السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وقعت في عدة أماكن في الشبكة العنكبوتية على من يسفه بعض العلوم الشرعية بقصد وبغير قصد!
ولكل مسفه من هؤلاء عذر، فمنهم من يرى أن بعض هذه العلوم مشغلة ومنهم من يراها مخلة بالآداب العامة ومنهم من يراها تحجب الحقائق وتؤخر يوم النصر..الخ
وهذه النظرة سبق وأن تبناها فئام من الصوفية وأفراخ المعتزلة..
فقدحوا في بعض الأئمة انشغالهم بعلوم قصرت عنها فهوم السفهاء فرموها بما رموها وأقاموا المناحات على من أضاع وقته (بزعمهم) في تحصيلها عبر طرحهم الفج هدانا الله وإياهم للحق.
ومن تلك العلوم علم الحيض والنفاس!
علم الحيض والنفاس الذي استعصى على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلا بعد تسع سنين من الدراسة.
ذاك العلم الذي وصفه النووي رحمه الله بقوله: (إنه من عويص المسائل ومن عويص الأبواب)
وقال ابن العربي المالكي رحمه الله :(وهي مسائل تأكل الكبد، وتنهض الكتد، ولا يتقنها منكم أحد)
ومن لطيف ما أعجبني في هذا الباب ما وقعت عليه في أحد المواقع الإلكترونية من كلام الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله في شرحه لزاد المستقنع باب الحيض حيث قال حفظه الله:
(وللأسف نجد من يُثَرّب على العلماء ويقول: إنهم علماء الحيض والنفاس، ووالله الذي لا إله إلا هو، لو أمست امرأته حائضاً وهو لا يعرف أحكام الحيض والنفاس لما أحسن جوابها، ولعرف قدر علماءالحيض والنفاس، ولذلك لا يجوز لأحد أن يستخفّ بهذا الباب، والاستخفاف به يدل على هوى صاحبه.فلو أن إنساناً استخف بالعلماء وقال:علماء الحيض والنفاس! فقد يخشى عليه الكفر؛ لأنه يستهزئ بعلماء الدين، وهذه كلمة كما قال تعالى: (وَتَحْسَبُونَه هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور:15]، ولذلك ما جاء الأمة البلاء إلا من الغلو، فتجد العابد الصائم القائم يحتقر طلاب العلم ويحس أن الدين هو الصيام والقيام، وتجد طالب العلم يحتقر العابد ويقول: هذا جالس يصلي ويصوم ويحتقر عبادته؛ وذلك لأن طالب العلم يغلو في طلب العلم، والعابد يغلو في العبادة، وهذا لا يجوز؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أهلك من كان قبلكم الغلو) فلا يجوز الغلو في الدين. والإنسان إذا أراد أن يمسك باباً فلا يحتقر غيره، فكلٌ على ثغرة، والله يقول: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة:148] فأنبه على هذا؛ لأنها مسألة عارضة، وهي خطيرة جداً أن يستهزأ بالعلماء، ومسألة الاستهزاء بالفقهاء -أي: الاستخفاف بالفقه- وذكر مسائل الحيض والنفاس قديمة وليست وليدة اليوم، ولكن ينبغي على طلاب العلم أن يتنبهوا لهذه الآفة من آفات اللسان، نسأل الله أن يعصمنا وإياكم من الهوى والردى، والمقصود: أن هذا الباب باب عظيم وينبغي على طالب العلم أن ينتبه له)
والله أعلم
محبكم محب الإمام ابن تيمية.