آداب الحوار
من نعم الله علينا نعمة الكلام " فبه يتم التواصل و التفاهم و التعارف و التذاكر و نشر الدعوة و إزالة المنكر .
فهو – الحوار – أسلوب المتحضرين به نحقّق قوله تعالى : " و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا " الحجرات /13. وليس لتتناحروا و تتهاجروا … وعن طريقه نبلغ الدعوة و نقيم الشهادة على الناس{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ (125) النحل
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) البقرة/143
حوار الله مع الشيطان :
أول كافر بالله هو إبليس و مع هذا فقد حاوره الله و استمع إليه و ذكر الله ذلك في عدة سور ( البقرة /34 – الأعراف/11 – الحجر/31 – الإسراء/61 – طه /116
أنظر و تدبر كيف منح الله هذا الكافر المارد الحق في التعبير عن رأيه واستمع إليه رغم جرأته و عزمه على تضليل العباد و الإفساد في البلاد .
قال تعالى : " يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ استكبرت أم كنت من العالين (75) قال أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين (76) قال فاخرج منها فإنك رجيم (77) و إنّ عليك لعنتي إلى يوم الدّين قال ربّي فانظرني إلى يوم يبعثون (79) قال فانك من المنظرين (80 ) إلى يوم الوقت المعلوم (81) قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلاّ عبادك منهم المخلصين (83) /ص .
إذا هذا نموذج لحوار الله مع الشيطان ، فكيف لا يتحاور أهل الإيمان مع بعضهم بعضا في هذا الزمان ؟.
حوار الأنبياء مع الطغاة :
لا تخلو قصّة نبي في القرآن من الحوار مع أهل الكفر و العصيان من كبار الطغاة و لا ينبغي أن ينقطع و يجب أن يكون بالين و الحكمة والموعظة الحسنة .
قال تعالى لنبيّيه موسى و هارون : " اذهبا إلى فرعون إنّه طغى (43) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (44) " / طه.
فانظر يا أخي ، هذا كبير الكفار ( فرعون ) الذي قال ( أنا ربكم الأعلى ) ، مع علم الله الأزلي بأنه لن يتوب إلا أن الله طلب من نبييّه بمحاورته بالتي هي أحسن لا بالشتم و اللعن
و إذا عدنا إلى سيرة نبيّينا محمد صلى الله عليه و سلم فسترى بوضوح كيف كان يحاور المشركين و اليهود و المنافقين باللين و الرفق امتثالا لأمر الله .
[ و لا تتجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن ] 46/ العنكبوت .
[ ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ] 125 / النحل .{لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولـك } /159/آل عمران.
أين نحن من هذه التوجيهات الربانية ؟
فلو تحاور المسلمون كما أمرهم الله و رسوله لضاقت مساحات الخلاف بينهم و تعاونوا على القضايا المتفق عليها بدل اللجوء إلى سلاح الضعفاء ، الشتم و الغيبة و الهجر و التكفير و التبديع فمن رفض الحوار فهو مخالف للكتاب و السنّة
فتحاوروا و لا تناحروا و تعاونوا و لا تقاطعوا .
كيف نتحاور؟
بعدما تبيّن لنا أنّ الحوار أسلوب حضاري راقي فتعالى لنتعرف عن أهم آدابه :
1 – عندما تحاور مسلما لابد أن تنوي الوصول إلى الحق للعمل به لا الانتصار للنفس أو الحزب .
2 – أحسن الاستماع لمخالفك و اظهر اهتمامك بكلامه.
3 – لا تقاطعه أو تسخر منه أو تكذبه أو تسب شيخه .
4 – خاطب من تحاوره بأحب الألفاظ " يا أخي " - " اسمح لي " – " كلامك طيّب و معتبر و لكن " – " رأيك خطأ يحتمل الصواب و رأي صواب يحتمل الخطأ " …
5 – احذر من الشتم أو اللعن لقوله صلى الله عليه و سلم : [ليس المؤمن بالطعّان و لا اللعان ولا الفاحش و لا البذيء ] الترمذي
6 – لا ترفع صوتك أثناء التحاور أكثر مما يحتاج إليه السامع لقوله تعالى " واغضض من صوتك إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير " 19 / لقمان .
7 – إذا اشتد و سخن الحوار و النقاش فتأجيله أفضل كي تهدأ الأعصاب و تكمل البحث في الموضوع المختلف حوله
8 – اختم اللقاء بكلام طيب ، يا أخي سأبحث في الموضوع و ربما في كلامك صواب ، أسأل الله لي و لك الهداية و المغفرة .
تأمل الآية : { قل من يرزقكم من السماوات و الأرض قل الله و إنّا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين (24) قل لا تسألون عمّا أجرمنا و لا نسأل عمّا تعملون (25) } سبأ .
تدبر هذا التوجيه القرآني ثم قيّم نفسك .
هذا نبيّ الله المعصوم و هو على الحق و محاوروه على ضلال أكيد و مع ذلك يقول المتحاور لمحاوره أنا أو أنت أحدنا مخطئ و الأخر على حق فتعالى نتحاور بحثا عن الحق
و مع أنّ أهل الحق لم يجرموا وإنما أهل الباطل هم المجرمون. لكن القرآن يعلمنا الأدب مع المخالفين فلا نصفهم بما يغضبهم و ينفرهم، فهلاّ تعلم دعاة الإسلام الحوار و آدابه بدل الشتم و الهجر و التدابر و التحاسد …
كما يحب الشيطان و أعداء أهل الإيمان ؟ .