادةِ بالمحافظة على الفرائِض والاجتهادِ في الطاعات والتّنافس فيالخيرات والتقرُّب إلى الله، فلا يمدّ يدَه إلاّ إلى الحلال، ولا يعيشُ إلا في الطاعَةِ والرّضوان، لقد كان رسولُ الله يقوم حتى تفطَّرت قدَماه،لا يتركُ قيامَ الليل، وكان يتصدَّق بكلِّ ما عِنده.
    قوة الأخلاق
    والقوّة في الأخلاقِ، لقد فتحَ المسلمون الأوائِل بعضَ البلدان بقوّةِ الأخلاق دون أنتتحرَّك جيوشٌ أو تزَلزَل عُروش، وبعضُ المسلمين اليومَ جمَع من العلمِ فأوعَى وخلاَ من الخُلُق الأوفى.
    القوّةُ في الأخلاق دليلُ رسوخِا الإيمان، فإلقاءُ السلام عبادةٌ، وعِيادة المريض عِبادة، وزِيارة الأخِ فيالله عِبادة، وتبسُّمك في وجهِ أخيك صدقة , ومن القوّة ثَبات الأخلاقِ ورُسوخ القِيَم في الفرَح والشِدّة والحزن والألم، مع الصّديقِ والعدوِّوالغنيِّ والفقير، قال تعالى:" وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [المائدة:8]. ومن وصايَا رسول الله لمن أراد الغزوَ أن لا يقتُلوا طِفلاً ولا امرأةً ولاشَيخًا كبيرًا. رواه أبو داود.
    لقد فعَل مشرِكو مكّةَ برسولِ اللهما فعلوا، آذَوه وحاصَروه، واتَّهموه وكذَّبوه، أخرجوه ثم شهَروا سيوفَهمليقتلوه. وتمرّ السّنون، ويعود رسولُ الله إلى مكّةَ فاتحًا متواضِعًا لله متذلِّلاً، ويقول لأولئكَ الذين فعَلوا ما فعلوا: ((ما تظنّون أني فاعلٌبكم؟)) قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: ))اذهبوا فأنتم الطّلَقاء((
    إنّهانتصارِ المبادِئ ورسوخُ القِيَم والقوّة في الأخلاق، وحاشا رسولَ الله أنينتقِمَ لنفسِه أو يثأرَ لشخصِه، وفي الحديث: "وما انتقَمَ رسول اللهلنفسِهِ إلاّ أن تنتَهَك حرمةُ الله فينتقمَ لله بها". رواه البخاري. وفيعالمنا اليومَ من تنتفِخ أوداجُه وتحمرّ عيناه ويصيبه الأرَق والقلَق ولايهدَأ روعُه حتى يثأرَ لنفسِه وينتقِمَ لشخصِه المبجَّل، لكنّه لا يحرِّك ساكنًا ولا يشعُر قلبه امتِعاظًا إذا انتُهِكت محارمُ الله.
    قوة الإرادة
    والقوّةُ في الإرادَةِ بمغالبة الهوَى والاستعلاءِ على الشهوات، قال تعالى:" وَلاتَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ "[ص:26]. وفي سيرةِ نوحٍ عليه السلام ترى قوّةَ العزيمة والإرادَةِ وهو يسير في دعوتِه ليلاًونهارًا، سِرًّا وجهارًا، يمرّ عليه قومُه وهو يصنَع السفينة، فيُلقُون على سمعه عباراتِ التهكّم والسّخريةِ، فلم تهن عزيمتُه ولم تضعُف إرادَته ؛ لأنه كان واثِقًا بنَصر الله، مطمئنًّا إلى وعدِه سبحانه، قال الله تعالى:" وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوامِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَاتَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِوَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ [هود:38، 39].
    قالَ ابن القيِّم رحمه الله: "اعلَم أنَّ العبد إنما يقطَع منازلَ السيرِ إلى اللهبقلبه وهمّتِه لا ببدنِه، والتقوى في الحقيقةِ تقوَى القلوب لا تقوَى الجوارح.
    فالكيِّسُ يقطَع من المسافَةِ بصحَّةِ العزيمة , وعلُوِّ الهِمّة وتجريدِ القصد وصحّةِ النية مع العملِ القليل أضعافَ أضعافِ ما يقطعه الفارغُ من ذلك مع التّعَب الكثير والسّفَر الشاقّ، فإنّ العزيمةَ والمحبّة تذهِب المشقّةَ وتُطيِّبالسير، والسّبقُ إلى الله سبحانه إنما هو بالهِمَم وصِدقِ الرّغبة،فيتقدّم صاحبُ الهِمّة مع سكونِه صاحبَ العمل الكثيرِ بمراحل، فإن ساواه في همّته تقدّمَ عليه بعَمَلِه" انتهَى كلامه رحمه الله.
    الذلُّ قبيح، وفي قَبوله هَلاك
    الذلُّ قبيح، وفي قَبوله هَلاك، وحينَ يوضَعُ في موضِعِه الصحيحِ يُعتَبر قوّةًوعِزًّا، قال تعالى: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا "[الإسراء:24].
    قوة السيطرة على النفس وضبطها
    القوّة في ضبطِ النفسِ والسّيطرة عليها، قال : ((ليس الشّديدُ بالصّرعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسَه عند الغضب)) رواه البخاري.
    كظمُ الغيظِ قوّةٌ، قال تعالى:" وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ [آل عمران:134].
    القوة البدنية
    تحصيلُا لقوّةِ البدنيّة من أهدافِ الشارع الكريم، وفي سبيلِها كان تحريمُالخبائث من الطّعام والشراب، كالخمرِ والميتة ولحمِ الخنزير، وفي سبيلهاكانت عِناية الإسلام برياضةِ البدَن، ومن أجلِ العافية حثَّ الإسلام على التداوِي وأمر بابتغاءِ العِلاج: ((تداووا فإنَّ الله لم يضَع داءً إلاّوضع له شفاءً ـ أو قال: دواءً ـ إلاّ داءً واحدًا))، قالوا: يا رسول الله،وما هو؟ قال: ((الهرَم)) رواه الترمذي وقد صارَع رسول الله ركانةَفصَرَعه، وكان ذلك سببَ إسلامه، وثبَتَ أنه رمَى بالقوسِ وطَعَن بالرّمح وتقلَّد السيفَ وركِب الخيل. كلُّ ذلك لتُسخَّر هذِه الأجسامُ في طاعةِالله وتُشغَل بالخيرِ وتُبعَد عن كلِّ ما هو محرَّم.
    عندما تثمر القوى قوى أخرى
    ومع قوّةِالإيمان والأخلاقِ والجِسم تكون القوّةُ في العلم والمعارِفِ والمِهَن،والقوةُ في الجدِّ في مباشرةِ العمَل، وذلك باطِّراح الكَسَل جانِبًاوالخمول ظِهرِيًّا، ذلك العمَل الذي ينمِّي الإنتاجَ ويزيد الثّروَة ويحفظكراماتِ الأفراد ويصِل بالأمة إلى غايتِها من السّيادَةِ والقيادة.
    ولقدكان رسولُ الله يستعيذ من كلِّ أسباب ومظاهرِ الضّعف فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من العجزِ والكسَل)) رواه البخاري
    حاجة المسلم للقوة
    إنّ قوّةَ المسلم ضرورةٌ لا بدّ أن تتحقَّق؛ ليصدُق عليه وصفُ الإسلام وتكتمِلفيه دعائِم الإيمان، وحتى لا يصبِح المسلمون بضعفِهم وهوانهم فتنةً للناس،يصدّونهم عن السبيل، وتتداعى عليهِمُ الأكلَةُ كما تداعَى الأكلَة إلى قصعَتها.
    إنّه ينبغي أن لا يَنسَى العبد ربَّه مع مباشرةِ هذهالأسباب، فإنّ العوائقَ جمّة، والحاجة إلى عونِ الله وتوفيقِه في كلِّلحظةٍ وآن، وفي محكمِ التنزيل:" لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ"[الكهف:39]،قال عزّ وجلّ في دعاء نوحٍ بعد أن كذّبه قومه وبذلَ جميع الأسباب: "فَدَعَارَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ" [القمر:10]، وقال تعالى عن موسىعليه الصلاة والسلام في وصيّته لقومه بعد أن هدَّدَهم فرعونُ بقتلِأولادهم:" قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواإِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" [الأعراف:128]، وقال أيضًا عن وصية أخرى منموسَى لقومه:"وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ" [يونس:84]،وقال تعالى عن يوسفَ عليه الصلاة والسلام عندما تعرَّض لفتنةِ النساء": قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْالْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (يوسف)
    والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أبو يونس العباسي
    مدينة العزة غزة
    11 جمادى الآخرة
    1430هـ

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •